شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 529
نمايش فراداده

خطبه 212-تلاوت الهيكم التكاثر

الشرح:

قد اختلف المفسرون فى تاويل هاتين الايتين، فقال قوم: المعنى انكم قطعتم ايام عمركم فى التكاثر بالاموال و الاولاد، حتى اتاكم الموت، فكنى عن حلول الموت بهم بزياره المقابر.

و قال قوم: بل كانوا يتفاخرون بانفسهم، و تعدى ذلك الى ان تفاخروا باسلافهم الاموات، فقالوا: منا فلان و فلان- لقوم كانوا و انقرضوا.

و هذا هو التفسير الذى يدل عليه كلام اميرالمومنين (ع)، قال: (يا له مراما!) منصوب على التمييز.

ما ابعده! اى لافخر فى ذلك، و طلب الفخر من هذا الباب بعيد، و انما الفخر بتقوى الله و طاعته.

و زورا ما اغفله! اشاره الى القوم الذين افتخروا، جعلهم بتذكر الاموات السالفين كالزائرين لقبورهم.

و الزور: اسم للواحد و الجمع، كالخصم و الضيف.

قال: ما اغفلهم عما يراد منهم! لانهم تركوا العباده و الطاعه، و صرموا الاوقات بالمفاخره بالموتى.

ثم قال: (و خطرا ما افظعه!) اشاره الى الموت اى: ما اشده! فظع الشى ء بالضم، فهو فظيع، اى شديد شنيع مجاوز للمقدار.

قوله: (لقد استخلوا منهم اى مدكر)، قال الراوندى: اى وجدوا موضع التذكر خاليا من الفائده، و هذا غير صحيح، و كيف يقول ذلك و قد قال: (و خطرا ما افظعه!) و هل يكون امر اعظم تذكي را من الاعتبار بالموتى! و الصحيح انه اراد ب(استخلوا) ذكر من خلا من آبائهم، اى من مضى، يقال: هذا الامر من الامور الخاليه، و هذا القرن من القرون الخاليه، اى الماضيه.

و استخلى فلان فى حديثه، اى حدث عن امور خاليه، و المعنى انه استعظم ما يوجبه حديثهم عما خلا و عمن خلا من اسلافهم و آثار اسلافهم من التذكير، فقال: اى مدكر و واعظ فى ذلك! و روى اى مذكر بمعنى المصدر، كالمعتقد بمعنى الاعتقاد، و المعتبر بمعنى الاعتبار.

(و تناوشوهم من مكان بعيد) اى تناولوهم، و المراد ذكروهم و تحدثوا عنهم، فكانهم تناولوهم، و هذه اللفظه من الفاظ القرآن العزيز: (و قالوا آمنا به و انى لهم التناوش من مكان بعيد)، و انى لهم تناول الايمان حينئذ بعد فوات الامر!

الشرح:

(يرتجعون منهم اجسادا)، اى يذكرون آبائهم، فكانهم ردوهم الى الدنيا، و ارتجعوهم من القبور.

و خوت: خلت.

قال: و هولاء الموتى احق بان يكونوا عبره و عظه من ان يكونوا فخرا و شرفا، و المفتخرون بهم اولى بالهبوط الى جانب الذله منهم بالقيام مقام العز.

و تقول: هذا احجى من فلان، اى اولى و اجدر.

و الجناب: الفناء.

ثم قال: (لقد نظروا اليهم بابصار العشوه)، اى لم ينظروا النظر المفضى الى الرويه، لان ابصارهم ذات عشوه، و هو مرض فى العين ينقص به الابصار، و فى عين فلان عشاء و عشوه بمعنى، و منه قيل لكل امر ملتبس يركبه الراكب على غير بيان امر عشوه، و منه اوطاتنى عشوه، و يجوز بالضم و الفتح.

قال: (و ضربوا بهم فى غمره جهاله)، اى و ضربوا من ذكر هولاء الموتى فى بحر جهل.

و الضرب ها هنا: استعاره، او يكون من الضرب بمعنى السير، كقوله تعالى: (و اذا ضربتم فى الارض)، اى خاضوا و سبحوا من ذكرهم فى غمره جهاله، و كل هذا يرجع الى معنى واحد، و هو تسفيه راى المفتخرين بالموتى، و القاطعين الوقت بالتكاثر بهم، اعراضا عما يجب انفاقه من العمر فى الطاعه و العباده.

ثم قال: (لو سالوا عنهم ديارهم التى خلت منهم)، و يمكن ان يريد بالديار و الربوع القبور، (لقالت ذهبوا فى الارض ضلالا)، اى هالكين، و منه قوله تعالى: (و قالوا ائذا ضللنا فى الارض ائنا لفى خلق جديد).

و ذهبتم فى اعقابهم: اى بعدهم (جهالا)، لغفلتكم و غروركم.

قوله (ع): (تطئون فى هامهم)، اخذ هذا المعنى ابوالعلاء المعرى فقال: خفف الوطء ما اظن اديم ارض الا من هذه الاجساد رب لحد قد صار لحدا مرارا ضاحك من تزاحم الاضداد و دفين على بقايا دفين من عهود الاباء و الاجداد صاح هذى قبو رنا تملا الار ض فاين القبور من عهد عاد سر ان اسطعت فى الهواء رويدا لا اختيالا على رفات العباد.

قوله: (و تستنبتون فى اجسادهم)، اى تزرعون النبات فى اجسادهم، و ذلك لان اديم الارض الظاهر اذا كان من ابدان الموتى، فالزرع لا محاله يكون نابتا فى الاجزاء الترابيه التى هى ابدان الحيوانات.

