شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 594
نمايش فراداده

حکمت 275

الشرح:

هذا قريب مما سلف: يقول: ان الجاهل من الناس مزداد من جهله، مصر على خطيئته، مسوف من توهماته و عقيدته الباطله بالعفو عن ذنبه، و ليس الامر كما توهمه.

(ليس بامانيكم و لا امانى اهل الكتاب من يعمل سوئا يجز به و لايجد له من دون الله وليا و لانصيرا).

حکمت 276

الشرح:

هذا ايضا قريب مما تقدم، يقول: قطع العلم عذر الذين يعللون انفسهم بالباطل، و يقولون: ان الرب كريم رحيم، فلا حاجه لنا الى اتعاب انفسنا بالعباده، كما قال الشاعر: قدمت على الكريم بغير زاد من الاعمال ذا ذنب عظيم و سوئالظن ان تعتد زادا اذا كان القدوم على الكريم و هذا هو التعليل بالباطل، فان الله تعالى و ان كان كريما رحيما عفوا غفورا، الا انه صادق القول، و قد توعد العصاه و قال: (و ان الفجار لفى جحيم يصلونها يوم الدين و ما هم عنها بغائبين)، و قال: (لاتختصموا لدى و قد قمت اليكم بالوعيد ما يبدل القول لدى و ما انا بظلام للعبيد)، و يكفى فى رحمته و عفوه و كرمه ان يغفر للتائب او لمن ثوابه اكثر مما يستحقه من العقاب، فالقول بالوعيد معلوم بادله السمع المتظاهره المتناصره التى قد اطنب اصحابنا فى تعدادها و ايضاحها، و اذا كان الشى ء معلوما، فقد قطع العلم به عذر اصحاب التعلل و التمنى، و وجب العمل بالمعلوم و رفض ما يخالفه.

حکمت 277

الشرح:

قال الله سبحانه: (حتى اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمه هو قائلها و من ورائهم برزخ الى يوم يبعثون).

فهذا هو سوال الانظار لمن عوجل، فاما من اجل فانه يعلل نفسه بالتسويف، و يقول: سوف اتوب، سوف اقلع عما انا عليه، فاكثرهم يخترم من غير ان يبلغ هذا الامل، و تاتيه المنيه و هو على اقبح حال و اسوئها، و منهم من تشمله السعاده فيتوب قبل الموت، و اولئك الذين ختمت اعمالهم بخاتمه الخير، و هم فى العالم كالشعره البيضاء فى الثور الاسود.

حکمت 278

الشرح:

قد تقدم هذا المعنى، و ذكرنا فيه نكتا جيده حميده.

(نبذ من الاقوال الحكميه فى تقلبات الدهر و تصرفاته) كان محمد بن عبدالله بن طاهر امير بغداد فى قصره على دجله يوما، و اذا بحشيش على وجه الماء، فى وسطه قصبه عليها رقعه، فامر باخذها، فاذا فيها: تاه الاعيرج و استولى به البطر فقل له خير ما استعملته الحذر احسنت ظنك بالايام اذ حسنت و لم تخف سوء ما ياتى به القدر و سالمتك الليالى فاغتررت بها و عند صفو الليالى يحدث الكدر فما انتفع بنفسه مده.

و فى المثل: الدهر اذا اتى بسحواء سحسح، يعقبها بنكباء زعزع.

و كذاك شرب العيش فيه تلون، بيناه عذبا اذ تحول آجنا.

يحيى بن خالد: اعطانا الدهر فاسرف، ثم مال علينا فاجحف.

و قال الشاعر: فيا لنعيم ساعدتنا رقابه و خاست بنا اكفاله و الروادف اسحق بن ابراهيم الموصلى: هى المقادير تجرى فى اعنتها فاصبر فليس لها صبر على حال يوما تريش خسيس الحال ترفعه الى السماء و يوما تخفض العالى اذا ادبر الامر اتى الشر من حيث كان ياتى الخير.

