النمرق و النمرقه بالضم فيهما: وساده صغيره، و يجوز النمرقه بالكسر فيهما، و يقال للطنفسه فوق الرحل نمرقه.
و المعنى ان كل فضيله فانها مجنحه بطرفين معدودين من الرذائل كما اوضحناه آنفا، و المراد ان آل محمد (ع) هم الامر المتوسط بين الطرفين المذمومين، فكل من جاوزهم فالواجب ان يرجع اليهم، و كل من قصر عنهم فالواجب ان يلحق بهم.
فان قلت: فلم استعار لفظ النمرقه لهذا المعنى؟ قلت: لما كانوا يقولون: قد ركب فلان من الامر منكرا و قد ارتكب الراى الفلانى، و كانت الطنفسه فوق الرحل مما يركب، استعار لفظ النمرقه لما يراه الانسان مذهبا يرجع اليه و يكون كالراكب له، و الجالس عليه، و المتورك فوقه.
و يجوز ايضا ان تكون لفظه (الوسطى) يراد بها الفضلى، يقال: هذه هى الطريقه الوسطى، و الخليقه الوسطى، اى الفضلى، و منه قوله تعالى: (قال اوسطهم) اى افضلهم، و منه: (جعلناكم امه وسطا).
قد سبق من كلام عمر شى ء يناسب هذا ان لم يكن هو بعينه، و المصانعه: بذل الرشوه.
و فى المثل: من صانع بالمال، لم يحتشم من طلب الحاجه.
فان قلت: كان ينبغى ان يقول: (من لايصانع) بالفتح.
قلت: المفاعله تدل على كون الفعل بين الاثنين كالمضاربه و المقاتله.
و يضارع: يتعرض لطلب الحاجه، و يجوز ان يكون من الضراعه و هى الخضوع اى يخضع لزيد ليخضع زيد له، و يجوز ان يكون من المضارعه بمعنى المشابهه، اى لايتشبه بائمه الحق او ولاه الحق، و ليس منهم.
و اما اتباع المطامع فمعروف.
قد ثبت ان النبى (ص) قال له: (لايحبك الا مومن، و لايبغضك الا منافق).
و قد ثبت ان النبى (ص) قال: (ان البلوى اسرع الى المومن من الماء الى الحدور).
و فى حديث آخر: (المومن ملقى، و الكافى موقى).
و فى حديث آخر: (خيركم عند الله اعظمكم مصائب فى نفسه و ماله و ولده).
و هاتان المقدمتان يلزمهما نتيجه صادقه، و هى انه (ع) لو احبه جبل لتهافت.
و لعل هذا هو مراد الرضى بقوله: (و قد يوول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره).
قد تقدم الكلام فى جميع هذه الحكم.
اما المال فان العقل اعود منه، لان الاحمق ذا المال طالما ذهب ماله بحمقه، فعاد احمق فقيرا، و العاقل الذى لا مال له طالما اكتسب المال بعقله، و بقى عقله عليه.
و اما العجب فيوجب المقت، و من مقت افرد عن المخالطه و استوحش منه، و لاريب ان التدبير هو افضل العقل، لان العيش كله فى التدبير.
و اما التقوى فقد قال الله: (ان اكرمكم عند الله اتقاكم).
و اما الادب فقالت الحكماء: ما ورثت الاباء ابنائها كالادب.
و اما التوفيق فمن لم يكن قائده ضل.
و اما العمل الصالح، فانه اشرف التجارات، فقد قال الله تعالى: (هل ادلكم على تجاره تنجيكم من عذاب اليم).
ثم عد الاعمال الصالحه.
و اما الثواب فهو الربح الحقيقى، و اما ربح الدنيا فشبيه بحلم النائم.
و اما الوقوف عند الشبهات فهو حقيقه الورع، و لاريب ان من يزهد فى الحرام افضل ممن يزهد فى المباحات، كالماكل اللذيذه، و الملابس الناعمه، و قد وصف الله تعالى ارباب التفكر فقال: (و يتفكرون فى خلق السموات و الارض).
و قال: (او لم ينظروا) و لاريب ان العباده باداء الفرائض فوق العباده بالنوافل.
و الحياء مخ الايمان، و كذلك الصبر و التواضع مصيده الشرف، و ذلك هو الحسب، و اشرف الاشياء العلم، لانه خاصه الانسان، و به يقع الفضل بينه و بين سائر الحيوان.