و روى: (و تستثبتون)، بالثاء، اى و تنصبون الاشياء الثابته كالعمد و الاساطين للاوطان فى اجساد الموتى.

ثم قال: (و ترتعون فيما لفظوا)، لفظت الشى ء بالفتح: رميته من فمى، الفظه بالكسر، و يجوز ان يريد بذلك انكم تاكلون ما خلفوه و تركوه.

و يجوز ان يريد انكم تاكلون الفواكه التى تنبت فى اجزاء ترابيه خالطها الصديد الجارى من افواههم.

ثم قال: (و تسكنون فيما خربوا)، اى تسكنون فى المساكن التى لم يعمروها بالذكر و العباده، فكانهم اخربوها فى المعنى، ثم سكنتم انتم فيها بعدهم.

و يجوز ان يريد ان كل دار عامره قد كانت من قبل خربه، و انما اخربها قوم بادوا و ماتوا، فاذن لا ساكن منا فى عماره الا و يصدق عليه انه ساكن فيما قد كان خرابا من قبل، و الذين اخربوه الان موتى.

و يجوز ان يريد بقوله: (و تسكنون فيما خربوا)، و تسكنون فى دور فارقوها و اخلوها فاطلق على الخلو، و الفراغ لفظ (الخراب) مجازا.

قوله: (و انما الايام بينكم و بينهم بواك و نوائح عليكم)، يريد ان الايام و الليالى تشيع رائحا الى المقابر و تبكى و تنوح على الباقين الذين سيلتحقون به عن قريب.

قوله: (اولئكم سلف غايتكم)، السلف: المتقدمون.

و الغايه: الحد الذى ينتهى اليه.

اما حسيا او معنويا، و المراد هاهنا الموت.

و الفرط: القوم يسبقون الحى الى المنهل.

و مقاوم العز: دعائمه، جمع مقوم، و اصلها الخشبه التى يمسكها الحراث.

و حلبات الفخر: جمع حلبه، و هى الخيل تجمع للسباق.

و السوق، بفتح الواو: جمع سوقه، و هو من دون الملك.

الشرح:

هذا موضع المثل: (ملعا يا ظليم و الا فالتخويه)، من اراد ان يعظ و يخوف، و يقرع صفاه القلب، و يعرف الناس قدر الدنيا و تصرفها باهلها، فليات بمثل هذه الموعظه فى مثل هذا الكلام الفصيح و الا فليمسك، فان السكوت استر، و العى خير من منطق يفضح صاحبه.

و من تامل هذا الفصل، علم صدق معاويه فى قوله فيه: (و الله ما سن الفصاحه لقريش غيره).

و ينبغى لو اجتمع فصحاء العرب قاطبه فى مجلس، و تلى عليهم ان يسجدوا له كما سجد الشعراء لقول عدى بن الرقاع: قلم اصاب من الدواه مدادها.

فلما قيل لهم فى ذلك، قالوا: انا نعرف م واضع السجود فى الشعر، كما تعرفون مواضع السجود فى القرآن.

و انى لاطيل التعجب من رجل يخطب فى الحرب بكلام يدل على ان طبعه مناسب لطباع الاسود و النمور و امثالهما من السباع الضاريه، ثم يخطب فى ذلك الموقف بعينه، اذا اراد الموعظه بكلام يدل على ان طبعه مشاكل لطباع الرهبان لابسى المسوح الذين لم ياكلوا لحما، و لم يريقوا دما، فتاره يكون فى صوره بسطام بن قيس الشيبانى و عتيبه بن الحارث اليربوعى، و عامر بن الطفيل العامرى، و تاره يكون فى صوره سقراط الحبر اليونانى، و يوحنا المعمدان الاسرائيلى، و المسيح بن مريم الالهى.

و اقسم بمن تقسم الامم كلها به، لقد قرات هذه الخطبه منذ خمسين سنه و الى الان اكثر من الف مره، ما قراتها قط الا و احدثت عندى روعه و خوفا و عظه، و اثرت فى قلبى وجيبا، و فى اعضائى رعده، و لاتاملتها الا و ذكرت الموتى من اهلى و اقاربى، و ارباب ودى، و خيلت فى نفسى انى انا ذلك الشخص الذى وصف (ع) حاله.

و كم قد قال الواعظون و الخطباء و الفصحاء فى هذا المعنى! و كم وقفت على ما قالوه و تكرر وقوفى عليه! فم اجد لشى ء منه مثل تاثير هذا الكلام فى نفسى، فاما ان يكون ذلك لعقيدتى فى قائله، او كانت نيه القائل صالحه، و يقينه كان ثاب تا، و اخلاصه كان محضا خالصا، فكان تاثير قوله فى النفوس اعظم، و سريان موعظته فى القلوب ابلغ.

ثم نعود الى تفسير الفصل: فالبرزخ: الحاجز بين الشيئين، و البرزخ ما بين الدنيا و الاخره من وقت الموت الى البعث، فيجوز ان يكون البرزخ فى هذا الموضع القبر، لانه حاجز بين الميت و بين اهل الدنيا، كالحائط المبنى بين اثنين، فانه برزخ بينهما، و يجوز ان يريد به الوقت الذى بين حال الموت الى حال النشور، و الاول اقرب الى مراده (ع)، لانه قال: (فى بطون البرزخ) و لفظه (البطون) تدل على التفسير الاول.

و لفظتا (اكلت الارض من لحومهم و شربت من دمائهم) مستعارتان.

و الفجوات: جمع فجوه و هى الفرجه المتسعه بين الشيئين، قال سبحانه: (و هم فى فجوه منه)، و قد تفاجى الشى ء، اذا صارت له فجوه.

