شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 586
نمايش فراداده

حکمت 195

الشرح:

قد اخذت انا هذا المعنى فقلت من جمله قصيده لى حكميه: لاتسدين الى ذى اللوم مكرمه فانه سبخ لاينبت الشجرا فان زرعت فمحفوظ بمضيعه و اكل زرعك شكر الغير ان كفرا و قد سبق منا كلام طويل فى الشكر.

و راى العباس بن المامون يوما بحضره المعتصم خاتما فى يد ابراهيم بن المهدى، فاستحسنه، فقال له: ما فص هذا الخاتم، و من اين حصلته؟ فقال ابراهيم: هذا خاتم رهنته فى دوله ابيك، و افتككته فى دوله اميرالمومنين، فقال العباس: فان لم تشكر ابى على حقنه دمك، فانت لاتشكر اميرالمومنين على فكه خاتمك.

و قال الشاعر: لعمرك ما المعروف فى غير اهله و فى اهله الا كبعض الودائع فمستودع ضاع الذى كان عنده و مستودع ما عنده غير ضائع و ما الناس فى شكر الصنيعه عندهم و فى كفرها الا كبعض المزارع فمزرعه طابت و اضعف نبتها و مزرعه اكدت على كل زارع

حکمت 196

الشرح:

هذا الكلام تحته سر عظيم، و رمز الى معنى شريف غامض، و منه اخذ مثبتو النفس الناطقه الحجه على قولهم، و محصول ذلك ان القوى الجسمانيه يكلها و يتعبها تكرار افاعليها عليها، كقوه البصر يتعبها تكرار ادراك المرئيات، حتى ربما اذهبها و ابطلها اصلا، و كذلك قوه السمع يتعبها تكرار الاصوات عليهاو و كذلك غيرها من القوى الجسمانيه و و لكنا وجدنا القوه العاقله بالعكس من ذلك، فان الانسان كلما تكررت عليه المعقولات ازدادت قوته العقليه سعه و انبساطا و استعدادا لادراك امور اخرى غير ما ادركته من قبل حتى كان تكرار المعقولات عليها يشحذها و يصقلها، فهى اذن مخالفه فى هذا الحكم للقوى الجسمانيه، فليست منها، لانها لو كانت منها لكان حكمها حكم واحد من اخواتها، و اذا لم تكن جسمانيه فهى مجرده، و هى التى نسميها بالنفس الناطقه.

حکمت 197

الشرح:

قد تقدم من اقوالنا فى الحلم ما فى بعضه كفايه.

و فى الحكم القديمه: لاتشن حسن الظفر بقبح الانتقام.

و كان يقال: اعف عمن ابطا عن الذنب و اسرع الى الندم.

و كان يقال: شاور الاناه و التثبت، و ذاكر الحفيظه عند هيجانها ما فى عواقب العقوبه من الندم، و خاصمها بما يودى اليه الحلم من الاغتباط.

و كان يقال: ينبغى للحازم ان يقدم على عذابه و صفحه تعريف المذنب بما جناه، و الا نسب حلمه الى الغفله و كلال حد الفطنه.

و قالت الانصار للنبى (ص) يوم فتح مكه: انهم فعلوا بك ثم فعلوا: يغرونه بقريش: فقال: (انما سميت محمدا لاحمد).

حکمت 198

الشرح:

التحلم: تكلف الحلم، و الذى قاله (ع) صحيح فى مناهج الحكمه، و ذلك لان من تشبه بقوم و تكلف التخلق باخلاقهم، و التادب بادابهم، و استمر على ذلك و مرن عليه الزمان الطويل، اكتسب رياضه قويه، و ملكه تامه، و صار ذلك التكلف كالطبع له، و انتقل عن الخلق الاول، الا ترى ان الاعرابى الجلف الجافى اذا دخل المدن و القرى و خالط اهلها و طال مكثه فيهم انتقل عن خلق الاعراب الذى نشا عليه، و تلطف طبعه، و صار شبيها بساكنى المدن، و كالاجنبى عن ساكنى الوبر، و هذا قد وجدناه فى حيوانات اخرى غير البشر كالبازى و الصقر و الفهد التى تراض حتى تذل و تانس و تترك طبعها القديم بل قد شاهدناه فى الاسد، و هو ابعد الحيوان من الانس.

و ذكر ابن الصابى ان عضدالدوله بن بويه كانت له اسود يصطاد بها كالفهود فتمسكه عليه حتى يدركه فيذكيه، و هذا من العجائب الطريفه.

حکمت 199

الشرح:

قد جاء فى الحديث المرفوع: (حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا).

قوله: (و من خاف امن) اى من اتقى الله امن من عذابه يوم القيامه.

ثم قال (و من اعتبر ابصر) اى من قاس الامور بعضها ببعض، و اتعظ بايات الله و ايامه اضائت بصيرته، و من اضائت بصيرته فهم، و من فهم علم.

