شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 562
نمايش فراداده

الشرح:

هذا الفصل مختص بالوصاه فيما يتعلق بامراء الجيش، امره ان يولى امر الجيش من جنوده من كان انصحهم لله فى ظنه، و اطهرهم جيبا، اى عفيفا امينا و يكنى عن العفه و الامانه بطهاره الجيب لان الذى يسرق يجعل المسروق فى جيبه.

فان قلت: و اى تعلق لهذا بولاه الجيش؟ انما ينبغى ان تكون هذه الوصيه فى ولاه الخراج! قلت: لابد منها فى امراء الجيش لاجل الغنائم.

ثم وصف ذلك الامير فقال: (ممن يبطى ء عن الغضب، و يستريح الى العذر)، اى يقبل ادنى عذر، و يستريح اليه، و يسكن عنده.

و يروف على الضعفاء، يرفق بهم و يرحمهم، و الرافه: الرحمه.

و ينبو عن الاقوياء: يتجافى عنهم و يبعد، اى لايمكنهم من الظلم و التعدى على الضعفاء.

و لايثيره العنف: لايهيج غضبه عنف و قسوه و لايقعد به الضعف، اى ليس عاجزا.

ثم امره ان يلصق بذوى الاحساب و اهل البيوتات، اى يكرمهم و يجعل معوله فى ذلك عليهم و لايتعداهم الى غيرهم، و كان يقال: عليكم بذوى الاحساب، فان هم لم يتكرموا استحيوا.

ثم ذكر بعدهم اهل الشجاعه و السخاء، ثم قال: (انها جماع من الكرم، و شعب من العرف، من هاهنا زائده، و ان كانت فى الايجاب على مذهب ابى الحسن الاخفش، اى جماع الكرم، اى يجمعه كقول ا لنبى (ص): (الخمر جماع الاثم).

و العرف: المعروف.

و كذلك (من) فى قوله: (و شعب من العرف) اى شعب العرف، اى هى اقسامه و اجزاوه، و يجوز ان تكون (من) على حقيقتها للتبعيض، اى هذه الخلال جمله من الكرم و اقسام المعروف، و ذلك لان غيرها ايضا من الكرم و المعروف، و نحو العدل و العفه.

قوله: (ثم تفقد من امورهم) الضمير هاهنا يرجع الى الاجناد لا الى الامراء لما سنذكره، مما يدل الكلام عليه.

فان قلت: انه لم يجر للاجناد ذكر فيما سبق، و انما المذكور الامراء!.

قلت: كلا بل سبق ذكر الاجناد، و هو قوله: (الضعفاء و الاقوياء).

و امره (ع) ان يتفقد من امور الجيش ما يتفقد الوالدان من حال الولد، و امره الا يعظم عنده ما يقويهم به و ان عظم، و الا يستحقر شيئا تعهدهم به و ان قل، و الا يمنعه تفقد جسيم امورهم عن تفقد صغيرها.

و امره ان يكون آثر رئوس جنوده عنده و احظاهم عنده و اقربهم اليه من واساهم فى معونته، هذا هو الضمير الدال على ان الضمير المذكور اولا للجند لا لامراء الجند، لولا ذلك لما انتظم الكلام.

قوله: (من خلوف اهليهم)، اى ممن يخلفونه من اولادهم و اهليهم.

ثم قال: لايصح نصيحه الجند لك الا بحيطتهم على ولاتهم، اى بتعطفهم عليهم و تحننهم، و هى ا لحيطه على وزن الشيمه، مصدر حاطه يحوطه حوطا و حياطا، و حيطه، اى كلاه و رعاه، و اكثر الناس يروونها (الا بحيطتهم) بتشديد الياء و كسرها، و الصحيح ما ذكرناه.

قوله: (و قله استثقال دولهم)، اى لاتصح نصيحه الجند لك الا اذا احبوا امرائهم ثم لم يستثقلوا دولهم، و لم يتمنوا زوالها.

(رساله الاسكندر الى ارسطو و رد ارسطو عليه) و ينبغى ان نذكر فى هذا الموضع رساله ارسطو الى الاسكندر فى معنى المحافظه على اهل البيوتات و ذوى الاحساب، و ان يخصهم بالرياسه و الامره، و لايعدل عنهم الى العامه و السفله، فان فى ذلك تشييدا لكلام اميرالمومنين (ع)، و وصيته.

لما ملك الاسكندر ايران شهر- و هو العراق مملكه الاكاسره- و قتل دارا بن دارا كتب الى ارسطو و هو ببلاد اليونان: عليك ايها الحكيم منا السلام، اما بعد فان الافلاك الدائره، و العلل السمائيه، و ان كانت اسعدتنا بالامور التى اصبح الناس لنا بها دائبين، فانا جد واجدين لمس الاضطرار الى حكمتك، غير جاحدين لفضلك و الاقرار بمنزلتك، و الاستنامه الى مشورتك و الاقتداء برايك، و الاعتماد لامرك و نهيك، لما بلونا من جدا ذلك علينا، و ذقنا من جنا منفعته، حتى صار ذلك بنجوعه فينا و ترسخه فى اذهاننا و عقولنا ك الغذاء لنا، فما ننفك نعول عليه، و نستمد منه استمداد الجداول من البحور، و تعويل الفروع على الاصول، و قوه الاشكال بالاشكال.

و قد كان مما سيق الينا من النصر و الفلج، و اتيح لنا من الظفر، و بلغنا فى العدو من النكايه و البطش ما يعجز القول عن وصفه، و يقصر شكر المنعم عن موقع الانعام به، و كان من ذلك انا جاوزنا ارض سوريه و الجزيره الى بابل و ارض فارس، فلما حللنا بعقوه اهلها و ساحه بلادهم، لم يكن الا ريثما تلقانا نفر منهم براس ملكهم هديه الينا، و طلبا للحظوه عندنا، فامرنا بصلب من جاء به و شهرته لسوء بلائه، و قله ارعوائه و وفائه، ثم امرنا بجمع من كان هناك من اولاد ملوكهم و احرارهم و ذى الشرف منهم، فراينا رجالا عظيمه اجسامهم و احلامهم، حاضره البابهم و اذهانهم، رائعه مناظرهم و مناطقهم، دليلا على ان ما يظهر من روائهم و منطقهم ان ورائه من قوه ايديهم، و شده نجدتهم و باسهم ما لم يكن ليكون لنا سبيل الى غلبتهم و اعطائهم بايديهم، لولا ان القضاء ادالنا منهم، و اظفرنا بهم، و اظهرنا عليهم، و لم نر بعيدا من الراى فى امرهم ان نستاصل شافتهم، و نجتث اصلهم، و نلحقهم بمن مضى من اسلافهم، لتسكن القلوب بذلك الامن الى جرائرهم و بوائقهم، فر اينا الا نجعل باسعاف بادى الراى فى قتلهم دون الاستظهار عليهم بمشورتك فيهم.

فارفع الينا رايك فيما استشرناك فيه بعد صحته عندك، و تقليبك اياه بجلى نظرك، و سلام اهل السلام، فليكن علينا و عليك.

فكتب اليه ارسطو: لملك الملوك، و عظيم العظماء، الاسكندر المويد بالنصر على الاعداء، المهدى له الظفر بالملوك، من اصغر عبيده و اقل خوله، ارسطو طاليس البخوع بالسجود و التذلل فى السلام، و الاذعان فى الطاعه: اما بعد، فانه لا قوه بالمنطق و ان احتشد الناطق فيه، و اجتهد فى تثقيف معانيه، و تاليف حروفه و مبانيه على الاحاطه باقل ما تناله القدره من بسطه علو الملك و سمو ارتفاعه عن كل قول، و ابرازه على كل وصف، و اغترافه بكل اطناب.