و جمادا لاينمون، اى خرجوا عن صوره الحيوانيه الى صوره الجماد الذى لاينمى و لا يزيد.

و يروى: (لاينمون) بتشديد الميم، من النميمه و هى الهمس و الحركه، و منه قولهم: اسكت الله نامته، فى قول من شدد و لم يهمز.

و ضمارا، يقال لكل ما لايرجى من الدين و الوعد، و كل ما لاتكون منه على ثقه: ضمار.

ثم ذكر ان الاهوال الحادثه فى الدنيا لاتفزعهم، و ان تنكر الاحوال بهم و باهل الدنيا لايحزنهم.

و يروى (تحزنهم) على ان الماضى رباعى.

و مثله قوله: (لايحفلون بالرواجف) اى لايكترثون بالزلازل.

قوله: (و لاياذنون للقواصف) اى لايسمعون الاصوات الشديده، اذنت لكذا، اى سمعته.

و جمع الغائب غيب و غيب، و كلاهما مروى هاهنا، و اراد انهم شهود فى الصوره، و غير حاضرين فى المعنى.

و الاف، على فعال: جمع آلف، كالطراق جمع طارق، و السمار: جمع سامر، و الكفار جمع كافر.

ثم ذكر انه لم تعم اخبارهم، اى لم تستبهم اخبارهم و تنقطع عن بعد عهد بهم، و لا عن بعد منزل لهم، و انما سقوا كاس المنون التى اخرستهم بعد النطق، و اصمتهم بعد السمع، و اسكنتهم بعد الحركه.

و قوله: (و بالسمع صمما)، اى لم يسمعوا فيها نداء المنادى، و لا نوح النائح، او لم يسمع فى قبورهم صوت منهم.

قوله: (فكانهم فى ارتجال الصفه)، اى اذا وصفهم الواصف مرتجلا غير مترو فى الصفه، و لا متهى ء للقول.

قال: كانهم صرعى سبات)، و هو نوم، لانه لا فرق فى الصوره بين الميت حال موته و النائم المسبوت.

ثم وصفهم بانهم جيران الا انهم لا موانسه بينهم كجيران الدنيا، و انهم احباء الا انهم لا يتزاورون كالاحباب من اهل الدنيا.

و قوله (احباء) جمع حبيب، كخليل و اخلاء، و صديق و اصدقاء.

ثم ذكر ان عرا التعارف قد بليت منهم و انقطعت بينهم اسباب الاخاء، و هذه كلها استعارات لطيفه مستحسنه.

ثم وصفهم بصفه اخرى، فقال: كل واحد منهم موصوف بالوحده، و هم مع ذلك مجتمعون، بخلاف الاحياء الذين اذا انضم بعضهم الى بعض انتفى عنه وصف الوحده.

ثم قال: (و بجانب الهجر و هم اخلاء) اى و كل منهم فى جانب الهجر و هم مع ذلك اهل خله و موده، اى كانوا كذلك.

و هذا كله من باب الصناعه المعنويه، و المجاز الرشيق.

ثم قال: انهم لايعرفون للنهار ليلا و لا لليل نهارا، و ذلك لان الواحد من البشر اذا مات نهارا لم يعرف لذلك النهار ليلا ابدا، و ان مات ليلا لم يعرف لذلك الليل صباحا ابدا.

و قال الشاعر: لا بد من يوم بلا ليله او ليله تاتى بلا يوم.

و ليس المراد بقوله: (اى الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا) انهم و هم موتى يشعرون بالوقت الذى ماتوا فيه و لايشعرون بما يتعقبه من الاوقات، بل المراد ان صوره ذلك الوقت لو بقيت عندهم لبقيت ابدا من غير ان يزيلها و قت آخر يطرا عليها.

و يجوز ان يفسر على مذهب من قال ببقاء الانفس، فيقال: ان النفس التى تفارق ليلا تبقى الصوره الليليه و الظلمه حاصله عندها ابدا لاتزول بطرآن نهار عليها، لانها قد فارقت الحواس، فلا سبيل لها الى ان يرتسم فيها شى ء من المحسوسات بعد المفارقه، و انما حصل ما حصل من غير زياده عليه، و كذلك الانفس التى تفارق نهارا.

(بعض الاشعار و الحكايات فى وصف القبور و الموتى) و اعلم ان الناس قد قالوا فى حال الموتى فاكثروا، فمن ذلك قول الرضى ابى الحسن رحمه الله تعالى: اعزز على بان نزلت بمنزل متشابه الامجاد بالاوغاد! فى عصبه جنبوا الى آجالهم و الدهر يعجلهم عن الارواد ضربوا بمدرجه الفناء قبابهم من غير اطناب و لا اعماد ركب اناخوا لايرجى منهم قصد لاتهام و لا انجاد كرهوا النزول فانزلتهم وقعه للدهر باركه بكل مفاد فتهافتوا عن رحل كل مذلل و تطاوحوا عن سرج كل جواد بادون فى صور الجميع و انهم متفردون تفرد الاحاد.

قوله: (بادون فى صور الجميع) ماخوذ من قول اميرالمومنين (ع): (فكلهم وحيد و هم جميع).

و قال ايضا: و لقد حفظت له فاين حفاظه و لقد وفيت له فاين وفاوه؟ الدعاء فلم يجبه قطيعه ام ضل عنه من البعاد دعاوه هيهات اصبح سمعه و عيانه فى الترب قد حجبتها اقذاوه يمسى و لين مهاده حصباوه فيه و مونس ليله ظلماوه قد قلبت اعيانه و تنكرت اعلامه، و تكسفت اضواوه مغف و ليس للذه اغفاوه، مغض و ليس لفكره اغضاوه وجه كلمع البرق غاض و ميضه قلب كصدر العضب فل مضاوه حكم البلى فيه فلو تلقى به اعدائه لرتى له اعداوه.

