اف لكم: كلمه استقذار و مهانه، و فيها لغات.
و يرتج: يغلق.
و الحوار: المحاوره و المخاطبه.
و تعمهون، من العمه و هو التحير و التردد الماضى عمه بالكسر.
و قوله: (دارت اعينكم) من قوله تعالى: "ينظرون اليك نظر المغشى عليه من الموت" و من قوله: "تدور اعينهم كالذى يغشى عليه من الموت".
و قلوبكم مالوسه، من الالس، بسكون اللام، و هو الجنون و اختلاط العقل.
قوله: (ما انتم لى بثقه سجيس الليالى) كلمه تقال للابد، تقول لاافعله سجيس الليالى، و سجيس عجيس و سجيس الاوجس، معنى ذلك كله الدهر، و الزمان و ابدا.
قوله: (ما انتم بركن يمال بكم) اى لستم بركن يستند اليكم، و يمال على العدو بعزكم و قوتكم.
قوله: (و لا زوافر عز)، جمع زافره و زافره الرجل انصاره و عشيرته، و يجوز ان يكون زوافر عز، اى حوامل عز، زفرت الجمل ازفره زفرا اى حملته.
قوله: (سعر نار الحرب) جمع ساعر كقولك: قوم كظم للغيظ، جمع كاظم، و تمتعضون: تانفون و تغضبون.
و حمس الوغى، اشتد، و اصل الوغى الصوت و الجلبه، ثم سميت الحرب نفسها وغى، لما فيها من الاصوات و الجلبه.
و استحر الموت، اى اشتد.
و قوله: (انفرجتم انفراج الراس)، اى كما ينفلق الراس فيذهب نصفه يمنه و نصفه شامه و المشرفيه: السيوف المنسوبه الى مشارف، و هى قرى من ارض العرب تدنو من الريف، و لا يقال: مشارفى كما لا يقال: جعافرى، لمن ينسب الى جعافر.
و فراش الهام: العظام الخفيفه تلى القحف.
و قال الراوندى فى تفسير قوله (انفراج الراس) اراد به انفرجتم عنى راسا، اى قطعا و عرفه بالالف و اللام، و هذا غير صحيح لان (راسا) لايعرف.
قال: و له تفسير آخر، ان يكون المعنى انفراج راس من ادنى راسه الى غيره، ثم حرف راسه عنه.
و هذا ايضا غير صحيح، لانه لا خصوصيه للراس فى ذلك، فان اليد و الرجل اذا ادنيتهما من شخص، ثم حرفتهما عنه فقد انفرج ما بين ذلك العضو و بينه، فاى معنى لتخصيص الراس بالذكر! فاما قوله: (انت فكن ذاك) فانه انما خاطب من يمكن عدوه من نفسه كائنا من كان، غير معين و لا مخصص، و لكن الروايه وردت بانه خاطب بذلك الاشعث بن قيس، فانه روى انه قال له (ع) و هو يخطب و يلوم الناس على تثبيطهم و تقاعدهم: هلا فعلت فعل ابن عفان، فقال له: (ان فعل ابن عفان لمخزاه على من لا دين له و لا وثيقه معه ان امرا امكن عدوه من نفسه يهشم عظمه، و يفرى جلده لضعيف رايه مافون عقله.
انت فكن ذاك ان احببت فاما انا فدون ان اعطى ذاك ضرب بالمشرفيه...) الفصل.
و يمكن ان تكون الروايه صحيحه، و الخطاب عام لكل من امكن من نفسه، فلا منافاه بينهما.
و قد نظمت انا هذه الالفاظ فى ابيات كتبتها الى صاحب لى فى ضمن مكتوب اقتضاها، و هى: ان امرا امكن من نفسه عدوه يجدع آرابه لايدفع الضيم و لا ينكر الذل و لايحصن جلبابه لفائل الراى ضعيف القوى قد صرم الخذلان اسبابه انت فكن ذاك فانى امرو لا يرهب الخطب اذا نابه ان قال دهر لم يطع او شحا له فم ادرد انيابه او سامه الخسف ابى و انتضى دون مرام الخسف قرضابه اخزر غضبان شديد السطا يقدر ان يترك ما رابه خطب اميرالمومنين (ع) بهذه الخطبه، بعد فراغه من امر الخوارج، و قد كان قام بالنهروان، فحمد الله و اثنى عليه، و قال: اما بعد، فان الله قد احسن نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا الى عدوكم من اهل الشام.
