(فصل فى نسب بنى مخزوم و طرف من اخبارهم) قد تقدم القول فى مفاخره هاشم و عبدشمس، فاما بنومخزوم فانهم بعد هذين البيتين افخر قريش و اعظمها شرفا.
قال شيخنا ابوعثمان: حظيت مخزوم بالاشعار، فانتشر لهم صيت عظيم بها، و اتفق لهم فيها ما لم يتفق لاحد، و ذلك انه يضرب بهم المثل فى العز و المنعه و الجود و الشرف و اوضعوا فى كل غايه، فمن ذلك قول سيحان الجسرى حليف بنى اميه فى كلمه له، و حين يناغى الركب موت هشام.
فدل ذلك على ان ما تقوله مخزوم فى التاريخ حق، و ذلك انهم قالوا: كانت قريش و كنانه و من والاهم من الناس يورخون بثلاثه اشياء: كانوا يقولون: كان ذلك زمن مبنى الكعبه، و كان ذلك من مجى ء الفيل، و كان ذلك عام مات هشام بن المغيره.
كما كانت العرب تورخ فتقول: كان ذلك زمن الفطحل، و كان ذلك زمن الحيان، و كان ذلك زمن الحجاره، و كان ذلك عام الحجاف، و الرواه تجعل ضرب المثل من اعظم المفاخر، و اظهر الدلائل.
و الشعر- كما علمت- كما يرفع يضع، كما رفع من بنى انف الناقه قول الحطيئه: قوم هم الانف و الاذناب غيرهم و من يسوى بانف الناقه الذنبا؟ و كما وضع من بنى نمير قول جرير: فعض الطرف انك من نمير فلا كعبا بلغت و لا كلابا فلقيت نمير من هذا البيت ما لقيت.
و جعلهم الشاعر مثلا فيمن وضعه الهجاء، و هو يهجو قوما من العرب: و سوف يزيدكم ضعه هجائى كما وضع الهجاء بنى نمير و نمير قبيل شريف، و قد ثلم فى شرفهم هذا البيت.
و قال ابن غزاله الكندى، و هو يمدح بنى شيبان و لم يكن فى موضع رغبه الى بنى مخزوم، و لا فى موضع رهبه: كانى اذ حططت الرحل فيهم بمكه حين حل بها هشام فضرب بهشام المثل.
و قال رجل من بنى حزم احد بنى سلمى، و هو يمدح حرب بن معاويه الخفاجى و خفاجه من بنى عقيل: الى حزن الحزون سمت ركابى بوابل خلفها عسلان جيش فلما ان انخت الى ذراه امنت فراشنى منه بريش توسط بيته فى آل كعب كبيت بنى مغيره فى قريش فضرب المثل ببيتهم فى قريش.
و قال عبدالرحمن بن حسان لعبدالرحمن بن الحكم: ما رست اكيس من بنى قحطان صعب الذرا متمنع الاركان انى طمعت بفخر من لو رامه آل المغيره او بنوذكوان لملاتها خيلا تضب لثاتها مثل الدبا و كواسر العقبان منهم هشام و الوليد و عدلهم و ابواميه مفزع الركبان فضرب المثل بال المغيره.
و اما بنوذكوان فبنو بدر بن عمرو بن حويه بن ذكوان احد بنى عدى بن فزاره منهم حذيفه و حمل و رهطهما، و قال مالك بن نويره: الم ينه عنا فخر بكر بن وائل هزيمتهم فى كل يوم لزام فمنهن يوم الشر او يوم منعج و بالجزع اذ قسمن حى عصام احاديث شاعت فى معد و غيرها و خبرها الركبان حى هشام فجعل قريشا كلها حيا لهشام: و قال عبدالله بن ثور الخفاجى: و اصبح بطن مكه مقشعرا كان الارض ليس بها هشام و هذا مثل و فوق المثل.
قالوا: و قال الخروف الكلبى- و قد مر به ناس من تجار قريش يريدون الشام بادين قشفين-: ما لكم معاشر قريش هكذا اجدبتم ام مات هشام، فجعل موت هشام بازاء الجدب و المحل، و فى هذا المعنى قال مسافر بن ابى عمرو: تقول لنا الركبان فى كل منزل: امات هشام ام اصابكم جدب؟ فجعل موت هشام و فقد الغيث سواء.
و قال عبدالله بن سلمه بن قشير: دعينى اصطبح يا بكر انى رايت الموت نقب عن هشام و قال ابوالطمحان القينى- او اخوه: و كانت قريش لاتخون حريمها من الخوف حتى ناهضت بهشام و قال ابوبكر بن شعوب لقومه كنانه: يا قومنا لاتهلكوا اخفاتا ان هشام القرشى ماتا و قال خداش بن زهير: و قد كنت هجاء لهم ثم كفكفوا نوافذ قولى بالهمام هشام و قال على بن هرمه، عم ابراهيم بن هرمه: و من يرتئى مدحى فان مدائحى نوافق عند الاكرمين سوام نواف ق عند المشترى الحمد بالندى نفاق بنات الحارث بن هشام و قال الشاعر و هو يهجو رجلا: احسبت ان اباك يوم نسبتنى فى المجد كان الحارث بن هشام اولى قريش بالمكارم كلها فى الجاهليه كان و الاسلام و قال الاسود بن يعفر النهشلى: ان الاكارم من قريش كلها شهدوا فراموا الامر كل مرام حتى اذا كثر التجادل بينهم حزم الامور الحارث بن هشام و قال ثابت قطنه- او كعب الاشقرى لمحمد بن الاشعث بن قيس: اتوعدنى بالاشعثى و مالك و تفخر جهلا بالوسيط الطماطم! كانك بالبطحاء تذمر حارثا و خالد سيف الدين بين الملاحم و قال الخزاعى فى كلمته التى يذكر فيها ابااحيحه: له سره البطحاء و العد و الثرى و لاكهاشم الخير و القلب مردف و سال معاويه صعصعه بن صوحان العبدى عن قبائل قريش، فقال: ان قلنا: غضبتم، و ان سكتنا غضبتم، فقال: اقسمت عليك، قال: فيمن يقول شاعركم: و عشره كلهم سيد آباء سادات و ابناوها ان يسالوا يعطوا و ان يعدموا يبيض من مكه بطحاوها و قال عبدالرحمن بن سيحان الجسرى حليف بنى اميه و هو يهجو عبدالله بن مطيع من بنى عدى: حرام كنتى منى بسوء و اذكر صاحبى ابدا بذام لقد اصرمت ود بنى مطيع حرام الدهر للرجل الحرام و ان خيف الزمان مددت حبلا متينا من حبال بنى هاشم وريق عودهم ابدا رطيب اذا ما اهتز عيدان الكرام و قال ابوطالب بن عبدالمطلب و هو يفخر بخاليه: هشام و الوليد على ابى سفيان ابن حرب: و خالى هشام بن المغيره ثاقب اذا هم يوما كالحسام المهند و خالى الوليد العدل عال مكانه و خال ابى سفيان عمرو بن مرثد و قال ابن الزبعرى فيهم: لهم مشيه ليست تليق بغيرهم اذا احدودب المثرون فى السنه