و قال ابوالعلاء: استغفر الله ما عندى لكم خبر و ما خطابى الا معشرا قبروا اصبحتم فى البلى غبرا ملابسكم من الهباء، فاين البرد و القطر كنتم على كل خطب فادح صبرا فهل شعرتم، و قد جادتكم الصبر! و ما درى يوم احد بالذين ثووا فيه، و لا يوم بدر انهم نصروا.

و قال ابوعارم الكلابى: اجازعه ردينه ان اتاها نعيى ام يكون لها اصطبار! اذا ما اهل قبرى و دعونى و راحوا و الاكف بها غبار و غودر اعظمى فى لحد قبر تراوحه الجنائب و القطار تهب الريح فوق محط قبرى و يرعى حوله اللهق النوار مقيم لا يكلمه صديق بقبر، لا ازور و لا ازار فذاك الناى لا الهجران حولا و حولا ثم تجتمع الديار! مر الاسكندر بمدينه قد ملكها سبعه املاك من بيت واحد و بادوا، فسال: هل بقى من نسلهم احد؟ قالوا: بقى واحد ، و هو يلزم المقابر، فدعا به فساله: لم تلزم المقابر؟ قال: اردت ان اميز عظام الملوك من عظام عبيدهم، فوجدتها سواء، قال: هل لك ان تلزمنى حتى انيلك بغيتك؟ قال: لو علمت انك تقدر على ذلك للزمتك.

قال: و ما بغيتك؟ قال: حياه لا موت معها، قال: لن اقدر على ذلك، قال: فدعنى اطلبه ممن يقدر عليه.

قال النبى (ص): (ما رايت منظرا الا و القبر افظع منه).

و قال (ص): (القبر اول منزل من منازل الاخره، فمن نجا منه فما بعده ايسر، و من لم ينج فما بعده شر له).

مر عبدالله بن عمر رضى الله عنه بمقبره فصلى فيها ركعتين، و قال: ذكرت اهل القبور و انه حيل بينهم و بين هذا، فاحببت ان اتقرب بهما الى الله.

فان قلت: ما معنى قوله (ع) (و بجانب الهجر)؟ و اى فائده فى لفظه (جانب) فى هذا الموضع؟ قلت: لانهم يقولون: فلان فى جانب الهجر، و فى جانب القطيعه، و لايقولون: (فى جانب الوصل)، و فى (جانب المصافاه)، و ذلك ان لفظه (جنب) فى الاصل موضوعه للمباعده، و منه قولهم: (الجار الجنب)، و هو جارك من قوم غرباء.

يقال: جنبت الرجل، و اجنبته، و تجنبته، و تجانبته، كله بمعنى، و رجل اجنبى، و اجنب، و جنب، و جانب، كله بمعنى.

قوله (ع): (شاهدوا من اخطار دارهم)، المعنى انه شاهد ا لمتقون من آثار الرحمه و اماراتها، و شاهد المجرمون من آثار النقمه و اماراتها عند الموت، و الحصول فى القبر اعظم مما كانوا يسمعون و يظنون ايام كونهم فى الدنيا.

ثم قال: (فكلا الغايتين مدت لهم)، المعنى مدت الغايتان: غايه الشقى منهم و غايه السعيد.

الى مبائه، اى الى منزل يعظم حاله عن ان يبلغه خوف خائف، او رجاء راج، و تلك المبائه هى النار او الجنه، و تقول: قد استباء الرجل اى اتخذ مبائه، و ابات الابل، رددتها الى مبائتها، و هى معاطنها.

ثم قال: (فلو كانوا ينطقون بها لعيوا)، بتشديد الياء، قال الشاعر: عيوا بامرهم كما عيت ببيضتها الحمامه جعلت لها عودين من نشم و آخر من ثمامه.

و روى (لعيوا) بالتخفيف، كما تقول: (حيوا) قالوا: ذهبت الياء الثانيه لالتقاء الساكنين لان الواو ساكنه، و ضمت الياء الاولى لاجل الواو، قال الشاعر: و كنا حسبناهم فوارس كهمس حيوا بعد ما ماتوا من الدهر اعصرا.

قوله: (لقد رجعت فيهم) يقال: رجع البصر نفسه، و رجع زيد بصره، يتعدى و لايتعدى، يقول: تكلموا معنى لا صوره، فادركت حالهم بالابصار و الاسماع العقليه لا الحسيه.

و كلحت الوجوه كلوحا و كلاحا، و هو تكشر فى عبوس.

و النواضر: النواعم، و النضره: الحسن و الرونق.

و خوت الاجساد النواعم: خلت من دمها و رطوبتها و حشوتها.

و يجوز ان يكون خوت اى سقطت.

قال تعالى: (فهى خاويه على عروشها)، و الاهدام: جمع هدم، و هو الثوب البالى، قال اوس.

و ذات هدم عار نواشرها تصمت بالماء تولبا جذعا.

و تكائدنا: شق علينا، و منه: عقبه كوود.

و يجوز تكادنا، جائت هذه الكلمه فى اخوات لها (تفعل و تفاعل) بمعنى، و مثله تعهد الضيعه، و تعاهدها.

و يقال: قوله: (و توارثنا الوحشه).

كانه لما مات الاب فاستوحش اهله منه، ثم مات الابن فاستوحش منه اهله ايضا، صار كان الابن ورث تلك الوحشه من ابيه كما تورث الاموال، و هذا من باب الاستعاره.