و قد كان تقرر عندى من مقدمات اعلام فضل الملك فى صهله سبقه، و بروزه شاوه، و يمن نقيبته، مذ ادت الى حاسه بصرى صوره شخصه، و اضطرب فى حس سمعى صوت لفظه، و وقع وهمى على تعقيب نجاح رايه، ايام كنت اودى اليه من تكلف تعليمى اياه ما اصبحت قاضيا على نفسى بالحاجه الى تعلمه منه.

و مهما يكن منى اليه فى ذلك، فانما هو عقل مردود الى عقله، مستنبطه اواليه و تواليه من علمه و حكمته.

و قد جلا الى كتاب الملك و مخاطبته اياى و مسالته لى عما لايتخالجنى الشك فى لقاح ذلك و انتاجه من عنده، فعنه صدر و عليه ورد، و انا فيما اشير به على الملك- و ان اجتهدت فيه و احتشدت له، و تجاوزت حد الوسع و الطاقه منى فى استنظافه و استقصائه- كالعدم مع الوجود، بل كما لايتجزا فى جنب معظم الاشياء، و لكنى غير ممتنع من اجابه الملك الى ما سال، مع علمى و يقينى بعظيم غناه عنى، و شده فاقتى اليه، و انا راد الى الملك ما اكتسبته منه، و مشير عليه بما اخذته، منه فقائل له: ان لكل تربه لا محاله قسما من الفضائل، و ان لفارس قسمها من النجده و القوه، و انك ان تقتل اشرافهم تخلف الوضعاء على اعقابهم، و تورث سفلتهم على منازل عليتهم، و تغلب ادنيائهم على مراتب ذوى اخطارهم، و لم يبتل الملوك قط ببلاء هو اعظم عليهم و اشد توهينا لسلطانهم من غلبه السفله، و ذل الوجوه، فاحذر الحذر كله ان تمكن تلك الطبقه من الغلبه و الحركه، فانه ان نجم منهم بعد اليوم على جندك و اهل بلادك ناجم دهمهم منه ما لا رويه فيه، و لا بقيه معه، فانصرف عن هذا الراى الى غيره، و اعمد الى من قبلك من اولئك العظماء و الاحرار، فوزع بينهم مملكتهم، و الزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحيته، و اعقد التاج على راسه و ان صغر ملكه، فان المتس مى بالملك لازم لاسمه، و المعقود التاج على راسه لايخضع لغيره، فليس ينشب ذلك ان يوقع كل ملك منهم بينه و بين صاحبه تدابرا و تقاطعا و تغالبا على الملك، و تفاخرا بالمال و الجند، حتى ينسوا بذلك اضغانهم عليك و اوتارهم فيك، و يعود حربهم لك حربا بينهم، و حنقهم عليك حنقا منهم على انفسهم، ثم لايزدادون فى ذلك بصيره الا احدثوا لك بها استقامه، ان دنوت منهم دانوا لك، و ان نايت عنهم تعززوا بك، حتى يثب من ملك منهم على جاره باسمك، و يسترهبه بجندك، و فى ذلك شاغل لهم عنك، و امان لاحداثهم بعدك، و ان كان لا امان للدهر، و لا ثقه بالايام.

قد اديت الى الملك ما رايته لى حظا، و على حقا، من اجابتى اياه الى ما سالنى عنه، و محضته النصيحه فيه، و الملك اعلى عينا، و انفذ رويه، و افضل رايا، و ابعد همه فيما استعان بى عليه، و كلفنى بتبيينه و المشوره عليه فيه.

لازال الملك متعرفا من عوائد النعم و عواقب الصنع، و توطيد الملك، و تنفيس الاجل، و درك الامل، ما تاتى فيه قدرته على غايه قصوى ما تناله قدره البشر!.

و السلام الذى لا انقضاء له، و لا انتهاء و لا غايه و لا فناء، فليكن على الملك.

قالوا: فعمل الملك برايه، و استخلف على ايران شهر ابناء الملوك و ال عظماء من اهل فارس، فهم ملوك الطوائف الذين بقوا بعده، و المملكه موزعه بينهم الى ان جاء اردشير بن بابك فانتزع الملك منهم.

ثم امره ان يذكر فى المجالس و المحافل بلاء ذوى البلاء منهم، فان ذلك مما يرهف عزم الشجاع و يحرك الجبان.

قوله: (و لاتضمن بلاء امرى ء الى غيره)، اى اذكر كل من ابلى منهم مفردا غير مضموم ذكر بلائه الى غيره، كى لايكون مغمورا فى جنب ذكر غيره.

ثم قال له: لاتعظم بلاء ذوى الشرف لاجل شرفهم، و لاتحقر بلاء ذوى الضعه لضعه انسابهم، بل اذكر الامور على حقائقها.

ثم امره ان يرد الى الله و رسوله ما يضلعه من الخطوب، اى ما يوده و يميله لثقله، و هذه الروايه اصح من روايه من رواها بالظاء، و ان كان لتلك وجه.

الشرح:

تمحكه الخصوم: تجعله ماحكا، اى لجوجا، محك الرجل، اى لج، و ماحك زيد عمرا، اى لاجه.

قوله: (و لايتمادى فى الزله)، اى ان زل رجع و اناب، و الرجوع الى الحق خير من التمادى فى الباطل.

قوله: (و لايحصر من الفى ء) هو المعنى الاول بعينه، و الفى ء: الرجوع، الا ان هاهنا زياده، و هو انه لايحصر، اى لايعيا فى المنطق، لان من الناس من اذا زل حصر عن ان يرجع و اصابه كالفهاهه و العى خجلا.

قوله: (و لاتشرف نفسه)، اى لاتشفق.

و الاشراف: الاشفاق و الخوف، و انشد الليث: و من مضر الحمراء اسراف انفس علينا و حياها علينا تمضرا و قال عروه بن اذينه: لقد علمت و ما الاشراف من خلقى ان الذى هو رزقى سوف ياتينى و المعنى: و لاتشفق نفسه، و تخاف من فوت المنافع و المرافق.

ثم قال: (و لايكتفى بادنى فهم)، اى لايكون قانعا بما يخطر له بادى ء الراى من امر الخصوم، بل يستقصى و يبحث اشد البحث.

قوله: (و اقلهم تبرما بمراجعه الخصم)، اى تضجرا، و هذه الخصله من محاسن ما شرطه (ع)، فان القلق و الضجر و التبرم قبيح، و اقبح ما يكون من القاضى.

قوله: (و اصرمهم)، اى اقطعهم و امضاهم.

و ازدهاه كذا، اى استخفه.

و الاطراء: المدح.

و الاغراء: التحريض.

ث م امره ان يتطلع على احكامه و اقضيته، و ان يفرض له عطاء واسعا يملا عينه، و يتعفف به عن المرافق و الرشوات، و ان يكون قريب المكان منه، كثير الاختصاص به ليمنع قربه من سعايه الرجال به و تقبيحهم ذكره عنده.

ثم قال: (ان هذا الدين قد كان اسيرا)، هذه اشاره الى قضاه عثمان و حكامه، و انهم لم يكونوا يقضون بالحق عنده، بل بالهوى لطلب الدنيا.

و اما اصحابنا فيقولون: رحم الله عثمان! فانه كان ضعيفا، و استولى عليه، اهله قطعوا الامور دونه، فاثمهم عليهم و عثمان برى ء منهم.