هانى ء بن مسعود: ان كسرى ابى على الملك النع مان حتى سقاه ام الرقوب كل ملك و ان تصعد يوما باناس يعود للتصويب احيحه بن الج لاح: و ما يدرى الفقير متى غناه و ما يدرى الغنى متى يعيل و ما تدرى اذا اضربت شولا اتلقح بعد ذلك ام تحيل و ما تدرى اذا ازمعت سيرا باى الارض يدركك المقيل! آخر: فما درن الدنيا بباق لاهله و لا شره الدنيا بضربه لازم آخر: رب قوم غبروا من عيشهم فى سرور و نعيم و غدق سكت الدهر زمانا عنهم ثم ابكاهم دما حين نطق و من الشعر المنسوب الى محمد الامين بن زبيده: يا نفس قد حق الحذر اين الفرار من القدر كل امرى ء مما يخا ف و يرتجيه على خطر من يرتشف صفو الزما ن يغص يوما بالكدر

حکمت 279

الشرح:

قد جاء فى الخبر المرفوع: القدر سر الله فى الارض، و روى: سر الله فى عباده، و المراد نهى المستضعفين عن الخوض فى اراده الكائنات، و فى خلق اعمال العباد، فانه ربما افضى بهم القول بالجبر، لما فى ذلك من الغموض، و ذلك ان العامى اذا سمع قول القائل: كيف يجوز ان يقع فى عالمه ما يكرهه، و كيف يجوز ان تغلب اراده المخلوق اراده الخالق! و يقول ايضا: اذا علم فى القدم ان زيدا يكفر، فكيف لزيد ان لايكفر! و هل يمكن ان يقع خلاف ما علمه الله تعالى فى القدم، اشتبه عليه الامر، و صار شبهه فى نفسه، و قوى فى ظنه مذهب المجبره، فنهى (ع) هولاء عن الخوض فى هذا النحو من البحث، و لم ينه غيرهم من ذوى العقول الكامله، و الرياضه القويه، و الملكه التامه، و من له قدره على حل الشبه، و التقصى عن المشكلات.

فان قلت: فانكم: تقولون: ان العامى و المستضعف يجب عليهما النظر! قلت: نعم الا انه لا بد لهما من موقف بعد اعمالها ما ينتهى اليه جهدهما من النظر، بحيث يرشدهما الى الصواب، و النهى انما هو لمن يستبد من ضعفاء العامه بنفسه فى النظر و لايبحث مع غيره ليرشده.

حکمت 280

الشرح:

ارذله: جعله رذلا، و كان يقال: من علامه بغض الله تعالى للعبد ان يبغض اليه العلم.

و قال الشاعر: شكوت الى وكيع سوء حفظى فارشدنى الى ترك المعاصى و قال لان حفظ العلم فضل و فضل الله لا يوتيه عاصى و قال رجل لحكيم: ما خير الاشياء لى؟ قال: ان تكون عالما، قال: فان لم اكن؟ قال: ان تكون مثريا، قال: فان لم اكن؟ قال: ان تكون شاريا، قال: فان لم اكن؟ قال: فان تكون ميتا.

اخذ هذا المعنى بعض المحدثين فقال: اذا فاتك العلم جد بالقرى و ان فاتك المال سد بالقراع فان فات هذا و هذا و ذاك فمت فحياتك شر المتاع و قال ايضا فى المعنى بعينه: و لو لا الحجا و القرى و القراع لما فضل الاخر الاولا ثلاث متى يخل منها الفتى يكن كالبهيمه او ارذلا

حکمت 281

الشرح:

قد اختلف الناس فى المعنى بهذا الكلام، و من هو هذا الاخ المشار اليه؟ فقال قوم: هو رسول الله (ص)، و استبعده قوم لقوله: (و كان ضعيفا مستضعفا)، فان النبى (ص) لايقال فى صفاته مثل هذه الكلمه، و ان امكن تاويلها على لين كلامه و سماحه اخلاقه، الا انها غير لائقه به (ع).