قوله: (و تهدمت علينا الربوع)، يقال: تهدم فلان على فلان غضبا، اذا اشتد غضبه، و يجوز ان يكون تهدمت اى تساقطت.

و روى و تهكمت بالكاف، و هو كقولك: (تهدمت) بالتفسيرين جميعا، و يعنى بالربوع الصموت، القبور، و جعلها صموتا لانه لانطق فيها، كما تقول: ليل قائم و نهار صائم، اى يقام و يصام فيهما، و هذا كله على طريق الهز و التحريك و اخراج الكلام فى معرض غير المعرض المعهود، جعلهم لو كانوا ناطقين مخبرين عن انفسهم (لاتوا) بما وصفه من احوالهم.

و ورد فى الحديث ان عمر حضر جنازه رجل، فلما دفن قا ل لاصحابه: قفوا، ثم ضرب فامعن فى القبور، و استبطاه الناس جدا ثم رجع و قد احمرت عيناه، و انتفخت اوداجه، فقيل: ابطات يا اميرالمومنين، فما الذى حبسك؟ قال: اتيت قبور الاحبه، فسلمت فلم يردوا على السلام، فلما ذهبت اقفى نادانى التراب، فقال: الا تسالنى يا عمر ما فعلت باليدين؟ قلت: ما فعلت بهما؟ قال: قطعت الكفين، من الرسغين، و قطعت الرسغين من الذراعين، و قطعت الذراعين من المرفقين، و قطعت المرفقين من العضدين، و قطعت العضدين من المنكبين، و قطعت المنكبين من الكتفين، فلما ذهبت اقفى نادانى التراب، فقال: الا تسالنى يا عمر ما فعلت بالابدان و الرجلين؟ قلت: ما فعلت؟ قال: قطعت الكتفين من الجنبين، و قطعت الجنبين من الصلب، و قطعت الصلب من الوركين، و قطعت الوركين من الفخذين، و قطعت الفخذين من الركبتين، و قطعت الركبتين من الساقين، و قطعت الساقين من القدمين، فلما ذهبت اقفى نادانى التراب، فقال: يا عمر، عليك باكفان لاتبلى؟ فقلت: و ما اكفان لاتبلى، قال: تقوى الله، و العمل بطاعته.

و هذا من الباب الذى نحن بصدده، نسب الاقوال المذكوره الى التراب و هو جماد، و لم يكن ذلك، و لكنه اعتبر فانقدحت فى نفسه هذه المواعظ الحكميه، فافرغها فى قالب الح كايه، و رتبها على قانون المساله و الاجابه، و اضافها الى جماد موات، لانه اهز لسامعها الى تدبرها، و لو قال: نظرت فاعتبرت فى حال الموتى، فوجدت التراب قد قطع كذا من كذا لم تبلغ عظته المبلغ الذى بلغته حيث اودعها فى الصوره التى اخترعها.

قوله (ع): (فلو مثلتهم بعقلك، او كشف عنهم محجوب الغطاء لك) الى آخر جواب (لو).

هذا الكلام اخذه ابن نباته بعينه فقال: فلو كشفتم عنهم اغطيه الاجداث، بعد ليلتين او ثلاث، لوجدتم الاحداق على الخدود سائله، و الالوان من ضيق اللحود حائله، و هوام الارض فى نواعم الابدان جائله، و الرووس الموسده على الايمان زائله، ينكرها من كان لها عارفا، و يفر عنها من لم يزل لها آلفا.

قوله (ع): (ارتسخت اسماعهم) ليس معناه ثبتت كما زعمه الراوندى، لانها لم تثبت و انما ثبتت، الهوام فيها، بل الصحيح انه من رسخ الغدير اذا نش ماوه و نضب، و يقال: قد ارتسخت الارض بالمطر اذا ابتلعته حتى يلتقى الثريان.

و استكت، اى ضاقت و انسدت، قال النابغه: و نبئت خير الناس انك لمتنى و تلك التى تستك منها المسامع قوله: (و اكتحلت ابصارهم بالتراب فخسفت)، اى غارت و ذهبت فى الراس.

و اخذ المتنبى قوله: (و اكتحلت ابصارهم بالتراب)، فقال: يدفن بعظنا بعضا و يمشى اواخرنا على هام الاوالى و كم عين مقبله النواحى كحيل بالجنادل و الرمال! و مغض كان لايغضى لخطب و بال كان يفكر فى الهزال.

و ذلاقه الالسن: حدتها، ذلق اللسان و السنان يذلق ذلقا، اى ذرب، فهو ذلق، و اذلق.

و همدت، بالفتح: سكنت و خمدت.

و عاث: افسد.

و قوله: (جديد بلى)، من فن البديع، لان الجده ضد البلى، و قد اخذ الشاعر هذه اللفظه فقال: يا دار غادرنى جديد بلاك رث الجديد فهل رثيث لذاك! و سمجها: قبح صورتها، و قد سمج الشى ء بالضم فهو سمج، بالسكون، ثم ضخم فهو ضخم، و يجوز: فهو سمج، بالكسر، مثل خشن فهو خشن.

قوله: (و سهل طرق الافه اليها)، و ذلك انه اذا استولى العنصر التر ابى على الاعضاء، قوى استعدادها، للاستحاله من صورتها الاولى الى غيرها.

و مستسلمات، اى منقاده طائعه غير عاصيه، فليس لها ايد تدفع عنها، و لا لها قلوب تجزع و تحزن لما نزل بها.

و الاشجان: جمع شجن، و هو الحزن.

و الاقذاء: جمع قذى، و هو ما يسقط فى العين فيوذيها.