(فصل فى القضاه و ما يلزمهم و ذكر بعض نوادرهم) قد جاء فى الحديث المرفوع: (لايقضى القاضى و هو غضبان).

و جاء فى الحديث المرفوع ايضا: (من ابتلى بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم فى لحظه و اشارته و مجلسه و مقعده).

دخل ابن شهاب على الوليد- او سليمان- فقال له: يابن شهاب، ما حديث يرويه اهل الشام؟ قال: ما هو يا اميرالمومنين؟ قال: انهم يروون ان الله تعالى اذا استرعى عبدا رعيه كتب له الحسنات، و لم يكتب عليه السيئات، فقال: كذبوا يا اميرالمومنين، ايما اقرب الى الله، نبى ام خليفه! قال: بل نبى، قال: فانه تعالى يقول لنبيه داود: (يا داود انا جعلناك خليفه فى الارض فاحكم بين ا لناس بالحق و لاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد).

فقال سليمان: ان الناس ليغروننا عن ديننا.

و قال بكر بن عبدالله العدوى لابن ارطاه- و اراد ان يستقضيه: و الله ما احسن القضاء، فان كنت صادقا لم يحل لك ان تستقضى من لايحسن، و ان كنت كاذبا فقد فسقت، و الله لايحل ان تستقضى الفاسق.

و قال الزهرى: ثلاث اذا كن فى القاضى فليس بقاض، ان يكره اللائمه، و يحب المحمده، و يخاف العزل.

و قال محارب بن زياد للاعمش: و ليت القضاء فبكى اهلى، فلما عزلت بكى اهلى، فما ادرى مم ذلك؟ قال: لانك وليت القضاء و انت تكرهه و تجزع منه، فبكى اهلك لجزعك، و عزلت عنه فكرهت العزل و جزعت فبكى اهلك لجزعك.

قال: صدقت.

اتى ابن شبرمه بقوم يشهدون على قراح نخل، فشهدوا- و كانوا عدولا- فامتحنهم فقال: كم فى القراح من نخله؟ قالوا: لانعلم، فرد شهادتهم، فقال له احدهم: انت ايها القاضى تقضى فى هذا المسجد منذ ثلاثين سنه، فاعلمنا كم فيه من اسطوانه؟ فسكت و اجازهم.

خرج شريك و هو على قضاء الكوفه يتلقى الخيزران، و قد اقبلت تريد الحج، و قد كان استقضى و هو كاره، فاتى شاهى، فاقام بها ثلاثا، فلم تواف، فخف زاده و ما كان معه، فجعل يبله بالما ء و ياكله بالملح، فقال العلاء بن المنهال الغنوى: فان كان الذى قد قلت حقا بان قد اكرهوك على القضاء فما لك موضعا فى كل يوم تلقى من يحج من النساء مقيما فى قرى شاهى ثلاثا بلا زاد سوى كسر و ماء! و تقدمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث- و كانت جميله- و اخوها الوليد بن سريع الى عبدالملك بن عمير- و هو قاض بالكوفه، فقضى لها على اخيها، فقال هذيل الاشجعى: اتاه وليد بالشهود يسوقهم على ما ادعى من صامت المال و الخول و جائت اليه كلثم و كلامها شفاء من الداء المخامر و الخبل فادلى وليد عند ذاك بحقه و كان وليد ذا مراء و ذا جدل فدلهت القبطى حتى قضى لها بغير قضاء الله فى محكم الطول فلو كان من فى القصر يعلم علمه لما استعمل القبطى فينا على عمل له حين يقضى للنساء تخاوص و كان و ما فيه التخاوص و الحول اذا ذات دل كلمته لحاجه فهم بان يقضى تنحنح او سعل و برق عينيه و لاك لسانه يرى كل شى ء ما خلا وصلها جلل و كان عبدالملك بن عمير يقول: لعن الله الاشجعى، و الله لربما جائتنى السعله و النحنحه و انا فى المتوضا فاردهما لما شاع من شعره.

كتب عمر بن الخطاب الى معاويه: اما بعد فقد كتبت اليك فى القضاء بكتا ب لم آلك و نفسى فيه خيرا، الزم خمس خصال يسلم لك دينك، و تاخذ بافضل حظك: اذا تقدم اليك الخصمان فعليك بالبينه العادله او اليمين القاطعه، و ادن الضعيف حتى يشتد قلبه و ينبسط لسانه، و تعهد الغريب فانك ان لم تتعهده ترك حقه و رجع الى اهله، و انما ضيع حقه من لم يرفق به، و آس بين الخصوم فى لحظك و لفظك، و عليك بالصلح بين الناس ما لم يستبن لك فصل القضاء.

و كتب عمر الى شريح: لاتسارر و لاتضارر، و لاتبع و لاتبتع فى مجلس القضاء، و لاتقض و انت غضبان، و لا شديد الجوع، و لا مشغول القلب.

شهد رجل عند سوار القاضى، فقال: ما صناعتك؟ فقال: مودب، قال: انا لااجيز شهادتك، قال: و لم؟ قال: لانك تاخذ على تعليم القرآن اجرا، قال: و انت ايضا تاخذ على القضاء بين المسلمين اجرا، قال: انهم اكرهونى، قال: نعم اكرهوك على القضاء، فهل اكرهوك على اخذ الاجر! قال: هلم شهادتك.

و دخل ابودلامه ليشهد عند ابى ليلى، فقال حين جلس بين يديه: اذا الناس غطونى تغطيت عنهم و ان بحثوا عنى ففيهم مباحث و ان حفروا بئرى حفرت بئارهم ليعلم ما تخفيه تلك النبائث فقال: بل نغطيك يا ابادلامه و لانبحثك، و صرفه راضيا، و اعطى المشهود عليه من عنده قيمه ذلك الشى ء.

كان عامر بن الظرب العدوانى حاكم العرب و قاضيها، فنزل به قوم يستفتونه فى الخنثى و ميراثه، فلم يدر ما يقضى فيه، و كان له جاريه اسمها خصيله، ربما لامها فى الابطاء عن الرعى و فى الشى ء يجده عليها، فقال لها: يا خصيله، لقد اسرع هولاء القوم فى غنمى، و اطالوا المكث، قالت: و ما يكبر عليك من ذلك؟ اتبعه مباله و خلاك ذم، فقال لها: (مسى خصيل بعدها او روحى).

و قال اعرابى لقوم يتنازعون: هل لكم فى الحق او ما هو خير من الحق؟ قيل: و ما الذى هو خير من الحق؟ قال: التحاط و الهضم، فان اخذ الحق كله مر.

و عزل عمر بن عبدالعزيز بعض قضاته، فقال: لم عزلتنى؟ فقال: بلغنى ان كلامك اكثر من كلام الخصمين اذا تحاكما اليك.

و دخل اياس بن معاويه الشام و هو غلام، فقدم خصما الى باب القاضى فى ايام عبدالملك، فقال القاضى: اما تستحيى! تخاصم و انت غلام شيخا كبيرا؟ فقال: الحق اكبر منه، فقال: اسكت ويحك! قال: فمن ينطق بحجتى اذا! قال: ما اظنك تقول اليوم حقا حتى تقوم، فقال: لا اله الا الله.

فقام القاضى و دخل على عبدالملك و اخبره، فقال: اقض حاجته و اخرجه من الشام كى لايفسد علينا الناس.

و اختصم اعرابى و حضرى الى قاض، فقال الاعرابى: ايها القاضى، انه و ان هملج الى الباطل ، فانه عن الحق لعطوف.

