قد تقدم ذكر هذا الكتاب فى اقتصاصنا ذكر حال بسر بن ارطاه و غارته على اليمن فى اول الكتاب.
و يقال: طفلت الشمس- بالتشديد- اذا مالت للغروب، و طفل الليل، مشددا ايضا، اذا اقبل ظلامه، و الطفل، بالتحريك: بعد العصر حين تطفل الشمس للغروب، و يقال: اتيته طفلى، اى فى ذلك الوقت.
و قوله (ع): (للاياب) اى للرجوع، اى ما كانت عليه فى الليله التى قبلها، يعنى غيبوبتها تحت الارض.
و هذا الخطاب انما هو على قدر افهام العرب، كانوا يعتقدون ان الشمس منزلها و مقرها تحت الارض، و انها تخرج كل يوم فتسير على العالم، ثم تعود الى منزلها، فتاوى اليه كما ياوى الناس ليلا الى منازلهم.
و قال الراوندى: (عند الاياب) عند الزوال: و هذا غير صحيح، لان ذلك الوقت لا يسمى طفلا، ليقال: ان الشمس قد طفلت فيه.
قوله (ع): (فاقتتلوا شيئا كلا و لا)، اى شيئا قليلا، و موضع (كلا و لا) نصب، لانه صفه (شيئا) و هى كلمه تقال لما يستقصر وقته جدا، و المعروف عند اهل اللغه: (كلا و ذا) قال ابن هانى ء المغربى: و اسرع فى العين من لحظه و اقصر فى السمع من لا و ذا و فى شعر الكميت (كلا و كذا تغميضه).
و قد رويت فى "نهج البلاغه" كذلك، الا ان فى اكثر النسخ: (ك لا و لا)، و من الناس من يرويها: (كلا و لات)، و هى حرف اجرى مجرى (ليس)، و لا تجى ء (حين) الا ان تحذف فى شعر، و من الرواه من يرويها: (كلا و لاى)، و لاى فعل، معناه ابطا.
قوله (ع): (نجا جريضا)، اى قد غص بالريق من شده الجهد و الكرب، يقال: جرض بريقه يجرض بالكسر، مثال كسر يكسر، و رجل جريض مثل قدر يقدر فهو قدير، و يجوز ان يريد بقوله فنجا جريضا اى ذا جريض و الجريض الغصه نفسها و فى المثل: (حال الجريض دون القريض) قال الشاعر: كان الفتى لم يغن فى الناس ليله اذا اختلف اللحيان عند الجريض قال الاصمعى: و يقال: هو يجرض بنفسه، اى يكاد يموت، و منه قول امرى ء القيس: و افلتهن علباء جريضا و لو ادركنه صفر الوطاب و اجرضه الله بريقه: اغصه.
قوله (ع): (بعد ما اخذ منه بالمخنق)، هو موضع الخنق من الحيوان، و كذلك الخناق بالضم يقال: اخذ بخناقه، فاما الخناق بالكسر، فالحبل تخنق به الشاه.
و الرمق: بقيه الروح.
قوله (ع): (فلايا بلاى ما نجا)، اى بعد بطء و شده، و ما زائده او مصدريه، و انتصب (لايا) على المصدر القائم مقام الحال، اى نجا مبطئا، و العامل فى المصدر محذوف اى ابطا بطئا، و الفائده فى تكرير اللفظه المبالغه فى وصف البطء الذى نجا موصو فه به، اى لايا مقرونا بلاى.
و قال الراوندى: هذه القصه و هذا الهارب جريضا و بعد لاى ما نجا، هو معاويه، قال: و قد قيل: ان معاويه بعث امويا فهرب على هذه الحال، و الاول اصح، و هذا عجيب مضحك وددت له الا يكون شرح هذا الكتاب! قوله: (فدع عنك قريش) ا الى قوله: (على حرب رسول الله (ص))، هذا الكلام حق فان قريشا اجتمعت على حربه منذ يوم بويع بغضا له و حسدا و حقدا عليه، فاصفقوا كلهم يدا واحده على شقاقه و حربه، كما كانت حالهم فى ابتداء الاسلام مع رسول الله (ص)، لم تخرم حاله من حاله ابدا الا ان ذاك عصمه الله من القتل، فمات موتا طبيعيا، و هذا اغتاله انسان فقتله.
قوله: (فجزت قريشا عنى الجوازى، فقد قطعوا رحمى، و سلبونى سلطان ابن امى)، هذه كلمه تجرى مجرى المثل، تقول لمن يسى ء اليك و تدعو عليه: جزتك عنى الجوازى! يقال جزاه الله بما صنع، و جازاه الله بما صنع! و مصدر الاول جزاء، و الثانى مجازاه، و اصل الكلمه ان الجوازى، جمع جازيه كالجوارى جمع جاريه، فكانه يقول: جزت قريشا عنى بما صنعت لى كل خصله من نكبه او شده او مصيبه او جائحه، اى جعل الله هذه الدواهى كلها جزاء قريش بما صنعت بى.
و سلطان ابن امى، يعنى به الخلافه، و ابن امه، هو رسول ا لله (ص)، لانهما ابنا فاطمه بنت عمرو بن عمران بن عائذ بن مخزوم، ام عبدالله و ابى طالب، و لم يقل سلطان ابن ابى، لان غير ابى طالب من الاعمام يشركه فى النسب الى عبدالمطلب.
قال الراوندى: الجوازى جمع جازيه، و هى النفس التى تجزى، اى جزاهم و فعل بهم ما يستحقون عساكر لاجلى و فى نيابتى، و كافاهم سريه تنهض اليهم، و هذا اشاره الى بنى اميه يهلكون من بعده.
و هذا تفسير غريب طريف.
و قال ايضا: قوله: (سلطان ابن امى) يعنى نفسه، اى سلطانه، لانه ابن ام نفسه، قال: و هذا من احسن الكلام.
و لا شبهه انه على تفسير الراوندى لو قال: و سلبونى سلطان ابن اخت خالتى، او ابن اخت عمتى، لكان احسن و احسن، و هذا الرجل قد كان يجب ان يحجر عليه، و لا يمكن من تفسير هذا الكتاب، و يوخذ عليه ايمان البيعه الا يتعرض له.
قوله: (فان رايى قتال المحلين) اى الخارجين من الميثاق و البيعه، يعنى البغاه و مخالفى الامام، و يقال: لكل من خرج من اسلام او حارب فى الحرم او فى الاشهر الحرم: محل، و على هذا فسر قول زهير: و كم بالقنان من محل و محرم اى من لا ذمه له و من له ذمه، و كذلك قول خالد بن يزيد بن معاويه فى زوجته رمله بنت الزبير بن العوام: الا من لقلب معنى غزل يحب ا لمحله اخت المحل اى ناقضه العهد اخت المحارب فى الحرم، او اخت ناقض بيعه بنى اميه.
و روى (متخضعا متضرعا) بالضاد.
و مقرا للضيم و بالضيم، اى هو راض به، صابر عليه.
و واهنا، اى ضعيفا.
السلس: السهل: و مقتعد البعير: راكبه.
و الشعر ينسب الى العباس بن مرداس السلمى، و لم اجده فى ديوانه، و معناه ظاهر، و فى الامثال الحكميه: لا تشكون حالك الى مخلوق مثلك، فانه ان كان صديقا احزنته، و ان كان عدوا اشمته، و لا خير فى واحد من الامرين.
اول هذا الكتاب قوله: اما بعد، فان الدنيا حلوه خضره ذات زينه و بهجه، لم يصب اليها احد الا و شغلته بزينتها عما هو انفع له منها، و بالاخره امرنا، و عليها حثثنا، فدع يا معاويه ما يفنى، و اعمل لما يبقى، و احذر الموت الذى اليه مصيرك، و الحساب الذى اليه عاقبتك.
و اعلم ان الله تعالى اذا اراد بعبد خيرا حال بينه و بين ما يكره، و وفقه لطاعته، و اذا اراد الله بعبد سوئا اغراه بالدنيا، و انساه الاخره، و بسط له امله، و عاقه عما فيه صلاحه، و قد وصلنى كتابك فوجدتك ترمى غير غرضك، و تنشد غير ضالتك، و تخبط فى عمايه.
و تتيه فى ضلاله، و تعتصم بغير حجه، و تلوذ باضعف شبهه.
فاما سوالك المتاركه و الاقرار لك على الشام، فلو كنت فاعلا ذلك اليوم لفعلته امس.
و اما قولك: ان عمر ولاكه فقد عزل من كان ولاه صاحبه، و عزل عثمان من كان عمر ولاه و لم ينصب للناس امام الا ليرى من صلاح الامه اماما قد كان ظهر لمن قبله، او اخفى عنهم عيبه، و الامر يحدث بعده الامر، و لكل وال راى و اجتهاد.
فسبحان الله! ما اشد لزومك للاهواء المبتدعه، و الحيره المتبعه... الى آخر الفصل.
و اما قوله (ع): (انما نصرت عثمان حيث كان النصر لك...) الى آخره، فق د روى البلاذرى قال: لما ارسل عثمان الى معاويه يستمده، بعث يزيد بن اسد القسرى، جد خالد بن عبدالله بن يزيد امير العراق و قال له: اذا اتيت ذا خشب فاقم، بها و لا تتجاوزها، و لا تقل: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فاننى انا الشاهد، و انت الغائب.
قال: فاقام بذى خشب حتى قتل عثمان، فاستقدمه حينئذ معاويه، فعاد الى الشام بالجيش، الذى كان ارسل معه، و انما صنع ذلك معاويه ليقتل عثمان فيدعو الى نفسه.
و كتب معاويه الى ابن عباس عند صلح الحسن (ع) له كتابا يدعوه فيه الى بيعته، و يقول له فيه: و لعمرى لو قتلتك بعثمان رجوت ان يكون ذلك لله رضا، و ان يكون رايا صوابا، فانك من الساعين عليه، و الخاذلين له، و السافكين دمه، و ما جرى بينى و بينك صلح فيمنعك منى، و لا بيدك امان.
فكتب اليه ابن عباس جوابا طويلا يقول فيه: و اما قولك انى من الساعين على عثمان، و الخاذلين له، و السافكين دمه، و ما جرى بينى و بينك صلح فيمنعك منى.
فاقسم بالله لانت المتربص بقتله، و المحب لهلاكه، و الحابس الناس قبلك عنه على بصيره من امره، و لقد اتاك كتابه و صريخه يستغيث بك و يستصرخ، فما حفلت به، حتى بعثت اليه معذرا باجره، انت تعلم انهم لن يتركوه حتى يقتل، فقتل كما كنت اردت، ثم علمت عند ذلك ان الناس لن يعدلوا بيننا و بينك، فطفقت تنعى عثمان و تلزمنا دمه و تقول: قتل مظلوما، فان يك قتل مظلوما فانت اظلم الظالمين، ثم لم تزل مصوبا و مصعدا، و جاثما و رابضا، تستغوى الجهالا، و تنازعنا حقنا بالسفهاء، حتى ادركت ما طلبت، (و ان ادرى امله فتنه لكم و متاع الى حين).
هذا الفصل بشكل على تاويله، لان اهل مصرهم الذين قتلوا عثمان، و اذا شهد اميرالمومنين (ع) انهم غضبوا الله حين عصى فى الارض، فهذه شهاده قاطعه على عثمان بالعصيان، و اتيان المنكر، و يمكن ان يقال و ان كان متعسفا: ان الله تعالى عصى فى الارض لا من عثمان، بل من ولاته و امرائه و اهله، و ذهب بينهم بحق الله، و ضرب الجور سرادقه بولايتهم، و امرهم على البر و الفاجر، و المقيم و الظاعن، فشاع المنكر، و فقد المعروف.