قوله: (صفه حال لاتنتقل)، اى لاتنتقل الى حسن و صلاح، و ليس يريد: لاتنتقل مطلقا، لانها تنتقل الى فساد و اضمحلال.

و رجل عزيز، اى حدث، و عزيز الجسد، اى طرى، و انيق اللون: معجب اللون.

و غذى ترف: قذ غذى بالترف، و هو التنعم المطغى.

و ربيب شرف، اى قد ربى فى الشرف و العز.

و يقال: رب فلان ولده يربه ربا، و رباه يربيه تربيه.

و يتعلل بالسرور: يتلهى به عن غيره.

و يفزع الى السلوه: يلتجى ء اليها.

و ضنا، اى بخلا.

و غضاره العيش: نعيمه و لينه.

و شحاحه، اى بخلا، شححت بالكسر اشح.

و شححت ايضا بالفتح، اشح و اشح، بالضم و الكسر، شحا و شحاحه.

و رجل شحيح و شحاح بالفتح.

و قوم شحاح و اشحه.

يضحك الى الدنيا و تضحك اليه، كنايه عن الفرح بالعمر و العيشه، و كذا كل واحد منهما يضحك الى صاحبه لشده الصفاء، كان الدنيا تحبه و هو يحبها.

و عيش غفول: قد غفل عن صاحبه، فهو مستغرق فى العيش لم ينتبه له الدهر، فيكدر عليه وقته، قال الشاعر: و كان المرء فى غفلات عيش كان الدهر عنها فى وثاق و قال اخر: الا ان احلى العيش ما سمحت به صروف الليالى و الحوادث نوم قوله: (اذ وطى ء الدهر به حسكه)، اى اذ اوطاه الدهر حسكه.

و الهاء فى (حسكه) ترجع الى الدهر، عدى الفعل بحرف الجر، كما تقول: قام زيد بعمرو، اى اقامه.

و قواه: جمع قوه و هى المره من مرائر الحبل.

و هذا ا لكلام استعاره.

و من كثب: من قرب.

و البث: الحزن.

و البث ايضا: الامر الباطن الدخيل.

و نجى الهم: ما يناجيك و يسارك.

و الفترات: اوائل المرض.

و آنس ما كان بصحته، منصوب على الحال.

و قال الراوندى فى

الشرح:

هذا من باب: (اخطب ما يكون الامير قائما).

ثم ذكر ان العامل فى الحال (فترات)، قال: تقديره: (فترات آنس ما كان).

و ما ذكره الراوندى فاسد، فانه ليس هذا من باب: (اخطب ما يكون الامير قائما)، لان ذلك حال سد مسد خبر المبتدا، و ليس هاهنا مبتدا.

و ايضا فليس العامل فى الحال (فترات) و لا(فتر)، بل العامل: (تولدت).

و القار: البارد.

فان قلت: لم قال: (تسكين الحار بالقار، و تحريك البارد بالحار)؟ و لاى معنى جعل الاول التسكين و الثانى التحريك؟ قلت: لان من شان الحراره التهييج و التثوير، فاستعمل فى قهرها بالبارد لفظه (التسكين)، و من شان البروده التخدير و التجميد، فاستعمل فى قهرها بالحار لفظه (التحريك).

قوله: (و لااعتدل بممازج لتلك الطبائع الا امد منها كل ذات داء)، اى و لااستعمل دواء مفردا معتدل المزاج او مركبا كذلك الا و امد كل طبيعه منها ذات مرض بمرض زائد على الاول.

و ينبغى ان يكون قوله: (و لااعتدل بممازج)، اى و لا رام الاعتدال لممتزج ، لانه لو حصل له الا عتدال لكان قد برى ء من مرضه، فسمى محاوله الاعتدال اعتدالا، لانه بالاستدلال المعتدلات قد تهيا للاعتدال، فكان قد اعتدل بالقوه.

و ينبغى ايضا ان يكون قد حذف مفعول (امد)، و تقديره (بمرض) كما قدرناه نحن، و حذف المفعولات كثير واسع.

قوله: (حتى فتر معلله)، لان معللى المرض فى اوائل المرض يكون عندهم نشاط، لانهم يرجون البرء، فاذا راوا امارات الهلاك فترت همتهم.

قوله: (و ذهل ممرضه)، ذهل بالفتح، و هذا كالاول، لان الممرض اذا اعيا عليه المرض، و انسدت عليه ابواب التدبير يذهل.

قوله: (و تعايا اهله بصفه دائه)، اى تعاطوا العى و تساكتوا اذا سئلوا عنه، و هذه عاده اهل المريض المثقل، يجمجمون اذا سئلوا عن حاله.

قوله: (و تنازعوا دونه شجى خبر يكتمونه)، اى تخاصموا فى خبر ذى شجى، اى خبر ذى غصه يتنازعونه و هم حول المريض سترا دونه، و هو لايعلم بنجواهم، و بما يفيضون فيه من امره.

فقائل منهم: هو لمابه، اى قد اشفى على الموت.

و آخر يمنيهم اياب عافيته، اى عودها، آب فلان الى اهله، اى عاد.

و آخر يقول: قد راينا مثل هذا، و من بلغ الى اعظم من هذا ثم عوفى، فيمنى اهله عود عافيته.

و آخر يصبر اهله على فقده، و يذكر فضيله الصبر، و ينهاه م عن الجزع، و يروى لهم اخبار الماضين.

و اسى اهليهم، و الاسى: جمع اسوه، و هو ما يتاسى به الانسان.

قالت الخنساء: و ما يبكون مثل اخى و لكن اسلى النفس عنه بالتاسى.

