قد تقدم هذا المعنى مرارا.
و قال الشاعر: اذا انت عبت الامر ثم اتيته فانت و من تزرى عليه سواء
هذه كلمه كانت من شعار الجاهليه، فنهى عنها كما نهى عن تحيه الجاهليه: (ابيت اللعن)، و جعل عوضها (سلام عليكم).
و قال رجل للحسن البصرى و قد بشره بغلام: ليهنئك الفارس! فقال: بل الراجل، ثم قال: لا مرحبا بمن ان عاش كدنى، و ان مات هدنى، و ان كنت مقلا انصبنى، و ان كنت غنيا اذهلنى، ثم لا ارضى بسعيى له سعيا، و لا بكدى عليه فى الحياه كدا، حتى اشفق عليه بعد موتى من الفاقه، و انا فى حال لايصل الى من فرحه سرور، و لا من همه حزن.
قد رويت هذه الكلمه عن عمر رضى الله عنه ذكر ذلك ابن قتيبه فى "عيون الاخبار".
و روى عنه ايضا: لى على كل خائن امينان: الماء و الطين.
قال يحيى بن خالد لابنه جعفر حين اختط داره ببغداد ليبنيها: هى قميصك، فان شئت فوسعه، و ان شئت فضيقه.
و رآه و هو يجصص حيطان داره المبنيه بالاجر، فقال له: انك تغطى الذهب بالفضه، فقال جعفر: ليس فى كل مكان يكون الذهب خيرا من الفضه، و لكن هل ترى عيبا؟ قال: نعم مخالطتها دور السوقه.
و قيل ليزيد بن المهلب.
الا يبنى الامير دارا، فقال: منزلى دار الاماره او الحبس.
و كان يقال، فى الدار: لتكن اول ما يبتاع و آخر ما تباع.
و مر رجل من الخوارج باخر من اصحابهم و هو يبنى دارا فقال: من ذا الذى يقيم كفيلا.
و قالوا: كل ما يخرج بخروجك، و يرجع برجوعك، كالدار و النخل و نحوهما فهو كفيل.
ليس يعنى (ع) ان كل من يسد عليه باب بيت، فانه لا بد ان يرزقه الله تعالى، لان العيان و المشاهده تقتضى خلاف ذلك، و ما راينا من سد عليه باب بيت مده طويله فعاش، و لاريب ان من شق اسطوانه و جعل فيها حيا ثم بنيت الاسطوانه عليه فانه يموت مختنقا، و لا ياتيه رزقه و لا حياته، و لان للحكماء ان يقولوا فى الفرق بين الموضعين: ان اجله انما ياتيه لان الاجل عدم الحياه، و الحياه تعدم لعدم ما يوجبها، و الذى يوجب استمرارها الغذاء، فلما انقطع الغذاء حضر الاجل، فهذا هو الوجه الذى ياتيه منه اجله، و لا سبيل الى ذكر مثله فى حضور الرزق لمن يسد عليه الباب.
فاذا معنى كلامه (ع) ان الله تعالى اذا علم فيمن يجعل فى دار و يسد عليه بابها ان فى بقاء حياته لطفا لبعض المكلفين فانه يجب على الله تعالى ان يديم حياته، كما يشاء سبحانه، اما بغذاء يقيم به ماده حياته، او يديم حياته بغير سبب، و هذا هو الوجه الذى منه ياتيه اجله ايضا، لان اماته الله المكلف امر تابع للمصلحه، لانه لا بد من انقطاع التكليف على كل حال للوجه الذى يذكره اصحابنا فى كتبهم، فاذا كان الموت تابعا للمصلحه، و كان الاحياء تابعا للمصلحه، فقد اتى الانسان رزقه يعنى حيا ته من حيث ياتيه اجله.
و انتظم الكلام.
قد الم ابراهيم بن المهدى ببعض هذا فى شعره الذى رثى به ولده فقال: يئوب الى اوطانه كل غائب و احمد فى الغياب ليس يئوب تبدل دارا غير دارى و جيره سواى و احداث الزمان تنوب اقام بها مستوطنا غير انه على طول ايام المقام غريب و انى و ان قدمت قبلى لعالم بانى و ان ابطات عنك قريب و ان صباحا نلتقى فى مسائه صباح الى قلبى الغداه حبيب
قد تقدم القول فى استدراج المترف الغنى، و اختبار الفقير الشقى، و انه يجب على الانسان و ان كان مشمولا بالنعمه ان يكون وجلا، كما يجب عليه اذا كان فقيرا ان يكون شكورا صبورا.