فقاموا اليه، فقالوا: يا اميرالمومنين نفدت نبالنا، و كلت سيوفنا، و انصلتت اسنه رماحنا و عاد اكثرها قصدا.
ارجع بنا الى مصرنا، نستعد باحسن عدتنا و لعل اميرالمومنين يزيد فى عددنا مثل من هلك منا، فانه اقوى لنا على عدونا.
فكان جوابه (ع): "يا قوم ادخلوا الارض المقدسه التى كتب الله لكم و لاترتدوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين".
فتلكئوا عليه، و قالو ا: ان البرد شديد.
فقال: انهم يجدون البرد كما تجدون.
فتلكئوا و ابوا فقال: اف لكم، انها سنه جرت، ثم تلا قوله تعالى: "قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين و انا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون".
فقام منهم ناس فقالوا: يا اميرالمومنين، الجراح فاشيه فى الناس- و كان اهل النهروان قد اكثروا الجراح فى عسكر اميرالمومنين (ع) فارجع الى الكوفه فاقم بها اياما ثم اخرج، خار الله لك.
فرجع الى الكوفه عن غير رضا.
امر الناس بعد وقعه النهروان و روى نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد، عن نمير بن وعله، عن ابى وداك، قال: لما كره القوم المسير الى الشام عقيب واقعه النهروان اقبل بهم اميرالمومنين، فانزلهم النخيله، و امر الناس ان يلزموا معسكرهم، و يوطنوا على الجهاد انفسهم، و ان يقلوا زياره النساء و ابنائهم حتى يسير بهم الى عدوهم، و كان ذلك هو الراى لو فعلوه لكنهم لم يفعلوا و اقبلوا يتسللون و يدخلون الكوفه.
فتركوه (ع) و ما معه من الناس الا رجال من وجوههم قليل و بقى المعسكر خاليا، فلا من دخل الكوفه خرج اليه، و لا من اقام معه صبر.
فلما راى ذلك دخل الكوفه.
قال نصر بن مزاحم: فخطب الناس بالكوفه، و هى اول خطبه خطبها بعد قدومه من حرب الخوارج، فقال: ايها الناس استعدوا لقتال عدو فى جهادهم القربه الى الله عز و جل، و درك الوسيله عنده، قوم حيارى عن الحق لايبصرونه موزعين بالجور و الظلم لايعدلون به جفاه عن الكتاب، نكب عن الدين يعمهون فى الطغيان و يتسكعون فى غمره الضلال فاعدوا لهم ما استطعتم من قوه و من رباط الخيل و توكلوا على الله و كفى بالله وكيلا.
قال: فلم ينفروا و لم ينشروا فتركهم اياما، ثم خطبهم فقال: اف لكم لقد سئمت عتابكم.
ارضيتم بالحياه الدنيا من الاخره عوضا.
الفصل الذى شرحناه آنفا الى آخره و زاد فيه: (انتم اسود الشرى فى الدعه و ثعالب رواغه حين الباس.
ان اخا الحرب اليقظان، الا ان المغلوب مقهور و مسلوب).
و روى الاعمش عن الحكم بن عتيبه، عن قيس بن ابى حازم، قال: سمعت عليا (ع) على منبر الكوفه، و هو يقول: يا ابناء المهاجرين انفروا الى ائمه الكفر، و بقيه الاحزاب و اولياء الشيطان.
انفروا الى من يقاتل على دم حمال الخطايا فو الله الذى فلق الحبه، و برا النسمه، انه ليحمل خطاياهم الى يوم القيامه لاينقص من اوزارهم شيئا.
قلت: هذا قيس بن ابى حازم، و هو الذى روى حديث: (انكم لترون ربكم يوم القيامه، كما ترون القمر ليله البدر لانضامون فى رويته).