يبقى ان يقال: هب ان الامر كما تاولت، فهولاء الذين غضبوا لله الى ما ذا آل امرهم؟ اليس الامر آل الى انهم قطعوا المسافه من مصر الى المدينه فقتلوا عثمان! فلا تعدو حالهم امرين الا ان يكونوا اطاعوا الله بقتله فيكون عثمان عاصيا مستحقا للقتل، او يكونوا اسخطوا الله تعالى بقتله فعثمان اذا على حق، و هم الفساق العصاه، فكيف يجوز ان يبجلهم او يخاطبهم خطاب الصالحين! و يمكن ان يجاب عن ذلك بانهم غضبوا لله، و جائوا من مصر، و انكروا على عثمان تاميره الامراء الفساق، و حصروه فى داره طلبا.
ان يدفع اليهم مروان ليحبسوه، او يودبوه على ما كتبه فى امرهم، فلما حصر طمع فيه مبغضوه و اعداوه من اهل المدينه و غيرها، و صار معظم الناس ا لبا عليه، و قل عدد المصريين بالنسبه الى ما اجتمع من الناس على حصره و مطالبته بخلع نفسه، و تسليم مروان و غيره من بنى اميه اليهم، و عزل عماله، و الاستبدال بهم، و لم يكونوا حينئذ يطلبون نفسه، و لكن قوما منهم و من غيرهم تسوروا داره، فرماهم بعض عبيده بالسهام فجرح بعضهم، فقادت الضروره الى النزول و الاحاطه به، و تسرع اليه واحد منهم فقتله.
ثم ان ذلك القاتل قتل فى الوقت، و قد ذكرنا ذلك فيما تقدم، و شرحناه، فلا يلزم من فسق ذلك القاتل و عصيانه ان يفسق الباقون، لانهم ما انكروا الا المنكر، و اما القتل فلم يقع منهم، و لا راموه و لا ارادوه، فجاز ان يقال: انهم غضبوا لله، و ان يثنى عليهم و يمدحهم.
ثم وصف الاشتر بما وصفه به، و مثل قوله: (لا ينام ايام الخوف) قولهم: (لا ينام ليله يخاف، و لا يشبع ليله يضاف) و قال: فاتت به حوش الفواد مبطنا سهدا اذا ما نام ليل الهوجل ثم امرهم ان يطيعوه فيما يامرهم به مما يطابق الحق، و هذا من شده دينه و صلابته (ع)، لم يسامح نفسه فى حق احب الخلق اليه ان يهمل هذا القيد، قال رسول الله (ص): (لا طاعه لمخلوق فى معصيه الخالق): و قال ابوحنيفه: قال لى الربيع فى دهليز المنصور: ان اميرالمومنين يامرنى بالش ى ء بعد الشى ء من امور ملكه، فانفذه و انا خائف على دينى، فما تقول؟ فى ذلك؟ قال- و لم يقل لى ذلك الا فى ملا الناس: فقلت له: افيامر اميرالمومنين بغير الحق؟ قال: لا، قلت: فلا باس عليك ان تفعل بالحق، قال ابوحنيفه: فاراد ان يصطادنى فاصطدته.
و الذى صدع بالحق فى هذا المقام الحسن البصرى، قال له عمر بن هبيره امير العراق فى خلافه يزيد بن عبدالملك فى ملا من الناس، منهم الشعبى و ابن سيرين: يا اباسعيد، ان اميرالمومنين يامرنى بالشى ء اعلم ان فى تنفيذه الهلكه فى الدين، فما تقول فى ذلك؟ قال الحسن: ماذا اقول! ان الله مانعك من يزيد، و لن يمنعك يزيد من الله، يا عمر خف الله، و اذكر يوما ياتيك تتمخض ليلته عن القيامه، انه سينزل عليك ملك من السماء فيحطك عن سريرك الى قصرك، و يضطرك من قصرك الى لزوم فراشك، ثم ينقلك عن فراشك الى قبرك، ثم لايغنى عنك الا عملك، فقام عمر بن هبيره باكيا يصطك لسانه.
قوله: (فانه سيف من سيوف الله)، هذا لقب خالد بن الوليد، و اختلف فيمن لقبه به، فقيل: لقبه به رسول الله (ص)، و الصحيح انه لقبه به ابوبكر، لقتاله اهل الرده، و قتله مسيلمه.
و الظبه، بالتخفيف: حد السيف.
و النابى من السيوف: الذى لا يقطع، و اصله نبا، اى ارتفع، فلما لم يقطع كان مرتفعا، فسمى نابيا، و فى الكلام حذف تقديره: و لا ناب ضارب الضريبه، و ضارب الضريبه هو حد السيف، فاما الضريبه نفسها فهو الشى ء المضروب بالسيف، و انما دخلته الهاء و ان كان بمعنى (مفعول) لانه صار فى عداد الاسماء، كالنطيحه و الاكيله.
ثم امرهم بان يطيعوه فى جميع ما يامرهم به من الاقدام و الاحجام، و قال: انه لا يقدم و لا يوخر الا عن امرى، و هذا ان كان قاله مع انه قد سنح له ان يعمل برايه فى امور الحرب من غير مراجعته فهو عظيم جدا، لانه يكون قد اقامه مقام نفسه.
و جاز ان يقول: انه لا يفعل شيئا الا عن امرى، و ان كان لا يراجعه فى الجزئيات على عاده العرب فى مثل ذلك، لانهم يقولون فيمن يثقون به نحو ذلك، و قد ذهب كثير من الاصوليين الى ان الله تعالى قال لمحمد (ص): احكم بما شئت فى الشريعه، فانك لا تحكم الا بالحق، و انه كان يحكم من غير مراجعته لجبرائيل، و ان الله تعالى قد قال فى حقه: (و ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) و ان كان (ع) قال هذا القول عن الاشتر، لانه قد قرر معه بينه و بينه الا يعمل شيئا قليلا و لا كثيرا الا بعد مراجعته، فيجوز، و لكن هذا بعيد، لان المسافه طويله بين العراق و مصر، و كانت الامو ر هناك تقف و تفسد.
ثم ذكر انه آثرهم به على نفسه، و هكذا قال عمر لما انفذ عبدالله بن مسعود الى الكوفه فى كتابه اليهم: قد آثرتكم به على نفسى، و ذلك ان عمر كان يستفتيه فى الاحكام، و على (ع) كان يصول على الاعداء بالاشتر، و يقوى انفس جيوشه بمقامه بينهم، فلما بعثه الى مصر كان موثرا لاهل مصر به على نفسه.
كل ما قاله فيهما هو الحق الصريح بعينه، لم يحمله بغضه لهما، و غيظه منهما، الى ان بالغ فى ذمهما به، كما يبالغ الفصحاء عند سوره الغضب، و تدفق الالفاظ على الالسنه، و لا ريب عند احد من العقلاء ذوى الانصاف ان عمرا جعل دينه تبعا لدنيا معاويه، و انه ما بايعه و تابعه الا على جعاله جعلها له، و ضمان تكفل له بايصاله، و هى ولايه مصر موجله، و قطعه وافره من المال معجله، و لولديه و غلمانه ما ملا اعينهم.
فاما قوله (ع) فى معاويه: (ظاهر غيه)، فلا ريب فى ظهور ضلاله و بغيه، و كل باغ غاو.
اما مهتوك ستره، فانه كان كثير الهزل و الخلاعه، صاحب جلساء و سمار، و معاويه لم يتوقر، و لم يلزم قانون الرياسه الا منذ خرج على اميرالمومنين، و احتاج الى الناموس و السكينه، و الا فقد كان فى ايام عثمان شديد التهتك، موسوما بكل قبيح، و كان فى ايام عمر يستر نفسه قليلا خوفا منه، الا انه كان يلبس الحرير و الديباج، و يشرب فى آنيه الذهب و الفضه، و يركب البغلات ذوات السروج المحلاه بها، و عليها جلال الديباج و الوشى، و كان حينئذ شابا، و عنده نزق الصبا، و اثر الشبيبه، و سكر السلطان و الامره، و نقل الناس عنه فى كتب السيره انه كان يشرب الخ مر فى ايام عثمان فى الشام، و اما بعد وفاه اميرالمومنين و استقرار الامر له فقد اختلف فيه، فقيل: انه شرب الخمر فى ستر، و قيل: انه لم يشربه.
و لا خلاف فى انه سمع الغناء و طرب عليه، و اعطى و وصل عليه ايضا.
و روى ابوالفرج الاصفهانى قال: قال عمرو بن العاص لمعاويه فى قدمه قدمها الى المدينه ايام خلافته: قم بنا الى هذا الذى قد هدم شرفه، و هتك ستره، عبدالله بن جعفر، نقف على بابه فنسمع غناء جواريه، فقاما ليلا و معهما وردان غلام عمرو، و وقفا بباب عبدالله بن جعفر، فاستمعا الغناء و احس عبدالله بوقوفهما، ففتح الباب، و عزم على معاويه ان يدخل، فدخل، فجلس على سرير عبدالله، فدعا عبدالله له و قدم اليه يسيرا من طعام، فاكل، فلما انس قال: يا اميرالمومنين، الا تاذن لجواريك ان يتممن اصواتهن، فانك قطعتها عليهن؟ قال: فليقلن، فرفعن اصواتهن، و جعل معاويه يتحرك قليلا قليلا حتى ضرب برجله السرير ضربا شديدا، فقال عمرو: قم ايها الرجل، فان الرجل الذى جئت لتلحاه او لتعجب من امرء احسن حالا منك.
فقال: مهلا، فان الكريم طروب! اما قوله: (يشين الكريم بمجلسه، و يسفه الحليم بخلطته): فالامر كذلك، فانه لم يكن فى مجلسه الا شتم بنى هاشم و قذفهم، و التعرض بذكر الاسلام، و الطعن عليه، و ان اظهر الانتماء اليه.
و اما طلب عمرو فضله و اتباعه اثره اتباع الكلب للاسد فظاهر، و لم يقل: الثعلب، غضا من قدر عمرو، و تشبيها له بما هو ابلغ فى الاهانه و الاستخفاف.
ثم قال: (و لو بالحق اخذت ادركت ما طلبت)، اى لو قعدت عن نصره و لم تشخص اليه ممالئا به على الحق لوصل اليك من بيت المال قدر كفايتك.
و لقائل ان يقول: ان عمرا ما كان يطلب قدر الكفايه و على (ع) ما كان يعطيه الا حقه فقط، و لايعطيه بلدا و لا طرفا من الاطراف، و الذى كان يطلب ملك مصر، لانه فتحها ايام عمر و وليها برهه، و كانت حسره فى قلبه، و حزازه فى صدره، فباع آخرته بها، فالاولى ان يقال: معناه لو اخذت بالحق ادركت ما طلبت من الاخره.
فان قلت: ان عمرا لم يكن على (ع) يعتقد انه من اهل الاخره، فكيف يقول له هذا الكلام؟ قلت: لا خلل و لا زلل فى كلامه (ع)، لانه لو اخذ بالحق لكان معتقدا كون على (ع) على الحق باعتقاده صحه نبوه رسول الله (ص)، و صحه التوحيد، فيصير تقدير الكلام: لو بايعتنى معتقدا للزوم بيعتى لك لكنت فى ضمن ذلك طالبا الثواب، فكنت تدركه فى الاخره.
ثم قال مهددا لهما، و متوعدا اياهما: (فان يمكن الله منك من ابن ابى سفيان)، و اقول:لو ظفر بهما لما كان فى غالب ظنى يقتلهما، فانه كان حليما كريما، و لكن كان يحبسهما ليحسم بحبسهما ماده فسادهما.
ثم قال: (و ان تعجزا و تبقيا)، اى و ان لم استطع اخذكما او امت قبل ذلك و بقيتما بعدى، فما امامكما شر لكما من عقوبه الدنيا، لان عذاب الدنيا منقطع، و عذاب الاخره غير منقطع.
و ذكر نصر بن مزاحم فى كتاب "صفين" هذا الكتاب بزياده لم يذكرها الرضى.