ضرى يضرى ضرايه مثل رمى يرمى رمايه، اى جرى و سال، ذكره ابن الاعرابى، و عليه ينبغى ان يحمل كلام اميرالمومنين (ع)، اى اعدلوا بها عن عاداتها الجاريه، من باب اضافه الصفه الى الموصوف، و هذا خير من تفسير الراوندى، و قوله: انه من ضرى الكلب بالصيد، لان المصدر من ذلك الضراوه بالواو و فتح الضاد، و لم يات فيه ضرايه.
و قوله: (يا اسرى الرغبه) كلمه فصيحه.
و كذلك قوله: (لا يروعه منها الا صريف انياب الحدثان)، و ذلك لان الفهد اذا وثب و الذئب اذا حمل يصرف نابه، و يقولون لكل خطب و داهيه: جائت تصرف نابها.
و الصريف: صوت الاسنان اما عند رعده او عند شده الغضب و الحنق، و الحرص على الانتقام، او نحو ذلك.
و قد تقدم الكلام فى الدنيا و الرغبه فيها، و غدرها و حوادثها، و وجوب العدول عنها، و كسر عاديه عادات السوء المكتسبه فيها.
هذه الكلمه يرويها كثير من الناس لعمر بن الخطاب، و يرويها بعضهم لاميرالمومنين (ع).
و كان ثمامه يحدث بسودد يحيى بن خالد و ابنه جعفر.
و يقول: ان الرشيد نكب على بن عيسى بن ماهان و الزمه مائه الف دينار ادى منها خمسين الفا، و يلح بالباقى، فاقسم الرشيد ان لم يود المال فى بقيه هذا اليوم و الا قتله.
و كان على بن عيسى عدوا للبرامكه مكاشفا، فلما علم انه مقتول سال ان يمكن من السعى الى الناس يستنجدهم، ففسح له فى ذلك، فمضى و معه وكيل الرشيد و اعوانه الى باب يحيى و جعفر، فاشبلا عليه و صححا من صلب اموالهما خمسين الف دينار فى باقى نهار ذلك اليوم بديوان الرشيد باسم على بن عيسى، و استخلصاه، فنقل بعض المتنصحين لهما اليهما ان على بن عيسى قال فى آخر نهار ذلك اليوم متمثلا: فما بقيا على تركتمانى و لكن خفتما صرد النبال فقال يحيى للناقل اليه ذلك: يا هذا ان المرعوب ليسبق لسانه الى ما لم يخطر بقلبه.
و قال جعفر: و من اين لنا انه تمثل بذلك و عنانا، و لعله اراد امرا آخر فكان ثمامه يقول: ما فى الارض اسود من رجل يتاول كلام عدوه فيه و يحمله على احسن محامله.
و قال الشاعر: اذا ما اتت من صاحب لك زله فكن انت محتالا لزلته عذرا
هذا الكلام على حسب الظاهر الذى يتعارفه الناس بينهم، و هو (ع) يسلك هذا المسلك كثيرا، و يخاطب الناس على قدر عقولهم، و اما باطن الامر فان الله تعالى لايصلى على النبى (ص) لاجل دعائنا اياه ان يصلى عليه، لان معنى قولنا: اللهم صل على محمد، اى اكرمه، و ارفع درجته، و الله سبحانه قد قضى له بالاكرام التام و رفعه الدرجه من دون دعائنا، و انما تعبدنا نحن بان نصلى عليه لان لنا ثوابا فى ذلك، لا لان اكرام الله تعالى له امر يستعقبه و يستتبعه دعاونا.
و ايضا فاى غضاضه على الكريم اذا سئل حاجتين فقضى احداهما دون الاخرى، ان كان عليه فى ذلك غضاضه فعليه فى رد الحاجه الواحده غضاضه ايضا.
قد تقدم من القول فى المراء ما فيه كفايه، و حد المراء الجدال المتصل لايقصد به الحق.
و قيل لميمون بن مهران: ما لك لاتفارق اخا لك عن قلى؟ قال: لانى لا اشاريه و لا اماريه.
و كان يقال: ما ضل قوم بعد اذ هداهم الله تعالى الا بالمراء و الاصرار فى الجدال على نصره الباطل.
و قال سفيان الثورى: اذا رايتم الرجل لجوجا مماريا معجبا بنفسه فقد تمت خسارته.