و قال قوم: هو ابوذر الغفارى و استبعده قوم (لقوله: فان جاء الجد فهو ليث عاد و صل واد)، فان اباذر لم يكن من الموصوفين بالشجاعه، و المعروفين بالبساله.

و قال قوم هو المقداد بن عمرو المعروف بالمقداد بن الاسود و كان من شيعه على (ع) المخلصين، و كان شجاعا مجاهدا حسن الطريقه، و قد ورد فى فضله حديث صحيح مرفوع.

و قال قوم: انه ليس باشاره الى اخ معين، و لكنه كلام خارج مخرج المثل، و عاده العرب جاريه بمثل ذلك، مثل قولهم فى الشعر: فقلت لصاحبى، و يا صاحبى، و هذا عندى اقوى الوجوه.

(نبذ من الاقوال الحكميه فى حمد القناعه و قله الاكل) و قد مضى القول فى صغر الدنيا فى عين اهل التحقيق، فاما سلطان البطن و مدح الانسان بانه لايكثر من الاكل اذا وجد اكلا، و لايشتهى من الاكل ما لا يجده، فقد قال الناس فيه فاكثروا.

قال اعشى باهله يرثى المنتشر بن وهب: طاوى ال مصير على العزاء منصلت بالقوم ليله لا ماء و لا شجر تكفيه فلذه لحم ان الم بها من الشواء و يروى شربه الغمر و لايبارى لما فى القدر يرقبه و لا تراه امام القوم يفتقر لايغمز الساق من اين و لاوصب و لايعض على شرسوفه الصفر و قال الشنفرى: و اطوى على الخمص الحوايا كما انطوت خيوطه مارى تغار و تفتل و ان مدت الايدى الى الزاد لم اكن باعجلهم اذ اجشع القوم اعجل و ما ذاك الا بسطه عن تفضل عليهم و كان الافضل المتفضل و قال بعضهم لابنه: يا بنى عود نفسك الاثره، و مجاهده الهوى و الشهوه، و لاتنهش نهش السباع، و لاتقضم قضم البراذين، و لا تدمن الاكل ادمان النعاج، و لاتلقم لقم الجمال، ان الله جعلك انسانا، فلاتجعل نفسك بهيمه و لا سبعا، و احذر سرعه الكظه، و داء البطنه، فقد قال الحكيم: اذا كنت بطنا فعد نفسك من الزمنى و قال الاعشى: و البطنه يوما تسفه الاحلاما و اعلم ان الشبع داعيه البشم، و البشم داعيه السقم، و السقم داعيه الموت، و من مات هذه الميته فقد مات موته لئيمه، و هو مع هذا قاتل نفسه، و قاتل نفسه الوم من قاتل غيره.

يا بنى، و الله ما ادى حق السجود و الركوع ذو كظه، و لا خشع لله ذو بطنه، و الصوم مصحه، و لربما طالت اعمار الهند، و صحت ابدان العرب، و لله در الحارث بن كلده حيث زعم ان الدواء هو الازم، و ان الداء ادخال الطعام، فى اثر الطعام يا بنى لم صفت اذهان الاعراب، و صحت اذهان الرهبان مع طول الاقامه فى الصوامع، حتى لم تعرف وجع المفاصل، و لا الاورام، الا لقله الرزء، و وقاحه الاكل، و كيف لاترغب فى تدبير يجمع لك بين صحه البدن و ذكاء الذهن و صلاح المعاد و القرب و عيش الملائكه.

يا بنى لم صار الضب اطول شى ء ذماء! الا لانه يتبلغ بالنسيم.

و لم زعم رسول الله (ص) ان الصوم وجاء! الا ليجعله حجابا دون الشهوات! فافهم تاديب الله و رسوله، فانهما لايقصدان الا مثلك.