قال نصر: و كتب على (ع) الى عمرو بن العاص: من عبدالله على اميرالمومنين الى الابتر ابن الابتر عمرو بن العاص بن وائل، شانى ء محمد و آل محمد فى الجاهليه و الاسلام، سلام على من اتبع الهدى، اما بعد، فانك تركت مروئتك لامرى فاسق مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، و يسفه الحليم بخلطته، فصار قلبك لقلبه تبعا، كما قيل: (وافق شن طبقه) فسلبك دينك و امانتك و دنياك و آخرتك، و كان علم الله بالغا فيك، فصرت كالذئب يتبع الضرغام اذا ما الليل دجى، او اتى الصبح يلتمس فاضل سوره، و حوايا فريسته، و لكن لا نجاه من القدر، و لو بالحق اخذت لادركت ما رجوت، و قد رشد من كان الحق قائده، فان يمكن الله منك و من ابن آكله الاكباد، الحقتكما بمن قتله الله من ظلمه قريش على عهد رسول الله (ص)، و ان تعجزا و تبقيا بعد، فالله حسبكما، و كفى بانتقامه انتقاما، و بعقابه عقابا! والسلام.
اخزيت امانتك: اذللتها و اهنتها، و جردت الارض: قشرتها، و المعنى انه نسبه الى الخيانه فى المال، و الى اخراب الضياع، و فى حكمه ابرويز انه قال لخازن بيت المال: انى لا احتملك على خيانه درهم، و لا احمدك على حفظ عشره آلاف الف درهم، لانك انما تحقن بذلك دمك، و تعمر به امانتك، و انك ان خنت قليلا خنت كثيرا، فاحترس من خصلتين: من النقصان فيما تاخذ، و من الزياده فيما تعطى، و اعلم انى لم اجعلك على ذخائر الملك، و عماره المملكه، و العده على العدو، الا و انت امين عندى من الموضع الذى هى فيه، و من خواتمها التى هى عليها، فحقق ظنى فى اختيارى اياك احقق ظنك فى رجائك لى، و لا تتعوض بخير شرا، و لا برفعه ضعه، و لا بسلامه ندامه، و لا بامانه خيانه.
و فى الحديث المرفوع: (من ولى لنا عملا فليتزوج، و ليتخذ مسكنا و مركبا و خادما، فمن اتخذ سوى ذلك جاء يوم القيامه عادلا غالا سارقا).
و قال عمر فى وصيته لابن مسعود: اياك و الهديه، و ليست بحرام و لكنى اخاف عليك الداله.
و اهدى رجل لعمر فخذ جزور فقبله، ثم ارتفع اليه بعد ايام مع خصم له، فجعل فى اثناء الكلام يقول: يا اميرالمومنين، افصل القضاء بينى و بينه كما يفصل فخذ الجزور.
فقض ى عمر عليه، ثم قام فخطب الناس، و حرم الهدايا على الولاه و القضاه.
و اهدى انسان الى المغيره سراجا من شبه، و اهدى آخر اليه بغلا، ثم اتفقت لهما خصومه فى امر فترافعا اليه، فجعل صاحب السراج يقول: ان امرى اضوا من السراج، فلما اكثر قال المغيره: ويحك، ان البغل يرمح السراج فيكسره.
و مر عمر ببناء يبنى باجر و جص لبعض عماله فقال: ابت الدراهم الا ان تخرج اعناقها.
و روى هذا الكلام عن على (ع)، و كان عمر يقول: على كل عامل امينان: الماء و الطين.
و لما قدم ابوهريره من البحرين قال له عمر: يا عدو الله و عدو كتابه، اسرقت مال الله تعالى؟ قال ابوهريره: لست بعدو الله و لا عدو كتابه، و لكنى عدو من عاداهما، و لم اسرق مال الله.
فضربه بجريده على راسه، ثم ثناه بالدره، و اغرمه عشره آلاف درهم، ثم احضره، فقال: يا اباهريره، من اين لك عشره آلاف درهم؟ قال: خيلى تناسلت، و عطائى تلاحق، و سهامى تتابعت، قال عمر: كلا و الله.
ثم تركه اياما، ثم قال له: الا تعمل؟ قال: لا، قال: قد عمل من هو خير منك يا اباهريره قال: من هو؟ قال: يوسف الصديق، فقال ابوهريره: ان يوسف عمل لمن لم يضرب راسه و ظهره، و لا شتم عرضه، و لا نزع ماله، لا و الله لا اعمل لك ابدا.
و كا ن زياد اذا ولى رجلا قال له: خذ عهدك، و سر الى عملك، و اعلم انك محاسب راس سنتك، و انك ستصير الى اربع خصال، فاختر لنفسك: انا ان وجدناك امينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك، و سلمتك من معرتنا امانتك، و ان وجدناك خائنا قويا استعنا بقوتك، و احسنا ادبك على خيانتك، و اوجعنا ظهرك، و اثقلنا غرمك: و ان جمعت علينا الجرمين، جمعنا عليك المضرتين، و ان وجدناك امينا قويا زدنا رزقك، و رفعنا ذكرك، و كثرنا مالك، و اوطانا الرجال عقبك.
و وصف اعرابى عاملا خائنا فقال: الناس ياكلون اماناتهم لقما، و هو يحسوها حسوا.
قال انس بن ابى اياس الدولى لحارثه بن بدر الغدانى- و قد ولى سرق- و يقال انها لابى الاسود: احار بن بدر قد وليت ولايه فكن جرذا فيها تخون و تسرق و لاتحقرن يا حار شيئا اصبته فحظك من ملك العراقين سرق و باه تميما بالغنى ان للغنى لسانا به المرء الهيوبه ينطق فان جميع الناس اما مكذب يقول بما تهوى و اما مصدق يقولون اقوالا و لا يتبعونها و ان قيل هاتوا حققوا لم يحققوا فيقال: انها بلغت حارثه بن بدر فقال: اصاب الله به الرشاد، فلم يعد باشارته ما فى نفسى!
اشركتك فى امانتى: جعلتك شريكا فيما قمت فيه من الامر، و ائتمننى الله عليه من سياسه الامه، و سمى الخلافه امانه كما سمى الله تعالى التكليف امانه فى قوله: (انا عرضنا الامانه).
فاما قوله: و اداء الامانه الى فامر آخر، و مراده بالامانه الثانيه ما يتعارفه الناس من قولهم: فلان ذو امانه، اى لا يخون فيما اسند اليه.
و كلب الزمان: اشتد.
و كذلك كلب البرد.
و حرب العدو: استاسد.
و خزيت امانه الناس: ذلت و هانت.
و شغرت الامه: خلت، من الخير و شغر البلد: خلا من الناس.
و قلبت له ظهر المجن: اذا كنت معه فصرت عليه، و اصل ذلك ان الجيش اذا لقوا العدو، و كانت ظهور مجانهم الى وجه العدو و بطون مجانهم الى وجه عسكرهم، فاذا فارقوا رئيسهم و صاروا مع العدو كان وضع مجانهم بدلا من الوضع الذى كان من قبل، و ذلك ان ظهور الترسه لا يمكن ان تكون الا فى وجوه الاعداء، لانها مرمى سهامهم.
و امكنتك الشده اى الحمله.
قوله: (اسرعت الكره) لا يجوز ان يقال الكره الا بعد فره، فكانه لما كان مقلعا فى ابتداء الحال عن التعرض لاموالهم، كان كالفار عنها، فلذلك قال اسرعت الكره.
و الذئب الازل الخفيف الوركين، و ذلك اشد لعدوه، و اسرع لوثبته، و ان اتف ق ان تكون شاه من المعزى كثيره و داميه ايضا، كان الذئب على اختطافها اقدر.
و نقاش الحساب مناقشته.
قوله: (فضح رويدا) كلمه تقال لمن يومر بالتوده و الاناه و السكون، و اصلها الرجل يطعم ابله ضحى و يسيرها مسرعا ليسير فلا يشبعها، فيقال له: ضح رويدا.
(اختلاف الراى فيمن كتب له هذا الكتاب) و قد اختلف الناس فى المكتوب اليه هذا الكتاب، فقال الاكثرون: انه عبدالله بن العباس رحمه الله، و رووا فى ذلك روايات، و استدلوا عليه بالفاظ من الفاظ الكتاب كقوله: (اشركتك فى امانتى، و جعلتك بطانتى و شعارى، و انه لم يكن فى اهلى رجل اوثق منك)، و قوله: (على ابن عمك قد كلب)، ثم قال ثانيا: (قلبت لابن عمك ظهر المجن) ثم قال ثالثا: (و لابن عمك آسيت)، و قوله: (لا ابا لغيرك)، و هذه كلمه لا تقال الا لمثله، فاما غيره من افناء الناس، فان عليا (ع) كان يقول: لا ابا لك.
و قوله: (ايها المعدود كان عندنا من اولى الالباب).
و قوله: (لو ان الحسن و الحسين (ع)) و هذا يدل على ان المكتوب اليه هذا الكتاب قريب من ان يجرى مجراهما عنده.
و قد روى ارباب هذا القول ان عبدالله بن عباس كتب الى على (ع) جوابا من هذا الكتاب، قالوا: و كان جوابه اما بعد، فقد اتانى كتابك تعظ م على ما اصبت من بيت مال البصره، و لعمرى ان حقى فى بيت المال اكثر مما اخذت، والسلام.
قالوا: فكتب اليه على (ع): اما بعد، فان من العجب ان تزين لك نفسك ان لك فى بيت مال المسلمين من الحق اكثر مما لرجل واحد من المسلمين، فقد افلحت ان كان تمنيك الباطل، و ادعاوك ما لا يكون ينجيك من الماثم، و يحل لك المحرم، انك لانت المهتدى السعيد اذا! و قد بلغنى انك اتخذت مكه وطنا، و ضربت بها، عطنا تشترى بها مولدات مكه، و المدينه و الطائف، تختارهن على عينك، و تعطى فيهن مال غيرك، فارجع هداك الله الى رشدك، و تب الى الله ربك، و اخرج الى المسلمين من اموالهم، فعما قليل تفارق من الفت، و تترك ما جمعت، و تغيب فى صدع من الارض غير موسد و لا ممهد، قد فارقت الاحباب، و سكنت التراب، و واجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا الى ما قدمت والسلام.
قالوا: فكتب اليه ابن عباس: اما بعد، فانك قد اكثرت، على و و الله لان القى الله قد احتويت على كنوز الارض كلها، و ذهبها و عقيانها و لجينها احب الى من ان القاه بدم امرى ء مسلم.
والسلام.
و قال آخرون و هم الاقلون: هذا لم يكن و لا فارق عبدالله بن عباس عليا (ع)، و لا باينه و لا خالفه، و لم يزل اميرا على البصره الى ان قتل على (ع).
قالوا: و يدل على ذلك ما رواه ابوالفرج على بن الحسين الاصفهانى من كتابه الذى كتبه الى معاويه من البصره لما قتل على (ع)، و قد ذكرناه من قبل قالوا: و كيف يكون ذلك و لم يخدعه معاويه، و يجره الى جهته، فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال اميرالمومنين (ع) و استمالهم اليه بالاموال، فمالوا و تركوا اميرالمومنين (ع)، فما باله و قد علم النبوه التى حدثت بينهما، لم يستمل ابن عباس، و لااجتذبه الى نفسه، و كل من قرا السير و عرف التواريخ يعرف مشاقه ابن عباس لمعاويه بعد وفاه على (ع)، و ما كان يلقاه به من قوارع الكلام، و شديد الخصام، و ما كان يثنى به على اميرالمومنين (ع) و يذكر خصائصه و فضائله، و يصدع به من مناقبه و ماثره، فلو كان بينهما غبار او كدر لما كان الامر كذلك، بل كانت الحال تكون بالضد لما اشتهر من امرهما.
و هذا عندى هو الامثل و الاصوب.