الجدب و قال شاعر من بنى هوازن، احد بنى انف الناقه حين سقى ابله عبدالله بن ابى اميه المخزومى بعد ان منعه الزبرقان بن بدر: اتدرى من منعت سيال حوض سليل خضارم منعوا البطاحا ازاد الركب تمنع ام هشاما و ذا الرمحين امنعهم سلاحا هم منعوا الاباطح دون فهر و من بالخيف و البلد الكفاحا بضرب دون بيضهم طلخف اذا الملهوف لاذ بهم و صاحا و ما تدرى بايهم تلاقى صدور المشرفيه و الرماحا فقال عبدالله ابن ابى اميه مجيبا له: لعمرى لانت المرء يحسن باديا و تحسن عودا شيمه و تصنعا عرفت لقوم مجدهم و قديمهم و كنت لما اسديت اهلا و موضعا قالوا: و كان الوليد بن المغيره يجلس بذى المجاز فيحكم بين العرب ايام عكاظ و قد كان رجل من بنى عامر بن لوى رافق رجلا من بنى عبدمناف بن قصى، فجرى بينهما كلام فى حبل، فعلاه بالعصا حتى قتله، فكاد دمه يطل، فقام دونه ابوطالب ابن عبدالمطلب و قدمه الى الوليد، فاستحلفه خمسين يمينا انه ما قتله، ففى ذلك يقول ابوطالب: امن اجل حبل ذى رمام علوته بمنساه قد جاء حبل و احبل هلم الى حكم ابن صخره انه سيحكم فيما بيننا ثم يعدل و قال ابوطالب ايضا فى كلمه له: و حكمك يبقى الخير ان عز امره تخمط و استعلى على الاضعف الفرد و قال ابوطالب ايضا يرثى ابااميه زاد الركب و هو خاله: كان على رضراض قص و جندل من اليبس او تحت الفراش المجامر على خير حاف من معد و ناعل اذا الخير يرجى او اذا الشر حاسر الا ان زاد الركب غير مدافع بسرو سحيم غيبته المقابر تنادوا بان لا سيد اليوم فيهم و قد فجع الحيان كعب و عامر و كان اذا ياتى من الشام قافلا تقدمه قبل الدنو البشائر فيصبح آل الله بيضا ثيابهم و قدما حباهم و العيون كواسر اخو جفنه لاتبرح الدهر عندنا مجعجعه تدمى و شاء و باقر ضروب بنصل السيف سوق سمانها اذا ارسلوا يوما فانك عاقر فيا لك من راع رميت باله شراعيه تخضر منه الاظافر و قال ابوطالب ايضا يرثى خاله هشام بن ال مغيره: فقدنا عميد الحى و الركن خاشع كفقد ابى عثمان و البيت و الحجر و كان هشام بن المغيره عصمه اذا عرك الناس المخاوف و الفقر بابياته كانت ارامل قومه تلوذ و ايتام العشيره و السفر فودت قريش لو فدته بشطرها و قل لعمرى لو فدوه له الشطر نقول لعمرو انت منه و اننا لنرجوك فى جل الملمات يا عمرو عمرو هذا هو ابوجهل بن هشام، و ابوعثمان هو هشام.
و قالت ضباعه بنت عامر بن سلمه بن قرط ترثيه: ان اباعثمان لم انسه و ان صبرا عن بكاه لحوب تفاقدوا من معشر ما لهم اى ذنوب صوبوا فى القليب و قال حسان بن ثابت و هو يهجو اباجهل، و كان يكنى اباالحكم: الناس كنوه اباحكم و الله كناه اباجهل ابقت رياسته لاسرته لوم الفروع و دقه الاصل فاعترف له بالرياسه و التقدم.
و قال ابوعبيد معمر بن المثنى: لما تنافر عامر بن الطفيل و علقمه بن علاثه الى هرم بن قطبه و توارى عنهما، ارسل اليهما: عليكما بالفتى الحديث السن، الحديد الذهن، فصارا الى ابى جهل، فقال له ابن الزبعرى: فلا تحكم فداك ابى و خالى و كن كالمرء حاكم آل عمرو فابى ان يحكم، فرجعا الى هرم.
و قال عبدالله بن ثور: هريقا من دموعكما سجاما ضباع و حاربى نوحا قياما فمن للركب اذ جائوا طروقا و غلقت البيوت فلا هشاما و قال ايضا فى كلمه له: و ما ولدت نساء بنى نزار و لارشحن اكرم من هشام هشام بن المغيره خير فهر و افضل من سقى صوب الغمام و قال عماره بن ابى طرفه الهذلى، سمعت ابن جريح يقول فى كلام له: هلك سيد البطحاء بالرعاف، قلت: و من سيد البطحائ؟ قال: هشام بن المغيره.
و قال النبى (ص): لو دخل احد من مشركى قريش الجنه لدخلها هشام ابن المغيره، كان ابذلهم للمعروف، و احملهم للكل.
و قال عمر بن الخطاب، لا قليل فى الله، و لا كثير فى غير الله.
و لو بالخلق الجزل و الفعال الدثر، تنال المثوبه لنالها هشام بن المغيره، و لكن بتوحيد الله، و الجهاد فى سبيله.
و قال خداش بن زهير فى يوم شمطه، و هو احد ايام الفجار، و هو عدو قريش و خصمها: و بلغ ان بلغت بنا هشاما و ذا الرمحين بلغ و الوليدا اولئك ان يكن فى الناس جود فان لديهم حسبا و جودا هم خير المعاشر من قريش و اوراها اذا قدحوا زنودا و قال ايضا و ذكرهما فى تلك الحروب: يا شده ما شددنا غير كاذبه على سخينه لولا الليل و الحرم اذا ثقفنا هشاما بالوليد و لو انا ثقفنا هشاما شالت الجذم و ذكرهم ابن الزبعرى فى تلك الحروب فقال: الا لله قوم و لدت اخت بنى سهم هشام و ابو عبد مناف مدره الخصم و ذو الرمحين اشباك من القوه و الحزم فهذان يذودان و ذا عن كثب يرمى و هم يوم عكاظ م نعوا الناس من الهزم بجاواء طحون فخ مه القونس كالنجم اسود تزدهى الاقرا ن مناعون للهضم فان احلف و بيت الل ه لااحلف على اثم و ما من اخوه بين دروب الشام و الردم بازكى من بنى ريط ه او ارزن من حلم ريطه، هى ام ولد المغيره، و هى ريطه بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب، و ابو عبدمناف هو ابواميه بن المغيره، و يعرف بزاد الركب، و اسمه حذيفه، و انما قيل له: زاد الركب لانه كان اذا خرج مسافرا لم يتزود معه احد، و كانت عند عاتكه بنت عبدالمطلب بن هشام، و اما ذو الرمحين فهو ابوربيعه بن المغيره و اسمه عمرو، و كان المغيره يكنى باسم ابنه الاكبر، و هو هاشم، و لم يعقب الا من حنتمه ابنته، و هى ام عمر بن الخطاب.