يا بنى، انى قد بلغت تسعين عاما ما نقص لى سن، و لاانتشر لى عصب، و لاعرفت دنين انف، و لا سيلان عين، و لاتقطير بول، ما لذلك عله الا التخفيف من الزاد، فان كنت تحب الحياه فهذه سبيل الحياه، و ان كنت تريد الموت فلايبعد الله الا من ظلم.

و كان يقال: البطنه تذهب الفطنه.

و قال عمرو بن العاص لاصحابه يوم حكم الحكمان: اكثروا لابى موسى من الطعام الطيب فو الله ما بطن قوم قط الا فقدوا عقولهم او بعضها، و ما مضى عزم رجل بات بطينا.

و كان يقال: اقلل طعاما تحمد مناما.

و دعا عبدالملك بن مروان رجلا الى الغداء فقال: ما فى فضل، فقال: انى احب الرجل ياكل حتى لايكون فيه فضل، فقال: يا اميرالمومنين، عندى مستزاد، و لكنى اكره ان اصير الى الحال التى استقبحها اميرالمومنين.

و كان يقال: مسكين ابن آدم، اسير الجوع، صريع الشبع.

و سال عبدالملك اباالزعيرعه، فقال هل اتخمت قط؟ قال: لا، قال: و كيف؟ قال: لانا اذا طبخنا انضجنا، و اذا مضغنا دققنا، و لا نكظ المعده و لانخليها.

و كان يقال: من المروئه ان يترك الانسان الطعام و هو بعد يشتهيه.

و قال الشاعر: فان قراب البطن يكفيك ملوه و يكفيك سوآت الامور اجتنابها و قال عبدالرحمن ابن اخى الاصمعى: كان عمى يقول لى: لاتخرج يا بنى من منزلك حتى تاخذ حلمك- يعنى تتغذى- فاذا اخذت حلمك فلا تزدد اليه حلما، فان الكثره تئول الى قله.

و فى الحديث المرفوع: ما ملا ابن آدم و عاء شرا من بطن، بحسب الرجل من طعامه ما اقام صلبه و اما اذا ابيت فثلث طعام، و ثلث شراب، و ثلث نفس.

و روى حذيفه عن النبى (ص): (من قل طعمه، صح بطنه، و صفا قلبه، و من كثر طعمه، سقم بطنه و قسا قلبه)، و عنه (ص): (لاتميتوا القلوب بكثره الطعام و الشراب، فان القلب يموت بهما، كالزرع يموت اذا اكثر عليه الماء).

و روى عون بن ابى جحيفه عن ابيه قال: اكلت يوما ثريدا و لحما سمينا، ثم اتيت رسول الله و انا اتجشا، فقال: احبس جشاك اباجحيفه، ان اكثركم شبعا فى الدنيا اكثركم جوعا فى الاخره، قال: فما اكل ابوجحيفه بعدها مل ء بطنه الى ان قبضه الله.

و اكل على (ع) قليلا من تمرد دقل و شرب عليه ماء، و امر يده على بطنه و قال: من ادخله بطنه النار فابعده الله، ثم تمثل: فانك مهما تعط بطنك سوله و فرجك نالا منتهى الذم اجمعا و كان (ع) يفطر فى رمضان الذى قتل فيه عند الحسن ليله، و عند الحسين ليله، و عند عبدالله بن جعفر ليله، لا يزيد على اللقمتين او الثلاث، فيقال له، فيقول: انما هى ليال قلائل، حتى ياتى امر الله و انا خميص البطن، فضربه ابن ملجم لعنه الله تلك الليله.

و قال الحسن: لقد ادركت اقواما ما ياكل احدهم الا فى ناحيه بطنه، ما شبع رجل منهم من طعام حتى فارق الدنيا، كان ياكل، فاذا قارب الشبع امسك و انشد المبرد: فان امتلاء البطن فى حسب الفتى قليل الغناء و هو فى الجسم صالح و قال عيسى (ع): يا بنى اسرائيل، لا تكثروا الاكل، فانه من اكثر من الاكل اكثر من النوم، و من اكثر النوم اقل الصلاه، و من اقل الصلاه كتب من الغافلين: و قيل ليوسف (ع): ما لك لاتشبع و فى يديك خز ائن مصر؟ قال: انى اذا شبعت نسيت الجائعين.