و قد قال الراوندى: المكتوب اليه هذا الكتاب هو عبيدالله بن العباس، لا عبدالله و ليس ذلك بصحيح فان عبيدالله كان عامل على (ع) على اليمن، و قد ذكرت قصته مع بسر بن ارطاه فيما تقدم، و لم ينقل عنه انه اخذ مالا، و لا فارق طاعه.
و قد اشكل على امر هذا الكتاب، فان انا كذبت النقل و قلت، هذا ك لام موضوع على اميرالمومنين (ع)، خالفت الرواه فانهم قد اطبقوا على روايه هذا الكلام عنه، و قد ذكر فى اكثر كتب السير.
و ان صرفته الى عبدالله بن عباس صدنى عنه ما اعلمه من ملازمته لطاعه اميرالمومنين (ع)، فى حياته و بعد وفاته.
و ان صرفته الى غيره لم اعلم الى من اصرفه من اهل اميرالمومنين (ع)، و الكلام يشعر بان الرجل المخاطب من اهله و بنى عمه، فانا فى هذا الموضع من المتوقفين
(عمر بن ابى سلمه و نسبه و بعض اخباره) اما عمر بن ابى سلمه فهو ريب رسول الله (ص)، و ابوه ابوسلمه بن عبدالاسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظه، يكنى اباحفص ولد فى السنه الثانيه من الهجره بارض الحبشه، و قيل: انه كان يوم قبض رسول الله (ص) ابن تسع سنين، و توفى فى المدينه فى خلافه عبدالملك سنه ثلاث و ثمانين، و قد حفظ عن رسول الله (ص) الحديث، و روى عنه سعيد بن المسيب و غيره، ذكر ذلك كله ابن عبدالبر فى كتاب "الاستيعاب".
(النعمان بن عجلان و نسبه و بعض اخباره) و اما النعمان بن عجلان الزرقى فمن الانصار، ثم من بنى زريق، و هو الذى خلف على خوله زوجه حمزه بن عبدالمطلب رحمه الله بعد قتله، قال (ابن) عبدالبر فى كتاب "الاستيعاب": كان النعمان هذا لسان الانصار و شاعرهم، و يقال: انه كان رجلا احمر قصيرا تزدريه العين، الا انه كان سيدا، و هو القائل يوم السقيفه: و قلتم حرام نصب سعد و نصبكم عتيق بن عثمان حلال ابابكر و اهل ابوبكر لها خير قائم و ان عليا كان اخلق بالامر وان هوانا فى على و انه لاهل لها من حيث يدرى و لايدرى قوله: (و لا تثريب عليك)، فالتثريب الاستقصاء فى اللوم، و يقال: ثر بت عليه، و عربت عليه، اذا قبحت عليه فعله.
و الظنين: المتهم و الظنه التهمه، و الجمع الظنن، يقول: قد اظن زيد عمرا، و الالف الف وصل، و الظاء مشدده، و النون مشدده ايضا، و جاء بالطاء المهمله ايضا، اى اتهمه.
و فى حديث ابن سيرين: لم يكن على (ع) يظن فى قتل عثمان الحرفان مشددان و هو يفتعل من (يظنن) و ادغم، قال الشاعر: و ان هوانا فى على و انه انا معتب و ما كل ما يروى على اقول
قد تقدم ذكر نسب مصقله بن هبيره و اردشير خره، كوره من كور فارس.
و اعتامك: اختارك من بين الناس، اصله من العيمه بالكسر، و هى خيار المال، اعتام المصدق اذا اخذ العيمه، و قد روى: (فيمن اعتماك) بالقلب، و الصحيح المشهور الاول، و روى: (و لتجدن بك عندى هوانا) بالباء، و معناها اللام، و لتجدن بسبب فعلك هوانك عندى، و الباء ترد للسببيه، كقوله تعالى: (فبظلم من الذين) هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم.
و المحق الاهلاك.
و المعنى انه نهى مصقله عن ان يقسم الفى ء على اعراب قومه الذين اتخذوه سيدا و رئيسا، و يحرم المسلمين الذين حازوه بانفسهم و سلاحهم، و هذا هو الامر الذى كان ينكره على عثمان، و هو ايثار اهله و اقاربه بمال الفى ء، و قد سبق شرح مثل ذلك مستوفى.
قال الرضى رحمه الله: تعالى قوله (ع): (الواغل)، هو الذى يهجم على الشرب ليشرب معهم و ليس منهم، فلايزال مدفعا محاجزا.
و النوط المذبذب: هو ما يناط برحل الراكب من قعب او قدح، او ما اشبه ذلك، فهو ابدا يتقلقل اذا حث ظهره، و استعجل سيره.
يستزل لبك، يطلب زلله و خطاه، اى يحاول ان تزل.
و اللب: العقل.
و يستفل غربك: يحاول ان يفل حدك، اى عزمك، و هذا من باب المجاز.
ثم امره ان يحذره، و قال: انه- يعنى معاويه- كالشيطان ياتى المرء من كذا و من كذا، و هو ماخوذ من قول الله تعالى: (ثم لاتينهم من بين ايديهم و من خلفهم و عن ايمانهم و عن شمائلهم و لاتجد اكثرهم شاكرين)، قالوا فى تفسيره: من بين ايديهم: يطمعهم فى العفو و يغريهم بالعصيان، و من خلفهم: يذكرهم مخلفيهم، و يحسن لهم جمع المال و تركه لهم، و عن ايمانهم: يحبب اليهم الرياسه و الثناء، و عن شمائلهم: يحبب اليهم اللهو و اللذات.
و قال شقيق البلخى: ما من صباح الا قعد لى الشيطان على اربعه مراصد: من بين يدى، و من خلفى، و عن يمينى، و عن شمالى، اما من بين يدى فيقول: لا تخف فان الله غفور رحيم، فاقرا: (و انى لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى) و اما من خلفى فيخ وفنى الضيعه على مخلفى فاقرا: (و ما من دابه فى الارض الا على الله رزقها)، و اما من قبل يمينى فياتينى من جهه الثناء فاقرا: (و العاقبه للمتقين، و اما من قبل شمالى فياتينى من قبل الشهوات، فاقرا: (و حيل بينهم و بين ما يشتهون).
فان قلت: لم لم يقل: (و من فوقهم و من تحتهم)؟ قلت: لان جهه (فوق) جهه نزول الرحمه، و مستقر الملائكه، و مكان العرش، و الانوار الشريفه، و لا سبيل له اليها، و اما من جهه (تحت) فلان الاتيان منها يوحش، و ينفر عنه، لانها الجهه المعروفه بالشياطين، فعدل عنها الى ما هو ادعى الى قبول وساوسه و اضاليله.
و قد فسر قوم المعنى الاول فقالوا: (من بين ايديهم) من جهه الدنيا، و من خلفهم.
من جهه الاخره، و (عن ايمانهم)، الحسنات، و (عن شمائلهم) اى يحثهم على طلب الدنيا، و يويسهم من الاخره، و يثبطهم عن الحسنات، و يغريهم بالسيئات.
قوله: (ليقتحم غفلته) اى ليلج و يهجم عليه و هو غافل، جعل اقتحامه اياه اقتحاما للغره نفسها لما كانت غالبه عليه.
و يستلب غرته، ليس المعنى باستلابه الغره ان يرفعها و ياخذها، لانه لو كان كذلك لصار ذلك الغافل المغتر فاقدا للغفله و الغره، و كان لبيبا فطنا فلايبقى له سبيل عليه، و انما المعنى بقوله: ( و يستلب غرته) ما يعنيه الناس بقولهم: اخذ فلان غفلتى و فعل كذا.
و معنى اخذها هنا اخذ ما يستدل به على غفلتى.
و فلته: امر وقع من غير تثبت و لا رويه.
و نزغه: كلمه فاسده، من نزغات الشيطان، اى من حركاته القبيحه التى يستفسد بها مكلفين، و لايثبت بها نسب، و لايستحق بها ارث، لان المقر بالزنا لايلحقه النسب، و لايرثه المولود، لقوله، (ص): (الولد للفراش و للعاهر الحجر).
(نسب زياد بن ابيه و ذكر بعض اخباره و كتبه و خطبه) فاما زياد، فهو زياد بن عبيد و من الناس من يقول: عبيد بن فلان و ينسبه الى ثقيف، و الاكثرون يقولون: ان عبيدا كان عبدا و انه بقى الى ايام زياد، فابتاعه و اعتقه، و سنذكر ما ورد فى ذلك و نسبه زياد لغير ابيه، لخمول ابيه و الدعوه التى استلحق بها، فقيل تاره: زياد بن سميه و هى امه، و كانت امه للحارث بن كلده بن عمرو بن علاج الثقفى، طبيب العرب و كانت تحت عبيد.
و قيل تاره زياد بن ابيه و قيل تاره زياد بن امه و لما استلحق قال له اكثر الناس: زياد بن ابى سفيان، لان الناس مع الملوك الذين هم مظنه الرهبه و الرغبه، و ليس اتباع الدين بالنسبه الى اتباع الملوك الا كالقطره فى البحر المحيط، فاما ما كان يدعى به قبل الاستلحاق فزي اد بن عبيد، و لايشك فى ذلك احد.
و روى ابوعمر بن عبدالبر فى كتاب "الاستيعاب" عن هشام بن محمد بن السائب الكلبى عن ابيه، عن ابى صالح عن ابن عباس، ان عمر بعث زيادا فى اصلاح فساد واقع باليمن، فلما رجع من وجهه خطب عند عمر خطبه لم يسمع مثلها- و ابوسفيان حاضر و على (ع) و عمرو بن العاص- فقال عمرو بن العاص: لله ابو هذا الغلام! لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه، فقال ابوسفيان: انه لقرشى، و انى لاعرف الذى وضعه فى رحم امه، فقال على (ع): و من هو؟ قال انا فقال: مهلا يا اباسفيان، فقال ابوسفيان: اما والله لو لا خوف شخص يرانبى يا على من الا عادى لاظهر امره صخر بن حرب و لم يخف المقاله فى زياد و قد طالت مجاملتى ثقيفا و تركى فيهم ثمر الفواد عنى بقوله: (لو لا خوف شخص): عمر بن الخطاب.
و روى احمد بن يحيى البلاذرى قال: تكلم زياد- و هو غلام حدث- بحضره عمر كلاما اعجب الحاضرين، فقال عمرو بن العاص: لله ابوه؟ لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه، فقال ابوسفيان: اما و الله انه لقرشى، و لو عرفته لعرفت انه خير من اهلك، فقال و من ابوه؟ قال: انا و الله وضعته فى رحم امه فقال: فهلا تستلحقه؟ قال: اخاف هذا العير الجالس ان يخرق على اهابى.
و روى م حمد بن عمر الواقدى، قال قال: ابوسفيان و هو جالس عند عمر و على هناك، و قد تكلم زياد فاحسن: ابت المناقب الا ان تظهر فى شمائل زياد، فقال على (ع): من اى بنى عبدمناف هو؟ قال ابنى قال: كيف؟ قال: اتيت امه فى الجاهليه سفاحا! فقال على (ع): مه يا اباسفيان! فان عمر الى المسائه سريع، قال: فعرف زياد ما دار بينهما، فكانت فى نفسه.
و روى على بن محمد المدائنى قال: لما كان زمن على (ع) ولى زيادا فارس او بعض اعمال فارس فضبطها ضبطا صالحا، و جبى خراجها و حماها، و عرف ذلك معاويه، فكتب اليه، اما بعد، فانه غرتك قلاع تاوى اليها ليلا، كما تاوى الطير الى وكرها، و ايم الله لو لا انتظارى بك ما الله اعلم به لكان لك منى ما قاله العبد الصالح، (فلناتينهم بجنود لا قبل لهم بها و لنخرجنهم منها اذله و هم صاغرون).