و قال ابن الزبعرى يمدح اباجهل: رب نديم ماجد الاصل مهذب الاعراق و النجل منهم ابوعبد مناف و كم سربت بالضخم على العدل عمرو الندى ذاك و اشياعه ما شئت من قول و من فعل و قال الورد بن خلاس السهمى: سهم باهله يمدح الوليد: اذا كنت فى حيى جذيمه ثاويا فعند عظيم القريتين وليد فذاك وحيد الراى مشترك الندى و عصمه ملهوف الجنان عميد و قال ايضا: ان الوليدين و الابناء ضاحيه ربا تهامه فى الميسور و العسر هم الغياث و بعض القوم قرقمه عز الذليل و غيظ الحاسد الوغر و قال: و رهطك يابن الغيث اكرم محتد و امنع للجار اللهيف المهضم قالوا: الغيث لقب المغيره، و جعل الوليد و اخاه هشاما ربى تهامه كما قال لبيد بن ربيعه فى حذيفه بن بدر: و اهلكن يوما رب كنده و ابنه و رب معد بين خبت و عرعر فجعله رب معد.
قالوا: يدل على قدر مخزوم ما راينا من تعظيم القرآن لشانهم دون غيرهم من سائر قريش، قال الله تعالى مخبرا عن العرب: انهم قالوا: (لولا انزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) فاحد الرجلين العظيمين بلا شك الوليد بن المغيره، و الاخر مختلف فيه، اهو عروه بن مسعود، ام جد المختار بن ابى عبيد.
و قال سبحانه فى الوليد: (ذرنى و من خلقت وحيدا، و جعلت له مالا ممدودا و بنين شهودا...) الايات.
قالوا: و فى الوليد نزلت: (اما من استغنى فانت له تصدى).
و فى ابى جهل نزلت: (ذق انك انت العزيز الكريم).
و فيه نزلت: (فليدع ناديه).
و فى مخزوم: (و ذرنى و المكذبين اولى النعمه).
و فيهم نز لت: (ما خولناكم وراء ظهوركم).
و زعم اليقطرى ابواليقظان و ابوالحسن ان الحجاج سال اعشى همدان عن بيوتات قريش فى الجاهليه، فقال: انى قد آليت الا انفر احدا على احد، و لكن اقول و تسمعون، قالوا: فقل.
قال: من ايهم المحبب فى اهله، المورخ بذكره، محلى الكعبه، و ضارب القبه، و الملقب بالخير، و صاحب الخير و المير؟ قالوا: من: بنى مخزوم، قال: فمن ايهم ضجيع بسباسه، و المنحور عنه الف ناقه، و زاد الركب، و مبيض البطحائ؟ قالوا: من بنى مخزوم، قال: فمن ايهم كان المقنع فى حكمه، و المنفذ وصيته على تهكمه، و عدل الجميع فى الرفاده، و اول من وضع اساس الكعبه؟ قالوا من بنى مخزوم، قال: فمن ايهم صاحب الاريكه، و مطعم الخزيره، قالوا من بنى مخزوم، قال فمن ايهم الاخوه العشره، الكرام البرره؟ قالوا من بنى مخزوم، قال: فهو ذاك، فقال رجل من بنى اميه، ايها الامير، لو كان لهم مع قديمهم حديث اسلام! فقال الحجاج: او ما علمت بان منهم رداد الرده، و قاتل مسيلمه، و آسر طليحه، و المدرك بالطائله، مع الفتوح العظام و الايادى الجسام! فهذا آخر ما ذكره ابوعثمان.
و يمكن ان يزاد عليه فيقال: قالت مخزوم ما انصفنا من اقتصر فى ذكرنا على ان قال: مخزوم ريحانه قريش، تحب حدي ث رجالهم، و النكاح فى نسائهم، و لنا فى الجاهليه و الاسلام اثر عظيم، و رجال كثيره، و روساء شهيره، فمنا المغيره بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم، كان سيد قريش فى الجاهليه، و هو الذى منع فزاره من الحج لما عير خشين بن لاى الفزارى، ثم الشمخى قوما من قريش انهم ياخذون ما ينحره العرب من الابل فى الموسم، فقال خشين لما منع من الحج: يا رب هل عندك من عقيره اصلح مالى و ادع تنحيره فان منا مانع المغيره و مانعا بعد منى بثيره و مانعا بيتك ان ازوره منا بنوالمغيره العشره امهم ريطه، و قد تقدم ذكر نسبها، و امها عاتكه بنت عبدالعزى بن قصى، و امها الحظيا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مره، اول امراه من قريش ضربت قباب الادم بذى المجاز، و لها يقول الشاعر: مضى بالصالحات بنوالحظيا و كان بسيفهم يغنى الفقير فمن هولاء- اعنى الحظيا- الوليد بن المغيره امه صخره بنت الحارث بن عبدالله ابن عبدشمس القشيرى، كان ابوطالب بن عبدالمطلب يفتخر بانه خاله، و كفاك من رجل يفتخر ابوطالب بخئولته! الا ترى الى قول ابى طالب: و خالى الوليد قد عرفتم مكانه و خالى ابوالعاصى اياس بن معبد و منهم حفص بن المغيره، و كان شريفا.
و عثمان بن المغيره.
و كان شريفا.
و م نهم السيد المطاع هشام بن المغيره، و كان سيد قريش غير مدافع، له يقول ابوبكر بن الاسود ابن شعوب يرثيه: ذرينى اصطبح يا بكر انى رايت الموت نقب عن هشام تخيره و لم يعدل سواه و نعم المرء بالبلد الحرام! و كنت اذا الاقيه كانى الى حرم و فى شهر حرام فود بنوالمغيره لو فدوه بالف مقاتل و بالف رام و ود بنوالمغيره لو فدوه بالف من رجال او سوام فبكيه ضباع و لاتملى هشاما انه غيث الانام و يقول له الحارث بن اميه الضمرى: الا هلك القناص و الحامل الثقلا و من لايضن عن عشيرته فضلا و حرب اباعثمان اطفات نارها و لولا هشام اوقدت حطبا جزلا و عان تريك يستكين لعله فككت اباعثمان عن يده الغلا الا لست كالهلكى فتبكى بكائهم و لكن ارى الهلاك فى جنبه و غلا غداه غدت تبكى ضباعه غيثنا هشاما و قد اعلت بمهلكه ضحلا الم تريا ان الامانه اصعدت مع النعش اذ ولى و كان لها اهلا! و قال ايضا يبكيه و يرثيه: و اصبح بطن مكه مقشعرا شديد المحل ليس به هشام يروح كانه اشلاء سوط و فوق جفانه شحم ركام فللكبراء اكل كيف شائوا و للولدان لقم و اغتنام فبكيه ضباع و لاتملى ثمال الناس ان قحط الغمام و ان بنى المغيره م ن قريش هم الراس المقدم و السنام و ضباعه التى تذكرها الشعراء زوجه هشام، و هى من بنى قشير.