قوله: (على جناح من فراق الدنيا)، اى سرعان ما يفارقها، لان من كان على جناح طائر، فاوشك به ان يسقط! قوله: (اذ عرض له عارض) يعنى الموت.

و من غصصه: جمع غصه.

و هو ما يعترض مجرى الانفاس.

و يقال: ان كل ميت من الحيوان لايموت الا خنقا، و ذلك لانه من النفس يدخل، فلا يخرج عوضه، او يخرج فلا يدخل عوضه، و يلزم من ذلك الاختناق، لان الرئه لاتبقى حينئذ مروحه للقلب، و اذا لم تروحه اختنق.

قوله: (فتحيرت نوافذ فطنته)، اى تلك الفطنه النافذه الثاقبه تحيرت عند الموت، و تبلدت.

قوله: (و يبست رطوبه لسانه)، لان الرطوبه اللعابيه التى بها يكون الذوق تنشف حينئذ، و يبطل الاحساس باللسان تبعا لسقوط القوه.

قوله: (فكم من مهم من جوابه عرفه فعى عن رده!) نحو ان يكون له مال مدفون يسال عنه حال ما يكون محتضرا، فيحاول ان يعرف اهله به فلا يستطيع، و يعجز عن رد جوابهم، و قد راينا من عجز عن الكلام فاشار اشاره فهموا معناها، و هى الدواه و الكاغذ، فلما حضر ذلك اخذ القلم و كتب فى الكاغذ ما لم يفهم ، و يده ترعد.

ثم مات.

قوله: (و دعاء مولم لقلبه سمعه فتصام عنه)، اظهر الصمم، لانه حيله له.

ثم وصف ذلك الدعاء فقال: (من كبير كان يعظمه)، نحو صراخ الوالد على الولد و الولد يسمع و لايستطيع الكلام.

(و صغير كان يرحمه)، نحو صراخ الولد على الوالد، و هو يسمع و لا قدره له على جوابه.

ثم ذكر غمرات الدنيا فقال: انها افظع من ان تحيط الصفات بها.

و تستغرقها، اى تاتى على كنهها، و تعبر عن حقائقها.

قوله: (او تعتدل على عقول اهل الدنيا)، هذا كلام لطيف فصيح غامض، و معناه ان غمرات الموت و اهواله عظيمه جدا لا تستقيم على العقول و لاتقبلها اذا شرحت لها و وصفت كما هى على الحقيقه، بل تنبو عنها، و لانصدق بما يقال فيها، فعبر عن عدم استقامتها على العقول بقوله: (او يعتدل)، كانه جعلها كالشى ء المعوج عند العقل، فهو غير مصدق به.

(ايراد اشعار و حكايات فى وصف الموت و احوال الموتى) و مما يناسب ما ذكر، من حال الانسان قول الشاعر: بينا الفتى مرح الخطا فرحا بما يسعى له اذ قيل قد مرض الفتى اذ قيل بات بليله ما نامها اذ قيل اصبح مثقلا ما يرتجى اذ قيل امسى شاخصا و موجها اذ قيل فارقهم و حل به الردى و قال ابوالنجم العجلى: و المرء كالحال م فى المنام يقول انى مدرك امامى فى قابل ما فاتنى فى العام و المرء يدنيه الى الحمام مر الليالى السود و الايام ان الفتى يصبح للاسقام كالغرض المنصوب للسهام اخطا رام، و اصاب رام و قال عمران بن حطان: افى كل عام مرضه ثم نقهه و ينعى، و لاينعى، متى ذا؟ الى متى! و لابد من يوم يجى ء و ليله يسوقان حتفا راح نحوك او غدا و جاء فى الحديث ان رسول الله (ص) مر بمقبره فنادى: يا اهل القبور الموحشه، و الربوع المعطله، الا اخبركم بما حدث بعدكم؟ تزوج نساوكم، و تبوئت مساكنكم، و قسمت اموالكم.

هل انتم مخبرون بما عاينتم! ثم قال: الا انهم لو اذن لهم فى الجواب لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى.

و نظر الحسن الى رجل يجود بنفسه فقال: ان امرا هذا آخره، لجدير ان يزهد فى اوله، و ان امرا هذا اوله لجدير ان يخاف آخره.

و قال عبده بن الطبيب- و يعجبنى قوله على الحال التى كان عليها، فانه كان اسود لصا من لصوص بنى سعد بن زيد مناه بن تميم-: و لقد علمت بان قصرى حفره غبراء يحملنى اليها شرجع فبكى بناتى شجوهن و زوجتى و الاقربون الى، ثم تصدعوا و تركت فى غبراء يكره وردها تسفى على الريح ثم اودع ان الحوادث يخترمن و انما عمر الفتى فى اهله مستودع و نظير هذه الابيات فى رويها و عروضها قول متمم بن نويره اليربوعى: و لقد علمت و لامحاله اننى للحادثات، فهل ترينى اجزع! اهلكن عادا ثم آل محرق فتركنهم بلدا و ما قد جمعوا و لهن كان الحارثان كلاهما و لهن كان اخو المصانع تبع فعددت آبائى الى الثرى فدعوتهم فعلمت ان لم يسمعوا ذهبوا فلم ادركهم ودعتهم غول اتوها و الطريق المهيع لابد من تلف مصيب فانتظر ابارض قومك ام باخرى تصرع! و لياتين عليك يوم مره يبكى عليك مقنعا لاتسمع لما فتح خالد بن الوليد عين التمر، سال عن الحرقه بنت النعمان بن المنذر، فدل عليها، فاتاها- و كانت عمياء- فسالها عن حالها، فقالت: لقد طلعت علينا الشمس ما شى ء يدب تحت الخورنق الا تحت ايدينا، ثم غربت و قد رحمنا كل من يدور به، و ما بيت دخلته حبره، الا دخلته عبره، ثم قالت: و بينا نسوس الناس و الامر امرنا اذا نحن فيه سوقه نتنصف فاف لدنيا لايدوم نعيمها تقلب تارات بنا و تصرف! فقال قائل ممن كان حول خالد: قاتل الله عدى بن زيد! لكانه ينظر اليها حين يقول: ان للدهر صرعه فاحذرنها لاتبيتن قد امنت الدهورا قد يبيت الفتى معافى فيردى و لقد كان آمنا مسرورا دخ ل عبدالله بن العباس على عبدالملك بن مروان يوم قر، و هو على فرش يكاد يغيب فيها، فقال: يابن عباس، انى لاحسب اليوم باردا! قال: اجل، و ان ابن هند عاش فى مثل ماترى، عشرين اميرا، و عشرين خليفه، ثم هو ذاك على قبره ثمامه تهتز.