و كتب فى اسفل الكتاب شعرا من جملته: و تركى فيهم ثمر الفواد نعامته اذ يخطب الناس و الوالى لهم عمر فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس، و قال: العجب من ابن آكله الاكباد، و راس النفاق! يهددنى و بينى و بينه ابن عم رسول الله (ص) و زوج سيده نساء العالمين، و ابوالسبطين و صاحب الولايه و المنزله و الاخاء فى مائه الف من المهاجرين و الانصا ر و التابعين لهم باحسان! اما و الله لو تخطى هولاء اجمعين الى لوجدنى احمر مخشا ضرابا بالسيف، ثم كتب الى على (ع)، و بعث بكتاب معاويه فى كتابه.
فكتب اليه على (ع)، و بعث بكتابه: اما بعد، فانى قد وليتك ما وليتك و انا اراك لذلك اهلا، و انه قد كانت من ابى سفيان فلته فى ايام عمر من امانى التيه و كذب النفس، لم تستوجب بها ميراثا، و لم تستحق بها نسبا، و ان معاويه كالشيطان الرجيم ياتى المرء من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله، فاحذره، ثم احذره، ثم احذره، والسلام.
و روى ابوجعفر محمد بن حبيب قال: كان على (ع) قد ولى زيادا قطعه من اعمال فارس، و اصطنعه لنفسه، فلما قتل على (ع) بقى زياد فى عمله، و خاف معاويه جانبه، و علم صعوبه ناحيته، و اشفق من ممالاته الحسن بن على (ع).
فكتب اليه: من اميرالمومنين معاويه بن ابى سفيان الى زياد بن عبيد، اما بعد، فانك عبد قد كفرت النعمه، و استدعيت النقمه، و لقد كان الشكر اولى بك من الكفر، و ان الشجره لتضرب بعرقها، و تتفرع من اصلها، انك- لا ام لك بل لا اب لك- قد هلكت و اهلكت، و ظننت انك تخرج من قبضتى، و لاينالك سلطانى، هيهات! ما كل ذى لب يصيب رايه، و لا كل ذى راى ينصح فى مشورته.
امس عبد و ال يوم؟ امير خطه ما ارتقاها مثلك يابن سميه، و اذا اتاك كتابى هذا فخذ الناس بالطاعه و البيعه، و اسرع الاجابه، فانك ان تفعل فدمك حقنت، و نفسك تداركت، و الا اختطفتك باضعف ريش، و نلتك باهون سعى.
و اقسم قسما مبرورا الا اوتى بك الا فى زماره، تمشى حافيا من ارض فارس الى الشام حتى اقيمك فى السوق، و ابيعك عبدا، و اردك الى حيث كنت فيه و خرجت منه.
والسلام.
فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضبا شديدا، و جمع الناس و صعد المنبر.
فحمد الله ثم قال، ابن آكله الاكباد و قاتله اسد الله، و مظهر الخلاف، و مسر النفاق، و رئيس الاحزاب، و من انفق ماله فى اطفاء نور الله كتب الى يرعد و يبرق عن سحابه جفل لا ماء فيها، و عما قليل تصيرها الرياح قزعا، و الذى يدلنى على ضعفه تهدده قبل القدره، افمن اشفاق على تنذر و تعذر؟ كلا و لكن ذهب الى غير مذهب، و قعقع لمن ربى بين صواعق تهامه، كيف ارهبه و بينى و بينه ابن بنت رسول الله (ص) و ابن ابن عمه فى مائه الف من المهاجرين و الانصار، و الله لو اذن لى فيه، او ندبنى اليه لاريته الكواكب نهارا، و لاسعطته ماء الخردل.
دونه الكلام اليوم، و الجمع غدا، و المشوره بعد ذلك ان شاءالله ثم نزل.
و كتب الى معاويه: اما بعد، فقد وصل الى كتابك يا معاويه، و فهمت ما فيه، فوجدتك كالغريق يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب، و يتعلق بارجل الضفادع، طمعا فى الحياه.
انما يكفر النعم، و يستدعى النقم من حاد الله و رسوله، و سعى فى الارض فسادا.
فاما سبك لى فلو لا حلم ينهانى عنك، و خوفى ان ادعى سفيها لاثرت لك مخازى لايغسلها الماء.
و اما تعييرك لى بسميه، فان كنت ابن سميه فانت ابن جماعه، و اما زعمك انك تختطفنى باضعف ريش، و تتناولنى باهون سعى، فهل رايت بازيا يفزعه صغير القنابر، ام هل سمعت بذئب اكله خروف! فامض، الان لطيتك و اجتهد جهدك فلست انزل الا بحيث تكره، و لا اجتهد الا فيما يسوئك، و ستعلم اينا الخاضع لصاحبه، الطالع اليه.
و السلام.
فلما ورد كتاب زياد على معاويه غمه و احزنه، و بعث الى المغيره بن شعبه، فخلا به و قال: يا مغيره، انى اريد مشاورتك فى امر اهمنى، فانصحنى فيه و اشر على براى المجتهد و كن لى اكن لك فقد خصصتك بسرى، و آثرتك على ولدى.
قال المغيره، فما ذاك؟ و الله لتجدنى فى طاعتك امضى من الماء الى الحدور، و من ذى الرونق فى كف البطل الشجاع.
قال: يا مغيره، ان زيادا قد اقام بفارس يكش لنا كشيش الافاعى، و هو رجل ثاقب الراى ماضى العزيمه، جوال الفكر مصيب اذا رم ى، و قد خفت منه الان ما كنت آمنه اذ كان صاحبه حيا، و اخشى ممالاته حسنا فكيف السبيل اليه، و ما الحيله فى اصلاح رايه؟ قال المغيره: انا له ان لم امت، ان زيادا رجل يحب الشرف و الذكر و صعود المنابر، فلو لاطفته المساله، و النت له الكتاب لكان لك اميل، و بك اوثق، فاكتب اليه و انا الرسول.
فكتب معاويه اليه: من اميرالمومنين معاويه بن ابى سفيان، الى زياد بن ابى سفيان اما بعد فان المرء ربما طرحه الهوى فى مطارح العطب، و انك للمرء المضروب به المثل، قاطع الرحم و واصل العدو.
و حملك سوء، ظنك بى، و بغضك لى على ان عققت قرابتى، و قطعت رحمى، و بتت نسبى و حرمتى، حتى كانك لست اخى، و ليس صخر بن حرب اباك و ابى، و شتان ما بينى و بينك، اطلب بدم ابن ابى العاص و انت تقاتلنى! و لكن ادركك عرق الرخاوه من قبل النساء، فكنت: كتاركه بيضها بالعراء و ملحفه بيض اخرى جناحا.
و قد رايت ان اعطف عليك، و لا اواخذك بسوء سعيك، و ان اصل رحمك، و ابتغى الثواب فى امرك فاعلم ابا المغيره انك لو خضت البحر فى طاعه القوم فتضرب بالسيف حتى انقطع متنه لما ازددت منهم الا بعدا، فان بنى عبدشمس ابغض الى بنى هاشم من الشفره الى الثور الصريع و قد اوثق للذبح، فارجع- رحمك الله- الى اصلك، و اتصل بقومك، و لا تكن، كالموصول بريش غيره فقد اصبحت ضال النسب.
و لعمرى ما فعل بك ذلك الا اللجاج، فدعه عنك، فقد اصبحت على بينه من امرك، و وضوح من حجتك، فان احببت جانبى، و وثقت بى فامره بامره و ان كرهت جانبى، و لم تثق بقولى، ففعل جميل لا على و لا لى.
والسلام.
فرحل المغيره بالكتاب حتى قدم فارس، فلما رآه زياد قربه و ادناه و لطف به فدفع اليه الكتاب، فجعل يتامله و يضحك فلما فرغ من قرائته وضعه تحت قدمه ثم قال، حسبك يا مغيره! فانى اطلع على ما فى ضميرك، و قد قدمت من سفره بعيده فقم و ارح ركابك.
قال: اجل فدع عنك اللجاج يرحمك الله، و ارجع الى قومك، و صل اخاك، و انظر لنفسك، و لاتقطع رحمك! قال زياد: انى رجل صاحب اناه و لى فى امرى رويه فلاتعجل على، و لاتبدانى بشى ء حتى ابداك.
ثم جمع الناس بعد يومين او ثلاثه، فصعد المنبر فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: ايها الناس: ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم، و ارغبوا الى الله فى دوام العافيه لكم، فقد نظرت فى امور الناس منذ قتل عثمان، و فكرت فيهم فوجدتهم كالاضاحى، فى كل عيد يذبحون، و لقد افنى هذان اليومان- يوم الجمل و صفين- ما ينيف على مائه الف، كلهم يزعم انه طالب حق، و تابع ا مام و على بصيره من امره، فان كان الامر هكذا فالقاتل و المقتول فى الجنه، كلا ليس كذلك، و لكن اشكل الامر، و التبس على القوم، و انى لخائف ان يرجع الامر كما بدا، فكيف لامرى ء بسلامه دينه! و قد نظرت فى امر الناس فوجدت احد العاقبتين العافيه، و ساعمل فى اموركم ما تحمدون عاقبته و مغبته، فقد حمدت طاعتكم ان شاء الله ثم نزل.
و كتب جواب الكتاب: اما بعد، فقد وصل كتابك يا معاويه مع المغيره بن شعبه و فهمت ما فيه، فالحمد لله الذى عرفك الحق، و ردك الى الصله، و لست ممن يجهل معروفا، و لايغفل حسبا و لو اردت ان اجيبك بما اوجبته الحجه، و احتمله الجواب، لطال الكتاب و كثر الخطاب، و لكنك ان كنت كتبت كتابك هذا عن عقد صحيح، و نيه حسنه، و اردت بذلك برا، فستزرع فى قلبى موده و قبولا، و ان كنت انما اردت مكيده و مكرا و فساد نيه، فان النفس تابى ما فيه العطب، و لقد قمت يوم قرات كتابك مقاما يعبا به الخطيب المدره، فتركت من حضر لا اهل ورد و لا صدر، كالمتحيرين بمهمه، ضل بهم الدليل، و انا على امثال ذلك قدير، و كتب فى اسفل الكتاب: اذا معشرى لم ينصفونى وجدتنى ادافع عنى الضيم ما دمت باقيا و كم معشر اعيت قناتى عليهم فلاموا و الفونى لدى العزم م اضيا و هم به ضاقت صدور فرجته و كنت بطبى للرجال مداويا ادافع بالحلم الجهول مكيده و اخفى له تحت العضاه الدواهيا فان تدن منى ادن منك و ان تبن تجدنى اذا لم تدن منى نائيا فاعطاه معاويه جميع ما ساله، و كتب اليه بخط يده ما وثق به، فدخل اليه الشام، فقربه و ادناه، و اقره على ولايته، ثم استعمله على العراق.
و روى على بن محمد المدائنى، قال: لما اراد معاويه استلحاق زياد و قد قدم عليه الشام جمع الناس و صعد المنبر، و اصعد زيادا معه فاجلسه بين يديه على المرقاه، التى تحت مرقاته و حمد الله و اثنى عليه ثم قال: ايها الناس، انى قد عرفت نسبنا اهل البيت فى زياد، فمن كان عنده شهاده فليقم بها.
فقام ناس فشهدوا انه ابن ابى سفيان، و انهم سمعوا ما اقر به قبل موته، فقام ابومريم السلولى- و كان خمارا فى الجاهليه- فقال: اشهد يا اميرالمومنين ان اباسفيان قدم علينا بالطائف، فاتانى فاشتريت له لحما و خمرا و طعاما فلما اكل قال: يا ابامريم، اصب لى بغيا، فخرجت فاتيت بسميه، فقلت لها: ان اباسفيان ممن قد عرفت شرفه و جوده، و قد امرنى ان اصيب له بغيا، فهل لك؟ فقالت: نعم، يجى ء الان عبيد بغنمه- و كان راعيا- فاذا تعشى و وضع راسه اتيته.
فرجعت الى ابى سفيان فاعلمته، فلم نلبث ان جائت تجر ذيلها، فدخلت معه، فلم تزل عنده حتى اصبحت فقلت له لما انصرفت: كيف رايت صاحبتك؟ قال: خير صاحبه، لو لا ذفر فى ابطيها.