قال الزبير بن بكار: فلما قال الحارث: (الا لست كالهلكى...) البيت، عظم ذلك على بنى عبدمناف فاغروا به حكيم بن اميه بن حارثه بن الاوقص السلمى حليف بنى عبدشمس، و كانت قريش رضيت به و استعملته على سقائها، ففر منه الحارث، و قال: افر من الاباطح كل يوم مخافه ان ينكل بى حكيم فهدم حكيم داره، فاعطاه بنوهشام داره التى باجياد عوضا منها.
و قال عبدالله بن ثور البكائى يرثيه: هريقى من دموعهما سجاما ضباع و جاوبى نوحا قياما على خير البريه لن تراه و لن تلقى مواهبه العظاما جواد مثل سيل الغيث يوما اذا علجانه يعلو الاكاما اذا ما كان عام ذو عرام حسبت قدوره جبلا صياما فمن للركب اذا مسوا طروقا و غلقت البيوت فلا هشاما و اوحش بطن مكه بعد انس و مجد كان فيها قد اقاما فلم ار مثله فى اهل نجد و لا فيمن بغورك يا تهاما قال الزبير: و كان فارس قريش فى الجاهليه هشام بن المغيره، و ابولبيد بن عبده بن حجره بن عبد بن معيص بن عامر بن لوى، و كان يقال لهشام: فارس البطحاء، فلما هلكا كان فارسى قريش بعدهما عمرو بن عبدالعامرى المقتول يو م الخندق، و ضرار بن الخطاب المحاربى الفهرى، ثم هبيره بن ابى وهب و عكرمه بن ابى جهل المخزوميان.
قالوا: و كان عام مات هشام تاريخا، كعام الفيل و عام الفجار، و عام بنيان الكعبه و كان هشام رئيس بنى مخزوم يوم الفجار.
قالوا: و منا ابوجهل بن هشام، و اسمه عمرو، و كنيته ابوالحكم، و انما كناه (اباجهل) رسول الله (ص)، كان سيدا ادخلته قريش دار الندوه فسودته و اجلسته فوق الجله من شيوخ قريش، و هو غلام لم يطر شاربه، و هو احد من ساد على الصبا و الحارث بن هشام اخو ابى جهل كان شريفا مذكورا، و له يقول كعب ابن الاشرف اليهودى الطائى: نبئت ان الحارث بن هشام فى الناس يبنى المكرمات و يجمع ليزور يثرب بالجموع و انما يبنى على الحسب القديم الاروع و هو الذى هاجر من مكه الى الشام باهله و ماله فى خلافه عمر بن الخطاب، فتبعه اهل مكه يبكون، فرق و بكى و قال: انا لو كنا نستبدل دارا بدار، و جارا بجار، ما اردنا بكم بدلا، و لكنها النقله الى الله عز و جل، فلم يزل حابسا نفسه و من معه بالشام مجاهدا حتى مات.
قال الزبير: جاء الحارث بن هشام و سهيل بن عمرو الى عمر بن الخطاب فجلسا عنده و هو بينهما، فجعل المهاجرون الاولون و الانصار ياتون عمر فينحيهم ا و يقول: هاهنا يا سهيل، هاهنا يا حارث! حتى صارا فى آخر، الناس فقال الحارث لسهيل: الم تر ما صنع بناء عمر اليوم! فقال سهيل: ايها الرجل، انه لا لوم عليه، ينبغى ان نرجع باللوم على انفسنا، دعى القوم و دعينا، فاسرعوا و ابطانا.
فلما قاما من عند عمر اتياه فى غد فقالا له: قد راينا ما صنعت بالامس، و علمنا انا اتينا من انفسنا فهل من شى ء نستدرك به؟ فقال: لااعلم الا هذا الوجه- و اشار لهما الى ثغر الروم فخرجا الى الشام، فجاهدا بها حتى ماتا.
قالوا: و منا عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، امه فاطمه بنت الوليد بن المغيره، و كان شريفا سيدا، و هو الذى قال لمعاويه لما قتل حجر بن عدى و اصحابه: اين عزب منك حلم ابى سفيان، الا حبستهم فى السجون، و عرضتهم للطاعون! فقال حين غاب عنى مثلك من قومى.
و عبدالرحمن بن الحارث بن هشام هو الذى رغب فيه عثمان بن عفان و هو خليفه فزوجه ابنته.
قالوا: و منا ابوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، كان سيدا جوادا و فقيها عالما، و هو الذى قدم عليه بنواسد بن خزيمه يسالونه فى دماء كانت بينهم، فاحتمل عنهم اربعمائه بعير ديه اربعه من القتلى، و لم يكن بيده مال، فقال لابنه عبدالله بن ابى بكر: اذهب الى عمك المغيره بن عبدالرحمن فاساله المعونه، فذهب عبدالله الى عمه فذكر له ذلك، فقال المغيره: لقد اكبر علينا ابوك، فانصرف عنه عبدالله و اقام اياما لايذكر لابيه شيئا، و كان يقود اباه الى المسجد و قد ذهب بصره، فقال له ابوه يوما: اذهبت الى عمك؟ قال: نعم، و سكت، فعرف حين سكت انه لن يجد عند عمه ما يحب فقال له: يا بنى الا تخبرنى ما قال لك؟ قال: ايفعل ابوهاشم- و كانت كنيه المغيره- فربما فعل، و لكن اغد غدا الى السوق فخذ لى عينه، فغدا عبدالله فتعين عينه من السوق لابيه و باعها، فاقام ايام لايبيع احد فى السوق طعاما و لازيتا غير عبدالله بن ابى بكر من تلك العينه، فلما فرغ امره ابوه ان يدفعها الى الاسديين فدفعها اليهم.
كان ابوبكر خصيصا بعبد الملك بن مروان، و قال عبدالملك لابنه الوليد لما حضرته الوفاه: ان لى بالمدينه صديقين فاحفظنى فيهما: عبدالله بن جعفر بن ابى طالب و ابوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام.
و كان يقال: ثلاثه ابيات من قريش توالت بالشرف خمسه خمسه، و عدوا منها ابابكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيره.