فيقال: ان عبدالملك ارسل الى قبر معاويه فوجد عليه ثمامه نابته.

كان محمد بن عبدالله بن طاهر فى قصره ببغداد على دجله، فاذا بحشيش على وجه الماء فى وسطه قصبه على راسها، رقعه فامر بها فوجد هذا: تاه الاعيرج و استولى به البطر فقل له خير ما استعملته الحذر احسنت ظنك بالايام اذ حسنت و لم تخف سوء ما ياتى به القدر و سالمتك الليالى فاغتررت بها و عند صفو الليالى يحدث الكدر فلم ينتفع بنفسه اياما.

عدى بن زيد: ايها الشامت المعير بالده ر اانت المبرا الموفور ام لديك العهد الوثيق من الايام بل انت جاهل مغرور من رايت المنون خلدن ام من ذا عليه من ان يضام خفير! اين كسرى كسرى الملوك انو شر وان ام اين قبله سابور! و بنو الاصفر الكرام ملوك ال روم و لم يبق منهم مذكور و اخو الحضر اذ بناه و اذ دج له تجبى اليه و الخابور لم يهبه ريب المنون فباد ال ملك عنه فبابه مهجور شاده مرمرا و ج لله كل سا فللطير فى ذراه وكور و تبين رب الخورنق اذ اش رف يوما و للهدى تفكير سره حاله و كثره ما يملك و البحر معرضا و السدير فارعوى قلبه و قال فما غب طه حى الى الممات يصير! ثم بعد الفلاح و الملك و الامه وارتهم هناك القبور ثم اضحوا كانهم ورق ج ف فالوت به الضبا و الدبور قد اتفق الناس على ان هذه الابيات احسن ما قيل من القريض فى هذا المعنى، و ان الشعراء كلهم اخذوا منها، و احتذوا فى هذا المعنى حذوها.

و قال الرضى ابوالحسن رضى الله عنه: انظر الى هذا الانام بعبره لايعجنك خلقه و رواوه فتراه كالورق النضير تقصفت اغصانه، و تسلبت شجراوه انى تحاماه المنون، و انما خلقت مراعى للردى خضراوه ام كيف تامل فلته اجساده من ذا الزمان و حشوها ادواوه! لاتعجبن فما العجيب فناوه بيد المنون، بل العجيب بقاوه انا لنعجب كيف حم حمامه عن صحه، و يغيب عنا داوه من طاح فى سبل الردى آباوه فليسلكن طريقهم ابناوه و مومر نزلوا به فى سوقه لا شكله فيهم و لا نظراوه قد كان يفرق ظله اقرانه و يغض دون جلاله اكفاوه و محجب ضربت عليه مهابه يعشى العيون بهاوه و ضياوه نادته من خلف الحجاب منيه امم فكان جواب ها حوباوه شقت اليه سيوفه و رماحه و اميط عنه عبيده و اماوه لم يغنه من كان ود لو انه قبل المنون من المنون فدائه حرم عليه الذل الا انه ابدا ليشهد بالجلال بناوه متخشع بعد الانيس جنابه متضائل بعد القطين فناوه عريان تطرد كل ريح تربه و يطيع اول امرها حصباوه و لقد مررت ببرزخ فسالته اين الالى ضمتهم ارجاوه مثل المطى بواركا اجداثه تسفى على جنباتها بوغاوه ناديته فخفى على جوابه بالقول الا مازقت اصداوه من ناظر مطروفه الحاظه او خاطر مظلوله سوداوه او واجد مكظومه زفراته او حاقد منسيه شحناوه و مسندين على الجنوب كانهم شرب تخاذل بالطلا اعضاوه تحت الصعيد لغير اشفاق الى يوم المعاد يضمهم احشاوه اكلتهم الارض التى ولدتهم اكل الضروس حلت له اكلاوه و قال ايضا: و تفرق البعداء بعد تجمع صعب، فكيف تفرق القرباء و خلائق الدنيا خلائق مومس، للمنع آونه، و للاعطاء طورا تبادلك الصفاء و تاره تلقاك تنكرها من البغضاء و تداول الايام يبلينا كما يبلى الرشاء تطاوح الارجاء و كان طول العمر روحه راكب قضى اللغوب و جد فى الاسراء لهفى على القوم الاولى غادرتهم و عليهم طبق من البيداء متوسدين على الخدود كانما كرعوا على ظما من الصهباء صور ضننت على العيون بلحظها امسيت اوقرها من البوغاء و نواظر كحل التراب جفونها قد كنت احرسها من الاقذاء قربت ضرائحهم على زوارها و ناوا عن الطلاب اى تناء و لبئس ما يلقى بعقر ديارهم اذن المصيخ بها و عين الرائى