فقال زياد من فوق المنبر: يا ابامريم لاتشتم امهات الرجال، فتشتم امك.
فلما انقضى كلام معاويه و مناشدته قام زياد، و انصت الناس، فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: ايها الناس، ان معاويه و الشهود قد قالوا ما سمعتم، و لست ادرى حق هذا من باطله! و هو و الشهود اعلم بما قالوا، و انما عبيد اب مبرور، و وال مشكور.
ثم نزل.
و روى شيخنا ابوعثمان ان زيادا مر و هو والى البصره بابى العريان العدوى- و كان شيخا مكفوفا، ذا لسن و عارضه شديده- فقال ابوالعريان: ما هذه الجلبه؟ قالوا: زياد بن ابى سفيان، قال: و الله ما ترك ابوسفيان الا يزيد و معاويه و عتبه و عنبسه و حنظله و محمدا، فمن اين جاء زياد؟ فبلغ الكلام زيادا، و قال له قائل: لو سددت عنك فم هذا الكلب! فارسل اليه بمائتى دينار، فقال له رسول زياد: ان ابن عمك زيادا الامير قد ارسل اليك مائتى دينار لتنفقها، فقال: وصلته رحم! اى و الله ابن عمى حقا.
ثم مر به زياد من الغد فى موكبه، فوقف عليه فسلم، و بكى ابوالعريان، فقيل له: ما يبكيك؟ قال:عرفت صوت ابى سفيان فى صوت زياد.
فبلغ ذلك معاويه، فكتب الى ابى العريان: ما البثتك الدنانير التى بعثت ان لونتك اباالعريان الوانا امسى اليك زياد فى ارومته نكرا فاصبح ما انكرت عرفانا لله در زياد لو تعجلها كانت له دون ما يخشاه قربانا! فلما قرى ء كتاب معاويه على ابى العريان قال: اكتب جوابه يا غلام: احدث لنا صله تحيا النفوس بها قد كدت يا بن ابى سفيان تنسانا اما زياد فقد صحت مناسبه عندى فلاابتغى فى الحق بهتانا من يسد خيرا يصبه حين يفعله او يسد شرا يصبه حيثما كانا و روى ابوعثمان ايضا، قال: كتب زياد الى معاويه ليستاذنه فى الحج، فكتب اليه، انى قد اذنت لك و استعملتك على الموسم، و اجزتك بالف الف درهم.
فبينا هو يتجهز اذ بلغ ذلك ابابكره اخاه- و كان مصارما له منذ لجلج فى الشهاده على المغيره بن شعبه ايام عمر لايكلمه قد لزمته ايمان عظيمه الا يكلمه ابدا- فاقبل ابوبكره يدخل القصر يريد زيادا، فبصر به الحاجب، فاسرع الى زياد قائلا: ايها الامير، هذا اخوك ابوبكره قد دخل القصر، قال: ويحك، انت رايته! قال ها هو ذا قد طلع، و فى حجر زياد بنى يلاعبه، و جاء ابوبكره حتى وقف عليه، فقال للغلام: كيف انت يا غلام؟ ان اباك ركب فى الاسلام عظيما! زنى امه، و انتفى من ابيه و لا و الله ما علمت سميه رات اباسفيان قط، ثم ابوك يريد ان يركب ما هو اعظم من ذلك، يوافى الموسم غدا و يوافى ام حبيبه بنت ابى سفيان، و هى من امهات المومنين، فان جاء يستاذن عليها فاذنت له فاعظم بها فريه على رسول الله (ص) و مصيبه! و ان هى منعته فاعظم بها على ابيك فضيحه! ثم انصرف، فقال: جزاك الله يا اخى عن النصيحه خيرا، ساخطا كنت او راضيا.
ثم كتب الى معاويه: انى قد اعتللت عن الموسم فليوجه اليه اميرالمومنين من احب، فوجه عتبه بن ابى سفيان.
فاما ابوعمر بن عبدالبر فى كتاب "الاستيعاب" فانه قال: لما ادعى معاويه زيادا فى سنه اربع و اربعين و الحقه به اخا زوج ابنته من ابنه محمد بن زياد ليوكد بذلك صحه الاستلحاق، و كان ابوبكره اخا زياد لامه، امهما جميعا سميه، فحلف الا يكلم زيادا ابدا و قال: هذا زنى امه، و انتفى من ابيه، و لا و الله ما علمت سميه رات اباسفيان قبل ويله ما يصنع بام حبيبه! ايريد ان يراها؟ فان حجبته فضحته، و ان رآها فيا لها مصيبه! يهتك من رسول الله (ص) حرمه عظيمه! و حج زياد مع معاويه، و دخل المدينه فاراد الدخول على ام حبيبه ثم ذكر قول ابى بكره فانصرف عن ذلك.
و قيل، ا ن ام حبيبه حجبته و لم تاذن له فى الدخول عليها، و قيل: انه حج و لم يرد المدينه من اجل قول ابى بكره، و انه قال: جزى الله ابابكره خيرا فما يدع النصيحه فى حال.
و روى ابوعمر بن عبدالبر فى هذا الكتاب قال دخل بنواميه و فيهم عبدالرحمن بن الحكم على معاويه، ايام ما استلحق زيادا فقال له عبدالرحمن يا معاويه لو لم تجد الا الزنج لاستكثرت بهم علينا قله و ذله- يعنى على بنى ابى العاص.
فاقبل معاويه على مروان و قال اخرج عنا هذا الخليع، فقال مروان: اى و الله انه لخليع ما يطاق، فقال معاويه: و الله لو لا حلمى و تجاوزى لعلمت انه يطاق الم يبلغنى شعره فى و فى زياد! ثم قال مروان: اسمعنيه، فانشد الا ابلغ معاويه بن حرب لقد ضاقت بما ياتى اليدان اتغضب ان يقال ابوك عف و ترضى ان يقال ابوك زان فاشهد ان رحمك من زياد كرحم الفيل من ولد الاتان و اشهد انها حملت زيادا و صخر من سميه غير دان ثم قال: و الله لاارضى عنه حتى ياتى زيادا فيترضاه و يعتذر اليه: فجاء عبدالرحمن الى زياد معتذرا يستاذن عليه، فلم ياذن له فاقبلت قريش الى زياد تكلمه فى امر عبدالرحمن، فلما دخل سلم، فتشاوس له زياد بعينه- و كان يكسر عينه- فقال له زياد: انت القائل ما قلت؟ قال عبدالرحمن ما الذى؟ قلت قال قلت ما لا يقال، قال: اصلح الله الامير! انه لا ذنب لمن اعتب، و انما الصفح عمن اذنب، فاسمع منى ما اقول، قال: هات، فانشده اليك اباالمغيره تبت مما جرى بالشام من خطل اللسان و اغضبت الخليفه فيك حتى دعاه فرط غيظ ان هجانى و قلت لمن لحانى فى اعتذارى اليك اذهب فشانك غير شانى عرفت الحق بعد ضلال رايى و بعد الغى من زيغ الجنان زياد من ابى سفيان غصن تهادى ناضرا بين الجنان اراك اخا و عما و ابن عم فما ادرى بعيب ما ترانى و ان زياده فى آل حرب احب الى من وسطى بنانى الا ابلغ معاويه بن حرب فقد ظفرت بما تاتى اليدان فقال زياد: اراك احمق صرفا شاعرا ضيع اللسان، يسوغ لك ريقك ساخطا و مسخوطا، و لكنا قد سمعنا شعرك، و قبلنا عذرك، فهات حاجتك؟ قال: تكتب الى اميرالمومنين بالرضا عنى قال: نعم، ثم دعا كاتبه فكتب له بالرضا عنه، فاخذ كتابه و مضى حتى دخل على معاويه، فلما قراه قال: لحا الله زيادا، لم يتنبه لقوله: و ان زياده فى آل حرب.
ثم رضى عن عبدالرحمن و رده الى حالته.
و اما اشعار يزيد بن مفرغ الحميرى و هجاوه عبيدالله و عبادا، ابنى زياد بالدعوه فكثيره مشهوره، نحو قوله: اعباد ما للوم عنك تحول و لا لك ام من قريش و لا اب و قل لعبيد الله ما لك والد بحق و لايدرى امرو كيف تنسب و نحو قوله: شهدت بان امك لم تباشر اباسفيان واضعه القناع و لكن كان امر فيه لبس على حذر شديد و ارتياع اذا اودى معاويه بن حرب فبشر شعب قعبك بانصداع و نحو قوله: ان زيادا و نافعا و ابابك ره عندى من اعجب العجب هم رجال ثلاثه خلقوا فى رحم انثى و كلهم لاب ذا قرشى كما تقول و ذا مولى و هذا بزعمه عربى كان عبيدالله بن زياد يقول: ما شجيت بشى ء اشد على من قول ابن مفرغ: فكر ففى ذاك ان فكرت معتبر هل نلت مكرمه الا بتامير! عاشت سميه ما عاشت و ما علمت ان ابنها من قريش فى الجماهير و يقال: ان الابيات النونيه المنسوبه الى عبدالرحمن بن ام الحكم ليزيد بن مفرغ و ان اولها الا ابلغ معاويه بن حرب مغلغله من الرجل اليمانى و نحو قوله، و قد باع برد غلامه لما حبسه عباد بن زياد بسجستان يا برد ما مسنا دهر اضر بنا من قبل هذا و لا بعنا له ولدا لامتنى النفس فى برد فقلت لها لاتهلكى اثر برد هكذا كمدا لو لا الدعى و لو لا ما تعرض بى من الحوادث ما فارقته ابدا و نحو قوله: ابلغ لديك بنى قحطان مالكه عض ت باير ابيها ساده اليمن اضحى دعى زياد فقع قرقره يا للعجائب يلهو بابن ذى يزن! و روى ابن الكلبى ان عبادا استلحقه زياد كما استلحق معاويه زيادا، كلاهما لدعوه.
قال: لما اذن لزياد فى الحج تجهز، فبينا هو يتهجز و اصحاب القرب يعرضون عليه قربهم، اذ تقدم عباد- و كان خرازا- فصار يعرض عليه و يحاوره و يجيبه، فقال زياد: ويحك، من انت؟ قال: انا ابنك، قال: ويحك و اى بنى؟ قال: قد وقعت على امى فلانه، و كانت من بنى كذا، فولدتنى، و كنت فى بنى قيس بن ثعلبه و انا مملوك لهم، فقال: صدقت و الله، انى لاعرف ما تقول.
فبعث فاشتراه، و ادعاه و الحقه، و كان يتعهد بنى قيس بن ثعلبه بسببه و يصلهم.
و عظم امر عباد حتى ولاه معاويه سجستان بعد موت زياد، و ولى اخاه عبيدالله البصره، فتزوج عباد الستيره ابنه انيف بن زياد الكلبى، فقال الشاعر يخاطب انيفا- و كان سيد كلب فى زمانه: ابلغ لديك اباتركان مالكه انائما كنت ام بالسمع من صم! انكحت عبد بنى قيس مهذبه آباوها من عليم معدن الكرم اكنت تجهل عبادا و محتده لا در درك ام انكحت من عدم ابعد آل ابى سفيان تجعله صهرا و بعد بنى مروان و الحكم! اعظم عليك بذا عارا و منقصه ما دمت حيا و بعد الموت فى الرحم و قال الحسن البصرى: ثلاث كن فى معاويه لو لم تكن فيه الا واحده منهن لكانت موبقه: انتزاوه على هذه الامه بالسفهاء حتى ابتزها امرها، و استلحاقه زيادا مراغمه لقول رسول الله: (الولد للفراش، و للعاهر الحجر)، و قتله حجر بن عدى فيا ويله من حجر و اصحاب حجر! و روى الشرقى بن القطامى، قال: كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبدشمس شيعه لعلى بن ابى طالب (ع): فلما قدم زياد الكوفه طلبه و اخافه، فاتى الحسن بن على (ع) مستجيرا به، فوثب زياد على اخيه و ولده و امراته فحبسهم و اخذ ماله، و نقض داره.