قالوا: و منا المغيره بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، كان اجود الناس بالمال، و اطعمهم للطعام، و كانت عينه اصيبت مع مسلمه بن عبدالملك فى غزوه الروم، و كان المغيره ينحر الجزور، و يطعم الطعام حيث نزل، و لايرد احدا، فجاء قوم من الاعراب فجلسوا على طعامه، فجعل احدهم يحد النظر اليه، فقال له المغيره: ما لك تحد النظر الى! قال: انى ليريبنى عينك و سماحك بالطعام، قال: و مم ارتبت؟ قال: اظنك الدجال، لانا روينا انه اعور، و انه اطعم الناس للطعام، فقال المغيره: ويحك! ان الدجال لاتصاب عينه فى سبيل الله.
و للمغيره يقول الاقيشر الاسدى لما قدم الكوفه فنحر الجزر و بسط الانطاع و اطعم الناس، و صار صيته فى العرب: اتاك البحر طم على قريش معيرتى فقد راع ابن بشر و راع الجدى جدى التيم لما راى المعروف منه غير نزر و من اوتار عقبه قد شفانى و رهط الحاطبى و رهط صخر فلا يغررك حسن الزى منهم و لاسرح ببزيون و نمر فابن بشر، عبدالله بن بشر بن مروان بن الحكم، و جدى التيم: حماد بن عمران بن موسى بن طلحه بن عبيدالله، و اوتار عقبه يعنى اولاد عقبه بن ابى معيط، و الحاطبى لقمان بن محمد بن حاطب الجمحى، و رهط صخر: بنو ابى سفيان بن حرب بن اميهM و كل هولاء كانوا مشهورين بالكوفهM فلما قدمها المغيره اخمل ذكرهم، و المغيره هذا هو الذى بلغه ان سليم بن افلح مولى ابى ايوب الانصارى اراد ان يبيع المنزل الذى نزل فيه رسول الله (ص) مقدمه المدينه على ابى ايوب بخمسمائه دينار، فارسل اليه الف دينار، و ساله ان يبيعه اياه، فباعه، فلما ملكه جعله صدقه فى يومه.
قال الزبير: و كان يزيد بن المغيره بن عبدالرحمن يطاف به بالكوفه على العجل، و كان ينحر فى كل يوم جزورا، و فى كل جمعه جزورين.
و راى يوما احدى جفناته مكلله بالسنام تكليلا حسنا، فاعجبه، فسال فقال: من كللها؟ قيل: اليسع ابنك، فسر، و اعطاه ستين دينارا.
و مر ابراهيم بن هشام على برده المغيره و قد اشرقت على الجفنه، فقال لعبد من عبيد المغيره: يا غلام، على اى شى ء نصبتم هذا الثريد على العمد؟ قال: لا، و لكن على اعضاد الابل، فبلغ ذلك المغيره، فاعتق ذلك الغلام.
و المغيره هو الذى مر بحره الاعراب فقاموا اليه، فقالوا: يا اباهاشم، قد فاض معروفك على الناس، فما بالنا اشقى الخلق بك! قال: انه لا مال معى، و لكن خذوا هذا الغلام فهو لكم، فاخذوه فبكى الغلام فقال: يا مولاى، خدمتى و حرمتى! فقال: اتبيعونى اياه؟ قالوا: نعم، فاشتراه منهم بمال ثم اعتقه، و قال له: و الله لااعرضك لمثلها ابدا، اذهب فانت حر، فلما عاد الى الكوفه حمل ذلك المال اليهم.
و كان المغيره يامر با لسكر و الجوز فيدقان و يطعمهما اصحاب الصفه المساكين، و يقول: انهم يشتهون كما يشتهى غيرهم و لايمكنهم، فحرج المغيره فى سفر و معه جماعه فوردوا غديرا ليس لهم ماء غيره- و كان ملحا- فامر بقرب العسل فشقت فى الغدير و خيضت بمائه، فما شرب احد منهم حتى راحوا الا من قرب المغيره.
و ذكر الزبير ان ابنا لهشام بن عبدالملك كان يسوم المغيره ماله بالمكان المسمى بديعا، فلا يبيعه، فغزا ابن هشام ارض الروم و معه المغيره، فاصابت الناس مجاعه فى غزاتهم، فجاء المغيره الى ابن هشام فقال: انك كنت تسومنى مالى ببديع، فابى ان ابيعكه، فاشتر الان منى نصفه بعشرين الف دينار.
فاطعم المغيره بها الناس فلما رجع ابن هشام بالناس من غزوته تلك و قد بلغ هشاما الخبر قال لابنه: قبح الله رايك انت امير الجيش، و ابن اميرالمومنين، يصيب الناس معك مجاعه فلا تطعمهم حتى يبيعك رجل سوقه ماله، و يطعم به الناس! ويحك اخشيت ان تفتقر ان اطعمت الناس!.
قالوا: و لنا عكرمه بن ابى جهل الذى قام له رسول الله (ص) قائما، و هو بعد مشرك لم يسلم و لم يقم رسول الله (ص) لرجل داخل عليه من الناس شريف و لا مشرف، الا عكرمه، و عكرمه هو الذى اجتهد فى نصره الاسلام بعد ان كان شديد العداوه، و هو الذى ساله ابوبكر ان يقبل منه معونه على الجهاد فابى، و قال: لاآخذ على الجهاد اجرا و لامعونه، و هو الشهيد يوم اجنادين، و هو الذى قال رسول الله (ص): (لانسالنى اليوم شيئا الا اعطيتك)، فقال: فانى اسالك ان تستغفر لى، و لم يسال غير ذلك، و كل قريش غيره سالوا المال، كسهيل بن عمرو و صفوان بن اميه و غيرهما.
قالوا: و لنا الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيره، كان شاعرا مجيدا مكثرا، و كان امير مكه استعمله عليها يزيد بن معاويه.
و من شعره: من كان يسال عنا اين منزلنا فالاقحوانه منا منزل قمن اذ نلبس العيش غضا لايكدره قرب الوشاه و لاينبو بنا الزمن و اخوه عكرمه بن خالد كان من وجوه قريش، و روى الحديث، و روى عنه.
و من ولد خالد بن العاص بن هاشم بن المغيره خالد بن اسماعيل بن عبدالرحمن، كان جوادا متلافا، و فيه قال الشاعر: لعمرك ان المجد ما عاش خالد على العمر من ذى كبده لمقيم و تندى البطاح البيض من جود خالد و يخصبن حتى نبتهن عميم قالوا: و لنا الاوقص، و هو محمد بن عبدالرحمن بن هشام بن المغيره، كان قاضى مكه، و كان فقيها.
قالوا: و من قدماء المسلمين عبدالله بن اميه بن المغيره اخو ام سلمه زوج رسول الله (ص)، كان شديد الخلاف على المسلمين، ثم خرج مهاجرا، و شهد فتح مكه و حنين، و قتل يوم الطائف شهيدا.
و الوليد بن اميه، غير رسول الله (ص) اسمه، فسماه المهاجر، و كان من صلحاء المسلمين.