و المشوره من الحزم فان عقل غيرك تستضيفه الى عقلك.
و من كلام بعض الحكماء: اذا استشارك عدوك فى الامر فامحضه النصيحه فى الراى، فانه ان عمل برايك و انتفع ندم على افراطه فى مناواتك، و افضت عداوته الى الموده، و ان خالفك و استضر عرف قدر امانتك بنصحه، و بلغت مناك فى مكروهه.
يريد ان يتعين على العاقل سوء الظن حيث الزمان فاسد، و لاينبغى له سوء الظن حيث الزمان صالح، و قد جاء فى الخبر المرفوع النهى عن ان يظن المسلم بالمسلم ظن السوء، و ذلك محمول على المسلم الذى لم تظهر منه حوبه، كما اشار اليه على (ع)، و الحوبه: المعصيه، و الخبر هو ما رواه جابر قال: نظر رسول الله (ص) الى الكعبه فقال: (مرحبا بك من بيت! ما اعظمك و اعظم حرمتك! و الله ان المومن اعظم حرمه منك عند الله عز و جل، لان الله حرم منك واحده، و من المومن ثلاثه: دمه و ماله و ان يظن به ظن السوء).
و من كلام عمر، ضع امر اخيك على احسنه حتى يجى ء ما يغلبك منه، و لاتظنن بكلمه خرجت من فى اخيك المسلم سوئا و انت تجد لها فى الخير محملا، و من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من اساء به الظن.
شاعر: اسات اذ احسنت ظنى بكم و الحزم سوء الظن بالناس قيل لعالم: من اسوا الناس حالا؟ قال: من لايثق باحد لسوء ظنه، و لايثق به احد لسوء فعله.
شاعر: و قد كان حسن الظن بعض مذاهبى فادبنى هذا الزمان و اهله قيل لصوفى: ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله، و سوء الظن بالناس.
و كان يقال: ما احسن حسن الظن الا ان فيه العجز، و ما اقبح سوء الظن الا ان في ه الحزم.
ابن المعتز: تفقد مساقط لحظ المريب فان العيون وجوه القلوب و طالع بوادره فى الكلام فانك تجنى ثمار العيوب
هذا مثل قول عبده بن الطبيب: ارى بصرى قد رابنى بعد صحه و حسبك داء ان تصح و تسلما و لن يلبث العصران يوم و ليله اذا طلبا ان يدركا من تيمما و قال آخر: كانت قناتى لاتلين لغامز فالانها الاصباح و الامساء و دعوت ربى بالسلامه جاهدا ليصحنى فاذا السلامه داء
قد تقدم القول فى الاستدراج و الاملاء.
فاما القول فى فتنه الانسان بحسن القول فيه فقد ذكرنا ايضا طرفا صالحا يتعلق بها.
و قال رسول الله (ص) لرجل مدح رجلا و قد مر بمجلس رسول الله (ص) فلم يسمع، و لكن قال: (ويحك لكدت تضرب عنقه، لو سمعها لما افلح).
قد تقدم القول فى مثل هذا، و قد قال رسول الله (ص): (و الله لولا انى اشفق ان تقول طوائف من امتى فيك ما قالت النصارى فى ابن مريم، لقلت فيك اليوم مقالا لاتمر باحد من الناس الا اخذوا التراب من تحت قدميك للبركه).
و مع كونه (ص) لم يقل فيه ذلك المقال فقد غلت فيه غلاه كثيره العدد منتشره فى الدنيا، يعتقدون فيه ما يعتقد النصارى فى ابن مريم، و اشنع من ذلك الاعتقاد.
فاما المبغض القالى فقد راينا من يبغضه، و لكن ما راينا من يلعنه و يصرح بالبرائه منه، و يقال: ان فى عمان و ما والاها من صحار و ما يجرى مجراها قوما يعتقدون فيه ما كانت الخوارج تعتقده فيه، و انا ابرا الى الله منهما.
فى المثل: انتهزوا الفرص، فانها تمر مر السحاب.
و قال الشاعر: و ان امكنت فرصه فى العدو فلا يك همك الا بها فان تك لم تات من بابها اتاك عدوك من بابها و اياك من ندم بعدها و تاميل اخرى انى بها.
قد تقدم القول فى الدنيا مرارا، و قد اخذ ابوالعتاهيه هذا المعنى فقال: انما الدهر ارقم لين المس و فى نابه السقام العقام.