فكتب الحسن بن على (ع) الى زياد: اما بعد، فانك عمدت الى رجل من المسلمين له ما لهم و عليه، ما عليهم فهدمت داره و اخذت ماله، و حبست اهله و عياله، فان اتاك كتابى هذا فابن له داره، و اردد عليه عياله و ماله، و شفعنى فيه، فقد اجرته.
والسلام.
فكتب اليه زياد: من زياد بن ابى سفيان الى الحسن بن فاطمه، اما بعد فقد اتانى كتابك تبدا فيه بنفسك قبلى، و انت طالب حاجه و انا سلطان و انت سوقه، و تامرنى فيه بامر المطاع المسلط على رعيته.
كتبت الى فى فاسق آويته، اقامه منك على سوء الراى و رضا منك بذلك، و ايم الله لاتسبقنى به و لو كان بين جلدك و لحمك، و ان نلت بعضك غير رفيق بك و لا مرع عليك فان احب لحم على ان آكله للحم الذى انت منه، فسلمه بجريرته الى من هو اولى به منك، فان عفوت عنه لم اكن شفعتك فيه، و ان قتله لم اقتله الا لحبه اباك الفاسق، والسلام.
فلما ورد الكتاب على الحسن (ع) قراه و تبسم، و كتب بذلك الى معاويه، و جعل كتاب زياد عطفه، و بعث به الى الشام، و كتب جواب كتابه كلمتين لا ثالثه لهما من الحسن بن فاطمه الى زياد بن سميه، اما بعد فان رسول الله (ص) قال: (الولد للفراش، و للعاهر الحجر)، والسلام.
فلما قرا معاويه كتاب زياد الى الحسن ضاقت به الشام، و كتب الى زياد: اما بعد، فان الحسن بن على بعث الى بكتابك اليه جوابا عن كتاب كتبه اليك فى ابن سرح، فاكثرت العجب منك، و علمت ان لك رايين: احدهما من ابى سفيان، و الاخر من سميه، فاما الذى من ابى سفيان فحلم و حزم، و اما الذى من سميه، فما يكون من راى مثلها! من ذلك كتابك الى الحسن تشتم اباه، و تعرض له بالفسق، و لعمرى انك الاولى بالفسق من ابيه.
فاما ان الحسن بدا بنفسه ارتفاعا عليك، فان ذلك لايضعك لو عقلت، و اما تسلطه عليك بالامر فحق لمثل الحسن ان يتسلط، و اما تركك تشفيعه فيما شفع فيه اليك فحظ دفعته عن نفسك الى من هو اولى به منك.
فاذا ورد عليك، كتابى فخل ما فى يديك لسعيد بن ابى سرح، و ابن له داره، و اردد عليه ماله، و لاتعرض له، فقد كتبت الى الحسن ان يخيره ان شاء اقام عنده، و ان شاء رجع الى بلده، و لا سلطان لك عليه لا بيد و لا لسان.
و اما كتابك الى الحسن باسمه و اسم امه، و لا تنسبه الى ابيه، فان الحسن ويحك! من لايرمى به الرجوان، و الى اى ام وكلته لا ام لك! اما علمت انها فاطمه بنت رسول الله (ص) فذاك افخر له لو كنت تعلمه و تعقله! و كتب فى اسفل الكتاب شعرا، من جملته: اما حسن فابن الذى كان قبله اذا سار سار الموت حيث يسير و هل يلد الرئبال الا نظيره و ذا حسن شبه له و نظير و لكنه لو يوزن الحلم و الحجا بامر لقالوا يذبل و ثبير و روى الزبير بن بكار فى "الموفقيات" ان عبدالملك اجرى خيلا، فسبقه عباد بن زياد، فانشد عبدالملك: سبق عباد و صلت لحيته و كان خرازا تجود قربته فشكى عباد قول عبدالملك الى خالد بن يزيد بن معاويه، فقال له: اما و الله لانصفنك منه بحيث يكره.
فزوجه اخته، فكتب الحجاج الى عبدالملك: يا اميرالمومنين، ان مناكح آل ابى سفيان قد ضاعت.
فاخبر عبدالملك خالدا بما كتب به الحجاج، فقال خالد: يا اميرالمومنين، ما اعلم امراه من ا ضاعت و نزلت الا عاتكه بنت يزيد بن معاويه، فانها عندك، و لم يعن الحجاج غيرك.
قال عبدالملك: بل عنى الدعى ابن الدعى عبادا، قال خالد: يا اميرالمومنين ما انصفتنى ادعى رجلا ثم لا ازوجه! انما كنت ملوما لو زوجت دعيك، فاما دعيى فلم لا ازوجه! فاما اول ما ارتفع به زياد فهو استخلاف ابن عباس له على البصره فى خلافه على (ع)، و بلغت عليا عنه هنات، فكتب اليه يلومه و يونبه، فمنها الكتاب الذى ذكر الرضى رحمه الله بعضه، و قد شرحنا فيما تقدم ما ذكر الرضى منه، و كان على (ع) اخرج اليه سعدا مولاه يحثه على حمل مال البصره الى الكوفه، و كان بين سعد و زياد ملاحاه و منازعه، و عاد سعد و شكاه الى على (ع) و عابه، فكتب على (ع) اليه: اما بعد، فان سعدا ذكر انك شتمته ظلما، و هددته و جبهته تجبرا و تكبرا، فما دعاك الى التكبر و قد قال رسول الله (ص): (الكبر رداء الله، فمن نازع الله ردائه قصمه)، و قد اخبرنى انك تكثر من الالوان المختلفه فى الطعام فى اليوم الواحد و تدهن كل يوم، فما عليك لو صمت لله اياما، و تصدقت ببعض ما عندك محتسبا، و اكلت طعامك مرارا قفارا، فان ذلك شعار الصالحين! افتطمع و انت متمرغ فى النعيم، تستاثر به على الجار و المسكين و الضعيف و الفقير و الارمله و اليتيم، ان يحسب لك اجر المتصدقين! و اخبرنى انك تتكلم بكلام الابرار، و تعمل عمل الخاطئين، فان كنت تفعل ذلك فنفسك ظلمت، و عملك، احبطت فتب الى ربك يصلح لك عملك، و اقتصد فى امرك، و قدم الى ربك الفضل ليوم حاجتك، و ادهن غبا، فانى سمعت رسول الله (ص) يقول: (ادهنوا غبا و لا تدهنوا رفها).
فكتب اليه زياد: اما بعد يا اميرالمومنين، فان سعدا قدم على فاساء القول و العمل، فانتهرته و زجرته، و كان اهلا لاكثر من ذلك.
و اما ما ذكرت من الاسراف و اتخاذ الالوان من الطعام و النعم، فان كان صادقا فاثابه الله ثواب الصالحين، و ان كان كاذبا فوقاه الله اشد عقوبه الكاذبين.
و اما قوله: (انى اصف العدل و اخالفه الى غيره)، فانى اذن من الاخسرين.
فخذ يا اميرالمومنين بمقال قلته فى مقام قمته، الدعوى بلا بينه، كالسهم بلا نصل، فان اتاك بشاهدى عدل، و الا تبين لك كذبه و ظلمه.
و من كلام زياد، تاخير جزاء المحسن لوم و تعجيل عقوبه المسى ء طيش.
و كتب اليه معاويه: اما بعد، فاعزل حريث بن جابر عن العمل، فانى لااذكر مقاماته بصفين الا كانت حزازه فى صدرى، فكتب اليه زياد، اما بعد، فخفض عليك يا اميرالمومنين، فان حريثا قد سبق شرفا لا يرفعه معه عمل، و لا يضعه معه عزل.
و قال لابنه عبيدالله: عليك بالحجاب، و انما اجترات الرعاه على السباع بكثره نظرها اليها.
و من كلامه: احسنوا الى اهل الخراج، فانكم لا تزالون سمانا ما سمنوا.
قدم رجل خصما له الى زياد فى حق له عليه و قال: ايها الامير، ان هذا يدل بخاصه ذكر انها له منك.
قال زياد صدق: و ساخبرك بما ينفعه عندى من خاصته و مودته، ان يكن له الحق عليك آخذك به اخذا عنيفا، و ان يكن الحق لك قضيت عليه، ثم قضيت عنه.
و قال: ليس العاقل من يحتال للامر اذا وقع فيه، لكن العاقل من يحتال للامر الا يقع فيه.
و قال فى خطبه له: الا رب مسرور بقدومنا لا نسره، و خائف ضرنا لا نضره! كان مكتوبا فى الحيطان الاربعه فى قصر زياد كتابه بالجص، اربعه اسطر اولها: الشده فى غير عنف، و اللين فى غير ضعف.
و الثانى: المحسن مجازى باحسانه، و المسى ء يكافا باسائته.
و الثالث: العطيات و الارزاق فى ابانها و اوقاتها.
و الرابع: لااحتجاب عن صاحب ثغر، و لا عن طارق ليل.
و قال يوما على المنبر: ان الرجل ليتكلم بالكلمه يشفى بها غيظه لايقطع بها ذنب عنز فتضره: لو بلغتنا عنه لسفكنا دمه.
و قال: ما قرات كتاب رجل قط الا عرفت عقله منه.
و قال فى خطبه: استوصوا بثلاثه منكم خيرا: الشريف، و العالم، و الشيخ، فو الله لاياتينى وضيع بشريف يستخف به الا انتقمت منه، او شاب بشيخ يستخف به الا اوجعته ضربا، و لا جاهل بعالم يستخف به الا نكلت به.
و قيل لزياد: ما الحظ؟ قال: ان يطول عمرك، و ترى فى عدوك ما يسرك.
قيل كان زياد يقول: هما طريقان للعامه: الطاعه و السيف.
و كان المغيره يقول: لا و الله حتى يحملوا على سبعين طريقا غير السيف.
و قال الحسن البصرى لرجل: الا تحدثنى بخطبتى زياد و الحجاج حين دخلا العراق! قال: بلى، اما زياد فلما قدم البصره حمد الله و اثنى عليه ثم قال: اما بعد، فان معاويه غير مخوف على قومه، و لم يكن ليلحق بنسبه من ليس منه، و قد شهدت الشهود بما قد بلغكم، و الحق احق ان يتبع، و الله حيث وضع البينات كان اعلم، و قد رحلت عنكم و انا اعرف صديقى من عدوى، ثم قدمت عليكم و قد صار العدو صديقا مناصحا، و الصديق عدوا مكاشحا، فليشتمل كل امرى ء على ما فى صدره و لايكونن لسانه شفره تجرى على اوداجه، و ليعلم احدكم اذا خلا بنفسه انى قد حملت سيفى بيدى، فان اشهره لم اغمده، و ان اغمده لم اشهره.
ثم نزل.
و اما الحجاج فانه قال: من اعياه داوه، فعلى دواوه، و من استبطا اجله، فعلى ان اعجله الا ان الحزم و العزم ا ستلبا منى سوطى، و جعلا سوطى سيفى، فنجاده فى عنقى و قائمه بيدى، و ذبابه قلاده لمن اغتر بى.
فقال الحسن: البوس لهما، ما اغرهما بربهما! اللهم اجعلنا ممن يعتبر بهما.
و قال بعضهم: ما رايت زيادا كاسرا احدى عينيه، واضعا احدى رجليه على الاخرى يخاطب رجلا الا رحمت المخاطب.
و من كلامه: نعم الشى ء الاماره، لو لا قعقعه لجام البريد، و تسنم ذروه المنبر.
قال لحاجبه: يا عجلان، انى قد وليتك هذا الباب و عزلتك عن اربعه: المنادى اذا جاء يوذن بالصلاه، فانها كانت كتابا موقوتا، و رسول صاحب الثغر، فانه ان ابطا ساعه فسد تدبير سنه، و طارق الليل فشر ما جاء به، و الطباخ اذا فرغ من الطعام، فانه متى اعيد عليه التسخين فسد.