قالوا: و منا زهير بن ابى اميه بن المغيره، و بجير بن ابى ربيعه بن المغيره، غير رسول الله (ص) اسمه، فسماه عبدالله، كانا من اشراف قريش، و عباس بن ابى ربيعه، كان شريفا.
قالوا: و منا الحارث القباع، و هو الحارث بن عبدالله بن ابى ربيعه، كان امير البصره، و عمر بن عبدالله بن ابى ربيعه الشاعر، المشهور ذى الغزل و التشبيب.
قالوا: و من ولد الحارث بن عبدالله بن ابى ربيعه الفقيه المشهور، و هو المغيره بن عبدالرحمن بن الحارث، كان فقيه المدينه بعد مالك بن انس، و عرض عليه الرشيد جائزه اربعه آلاف دينار، فامتنع و لم يتقلد له القضاء.
قالوا: و من يعد ما تعده مخزوم و لها خالد بن الوليد بن المغيره سيف الله!.
كان مباركا، ميمون النقيبه شجاعا، و كان اليه اعنه الخيل على عهد رسول الله (ص)، و شهد معه فتح مكه، و جرح يوم حنين، فنفث رسول الله (ص) على جرحه فبرا، و هو الذى قتل مسيلمه و اسر طليحه و مهد خلافه ابى بكر، و قال يوم موته: لقد شهدت كذا و كذا زحفا، و ما فى جسدى موضع اصبع الا و فيه طعنه او ضربه، و هانذا اموت على فراشى كما يموت العير، فلا نامت اعين الجبناء! و مر عمر بن الخطاب على دور بنى مخزوم و النساء يندبن خالدا، و قد وصل خبره اليهم و كان مات بحمص، فوقف و قال: ما على النساء ان يندبن اباسليمان، و هل تقوم حره عن مثله! ثم انشد: اتبكى ما وصلت به الندامى و لاتبكى فوارس كالجبال اولئك ان بكيت اشد فقدا من الانعام و العكر الحلال تمنى بعدهم قوم مداهم فما بلغوا لغايات الكمال و كان عمرو مبغضا لخالد، و منحرفا عنه، و لم يمنعه ذلك من ان صدق فيه.
قالوا: و منا الوليد بن الوليد بن المغيره، كان رجل صدق من صلحاء المسلمين.
و منا عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، و كان عظيم القدر فى اهل الشام، و خاف معاويه منه ان يثب على الخلافه بعدهم، فسمه، امر طبيبا له يدعى ابن اثال فسقاه فقتله.
و خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد قاتل ابن اثال بعمه عبدالرحمن و المخالف على بنى اميه، و المنقطع الى بنى هاشم.
و اسماعيل بن هشام بن الوليد كان امير المدينه.
و ابراهيم و محمد ابنا هشام بن عبدالملك.
و ايوب بن سلمه بن عبدالله بن الوليد بن الوليد، و كان من رجال قريش، و من ولده هشام بن اسماعيل بن ايوب و سلمه بن عبدالله بن الوليد بن الوليد، ولى شرطه المدينه.
قالوا: و من ولد حفص بن المغيره عبدالله بن ابى عمر بن حفص بن المغيره، هو اول خلق الله حاج يزيد بن معاويه.
قالوا: و لنا الازرق، و هو عبدالله بن عبدالرحمن بن الوليد بن عبدشمس بن المغيره والى اليمن لابن الزبير، و كان من اجود العرب، و هو ممدوح ابى دهبل الجمحى.
قالوا: و لنا شريك رسول الله (ص) و هو عبدالله بن السائب بن ابى السائب، و اسم ابى السائب صيفى بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، كان شريك النبى (ص) فى الجاهليه، فجائه يوم الفتح فقال له: اتعرفنى؟ قال: الست شريكى؟ قال: بلى، قال: لقد كنت خير شريك لاتشارى و لاتمارى.
قالوا: و منا الارقم بن ابى الارقم الذى استتر رسول الله فى داره بمكه فى اول الدعوه، و اسم ابى الارقم عبدمناف بن اسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم.
و منا ابوسلمه بن عبدالاسد، و اسمه عبدالله، و هو زوج ام سلمه بنت ابى اميه بن المغيره، قبل رسول الله (ص)، شهد ابوسلمه بدرا، و كان من صلحاء المسلمين.
قالوا: لنا هبيره بن ابى وهب، كان من الفرسان المذكورين، و ابنه جعده بن هبيره، و هو ابن اخت على بن ابى طالب (ع)، امه ام هانى ء بنت ابى طالب، و ابنه عبدالله بن جعده بن هبيره هو ال ذى فتح القهندر و كثيرا من خراسان، فقال فيه الشاعر: لولا ابن جعده لم تفتح قهندركم و لا خراسان حتى ينفخ الصور قالوا: و لنا سعيد بن المسيب الفقيه المشهور.
و اما الجواد المشهور فهو الحكم بن المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم.
و قد اختصرنا و اقتصرنا على من ذكرنا، و تركنا كثيرا من رجال مخزوم خوف الاسهاب.
و ينبغى ان يقال فى الجواب: ان اميرالمومنين (ع) لم يقل هذا الكلام احتقارا لهم و لااستصغارا لشانهم، و لكن اميرالمومنين (ع) كان اكثر همه يوم المفاخره ان يفاخر بنى عبدشمس لما بينه و بينهم، فلما ذكر مخزوما بالعرض قال فيهم ما قال، و لو كان يريد مفاخرتهم لما اقتصر لهم على ما ذكره عنهم، على ان اكثر هولاء الرجال اسلاميون بعد عصر على (ع) و على (ع) انما يذكر من قبله لا من يجى ء بعده.
فان قلت: اذا كان قد قال فى بنى عبدشمس انهم امنع لما وراء ظهورهم، ثم قال فى بنى هاشم: انهم اسمح عند الموت بنفوسهم، فقد تناقض الوصفان.
قلت: لا مناقضه بينهما، لانه اراد كثره بنى عبدشمس، فبالكثره تمنع ما وراء ظهورها، و كان بنوهاشم اقل عددا من بنى عبدشمس، الا ان كل واحد منهم على انفراده اشجع و اسمح بنفسه عند الموت من كل واحد على انف راده من بنى عبدشمس، فقد بان انه لا مناقضه بين القولين.
اخذ هذا المعنى بعض الشعراء، فقال: تفنى اللذاذه ممن نال بغيته من الحرام و يبقى الاثم و العار تبقى عواقب سوء فى مغبتها لا خير فى لذه من بعدها النار
الاشهر الاكثر فى الروايه ان هذا الكلام من كلام رسول الله (ص) و مثل قوله: (كان الموت فيها على غيرنا كتب) قول الحسن (ع): ما رايت حقا لا باطل فيه اشبه بباطل لا حق فيه من الموت، و الالفاظ التى بعده واضحه ليس فيها ما يشرح، و قد تقدم ذكر نظائرها.
