هذه صفات العارفين، و قد تقدم كثير من القول فى ذلك.
و كان يقال: البشر عنوان النجاح، و الامر الذى يختص به العارف ان يكون بشره فى وجهه و هو حزين و حزنه فى قلبه، و الا فالبشر قد يوجد فى كثير من الناس.
ثم ذكر انه اوسع الناس صدرا، و اذلهم نفسا، و انه يكره الرفعه و الصيت.
و جاء فى الخبر فى وصفهم: (كل خامل نومه).
و طول الغم و بعد الهم من صفاتهم، و كذلك كثره الصمت و شغل الوقت بالذكر و العباده، و كذلك الشكر و الصبر و الاستغراق فى الفكر و تدبر آيات الله تعالى فى خلقه، و الضن بالخله و قله المخالطه و التوفر على العزله و حسن الخلق و لين الجانب، و ان يكون قوى النفس جدا، مع ذل للناس و تواضع بينهم، و هذه الامور كلها قد اتى عليها الشرح فيما تقدم.
هذه الكلمه قد رويت مرفوعه، و قد تقدم القول فى الطمع و ذمه، و الياس و مدحه.
و فى الحديث المرفوع: (ازهد فى الناس يحبك الله، و ازهد فيما فى ايدى الناس يحبك الناس).
و من كلام بعضهم: ما اكلت طعام واحد الا هنت عليه.
و كان يقال: نعوذ بالله من طمع يدنى الى طبع.
و قال الشاعر: ارحت روحى من عذاب الملاح للياس روح مثل روح النجاح و قال بعض الادباء: هذا المعنى الذى قد اطنب فيه الناس ليس كما يزعمونه، لعمرى ان للياس راحه، و لكن لا كراحه النجاح، و ما هو الا كقول من قال: لا ادرى نصف العلم، فقيل له: و لكنه النصف الذى لاينفع! و قال ابن الفضل: لا امدح الياس و لكنه اروح للقلب من المطمع افلح من ابصر روض المنى يرعى فلم يرع و لم يرتع و مما يروى لعبدالله بن المبارك الزاهد: قد ارحنا و استرحنا من غدو و رواح و اتصال بامير و وزير ذى سماح بعفاف و كفاف و قنوع و صلاح و جعلنا الياس مفتا حا لابواب النجاح
(نبذ من الاقوال الحكيمه فى الوعد و المطل) قد سبق القول فى الوعد و المطل.
و نحن نذكر هاهنا نكتا اخرى: فى الحديث المرفوع: (من وعد وعدا فكانما عهد عهدا).
و كان يقال: الوعد دين الكرام، و المطل دين اللئام.
و كان يقال: الوعد شبكه من شباك الاحرار يتصيدون بها المحامد.
و قال بعضهم: الوعد مرض المعروف، و الانجاز بروه.
و قال يحيى بن خالد: الوعد سحاب، و الانجاز مطره.
و فى الحديث المرفوع (عده المومن عطيه).
و عنه (ع): (لاتواعد اخاك موعدا لتخلفه).
و قال يحيى بن خالد لبنيه: يا بنى، كونوا اسدا فى الاقوال، نجازا فى الافعال، و لاتعدوا الا و تنجزوا، فان الحر يثق بوعد الكريم، و ربما ادان عليه.
و كان جعفر بن يحيى يكره الوعد و يقول: الوعد من العاجز فاما القادر فالنقد.
و فى الحديث المرفوع: (مطل الغنى ظلم).
و قال ابن الفضل: اثروا و لم يقضوا ديون غريمهم و اللوم كل اللوم مطل الموسر و قال الاخر: اذا اتت العطيه بعد مطل فلا كانت و ان كانت سنيه و كان يقال: المطل يسد على صاحبه باب العذر، و يوجب عليه الاحسن و الاكثر، و التعجيل يحسن سيئه، و يبسط عذره فى التقليل.
و قال يحيى بن خالد لبنيه: يا بنى لاتمطلوا معروف كم، فان كثير العطاء بعد المطل قليل، و عجلوا فان عذركم مقبول مع التعجيل.
و من كلام الحسن بن سهل: المطل يذهب رونق البر، و يكدر صفو المعروف، و يحبط اجر الصدقه، و يعقل اللسان عن الشكر.
و للتعجيل حلاوه و ان قلت العارفه، و لذه و ان صغرت الصنيعه، و ربما عرض ما يمنع الانجاز من تعذر الامكان، و تغير الزمان، فبادر المكنه، و عاجل القدره، و انتهز الفرصه.
و قال الشاعر: تحيل على الفراغ قضاء شغلى و انت اذا فرغت تكون مثلى فلا ادعى بخادمك المرجى و لا تدعى بسيدنا الاجل و قال آخر: لو علم الماطل ان المطال فقد به يذهب طعم النوال و ان اعلى البر ما ناله طالبه نقدا عقيب السوال عجل للسائل معروفه مهنا من طول قيل و قال
قد تقدم من الكلام فى الامل ما فيه كفايه.