و رد رجل جاريه على رجل اشتراها منه بالحمق، فترافعا الى اياس بن معاويه، فقال لها اياس: اى رجليك اطول؟ فقالت: هذه، فقال: اتذكرين ليله ولدتك امك؟ قالت: نعم، فقال اياس: رد رد! و جاء فى الخبر المرفوع من روايه عبدالله بن عمر: (لاقدست امه لايقضى فيها بالحق)، و من الحديث المرفوع من روايه ابى هريره: (ليس احد يحكم بين الناس الا جى ء به يوم القيامه مغلوله يداه الى عنقه، فكه العدل، و اسلمه الجور).

و استعدى رجل على على بن ابى طالب (ع) عمر بن الخطاب رضى الله عنه و على جالس، فالتفت عمر اليه، فقال: قم يا اباالحسن فاجلس مع خصمك، فقام فجلس معه و تناظرا، ثم انصرف الرجل و رجع على (ع) الى محله، فتبين عمر التغير فى وجهه، فقال: يا اباالحسن، ما لى اراك متغيرا! اكرهت ما كان؟ قال: نعم، قال: و ماذاك؟ قال: كنيتنى بحضره خصمى، هلا قلت: قم يا على فاجلس مع خصمك! فاعتنق عمر عليا، و جعل يقبل وجهه، و قال بابى انتم! بكم هدانا الله، و بكم اخرجنا من الظلمه الى النور.

ابان بن عبدالحميد اللاحقى فى سوار بن عبدالله القاضى: لاتقدح الظنه فى حكمه شيمته عدل و انصاف يمضى اذا لم تلقه شبهه و فى اعتراض الشك وقاف كان ببغداد رجل يذكر بالصلاح و الزهد يقال له رويم، فولى القضاء، فقال الجنيد: من اراد ان يستودع سره من لايفشيه فعليه برويم، فانه كتم حب الدنيا اربعين سنه الى ان قدر عليها.

الاشهب الكوفى: يا اهل بغداد قد قامت قيامتكم مذ صار قاضيكم نوح بن دراج لو كان حيا له الحجاج ما سلمت صحيحه يده من وسم حجاج 66= و كان الحجاج يسم ايدى النبط بالمشراط و النيل.

لما وقعت فتنه ابن الزبير اعتزل شريح القضاء و قال: لااقضى فى الفتنه، فبقى لايقضى تسع سنين، ثم عاد الى القضاء و قد كبرت سنه، فاعترضه رجل و قد انصرف من مجلس القضاء، فقال له: اما حان لك ان تخاف الله! كبرت سنك، و فسد ذهنك، و صارت الامور تجوز عليك، فقال: و الله لايقولها بعدك لى احد فلزم بيته حتى مات.

قيل لابى قلابه و قد هرب من القضاء: لو اجبت؟ قال: اخاف الهلاك، قيل: لو اجتهدت لم يكن عليك باس، قال: ويحكم! اذا وقع السابح فى البحر كم عسى ان يسبح!.

دعا رجل لسليمان الشاذكونى، فقال: ارانيك الله يا اباايوب على قضاء اصبهان! قال: ويحك! ان كان و لابد فعلى خراجها، فان اخذ اموال الاغنياء اسهل من اخذ اموال الايتام.

ارتفعت جميله بنت عيسى بن جراد- و كانت جميله كاسمها- مع خصم لها الى الشعبى- و هو قاضى عبدالملك- فقضى لها، فقال هذيل الاشجعى: فتن الشعبى لما رفع الطرف اليها فتنته بثنايا ها و قوسى حاجبيها و مشت مشيا رويدا ثم هزت منكبيها فقضى جورا على الخص م و لم يقض عليها فقبض الشعبى عليه و ضربه ثلاثين سوطا.

قال ابن ابى ليلى: ثم انصرف الشعبى يوما من مجلس القضاء و قد شاعت الابيات و تناشدها الناس، و نحن معه، فمررنا بخادم تغسل الثياب، و تقول: فتن الشعبى لما، و لاتحفط تتمه البيت، فوقف عليها و لقنها، و قال: رفع الطرف اليها، ثم ضحك و قال: ابعده الله! و الله ما قضينا لها الا بالحق.

جائت امراه الى قاض فقالت: مات بعلى و ترك ابوين و ابنا و بنى عم، فقال القاضى: لابويه الثكل، و لابنه اليتم، و لك اللائمه، و لبنى عمه الذله، و احملى المال الينا الى ان ترتفع الخصوم!.

لقى سفيان الثورى شريكا بعد ما استقضى، فقال له يا اباعبدالله، بعد الاسلام و الفقه و الصلاح تلى القضاء! قال: يا اباعبدالله، فهل للناس بد من قاض! قال: و لابد يا اباعبدالله للناس من شرطى.

و كان الحسن بن صالح بن حى يقول لما ولى شريك القضاء: اى شيخ افسدوا!.

قال ابوذر رضى الله عنه: قال لى رسول الله (ص): يا اباذر، اعقل ما اقول لك، جعل يرددها على سته ايام، ثم قال لى فى اليوم السابع: اوصيك بتقوى الله فى سريرتك و علانيتك، و اذا اسات فاحسن، و لاتسالن احدا شيئا و لو سقط سوطك، و لاتتقلدن امانه، و لاتلين ولايه، و لاتكفلن يتيما، و لاتقضين بين اثنين.

اراد عثمان بن عفان ان يستقضى عبدالله بن عمر، فقال له: الست قد سمعت النبى (ص) يقول: (من استعاذ بالله فقد عاذ بمعاذ!)، قال: بلى، قال: فانى اعوذ بالله منك ان تستقضينى.

و قد ذكر الفقهاء فى آداب القاضى امورا، قالوا: لايجوز ان يقبل هديه فى ايام القضاء الا ممن كانت له عاده يهدى اليه قبل ايام القضاء، و لايجوز قبولها فى ايام القضاء ممن له حكومه و خصومه، و ان كان ممن له عاده قديمه، و كذلك ان كانت الهديه انفس و ارفع مما كانت قبل ايام القضاء لايجوز قبولها.

و يجوز ان يحضر القاضى الولائم، و لايحضر عند قوم دون قوم، لان التخصيص يشعر بالميل، و يجوز ان يعود المرضى، و يشهد الجنائز، و ياتى مقدم الغائب.

و يكره له مباشره البيع و الشراء.

و لايجوز ان يقضى و هو غضبان و لا جائع و لا عطشان، و لا فى حال الحزن الشديد، و لا الفرح الشديد، و لايقضى و النعاس يغلبه، و المرض يقلقه، و لا و هو يدافع الاخبثين، و لا فى حر مزعج، و لا فى برد مزعج.

و ينبغى ان يجل س للحكم فى موضع بارز يصل اليه كل احد، و لايحتجب الا لعذر.

و يستحب ان يكون مجلسه فسيحا لايتاذى بذلك هو ايضا.

و يكره الجلوس فى المساجد للقضاء، فان احتاج الى و كلاء جاز ان يتخذهم و يوصيهم بالرفق بالخصوم.

و يستحب ان يكون له حبس، و ان يتخذ كاتبا ان احتاج اليه، و من شرط كاتبه ان يكون عارفا بما يكتب به عن القضاء.

و اختلف فى جواز كونه ذميا، و الاظهر انه لايجوز و لايجوز ان يكون كاتبه فاسقا، و لايجوز ان يكون الشهود عنده قوما معينين، بل الشهاده عامه فيمن استكمل شروطها.