المرجع فى هذا الى العقل و التماسك، فلما كان الرجل اعقل و اشد تماسكا كانت غيرته فى موضعها، و كانت واجبه عليه، لان النهى عن المنكر واجب، و فعل الواجبات من الايمان، و اما المراه فلما كانت انقص عقلا و اقل صبرا كانت غيرتها على الوهم الباطل و الخيال غير المحقق، فكانت قبيحه لوقوعها غير موقعها، و سماها (ع) كفرا لمشاركتها الكفر فى القبح فاجرى عليها اسمه.
و ايضا فان المراه قد تودى بها الغيره الى ما يكون كفرا على الحقيقه كالسحر، فقد ورد فى الحديث المرفوع انه كفر، و قد يفضى بها الضجر و القلق الى ان تتسخط و تشتم و تتلفظ بالفاظ تكون كفرا لا محاله.
خلاصه هذا الفصل تقتضى صحه مذهب اصحابنا المعتزله فى ان الاسلام و الايمان عبارتان عن معبر واحد، و ان العمل داخل فى مفهوم هذه اللفظه، الا تراه جعل كل واحده من اللفظات قائمه مقام الاخرى فى افاده المفهوم، كما تقول: الليث هو الاسد و الاسد هو السبع، و السبع هو ابوالحارث! فلا شبهه ان الليث يكون اباالحارث، اى ان الاسماء مترادفه، فاذا كان اول اللفظات الاسلام، و آخرها العمل، دل على ان العمل هو الاسلام، و هكذا يقول اصحابنا: ان تارك العمل و تارك الواجب لايسمى مسلما.
فان قلت: هب ان كلامه (ع) يدل على ما قلت، كيف يدل على ان الاسلام هو الايمان؟.
قلت: لانه اذا دل على ان العمل هو الاسلام وجب ان يكون الايمان هو الاسلام لان كل من قال: ان العمل داخل فى مسمى الاسلام، قال: ان الاسلام هو الايمان، فالقول بان العمل داخل فى مسمى الاسلام، و ليس الاسلام هو الايمان، قول لم يقل به احد، فيكون الاجماع واقعا على بطلانه.
فان قلت: ان اميرالمومنين (ع) لم يقل كما تقوله المعتزله، لان المعتزله تقول: الاسلام اسم واقع على العمل و غيره من الاعتقاد، و النطق باللسان، و اميرالمومنين (ع) جعل الاسلام هو العمل فقط، فكيف ادعيت ان قول ا ميرالمومنين (ع) يطابق مذهبهم؟ قلت: لايجوز ان يريد غيره، لان لفظ العمل يشمل الاعتقاد، و النطق باللسان، و حركات الاركان بالعبادات، اذ كل ذلك عمل و فعل، و ان كان بعضه من افعال القلوب، و بعضه من افعال الجوارح، و لو لم يرد اميرالمومنين (ع) ما شرحناه لكان قد قال: الاسلام هو العمل بالاركان خاصه، و لم يعتبر فيه الاعتقاد القلبى، و لا النطق اللفظى، و ذلك مما لايقوله احد.
قال اعرابى: الرزق الواسع لمن لايستمتع به بمنزله الطعام الموضوع على قبر.
و راى حكيم رجلا مثريا ياكل خبزا و ملحا، فقال: لم تفعل هذا؟ قال: اخاف الفقر، قال: فقد تعجلته.
فاما القول فى الكبر و التيه فقد تقدم منه ما فيه كفايه، و قال ابن الاعرابى: ما تاه على احد قط اكثر من مره واحده اخذ هذا المعنى شاعر فقال و احسن: هذه منك فان عد ت الى الباب فمنى و قد تقدم من كلامنا فى نظائر هذه الالفاظ المذكوره ما يغنى عن الاطاله هاهنا.
هذا مخصوص باصحاب اليقين، و الاعتقاد الصحيح، فانهم الذين اذا قصروا فى العمل ابتلوا بالهم، فاما غيرهم من المسرفين على انفسهم و ذوى النقص فى اليقين و الاعتقاد، فانه لا هم يعروهم و ان قصروا فى العمل، و هذه الكلمه قد جربناها من انفسنا فوجدنا مصداقها واضحا، و ذلك ان الواحد منا اذا اخل بفريضه الظهر مثلا حتى تغيب الشمس و ان كان اخل بها لعذر وجد ثقلا فى نفسه و كسلا و قله نشاط، و كانه مشكول بشكال او مقيد بقيد، حتى يقضى تلك الفريضه، فكانما انشط من عقال.
قد جاء فى الخبر المرفوع: (اذا احب الله عبدا ابتلاه فى ماله او فى نفسه).
و جاء فى الحديث المرفوع: (اللهم انى اعوذ بك من جسد لايمرض، و من مال لايصاب).
و روى عبدالله بن انس عنه (ص) انه قال: (ايكم يحب ان يصح فلا يسقم؟)، قالوا: كلنا يا رسول الله، قال: (اتحبون ان تكونوا كالحمر الصائله، الا تحبون ان تكونوا اصحاب بلايا و اصحاب كفارات! و الذى بعثنى بالحق ان الرجل لتكون له الدرجه فى الجنه فلا يبلغها بشى ء من عمله فيبتليه الله ليبلغه الله درجه لايبلغها بعمله).
و فى الحديث ايضا: (ما من مسلم يمرض مرضا الا حت الله به خطاياه كما تحت الشجره ورقها).
و روى ابوعثمان النهدى قال: دخل رجل اعرابى على رسول الله (ص) ذو جسمان عظيم، فقال له: متى عهدك بالحمى؟ قال: ما اعرفها، قال: بالصداع، قال: ما ادرى ما هو؟ قال: فاصبت بمالك؟ قال: لا، قال: فرزئت بولدك؟ قال: لا، فقال (ع): (ان الله ليكره العفريت النفريت الذى لايرزا فى ولده و لايصاب فى ماله).
و جاء فى بعض الاثار: (اشد الناس حسابا الصحيح الفارغ).
و فى حديث حذيفه رضى الله عنه: ان اقر يوم لعينى ليوم لااجد فيه طعاما، سمعت رسول الله (ص) يقول: (ان الله ليتعاهد عبده المومن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالطعام، و ان الله يحمى عبده المومن كما يحمى احدكم المريض من الطعام).
و فى الحديث المرفوع ايضا: (اذا احب الله عبدا ابتلاه، فاذا احبه الحب البالغ اقتناه) قالوا: و ما اقتناوه؟ قال: (الا يترك له مالا و لا ولدا).
مر موسى (ع) برجل كان يعرفه مطيعا لله قد مزقت السباع لحمه و اضلاعه، و كبده ملقاه، فوقف متعجبا فقال: اى رب، عبدك المطيع لك ابتليته بما ارى، فاوحى الله اليه: انه سالنى درجه لم يبلغها بعمله، فجعلت له بما ترى سبيلا الى تلك الدرجه.