فان قلت: الفهم هو العلم، فاى حاجه له الى ان يقول: (و من فهم علم) ؟ قلت: الفهم هاهنا هو معرفه المقدمات، و لا بد ان يستعقب معرفه المقدمات معرفه النتيجه، فمعرفه النتيجه هو العلم، فكانه قال: من اعتبر تنور قلبه بنور الله تعالى و من تنور قلبه عقل المقدمات البرهانيه، و من عقل المقدمات البرهانيه علم النتيجه الواجبه عنها و تلك هى الثمره الشريفه التى فى مثلها يتنافس المتنافسون.

حکمت 200

الشرح:

الشماس: مصدر شمس الفرس اذا منع من ظهره.

و الضروس: الناقه السيئه الخلق تعض حالبها، و الاماميه تزعم ان ذلك وعد منه بالامام الغائب الذى يملك الارض فى آخر الزمان.

و اصحابنا يقولون: انه وعد بامام يملك الارض و يستولى على الممالك، و لايلزم من ذلك انه لا بد ان يكون موجودا، و ان كان غائبا الى ان يظهر، بل يكفى فى صحه هذا الكلام ان يخلق فى آخر الوقت.

و بعض اصحابنا يقول: انه اشاره الى ملك السفاح و المنصور و ابنى المنصور بعده.

فانهم الذين ازالوا ملك بنى اميه، و هم بنوهاشم، و بطريقهم عطفت الدنيا على بنى عبدالمطلب عطف الضروس.

و تقول الزيديه: انه لا بد من ان يملك الارض فاطمى يتلوه جماعه من الفاطميين على مذهب زيد، و ان لم يكن احد منهم الان موجودا.

حکمت 201

الشرح:

لو قال: (و جرد تشميرا)، لكان قد اتى بنوع مشهور من انواع البديع، لكنه لم يحفل بذلك، و جرى على مقتضى طبعه من البلاغه الخاليه من التكلف و التصنع، على ان ذلك قد روى، و المشهور الروايه الاولى.

و اكمش: جد و اسرع، و رجل كميش، اى جاد.

و فى مهل: اى فى مهله العمل قبل ان يضيق عليه وقته بدنو الاجل.

حکمت 202

الشرح:

مثل قوله: (الجود حارس الاعراض) قولهم: كل عيب فالكرم يغطيه.

و الفدام: خرقه تجعل على فم الابريق، فشبه الحلم بها، فانه يرد السفيه عن السفه كما يرد الفدام الخمر عن خروج القذى منها الى الكاس.

فاما (و العفو زكاه الظفر) فقد تقدم ان لكل شى ء زكاه، و زكاه الجاه رفد المستعين، و زكاه الظفر العفو.

و اما (السلو عوضك ممن غدر)، فمعناه ان من غدر بك من احبائك و اصدقائك فاسل عنه و تناسه، واذكر ما عاملك به من الغدر، فانك تسلو عنه و يكون ما استفدته من السلو عوضا عن وصاله الاول، قال الشاعر: اعتقنى سوء ما صنعت من الرق فيا بردها على كبدى فصرت عبدا للسوء فيك و ما احسن سوء قبلى الى احد.

و قد سبق القول فى الاستشاره، و ان المستغنى برايه مخاطر، و كذلك القول فى الصبر.

و للمناضله: المراماه.

و كذلك القول فى الجزع، و ان الانسان اذا جزع عند المصيبه فقد اعان الزمان على نفسه، و اضاف الى نفسه مصيبه اخرى.

و سبق ايضا القول فى المنى، و انها من بضائع النوكى.

و كذلك القول فى الهوى، و انه يغلب الراى و ياسره.

و كذلك القول فى التجربه، و قولهم: من حارب المجرب حلت به الندامه، و ان من اضاع التجربه فقد اضاع عقله و رايه.

و قد سبق القول فى الموده، و ذكرنا قولهم: الصديق نسيب الروح، و الاخ نسيب الجسم، و سبق القول فى الملال.

و قال العباس بن الاحنف: لو كنت عاتبه لسكن عبرتى املى رضاك وزرت غير مراقب لكن مللت فلم يكن لى حيله صد الملول خلاف صد العاتب

حکمت 203

الشرح:

قد تقدم القول فى العجب، و معنى هذه الكلمه ان الحاسد لايزال مجتهدا فى اظهار معايب المحسود و اخفاء محاسنه، فلما كان عجب الانسان بنفسه كاشفا عن نقص عقله كان كالحاسد الذى دابه اظهار عيب المحسود و نقصه.

و كان يقال: من رضى عن نفسه كثر الساخط عليه.

و قال مطرف بن الشخير: لان ابيت نائما، و اصبح نادما، احب الى من ان ابيت قائما و اصبح نادما.

حکمت 204

الشرح:

نظير هذا قول الشاعر: و من لم يغمض عينه عن صديقه و عن بعض ما فيه يمت و هو عاتب و من يتتبع جاهدا كل عثره يجدها و لايسلم له الدهر صاحب و قال الشاعر: اذا انت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت و اى الناس تصفو مشاربه! و كان يقال: اغض عن الدهر و الا صرعك.

و كان يقال: لاتحارب الايام و ان جنحت دون مطلوبك منها، و اصحبها بسلاسه القياد، فانك ان تصحبها بذلك تعطك بعد المنع، و تلن لك بعد القساوه، و ان ابيت عليها قادتك الى مكروه صروفها.