الشرح:

لما فرغ (ع) من امر القضاء، شرع فى امر العمال، و هم عمال السواد و الصدقات و الوقوف و المصالح و غيرها، فامره ان يستعملهم بعد اختبارهم و تجربتهم، و الا يوليهم محاباه لهم، و لمن يشفع فيهم، و لا اثره و لا انعاما عليهم.

كان ابوالحسن بن الفرات يقول: الاعمال للكفاه من اصحابنا، و قضاء الحقوق على خواص اموالنا.

و كان يحيى بن خالد يقول: من تسبب الينا بشفاعه فى عمل، فقد حل عندنا محل من ينهض بغيره، و من لم ينهض بنفسه لم يكن للعمل اهلا.

و وقع جعفر بن يحيى فى رقعه متحرم به: هذا فتى له حرمه الامل، فامتحنه بالعمل، فان كان كافيا فالسلطان له دوننا، و ان لم يكن كافيا فنحن له دون السلطان.

ثم قال (ع): (فانهما- يعنى استعمالهم للمحاباه و الاثره- جماع من شعب الجور و الخيانه).

و قد تقدم شرح مثل هذه اللفظه، و المعنى ان ذلك يجمع ضروبا من الجور و الخيانه.

اما الجور فانه يكون قد عدل عن المستحق الى غير المستحق ففى ذلك جور على المستحق، و اما الخيانه فلان الامانه تقتضى تقليد الاعمال الاكفاء، فمن لم يعتمد ذلك فقد خان من ولاه.

ثم امره بتخير من قد جرب، و من هو من اهل البيوتات و الاشراف لشده الحرص على الشى ء و الخوف من فوات ه.

ثم امره باسباغ الارزاق عليهم: فان الجائع لا امانه له، و لان الحجه تكون لازمه لهم ان خانوا، لانهم قد كفوا مونه انفسهم و اهليهم بما فرض لهم من الارزاق.

ثم امره بالتطلع عليهم و اذكاء العيون و الارصاد على حركاتهم.

و حدوه باعث، يقال: حدانى هذا الامر حدوه على كذا، و اصله سوق الابل، و يقال للشمال حدواء، لانها تسوق السحاب.

ثم امره بمواخذه من ثبتت خيانته و استعاده المال منه، و قد صنع عمر كثيرا من ذلك، و ذكرناه فيما تقدم.

قال بعض الاكاسره لعامل من عماله: كيف نومك بالليل؟ قال: انامه كله، قال: احسنت! لو سرقت ما نمت هذا النوم.

الشرح:

انتقل (ع) من ذكر العمال الى ذكر ارباب الخراج و دهاقين السواد، فقال: تفقد امرهم، فان الناس عيال عليهم، و كان يقال: استوصوا باهل الخراج، فانكم لاتزالون سمانا ما سمنوا.

و رفع الى انوشروان ان عامل الاهواز قد حمل من مال الخراج ما يزيد على العاده، و ربما يكون ذلك قد اجحف بالرعيه، فوقع: يرد هذا المال على من قد استوفى منه، فان تكثير الملك ماله باموال رعيته بمنزله من يحصن سطوحه بما يقتلعه من قواعد بنيانه.

و كان على خاتم انوشروان: لايكون عمران، حيث يجور السلطان.

و روى: (استحلاب الخراج) بالحاء.

ثم قال: (فان شكوا ثقلا)، اى ثقل طسق الخراج المضروب عليهم، او ثقل وطاه العامل.

قال: (او عله)، نحو ان يصيب الغله آفه كالجراد و البرق او البرد.

قال: (او انقطاع شرب)، بان ينقص الماء فى النهر، او تتعلق ارض الشرب عنه لفقد الحفر.

قال او باله يعنى المطر.

قال: (او احاله ارض اغتمرها غرق)، يعنى او كون الارض قد حالت، و لم يحصل منها ارتفاع، لان الغرق غمرها و افسد زرعها.

قال: (او اجحف بها عطش)، اى اتلفها.

فان قلت: فهذا هو انقطاع الشرب؟.

قلت: لا، قد يكون الشرب غير منقطع، و مع ذلك يجحف بها العطش، بان لايكفيها الماء الموجود فى الشرب.

ثم امره ان يخفف عنهم متى لحقهم شى ء من ذلك، فان التخفيف يصلح امورهم، و هو و ان كان يدخل على المال نقصا فى العاجل الا انه يقتضى توفير زياده فى الاجل، فهو بمنزله التجاره التى لابد فيها من اخراج راس المال و انتظار عوده و عود ربحه.

قال: (و مع ذلك فانه يفضى الى تزين بلادك بعمارتها، و الى انك تبجح بين الولاه بافاضه العدل فى رعيتك معتمدا فضل قوتهم)، و (معتمدا)، منصوب على الحال من الضمير فى (خففت) الاولى، اى خففت عنهم معتمدا بالتخفيف فضل قوتهم.

و الاجمام: الترفيه.

ثم قال له: و ربما احتجت فيما بعد الى تكلفهم بحادث يحدث عندك المساعده بمال يقسطونه عليهم قرضا او معونه محضه، فاذا كانت لهم ثروه نهضوا بمثل ذلك، طيبه قلوبهم به.

ثم قال (ع): فان العمران محتمل ما حملته.

سمعت ابامحمد بن خليد- و كان صاحب ديوان الخراج فى ايام الناصر لدين الله- يقول لمن قال له: قد قيل عنك: ان واسط و البصره قد خربت لشده العنف باهلها فى تحصيل الاموال! فقال ابومحمد: ما دام هذا الشط بحاله، و النخل نابتا فى منابته بحاله، ما تخرب واسط و البصره ابدا.

ثم قال (ع): (انما توتى الارض)، اى انما تدهى من اعواز اهلها، اى من فقرهم.

قال: و الموجب لاعوازهم طمع ولاتهم فى الجبايه و جمع الاموال لانفسهم و لسلطانهم و سوء ظنهم بالبقاء يحتمل ان يريد به انهم يظنون طول البقاء و ينسون الموت و الزوال.

و يحتمل ان يريد به انهم يتخيلون العزل و الصرف، فينتهزون الفرص، و يقتطعون الاموال، و لاينظرون فى عماره البلاد.

(عهد سابور بن اردشير لابنه) و قد وجدت فى عهد سابور بن اردشير الى ابنه كلاما يشابه كلام اميرالمومنين (ع) فى هذا العهد، و هو قوله: و اعلم ان قوام امرك بدرور الخراج، و درور الخراج بعماره البلاد، و بلوغ الغايه فى ذلك استصلاح اهله بالعدل عليهم، و المعونه لهم، فان بعض الامور لبعض سبب، و عوام الناس لخواصهم عده، و بكل صنف منهم الى الاخر حاجه، فاختر لذلك افضل من تقدر عليه من كتابك، و ليكونوا من اهل البصر و العفاف و الكفايه، و استرسل الى كل امرى ء منهم شخصا يضطلع به و يمكنه تعجيل الفراغ منه، فان اطلعت على ان احدا منهم خان او تعدى فنكل به، و بالغ فى عقوبته، و احذر ان تستعمل على الارض الكثير خراجها الا البعيد الصوت، العظيم شرف المنزله.

و لاتولين احدا من قواد جندك الذين هم عده للحرب، و جنه من الاعداء، شيئا من امر الخراج، فلعلك تهجم من بعضهم على خيانه فى المال، او تضييع للعمل، فان سوغته المال، و اغضيت له على التضييع، كان ذلك هلاكا و اضرارا بك و برعيتك، و داعيه الى فساد غيره، و ان انت كافاته فقد استفسدته، و اضقت صدره، و هذا امر توقيه حزم، و الاقدام عليه خرق، و التقصير فيه عجز.