و كان يقال: وا عجبا لصاحب الامل الطويل! و ربما يكون كفنه فى يد النساج و هو لايعلم.
اخذه الرضى فقال: خذ من تراثك ما استطعت فانما شركاوك الايام و الوراث لم يقض حق المال الا معشر نظروا الزمان يعيث فيه فعاثوا و قد قال (ع) فى موضع آخر: بشر مال البخيل بحادث او وارث.
و رايت بخط ابن الخشاب رحمه الله على ظهر كتاب (لعبدالله بن احمد بن احمد بن احمد ثم لحادث او وارث)، كانه يعنى ضنه به، اى لااخرجه عن يدى اختيارا.
من خلا من العمل فقد اخل بالواجبات، و من اخل بالواجبات فقد فسق، و الله تعالى لايقبل دعاء الفاسق.
و شبهه (ع) بالرامى بلا وتر، فان سهمه لاينفذ.
هذه قاعده كليه مذكوره فى الكتب الحكميه، ان العلوم منها ما هو غريزى، و منها ما هو تكليفى، ثم كل واحد من القسمين يختلف بالاشد و الاضعف، اما الاول فقد يكون فى الناس من لايحتاج فى النظر الى ترتيب المقدمات، بل تنساق النتيجه النظريه اليه سوقا من غير احتياج منه الى التامل و التدبر، و قد يكون فيهم من هو دون ذلك، و قد يكون من هو دون الدون، و اما الثانى فقد يكون فى الناس من لايجدى فيه التعليم، بل يكون كالصخره الجامده بلاده و غباوه، و منهم من يكون اقل تبلدا و جنوح ذهن من ذلك، و منهم من يكون الوقفه عنده اقل، فيكون ذا حال متوسطه، و بالجمله فاستقراء احوال الناس يشهد بصحه ذلك.
و قال (ع): ليس ينفع المسموع، اذا لم يكن المطبوع، يقول: اذا لم يكن هناك احوال استعداد لم ينفع الدرس و التكرار، و قد شاهدنا مثل هذا فى حق اشخاص كثيره اشتغلوا بالعلم الدهر الاطول، فلم ينجع معهم العلاج، و فارقوا الدنيا و هم على الغريزه الاولى فى الساذجيه و عدم الفهم.
قال الصولى: اجتمع بنوبرمك عند يحيى بن خالد فى آخر دولتهم و هم يومئذ عشره، فاداروا بينهم الراى فى امر فلم يصلح لهم، فقال يحيى: انا لله! ذهبت و الله دولتنا! كنا فى اقبالنا يبرم الواحد منا عشره آراء مشكله فى وقت واحد، و اليوم نحن عشره فى امر غير مشكل، و لايصح لنا فيه راى الله نسال حسن الخاتمه.
ارسل المنصور لما هاضه امر ابراهيم الى عمه عبدالله بن على و هو فى السجن يستشيره ما يصنع! و كان ابراهيم قد ظهر بالبصره، فقال عبدالله: انا محبوس، و المحبوس محبوس الراى، قال له: فعلى ذاك؟ قال يفرق الاموال كلها على الرجال و يلقاه، فان ظفر فذاك، و الا يتوجه الى ابيه محمد بجرجان، و يتركه يقدم على بيوت اموال فارغه، فهو خير له من ان تكون الدبره عليه، و يقدم عدوه على بيوت اموال مملوئه.
قال سليمان بن عبدالملك ليزيد بن ابى مسلم صاحب شرطه الحجاج يوما: لعن الله رجلا اجرك رسنه، و خرب لك آخرته.
قال يا اميرالمومنين، رايتنى و الامر عنى مدبر و لو رايتنى و الامر على مقبل لاستكبرت منى ما استصغرت، و لاستعظمت منى ما استحقرت.
قد سبق القول فى ان الاجمل بالفقير ان يكون عفيفا، و الا يكون جشعا حريصا، و لا جادا فى الطلب متهالكا، و انه ينبغى انه اذا افتقر ان يتيه على الوقت و ابناء الوقت، فان التيه فى مثل ذلك المقام لا باس به، ليبعد جدا عن مظنه الحرص و الطمع.
و قد سبق ايضا القول فى الشكر عند النعمه و وجوبه، و انه سبب لاستدامتها، و ان الاخلال به داعيه الى زوالها و انتقالها، و ذكرنا فى هذا الباب امورا مستحسنه، فلتراجع، و قال عبدالصمد بن المعذل فى العفاف: ساقنى العفاف و ارضى الكفاف و ليس غنى النفس حوز الجزيل و لا اتصدى لشكر الجواد لا استعد لذم البخيل و اعلم ان بنات الرجاء تحل العزيز محل الذليل و ان ليس مستغنيا بالكث ير من ليس مستغنيا بالقليل
شيئان مولمان: احدهما ينقضى سريعا، و الاخر يدوم ابدا، فلا جرم، كان اليوم المذكور على الظالم، اشد من يوم الجور على المظلوم.