و قال الشاعر: و اكله اوقعت فى الهلك صاحبها كحبه القمح دقت عنق عصفور لكسره بجريش الملح آكلها الذ من تمره تحشى بزنبور و وصف لسابور ذى الاكتاف رجل من اصطخر للقضاء، فاستقدمه، فدعاه الى الطعام، فاخذ الملك دجاجه من بين يديه فنصفها، و جعل نصفها بين يدى ذلك الرجل، فاتى عليه قبل ان يفرغ الملك من اكل النصف الاخر، فصرفه الى بلده، و قال: ان سلفنا كانوا يقولون: من شره الى طعام الملك كان الى اموال الرعيه اشره.

قيل لسميره بن حبيب: ان ابنك اكل طعاما فاتخم، و كاد يموت، فقال: و الله لو مات منه ما صليت عليه.

انس يرفعه: ان من السرف ان تاكل كل ما اشتهيت.

دخل عمر على عاصم ابنه و هو ياكل لحما، فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا اليه، قال: او كلما قرمت الى اللحم اكلته! كفى بالمرء شرها ان ياكل كل ما يشتهى.

ابوسعيد يرفعه: استعينوا بالله من الرعب، قالوا: هو الشره، و يقال: الرعب شوم.

انس يرفعه: اصل كل داء البرده، قالوا: هى التخمه، و قال ابودريد: العرب تعير بكثره الاكل و انشد: لست باكال كاكل العبد و لا بنوام كنوم الفهد و قال الشاعر: اذا لم ازر الا لاكل اكله فلارفعت كفى الى طعامى فما اكله ان نلتها بغنيمه و لا جوعه ان جعتها بغرام ابن عباس، كان رسول الله (ص) يبيت طاويا ليالى ما له و لاهله عشاء، و كان عامه طعامه الشعير، و قالت عائشه: و الذى بعث محمدا بالحق ما كان لنا منخل، و لا اكل رسول الله (ص) خبزا منخولا منذ بعثه الله الى ان قبض، قالوا: فكيف كنتم تاكلون دقيق الشعير؟ قالت: كنا نقول: اف اف.

انس، ما اكل رسول الله (ص) رغيفا محورا الى ان لقى ربه عز و جل.

ابوهريره: ما شبع رسول الله (ص) و اهله ثلاثه ايام متواليه من خبز حنطه حتى فارق الدنيا.

و روى مسروق قال: دخلت على عائشه و هى تبكى، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: ما اشاء ان ابكى الا بكيت، مات رسول الله (ص) و لم يشبع من خبز البر فى يوم مرتين، ثم انهارت علينا الدنيا.

حاتم الطائى: و انى لاستحيى صحابى ان يروا مكان يدى من جانب الزاد اقرعا اقصر كفى ان تنال اكفهم اذا نحن اهوينا و حاجاتنا معا ابيت خميص البطن مضطمر الحشا حياء اخاف الضيم ان اتضلعا فانك ان اعطيت نفسك سولها و فرجك نالا منتهى الذم اجمعا فاما قوله (ع): (كان لايتشهى، ما لا يجد) فانه قد نهى ان يتشهى الانسان ما لا يجد، و قالوا: انه دليل على سقوط المروئه.

و قال الاحنف: جنبوا مجالسنا ذكر تشه ى الاطعمه و حديث النكاح.

و قال الجاحظ: جلسنا فى دار فجعلنا نتشهى الاطعمه، فقال واحد: و انا اشتهى سكباجا كثيره الزعفران.