و اعلم ان من اهل الخراج من يلجى ء بعض ارضه و ضياعه الى خاصه الملك و بطانته، لاحد امرين، انت حرى بكراهتهما: اما لامتناع من جور العمال و ظلم الولاه، و تلك منزله يظهر بها سوء اثر العمال و ضعف الملك و اخلاله بما تحت يده، و اما للدفع عما يلزمهم من الحق و التيسر له، و هذه خله تفسد بها آداب الرعيه، و تنتقص بها اموال الملك، فاحذر ذلك، و عاقب الملتجئين و الملجا اليهم.

ركب زياد يوما بالسوس يطوف بالضياع و الزروع، فراى عماره حسنه، فتعجب منها، فخاف اهلها ان يزيد فى خراجهم، فلما نزل دعا وجوه البلد، و قال: بارك الله عليكم، فقد احسنتم العماره، و قد وضعت عنكم مائه الف درهم.

ثم قال: ما توفر على من تهالك غيرهم على العماره و امنهم جورى اضعاف ما وضعت عن هولاء الان، و الذى وضعته بقدر ما يحصل من ذاك، و ثواب عموم العماره و امن الرعيه افضل ربح.

(فصل فيما يجب على مصاحب الملك)

الشرح:

لما فرغ من امر الخراج، شرع فى امر الكتاب الذين يلون امر الحضره، و يترسلون عنه الى عماله و امرائه، و اليهم معاقد التدبير و امر الديوان، فامره ان يتخير الصالح منهم، و من يوثق على الاطلاع على الاسرار و المكايد و الحيل و التدبيرات، و من لايبطره الاكرام و التقريب، فيطمع فيجترى ء على مخالفته فى ملا من الناس و الرد عليه، ففى ذلك من الوهن للامير و سوء الادب الذى انكشف الكاتب عنه ما لا خفاء به.

قال الرشيد للكسائى: يا على بن حمزه، قد احللناك المحل الذى لم تكن تبلغه همتك، فرونا من الاشعار اعفها، و من الاحاديث اجمعها لمحاسن الاخلاق، و ذاكرنا باداب الفرس و الهند، و لاتسرع علينا الرد فى ملا، و لاتترك تثقيفنا فى خلاء.

و فى آداب ابن المقفع: لاتكونن صحبتك للسلطان الا بعد رياضه منك لنفسك على طاعتهم فى المكروه عندك و موافقتهم فيما خالفك، و تقدير الامور على اهوائهم دون هواك، فان كنت حافظا اذا ولوك.

حذرا اذا قربوك، امينا اذا ائتمنوك، تعلمهم و كانك تتعلم منهم، و تادبهم و كانك تتادب بهم، و تشكر لهم و لاتكلفهم الشكر، ذليلا ان صرموك، راضيا ان اسخطوك، و الا فالبعد منهم كل البعد، و الحذر منهم كل الحذر.

و ان وجدت عن السلطان و صحبته غنى فاستغن عنه، فانه من يخدم السلطان حق خدمته يخلى بينه و بين لذه الدنيا و عمل الاخرى، و من يخدمه غير حق الخدمه فقد احتمل وزر الاخره، و عرض نفسه للهلكه و الفضيحه فى الدنيا.

فاذا صحبت السلطان فعليك بطول الملازمه من غير املال، و اذا نزلت منه بمنزله الثقه فاعزل عنه كلام الملق، و لاتكثر له من الدعاء، و لاتردن عليه كلاما فى حفل و ان اخطا، فاذا خلوت به فبصره فى رفق، و لايكونن طلبك ما عنده بالمساله، و لاتستبطئه و ان ابطا، و لاتخبرنه ان لك عليه حقا، و انك تعتمد عليه ببلاء، و ان استطعت الا تنسى حقك و بلائك بتجديد النصح و الاجتهاد فافعل، و لاتعطينه المجهود كله من نفسك فى اول صحبتك له، و اعد موضعا للمزيد.

و اذا سال غيرك عن شى ء فلا تكن المجيب.

و اعلم ان استلابك الكلام خفه فيك و استخفاف منك بالسائل و المسئول، فما انت قائل ان قال لك السائل: ما اياك سالت، او قال المسئول: اجب بمجالسته و محادثته ايها المعجب بنفسه، و المستخف بسلطانه.

و قال عبدالملك بن صالح لمودب ولده بعد ان اختصه بمجالسته و محادثته: يا عبدالله، كن على التماس الحظ فيك بالسكوت احرص منك على التماسه بالكلام، فان هم قالوا: اذا اعجبك الكلام فاصمت، و اذا اعجبك الصمت فتكلم.

و اعلم ان اصعب الملوك معامله الجبار الفطن المتفقد، فان ابتليت بصحبته فاحترس، و ان عوفيت فاشكر الله على السلامه، فان السلامه اصل كل نعمه.

لاتساعدنى على ما يقبح بى، و لاتردن على خطا فى مجلس، و لاتكلفنى جواب التشميت و التهنئه، و دع عنك: كيف اصبح الامير، و كيف امسى! و كلمنى بقدر ما استنطقك، و اجعل بدل التقريظ لى صواب الاستماع منى.

و اعلم ان صواب الاستماع احسن من صواب القول، فاذا سمعتنى اتحدث فلا يفوتنك منه شى ء، و ارنى فهمك اياه فى طرفك و وجهك، فما ظنك بالملك و قد احلك محل المعجب بما يسمعك اياه، و احللته محل من لايسمع منه! و كل من هذا يحبط احسانك، و يسقط حق حرمتك، و لاتستدع الزياده من كلامى بما تظهر من استحسان ما يكون منى، فمن اسوا حالا ممن يستكد الملوك بالباطل، و ذلك يدل على تهاونه بقدر ما اوجب الله تعالى من حقهم.

و اعلم انى جعلتك مودبا، بعد ان كنت معلما، و جعلتك جليسا مقربا بعد ان كنت مع الصبيان مباعدا، فمتى لم تعرف نقصان ما خرجت منه، لم تعرف رجحان ما دخلت فيه، و قد قالوا: من لم يعرف سوء ما اولى، لم يعرف حسن ما ابلى.

ثم قال (ع): و ليكن كاتبك غير مقصر ع ن عرض مكتوبات عمالك عليك، و الاجابه عنها حسن الوكاله و النيابه عنك فيما يحتج به لك عليهم من مكتوباتهم، و ما يصدره عنك اليهم من الاجوبه، فان عقد لك عقدا قواه و احكمه، و ان عقد عليك عقدا اجتهد فى نقضه و حله.

قال: و ان يكون عارفا بنفسه، فمن لم يعرف قدر نفسه لم يعرف قدر غيره.

ثم نهاه ان يكون مستند اختياره لهولاء فراسته فيهم، و غلبه ظنه باحوالهم، فان التدليس ينم فى ذلك كثيرا، و ما زال الكتاب يتصنعون للامراء بحسن الظاهر، و ليس وراء ذلك كثير طائل فى النصيحه و المعرفه، و لكن ينبغى ان يرجع فى ذلك الى ما حكمت به التجربه لهم، و ما ولوه من قبل، فان كانت ولايتهم و كتابتهم حسنه مشكوره فهم هم، و الا فلا، و يتعرفون لفراسات الولاه، يجعلون انفسهم بحيث يعرف بضروب من التصنع، و روى: (يتعرضون).