و جاء فى الحديث: (ان زكريا لم يزل يرى ولده يحيى مغموما باكيا مشغولا بنفسه)، فقال: يا رب طلبت منك ولدا انتفع به فرزقتنيه لا نفع لى فيه، فقال له: انك طلبته وليا، و الولى لايكون الا هكذا، مسقاما فقيرا مهموما.
و قال سفيان الثورى: كانوا لايعدون الفقيه فقيها من لايعد البلاء نعمه و الرخاء مصيبه.
جابر بن عبدالله يرفعه: (يود اهل العافيه يوم القيامه ان لحومهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب اهل البلاء).
هذه مساله طبيعيه قد ذكرها الحكماء، قالوا: لما كان تاثير الخريف فى الابدان، و توليده الامراض كالزكام و السعال و غيرهما اكثر من تاثير الربيع، مع انهما جميعا فصلا اعتدال، و اجابوا بان برد الخريف يفجا الانسان و هو معتاد لحر الصيف فينكا فيه، و يسد مسام دماغه، لان البرد يكثف و يسد المسام فيكون كمن دخل من موضع شديد الحراره الى خيش بارد.
فاما المنتقل من الشتاء الى فصل الربيع فانه لايكاد برد الربيع يوذيه ذلك الاذى لانه قد اعتاد جسمه برد الشتاء، فلا يصادف من برد الربيع الا ما قد اعتاد ما هو اكثر منه، فلا يظهر لبرد الربيع تاثير فى مزاجه فاما لم اورقت الاشجار و ازهرت فى الربيع دون الخريف؟ فلما فى الربيع من الكيفيتين اللتين هما منبع النمو و النفس النباتيه، و هما الحراره و الرطوبه و اما الخريف فخال من هاتين الكيفيتين و مستبدل بهما ضدهما، و هما البروده و اليبس المنافيان للنشوء و حياه الحيوان و النبات.
فاما لم كان الخريف باردا يابسا و الربيع حارا رطبا مع ان نسبه كل واحد منهما الى الفصلين الخارجين عن الاعتدال و هما الشتاء و الصيف نسبه واحده؟ فان تعليل ذلك مذكور فى الاصول الطبيه، و الكتب الطبيعيه، و ليس هذا الموضع مما يحسن ان يشرح فيه مثل ذلك.
لا نسبه للمخلوق الى الخالق اصلا و خصوصا البشر، لانهم بالنسبه الى فلك القمر كالذره، و نسبه فلك القمر كالذره بالنسبه الى قرص الشمس، بل هم دون هذه النسبه مما يعجز الحاسب الحاذق عن حساب ذلك، و فلك القمر بالنسبه الى الفلك المحيط دون هذه النسبه، و نسبه الفلك المحيط الى البارى سبحانه كنسبه العدم المحض و النفى الصرف الى الموجود البائن، بل هذا القياس ايضا غير صحيح، لان المعدوم يمكن ان يصير موجودا بائنا، و الفلك لايتصور ان يكون صانع العالم الواجب الوجود لذاته.
و على الجمله فالامر اعظم من كل عظيم، و اجل من كل جليل، و لا طاقه للعقول و الاذهان ان تعبر عن جلاله ذلك الجناب و عظمته، بل لو قيل، انها لا طاقه لها ان تعبر عن جلال مصنوعاته الاولى المتقدمه علينا بالرتبه العقليه و الزمانيه لكان ذلك القول حقا و صدقا، فمن هو المخلوق ليقال: ان عظم الخالق يصغره فى العين، و لكن كلامه (ع) محمول على مخاطبه العامه الذين تضيق افهامهم عما ذكرناه.
الفرط: المتقدمون، و قد ذكرنا من كلام عمر ما يناسب هذا الكلام، لما ظعن فى القبور و عاد الى اصحابه احمر الوجه، ظاهر العروق، قال: قد وقفت على قبور الاحبه فناديتها الحديث... الى آخره، فقيل له: فهل اجابتك؟ قال: نعم، قالت: ان خير الزاد التقوى.
و قد جاء فى حديث القبور و مخاطبتها و حديث الاموات و ما يتعلق بذلك شى ء كثير يتجاوز الاحصاء.
و فى وصيه النبى (ص) اباذر رضى الله عنه: زر القبور تذكر بها الاخره و لاتزرها ليلا، و غسل الموتى يتحرك قلبك، فان الجسد الخاوى عظه بليغه، و صل على الموتى فان ذلك يحزنك، فان الحزين فى ظل الله.
وجد على قبر مكتوبا: مقيم الى ان يبعث الله خلقه لقاوك لايرجى و انت رقيب تزيد بلى فى كل يوم و ليله و تنسى كما تبلى و انت حبيب و قال الحسن (ع): مات صديق لنا صالح، فدفناه و مددنا على القبر ثوبا، فجاء صله بن اشيم، فرفع طرف الثوب و نادى: يا فلان: ان تنج منها تنج من ذى عظيمه و الا فانى لااخالك ناجيا و فى الحديث المرفوع، انه (ع) كان اذا تبع الجنازه اكثر الصمات، و رئى عليه كابه ظاهره، و اكثر حديث النفس.
سمع ابوالدرداء رجلا يقول فى جنازه: من هذا؟ فقال: انت، فان كرهت فانا.
سم ع الحسن (ع) امراه تبكى خلف جنازه، و تقول: يا ابتاه، مثل يومك لم اره؟ فقال: بل ابوك مثل يومه لم يره.
و كان مكحول اذا راى جنازه قال: اغد فانا رائحون.
و قال ابن شوذب: اطلعت امراه صالحه فى لحد فقالت لامراه معها: هذا كندوج العمل- يعنى خزانته.
و كانت تعطيها الشى ء بعد الشى ء تامرها ان تتصدق به، فتقول: اذهبى فضعى هذا فى كندوج العمل.
شاعر: اجازعه ردينه ان اتاها نعيى ام يكون لها اصطبار! اذا ما اهل قبرى ودعونى و راحوا و الاكف بها غبار و غودر اعظمى فى لحد قبر تراوحه الجنائب و القطار تهب الريح فوق محط قبرى و يرعى حوله اللهق النوار مقيم لايكلمنى صديق بقفر لاازور و لاازار فذاك الناى لا الهجران حولا و حولا ثم تجتمع الديار و قال آخر: كانى باخوانى على حافتى قبرى يهيلونه فوقى و ادمعهم تجرى فيا ايها المذرى على دموعه ستعرض فى يومين عنى و عن ذكرى عفا الله عنى يوم اترك ثاويا ازار فلا ادرى و اجفى فلا ادرى و جاء فى الحديث المرفوع: (ما رايت منظرا الا و القبر افظع منه).
و فى الحديث ايضا: (القبر اول منزل من منازل الاخره، فمن نجا منه فما بعده ايسر، و من لم ينج منه فما بعده شر منه).