و قال آخر: انا اشتهى طباهجه ناشفه، و قال آخر: انا اشتهى هريسه كثيره الدارصينى، و الى جانبنا امراه بيننا و بينها بئر الدار، فضربت الحائط و قالت: انا حامل، فاعطونى مل ء هذه الغضاره من طبيخكم، فقال ثمامه: جارتنا تشم رائحه الامانى.

حکمت 282

الشرح:

قالت المعتزله: انا لو قدرنا ان الوعيد السمعى لم يرد لما اخل ذلك بكون الواجب واجبا فى العقل، نحو العدل و الصدق، و العلم، ورد الوديعه، هذا فى جانب الاثبات، و اما فى جانب السلب فيجب فى العقل الا يظلم، و الا يكذب، و الا يجهل، و الا يخون الامانه، ثم اختلفوا فيما بينهم، فقالت معتزله بغداد: ليس الثواب واجبا على الله تعالى بالعقل، لان الواجبات انما تجب على المكلف، لان ادائها كالشكر لله تعالى، و شكر المنعم واجب، لانه شكر منعم، فلم يبق وجه يقتضى وجوب الثواب على الله سبحانه، و هذا قريب من قول اميرالمومنين (ع).

و قال البصريون: بل الثواب واجب على الله تعالى عقلا، كما يجب عليه العوض عن ايلام الحى، لان التكليف الزام بما فيه مضره، كما ان الايلام انزال مضره، و الالزام كالانزال.

حکمت 283

الشرح:

قد روى هذا الكلام عنه (ع) على وجوه مختلفه و روايات متنوعه، هذا الوجه احدهما، و اخذ ابوالعتاهيه الفاظه (ع) فقال لمن يعزيه عن ولد: و لا بد من جريان القضاء اما مثابا و اما اثيما و من كلامهم فى التعازى: اذا استاثر الله بشى ء فاله عنه، و تنسب هذه الكلمه الى عمر بن عبدالعزيز.

و ذكر ابوالعباس فى الكامل ان عقبه بن عياض بن تميم احد بنى عامر بن لوى استشهد، فعزى اباه معز، فقال: احتسبه و لاتجزع عليه، فقد مات شهيدا، فقال عياض: اترانى كنت اسر به و هو من زينه الحياه الدنيا، و اساء به و هو من الباقيات الصالحات! و هذا الكلام ماخوذ من كلام اميرالمومنين (ع).

و من التعازى الجيده قول القائل: و من لم يزل غرضا للمنو ن يتركه كل يوم عميدا فان هن اخطانه مره فيوشك مخطئها ان يعودا فبينا يحيد و اخطانه قصدن فاعجلنه ان يحيدا و قال آخر: هو الدهر قد جربته و عرفته فصبرا على مكروهه و تجلدا و ما الناس الا سابق ثم لاحق و فائت موت سوف يلحقه غدا و قال آخر: اينا قدمت صروف الليالى فالذى اخرت سريع اللحاق غدرات الايام منتزعات عنقينا من انس هذا العناق ابن نباته السعدى: نعلل بالدواء اذا مرضنا و هل يشفى من الموت الدواء! و نختار الطبيب و هل طبيب يوخر ما يقدمه القضاء! و ما انفاسنا الا حساب و ما حركاتنا الا فناء البخترى: ان الرزيه فى الفقيد فان هفا جزع بلبك فالرزيه فيكا و متى وجدت الناس الا تاركا لحميمه فى الترب او متروكا لو ينجلى لك ذخرها من نكبه جلل لاضحكك الذى يبكيكا و كتب بعضهم الى صديق له مات ابنه: كيف شكرك لله تعالى على ما اخذ من وديعته، و عوض من مثوبته! و عزى عمر بن الخطاب ابابكر عن طفل، فقال: عوضك الله منه ما عوضه منك، فان الطفل يعوض من ابويه الجنه.

و فى الحديث المرفوع: (من عزى مصابا كان له مثل اجره).