ثم امره ان يقسم فنون الكتابه و ضروبها بينهم نحو ان يكون احدهم للرسائل الى الاطراف و الاعداء، و الاخر لاجوبه عمال السواد، و الاخره بحضره الامير فى خاصته و داره، و حاشيته و ثقاته.

ثم ذكر له انه ماخوذ مع الله تعالى بما يتغابى عنه، و يتغافل من عيوب كتابه، فان الدين لايبيح الاغضاء و الغفله عن الاعوان و الخول، و يوجب التطلع عليهم.

(فصل فى الكت اب و ما يلزمهم من الاداب) و اعلم ان الكاتب الذى يشير اميرالمومنين (ع) اليه هو الذى يسمى الان فى الاصطلاح العرفى وزيرا، لانه صاحب تدبير حضره الامير، و النائب عنه فى اموره، و اليه تصل مكتوبات العمال و عنه تصدر الاجوبه، و اليه العرض على الامير، و هو المستدرك على العمال، و المهيمن عليهم، و هو على الحقيقه كاتب الكتاب، و لهذا يسمونه: الكاتب المطلق.

و كان يقال: للكاتب على الملك ثلاث: رفع الحجاب عنه، و اتهام الوشاه عليه، و افشاء السر اليه.

و كان يقال: صاحب السلطان نصفه، و كاتبه كله.

و ينبغى لصاحب الشرطه ان يطيل الجلوس، و يديم العبوس، و يستخف بالشفاعات.

و كان يقال: اذا كان الملك ضعيفا، و الوزير شرها، و القاضى جائرا، فرقوا الملك شعاعا.

و كان يقال: لاتخف صوله الامير مع رضا الكاتب، و لاتثقن برضا الامير مع سخط الكاتب، و اخذ هذا المعنى ابوالفضل بن العميد فقال: و زعمت انك لست تفكر بعد ما علقت يداك بذمه الامراء هيهات قد كذبتك فكرتك التى قد اوهمتك غنى عن الوزراء لم تغن عن احد سماء لم تجد ارضا و لا ارض بغير سماء و كان يقال: اذا لم يشرف الملك على اموره، صار اغش الناس اليه وزيره.

و كان يقال: ليس الحرب الغشوم باسرع فى اجتياح الملك من تضييع مراتب الكتاب حتى يصيبها اهل النذاله، و يزهد فيها اولو الفضل.

(فصل فى ذكر ما نصحت به الاوائل الوزراء) و كان يقال: لا شى ء اذهب بالدول من استكفاء الملك الاسرار.

و كان يقال: من سعاده جد المرء الا يكون فى الزمان المختلط وزيرا للسلطان.

و كان يقال: كما ان اشجع الرجال يحتاج الى السلاح، و اسبق الخيل يحتاج الى السوط، و احد الشفار يحتاج الى المسن، كذلك احزم الملوك و اعقلهم يحتاج الى الوزير الصالح.

و كان يقال: صلاح الدنيا بصلاح الملوك، و صلاح الملوك بصلاح الوزراء، و كما لايصلح الملك الا بمن يستحق الملك، كذلك لاتصلح الوزاره الا بمن يستحق الوزاره.

و كان يقال: الوزير الصالح لايرى ان صلاحه فى نفسه كائن صلاحا حتى يتصل بصلاح الملك و صلاح رعيته، و ان تكون عنايته فيما عطف الملك على رعيته، و فيما استعطف قلوب الرعيه و العامه على الطاعه للملك، و فيما فيه قوام امر الملك من التدبير الحسن، حتى يجمع الى اخذ الحق تقديم عموم الامن.

و اذا طرقت الحوادث، كان للملك عده و عتادا، و للرعيه كافيا محتاطا، و من ورائها محاميا ذابا، يعنيه من صلاحها ما لايعنيه من صلاح نفسه دونها.

و كان يقال: مثل الملك الصالح اذا كان وزي ره فاسدا مثل الماء العذب الصافى و فيه التمساح، لايستطيع الانسان- و ان كان سابحا، و الى الماء ظامئا- دخوله، حذرا على نفسه.

قال عمر بن عبدالعزيز لمحمد بن كعب القرظى حين استخلف: لو كنت كاتبى و ردئا لى على ما دفعت اليه! قال: لاافعل، و لكنى سارشدك، اسرع الاستماع، و ابطى ء فى التصديق حتى ياتيك واضح البرهان، و لاتعملن ثبجتك فيما تكتفى فيه بلسانك، و لاسوطك فيما تكتفى فيه بثبجتك، و لاسيفك فيما تكتفى فيه بسوطك.

و كان يقال: التقاط الكاتب للرشا و ضبط الملك لايجتمعان.

و قال ابرويز لكاتبه: اكتم السر، و اصدق الحديث، و اجتهد فى النصيحه، و عليك بالحذر، فان لك على الا اعجل عليك حتى استانى لك، و لااقبل فيك قولا حتى استيقن، و لااطمع فيك احدا فتغتال، و اعلم انك بمنجاه رفعه فلا تحطنها، و فى ظل مملكه فلا تستزيلنه.

قارب الناس مجامله من نفسك، و باعدهم مسامحه عن عدوك، و اقصد الى الجميل ازدراعا لغدك، و تنزه بالعفاف صونا لمروئتك، و تحسن عندى بما قدرت عليه.

احذر لاتسرعن الالسنه عليك، و لاتقبحن الاحدوثه عنك، و صن نفسك صون الدره الصافيه، و اخلصها اخلاص الفضه البيضاء، و عاتبها معاتبه الحذر المشفق، و حصنها تحصين المدينه المنيعه.

لاتدعن ان ت رفع الى الصغير فانه يدل على الكبير، و لاتكتمن عنى الكبير فانه ليس بشاغل عن الصغير.

هذب امورك ثم القنى بها، و احكم امرك ثم راجعنى فيه، و لاتجترئن على فامتعض، و لاتنقبضن منى فاتهم، و لاتمرضن ما تلقانى به و لاتخدجنه، و اذا افكرت فلا تجعل، و اذا كتبت فلا تعذر، و لاتستعن بالفضول فانها علاوه على الكفايه، و لاتقصرن عن التحقيق فانها هجنه بالمقاله، و لاتلبس كلاما بكلام، و لاتبعدن معنى عن معنى.

و اكرم لى كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفه، و انتشار يهجنه، و معان تعقد به.

و اجمع الكثير مما تريد فى القليل مما تقول و ليكن بسطه كلامك على كلام السوقه كبسطه الملك الذى تحدثه على الملوك.

لايكن ما نلته عظيما، و ما تتكلم به صغيرا، فانما كلام الكاتب على مقدار الملك، فاجعله عاليا كعلوه، و فائقا كتفوقه، فانما جماع الكلام كله خصال اربع: سوالك الشى ء، و سوالك عن الشى ء، و امرك بالشى ء، و خبرك عن الشى ء، فهذه الخصال دعائم المقالات، ان التمس اليها خامس لم يوجد، و ان نقص منها واحد لم يتم، فاذا امرت فاحكم، و اذا سالت فاوضح، و اذا طلبت فاسمح، و اذا اخبرت فحقق، فانك اذا فعلت ذلك اخذت بجراثيم القول كله، فلم يشتبه عليك وارده، و لم تعجزك صادره.

اثبت فى دواوينك ما اخذت، و احص فيها ما اخرجت، و تيقظ لما تعطى، و تجرد لما تاخذ، و لايغلبنك النسيان عن الاحصاء، و لا الاناه عن التقدم، و لاتخرجن وزن قيراط فى غير حق، و لاتعظمن اخراج الالوف الكثيره فى الحق، و ليكن ذلك كله عن موامرتى.