و كان حارثه بن بدر الغدانى قد غلب على زياد، و كان حارثه مشتهرا بالشراب، فقيل لزياد فى ذلك، فقال: كيف باطراح رجل هو يسايرنى منذ قدمت العراق فلايصل ركابه ركابى، و لاتقدمنى قط فنظرت الى قفاه، و لاتاخر عنى فلويت عنقى اليه و لااخذ على الشمس فى شتاء قط، و لا الروح فى صيف قط، و لا سالته عن علم الا ظننته لايحسن غيره.
و من كلامه: كفى بالبخل عارا ان اسمه لم يقع فى حمد قط، و كفى بالجود فخرا ان اسمه لم يقع فى ذم قط.
و قال: ملاك السلط ان الشده على المريب، و اللين للمحسن، و صدق الحديث و الوفاء بالعهد.
و قال: ما اتيت مجلسا قط الا تركت منه ما لو اخذته لكان لى، و ترك ما لى احب الى من اخذ ما ليس لى.
و قال: ما قرات مثل كتب الربيع بن زياد الحارثى، ما كتب الى كتابا قط الا فى اجترار منفعه، او دفع مضره، و لا شاورته يوما قط فى امر مبهم الا و سبق الى الراى.
و قال: يعجبنى من الرجل اذا اتى مجلسا ان يعلم اين مكانه منه، فلايتعداه الى غيره، و اذا سيم خطه خسف ان يقول: (لا) بمل ء فيه.
فاما خطبه زياد المعروفه بالبتراء- و انما سميت بذلك لانه لم يحمد الله فيها- و لا صلى على رسوله- فقد ذكرها على بن محمد المدائنى قال: قدم زياد البصره اميرا عليها ايام معاويه و الفسق فيها فاش جدا، و اموال الناس منتهبه، و السياسه ضعيفه، فصعد المنبر فقال: اما بعد، فان الجاهليه الجهلاء، و الضلاله العمياء، و الغى الموفد لاهله على النار، ما فيه سفهاوكم، و يشتمل عليه حلماوكم، من الامور العظام، ينبت فيها الصغير، و لايتحاشى منها الكبير، كانكم لم تقرئوا كتاب الله، و لم تستمعوا ما اعد من الثواب الكثير لاهل طاعته، و العذاب الاليم لاهل معصيته، فى الزمن السرمد الذى لايزول.
اتكونون كمن طرفت عين ه الدنيا، و سدت مسامعه الشهوات، و اختار الفانيه على الباقيه! لاتذكرون انكم احدثتم فى الاسلام الحدث الذى لم تسبقوا به، من ترككم الضعيف يقهر و يوخذ ماله، و الضعيفه المسلوبه فى النهار المبصر، هذا و العدد غير قليل! الم يكن منكم نهاه تمنع الغواه عن دلج الليل و غاره النهار! قربتم القرابه، و باعدتم الذين يعتذرون بغير العذر و يعطون على المختلس كل امرى ء منكم يذب عن سيفه، صنيع من لايخاف عاقبه، و لايرجو معادا.
ما انتم بالحلماء، و قد اتبعتم السفهاء، فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرمه الاسلام، ثم اطرقوا ورائكم كنوسا فى مكانس الريب.
حرم على الطعام و الشراب حتى اسويها بالارض هدما و احراقا! انى رايت آخر هذا الامر لايصلح الا بما صلح به اوله! لين فى غير ضعف، و شده فى غير عنف.
و انا اقسم بالله لاخذن الولى بالولى، و الظاعن بالظاعن، و المقبل بالمدبر، و الصحيح منكم فى نفسه بالسقيم، حتى يلقى الرجل اخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، او تستقيم لى قناتكم.
ان كذبه المنبر تلفى مشهوره، فاذا تعلقتم على بكذبه فقد حلت لكم معصيتى! من نقب عليه منكم فانا ضامن لما ذهب منه.
فاياكم و دلج الليل، فانى لااوتى بمدلج الا سفكت دمه.
و قد اجلتكم بقدر ما ياتى الخبر الكوفه، و يرجع اليكم.
اياكم و دعوى الجاهليه، فانى لااجد احدا دعا بها الا قطعت لسانه، و قد احدثتم احداثا، و قد احدثنا لكل ذنب عقوبه، فمن غرق بيوت قوم غرقناه، و من حرق على قوم حرقناه، و من نقب على احد بيتا نقبنا على قلبه، و من نبش قبرا دفناه فيه حيا.
كفوا عنى ايديكم و السنتكم، اكف عنكم يدى و لسانى.
و لايظهرن من احدكم خلاف ما عليه عامتكم فاضرب عنقه.
و قد كانت بينى و بين اقوام احن فقد جعلت ذلك وراء اذنى، و تحت قدمى، فمن كان منكم محسنا فليزدد احسانا، و من كان مسيئا فلينزع عن اسائته، انى لو علمت ان احدكم قد قتله السلال من بغضى لم اكشف عنه قناعا، و لم اهتك له سترا حتى يبدى لى صفحته، فاذا فعل لم اناظره.
فاستانفوا اموركم، و اعينوا على انفسكم، فرب مبتئس بقدومنا سيسر، و مسرور بقدومنا سيباس.
ايها الناس، انا اصبحنا لكم ساسه، و عنكم ذاده، نسوسكم بسلطان الله الذى اعطاناه، و نذود عنكم بفى ء الله الذى خولناه فلنا عليكم السمع و الطاعه فيما احببنا، و لكم علينا، العدل و الانصاف فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا و فيئنا بمناصحتكم لنا، و اعلموا انى مهما قصرت عنه فلن اقصر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجه منكم ، و لا حابسا عطاء، و لا مجمرا بعثا، فادعوا الله بالصلاح لائمتكم فانهم ساستكم المودبون، و كهفكم الذى اليه تاوون، و متى يصلحوا تصلحوا، فلاتشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتد لذلك غيظكم، و يطول لذلك حزنكم، و لاتدركوا حاجتكم، مع انه لو استجيب لاحد منكم لكان شرا لكم.
اسال الله ان يعين كلا على كل.
و اذا رايتمونى انفذ فيكم الامر، فانفذوه على اذلاله.
و ايم الله ان لى فيكم لصرعى كثيره، فليحذر كل امرى ء منكم ان يكون من صرعاى.
فقام عبدالله بن الاهتم فقال: اشهد ايها الامير، لقد اوتيت الحكمه و فصل الخطاب.
فقال: كذبت، ذاك نبى الله داود.
فقام الاحنف فقال: انما الثناء بعد البلاء، و الحمد بعد العطاء، و انا لانثنى حتى نبتلى و لانحمد حتى نعطى.
فقال زياد: صدقت.
فقام ابوبلال مرداس بن اديه يهمس و يقول: انبانا الله بغير ما قلت، (فقال): (و ابراهيم الذى وفى الا تزر وازره وزر اخرى) فسمعها زياد فقال: يا ابابلال، انا لانبلغ ما نريد باصحابك حتى نخوض اليهم الباطل خوضا.
و روى الشعبى، قال: قدم زياد الكوفه لما جمعت له مع البصره، فدنوت من المنبر لاسمع كلامه، فلم ار احدا يتكلم فيحسن الا تمنيت ان يسكت مخافه ان يسى ء، الا زيادا فانه كان لايزداد اكثارا ا لا ازداد احسانا، فكنت اتمنى الا يسكت.
و روى الشعبى ايضا، قال: لما خطب زياد خطبته البتراء بالبصره و نزل سمع تلك الليله اصوات الناس يتحارسون، فقال: ما هذا؟ قالوا: ان البلد مفتونه، و ان المراه من اهل المصر لتاخذها الفتيان الفساق فيقال لها: نادى ثلاث اصوات، فان اجابك احد و الا فلا لوم علينا فيما نصنع.
فغضب فقال: ففيم انا، و فيم قدمت! فلما اصبح امر فنودى فى الناس، فاجتمعوا فقال: ايها الناس، انى قد نبئت بما انتم فيه و سمعت ذروا منه، و قد انذرتكم و اجلتكم شهرا مسير الرجل الى الشام، و مسيره الى خراسان، و مسيره الى الحجاز، فمن وجدناه بعد شهر خارجا من منزله بعد العشاء الاخره فدمه هدر.
فانصرف الناس يقولون: هذا القول كقول من تقدمه من الامراء فلما كمل الشهر دعا صاحب شرطته عبدالله ابن حصين اليريوعى- و كانت رجال الشرطه معه اربعه آلاف- فقال له: هى ء خيلك و رجلك فاذا صليت العشاء الاخره، و قرا القارى ء مقدار سبع من القرآن، و رفع الطن القصب من القصر، فسر و لاتلقين احدا عبيدالله بن زياد فمن دونه، الا جئتنى براسه، و ان راجعتنى فى احد ضربت عنقك.
قال فصبح على باب القصر تلك الليله سبعمائه راس، ثم خرج الليله الثانيه فجاء بخمسين راسا ، ثم خرج الليله الثالثه فجاء براس واحد، ثم لم يجى ء بعدها بشى ء، و كان الناس اذا صلوا العشاء الاخره احضروا الى منازلهم شدا حثيثا، و قد يترك بعضهم نعاله.
كتبت عائشه الى زياد كتابا، فلم تدر ما تكتب عنوانه! ان كتبت زياد بن عبيد او ابن ابيه اغضبته، و ان كتبت زياد بن ابى سفيان اثمت، فكتبت: من ام المومنين الى ابنها زياد.
فلما قراه ضحك، و قال: لقد لقيت ام المومنين من هذا العنوان نصبا!
(عثمان بن حنيف و نسبه) هو عثمان بن حنيف- بضم الحاء بن واهب بن العكم بن ثعلبه بن الحارث الانصارى ثم الاوسى اخو سهل بن حنيف، يكنى اباعمرو- و قيل اباعبدالله- عمل لعمر ثم لعلى (ع)، و ولاه عمر مساحه الارض و جبايتها بالعراق، و ضرب الخراج و الجزيه على اهلها، و ولاه على (ع) على البصره فاخرجه طلحه و الزبير منها حين قدماها، و سكن عثمان الكوفه بعد وفاه على (ع)، و مات بها فى زمن معاويه.
قوله: (من فتيه البصره)، اى من فتيانها اى من شبابها او من اسخيائها، يقال للسخى: هذا فتى و الجمع فتيه و فتيان، و فتو، و يروى: (ان رجلا من قطان البصره)، اى سكانها.
و المادبه، بضم الدال: الطعام يدعى اليه القوم، و قد جائت بفتح الدال ايضا، و يقال: ادب فلان القوم يادبهم بالكسر، اى دعاهم الى طعامه، و الادب: الداعى اليه، قال طرفه: نحن فى المشتاه ندعو الجفلى لاترى الادب فينا ينتقر و يقال ايضا: آدبهم الى طعامه يودبهم ايدابا و يروى: (و كثرت عليك الجفان فكرعت و اكلت اكل ذئب نهم، او ضبع قرم).
و روى: (و ما حسبتك تاكل طعام قوم).
ثم ذم اهل البصره فقال: (عائلهم مجفو، و غنيهم مدعو)، و العائل: الفقير، و هذا كقول الشاعر: فان تم لق فانت لنا عدو فان تثر فانت لنا صديق ثم امره بان يترك ما فيه شبهه الى ما لا شبهه فيه، و سمى ذلك قضما و مقضما و ان كان مما لايقضم لاحتقاره له، و ازدرائه اياه، و انه عنده ليس مما يستحق ان يسمى باسماء المرغوب فيه، المتنافس عليه، و ذلك لان القضم يطلق على معنيين: احدهما على اكل الشى ء اليابس، و الثانى على ما يوكل ببعض الفم، و كلاهما يدلان على ان ذلك المقضم المرغوب عنه، لا فيه.