و قال (ع): (من كنوز السر كتمان المصائب، و كتمان الامراض و كتمان الصدقه).

و قال شاعر فى رثاء ولده: و سميته يحيى ليحيا و لم يكن الى رد امر الله فيه سبيل تخيرت فيه الفال حين رزقته و لم ادر ان الفال فيه يفيل و قال آخر: و هون وجدى بعد فقدك اننى اذا شئت لاقيت امرا مات صاحبه آخر: و قد كنت ارجو لو تمليت عيشه عليك الليالى مرها و انتقالها فاما و قد اصبحت فى قبضه الردى فقل لليالى فلتصب من بدا لها اخذه المتنبى فقال: قد كنت اشفق من دمعى على بصرى فاليوم كل عزيز بعدكم هانا و مثله لغيره: فراقك كنت اخشى فافترقنا فمن فارقت بعدك لاابالى

حکمت 284

الشرح:

قد اخذت هذا المعنى الشعراء فقال بعضهم: امست بجفنى للدموع كلوم حزنا عليك و فى الخدود رسوم و الصبر يحمد فى المواطن كلها الا عليك فانه مذموم و قال ابوتمام: و قد كان يدعى لابس الصبر حازما فقد صار يدعى حازما حين يجزع و قال ابوالطيب: اجد الجفاء على سواك مروئه و الصبر الا فى نواك جميلا و قال ابوتمام ايضا: الصبر اجمل غير ان تلذذا فى الحب اولى ان يكون جميلا و قالت خنساء اخت عمرو بن الشريد: الا يا صخر ان ابكيت عينى لقد اضحكتنى دهرا طويلا بكيتك فى نساء معولات و كنت احق من ابدى العويلا دفعت بك الجليل و انت حى فمن ذا يدفع الخطب الجليلا! اذا قبح البكاء على قتيل رايت بكائك الحسن الجميلا و مثل قوله (ع): (و انه بعدك لقليل)، يعنى المصاب، اى لا مبالاه بالمصائب بعد المصيبه بك، قول بعضهم: قد قلت للموت حين نازله و الموت مقدامه على البهم اذهب بمن شئت اذ ظفرت به ما بعد يحيى للموت من الم و قال الشمردل اليروعى يرثى اخاه: اذا ما اتى يوم من الدهر بيننا فحياك عنا شرقه و اصائله ابى الصبر ان العين بعدك لم تزل يحالف جفنيها قذى ما تزايله و كنت اعير الدمع قبلك من بكى فانت على من مات بعدك شاغله اعينى اذ ابكاكما الدهر فابكيا لمن نصره قد بان عنا و نائله و كنت به اغشى القتال فعزنى عليه من المقدار من لا اقاتله لعمرك ان الموت منا لمولع بمن كان يرجى نفعه و فواضله قوله: فانت على من مات بعدك شاغله هو المعنى الذى نحن فيه، و ذكرنا سائر الابيات لانها فائقه بعيده النظير.

و قال آخر يرثى رجلا اسمه جاريه: اجارى ما ازداد الا صبابه عليك و ما تزداد الا تنائيا اجارى لو نفس فدت نفس ميت فديتك مسرورا بنفسى و ماليا و قد كنت ارجو ان اراك حقيقه فحال قضاء الله دون قضائيا الا فليمت من شاء بعدك انما عليك من الاقدار كان حذاريا و من الشعر المنسوب الى على (ع) و يقال: انه قاله يوم مات رسول الله (ص): كنت السواد لناظرى فبكى عليك الناظر من شاء بعدك فليمت فعليك كنت احاذر و من شعر الحماسه: سابكيك ما فاضت دموعى فان تغض فحسبك منى ما تجن الجوانح كان لم يمت حى سواك و لم تقم على احد الا عليك النوائح لئن حسنت فيك المراثى بوصفها لقد حسنت من قبل فيك المدائح فما انا من رزء و ان جل جازع و لا بسرور بعد موتك فارح