الشرح:

خرج (ع) الان الى ذكر التجار و ذوى الصناعات، و امره بان يعمل معهم الخير، و ان يوصى غيره من امرائه و عماله ان يعملوا معهم الخير.

و استوص بمعنى (اوص) نحو قر فى المكان و استقر، و علا قرنه و استعلاه.

و قوله: (استوص بالتجار خيرا)، اى اوص نفسك بذلك، و منه قول النبى (ص): (استوصوا بالنساء خيرا)، و مفعولا (استوص و اوص) هاهنا محذوفان للعلم بهما، و يجوز ان يكون (استوص) اى اقبل الوصيه منى بهم، و اوص بهم انت غيرك.

ثم قسم (ع) الموصى بهم ثلاثه اقسام: اثنان منها للتجار، و هما المقيم، و المضطرب يعنى المسافر.

و الضرب: السير فى الارض، قال تعالى: (اذا ضربتم فى الارض)، و واحد لارباب الصناعات، و هو قوله: (و المترفق ببدنه)، و روى (بيديه)، تثنيه يد.

و المطارح: الاماكن البعيده.

و حيث لايلتئم الناس: لايجتمعون، و روى (حيث لايلتئم)، بحذف الواو.

ثم قال: (فانهم اولو سلم)، يعنى التجار و الصناع، استعطفه عليهم، و استماله اليهم.

و قال: ليسوا كعمال الخراج و امراء الاجناد، فجانبهم ينبغى ان يراعى، و حالهم يجب ان يحاط و يحمى، اذ لايتخوف منهم بائقه لا فى مال يخونون فيه، و لا فى دوله يفسدونها.

و حواشى البلاد: اطرافها.

ثم قال له : قد يكون فى كثير منهم نوع من الشح و البخل فيدعوهم ذلك الى الاحتكار فى الاقوات، و الحيف فى البياعات.

و الاحتكار: ابتياع الغلات فى ايام رخصها، و ادخارها فى المخازن الى ايام الغلاء و القحط.

و الحيف: تطفيف فى الوزن و الكيل، و زياده فى السعر، و هو الذى عبر عنه بالتحكم، و قد نهى رسول الله (ص) عن الاحتكار، و اما التطفيف و زياد التسعير فمنهى عنهما فى نص الكتاب.

و قارف حكره: واقعها، و الحاء مضمومه، و امره ان يودب فاعل ذلك من غير اسراف، و ذلك انه دون المعاصى التى توجب الحدود، فغايه امره من التعزير الاهانه و المنع.

الشرح:

انتقل من التجار و ارباب الصناعات الى ذكر فقراء الرعيه و مغموريها، فقال: و اهل البوسى، و هى البوس كالنعمى للنعيم، و الزمنى اولو الزمانه.

و القانع: السائل، و المعتر: الذى يعرض لك و لايسالك، و هما من الفاظ الكتاب العزيز.

و امره ان يعطيهم من بيت مال المسلمين لانهم من الاصناف المذكورين فى قوله تعالى: (و اعلموا انما غنمتم من شى ء فان لله خمسه و للرسول و لذى القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل)، و ان يعطيهم من غلات صوافى الاسلام- و هى الارضون التى لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب- و كانت صافيه لرسول الله (ص)، فلما قبض صارت لفقراء المسلمين، و لما يراه الامام من مصالح الاسلام.

ثم قال له: (فان للاقصى منهم مثل الذى للادنى)، اى كل فقراء المسلمين سواء فى سهامهم، ليس فيها اقصى و ادنى، اى لاتوثر من هو قريب اليك او الى احد من خاصتك على من هو بعيد ليس له سبب اليك، و لا علقه بينه و بينك.

و يمكن ان يريد به: لاتصرف غلات ما كان من الصوافى فى بعض البلاد الى مساكين ذلك البلد خاصه، فان حق البعيد عن ذلك البلد فيها كمثل حق المقيم فى ذلك البلد.

و التافه: الحقير.

و اشخصت زيدا من موضع كذا، اخرجته عنه.

و فلان يصعر خده للناس، اى يتكبر عليهم.

و تقتحمه العيون: تزدريه.

و تحتقره و الاعذار الى الله: الاجتهاد و المبالغه فى تاديه حقه و القيام بفرائضه.

كان بعض الاكاسره يجلس للمظالم بنفسه، و لايثق الى غيره، و يقعد بحيث يسمع الصوت، فاذا سمعه ادخل المتظلم، فاصيب بصمم فى سمعه فنادى مناديه، ان الملك يقول: ايها الرعيه، انى ان اصبت بصمم فى سمعى فلم اصب فى بصرى، كل ذى ظلامه فليلبس ثوبا احمر، ثم جلس لهم فى مستشرف له.

و كان لامير المومنين (ع) بيت سماه بيت القصص، يلقى الناس فيه رقاعهم، و كذلك كان فعل المهدى محمد بن هارون الواثق، من خلفاء بنى العباس.

الشرح:

هذا الفصل من تتمه ما قبله، و قد روى: (حتى يكلمك مكلمهم)، فاعل من (كلم) و الروايه الاولى الاحسن.

و غير متتعتع: غير مزعج و لامقلق.

و المتتعتع فى الخبر النبوى: المتردد المضطرب فى كلامه عيا من خوف لحقه، و هو راجع الى المعنى الاول.

و الخرق: الجهل.

و روى: (ثم احتمل الخرق منهم و الغى)، و الغى و هو الجهل ايضا، و الروايه الاولى احسن.

ثم بين له (ع) انه لابد له من هذا المجلس لامر آخر غير ما قدمه (ع)، و ذلك لانه لابد من ان يكون فى حاجات الناس ما يضيق به صدور اعوانه، و النواب عنه، فيتعين عليه ان يباشرها بنفسه، و لابد من ان يكون فى كتب عماله الوارده عليه ما يعيا كتابه عن جوابه، فيجيب عنه بعلمه.

و يدخل فى ذلك ان يكون فيها ما لايجوز فى حكم السياسه و مصلحه الولايه ان يطلع الكتاب عليه، فيجيب ايضا عن ذلك بعلمه.

ثم قال له: لاتدخل عمل يوم فى عمل يوم آخر فيتعبك و يكدرك، فان لكل يوم ما فيه من العمل.

الشرح:

لما فرغ (ع) من وصيته بامور رعيته، شرع فى وصيته باداء الفرائض التى افترضها الله عليه من عبادته، و لقد احسن (ع) فى قوله: (و ان كانت كلها لله)، اى ان النظر فى امور الرعيه مع صحه النيه و سلامه الناس من الظلم من جمله العبادات و الفرائض ايضا.

ثم قال له: (كاملا غير مثلوم)، اى لايحملنك شغل السلطان على ان تختصر الصلاه اختصارا، بل صلها بفرائضها و سننها و شعائرها فى نهارك و ليلك، و ان اتعبك ذلك و نال من بدنك و قوتك.

ثم امره اذا صلى بالناس جماعه الا يطيل فينفرهم عنها، و الا يخدج الصلاه و ينقصها فيضيعها.

ثم روى خبرا عن النبى (ص)، و هو قوله (ع) له : (صل بهم كصلاه اضعفهم)، و قوله: (و كن بالمومنين رحميا)، يحتمل ان يكون من تتمه الخبر النبوى، و يحتمل ان يكون من كلام اميرالمومنين (ع)، و الظاهر انه من كلام اميرالمومنين من الوصيه للاشتر، لان اللفظه الاولى عند ارباب الحديث هى المشهور فى الخبر.