و قد طع ن مشايخنا المتكلمون فيه، و قالوا: انه فاسق و لاتقبل روايته، لانه قال: انى سمعت عليا يخطب على منبر الكوفه و يقول: انفروا الى بقيه الاحزاب، فابغضته، و دخل بغضه فى قلبى و من يبغض عليا (ع) لاتقبل روايته.
فان قيل: فما يقول مشايخكم فى قوله (ع): (انفروا الى من يقاتل على دم حمال الخطايا)؟ اليس هذا طعنا منه (ع) فى عثمان.
قيل: الاشهر الاكثر فى الروايه صدر الحديث، و اما عجز الحديث فليس بمشهور تلك الشهره، و ان صح حملناه على انه اراد به معاويه و سمى ناصريه مقاتلين على دمه، لانهم يحامون عن دمه، و من حامى عن دم انسان فقد قاتل عليه.
و روى ابونعيم الحافظ، قال: حدثنا ابوعاصم الثقفى، قال جاءت امراه من بنى عبس الى على (ع) و هو يخطب بهذه الخطبه على منبر الكوفه، فقالت: يا اميرالمومنين، ثلاث بلبلن القلوب عليك، قال: و ما هن ويحك! قالت: رضاك بالقضيه، و اخذك بالدنيه و جزعك عند البليه.
فقال: انما انت امراه، فاذهبى فاجلسى على ذيلك، فقالت: لا و الله ما من جلوس الا تحت ظلال السيوف.
و روى عمرو بن شمر الجعفى، عن جابر عن رفيع بن فرقد البجلى قال: سمعت عليا (ع) يقول: يا اهل الكوفه، لقد ضربتكم بالدره التى اعظ بها السفهاء فما اراكم تنتهون، و لق د ضربتكم بالسياط التى اقيم بها الحدود، فما اراكم ترعوون! فلم يبق الا ان اضربكم بسيفى و انى لاعلم ما يقومكم و لكنى لا احب ان الى ذلك منكم وا عجبا لكم و لاهل الشام! اميرهم يعصى الله و هم يطيعونه، و اميركم يطيع الله و انتم تعصونه و الله لو ضربت خيشوم المومن بسيفى هذا على ان يبغضنى ما ابغضنى، و لو سقت الدنيا بحذافيرها الى الكافر لما احبنى، و ذلك انه قضى ما قضى على لسان النبى الامى انه لايبغضنى مومن، و لايحبنى كافر، و قد خاب من حمل ظلما و الله لتصبرن يا اهل الكوفه على قتال عدوكم او ليسلطن الله عليكم قوما انتم اولى بالحق منهم فليعذبنكم.
افمن قتله بالسيف تحيدون الى موته على الفراش! و الله لموته على الفراش اشد من ضربه الف سيف.
قلت: ما احسن قول ابى العيناء، و قد قال له المتوكل: الى متى تمدح الناس و تهجوهم، فقال: ما احسنوا و اساءوا.
و هذا اميرالمومنين (ع) و هو سيد البشر بعد رسول الله (ص) يمدح الكوفه و اهلها عقيب الانتصار على اصحاب الجمل، بما قد ذكرنا بعضه و سنذكر باقيه، مدحا ليس باليسير و لا بالمستصغر و يقول للكوفه عند نظره اليها اهلا بك و باهلك ما ارادك جبار بكيد الا قصمه الله.
و يثنى عليها و على اهلها، حسب ذمه للبصر ه و عيبه لها و دعائه عليها و على اهلها، فلما خذله اهل الكوفه يوم التحكيم و تقاعدوا عن نصره على اهل الشام و خرج منهم الخوارج و مرق منهم المراق ثم استنفرهم بعد فلم ينفروا و استصرخهم فلم يصرخوا و راى منهم دلائل الوهن و امارات الفشل انقلب ذلك المدح ذما و ذلك الثناء استزاده و تقريعا و تهجينا.
و هذا امر مركوز فى طبيعه البشر، و قد كان رسول الله (ص) كذلك، و القرآن العزيز ايضا كذلك، اثنى على الانصار لما نهضوا، و ذمهم لما قعدوا فى غزاه تبوك فقال: "فرح المخلفون بمقعدهم خلاف" رسول الله و كرهوا ان يجاهدوا باموالهم و انفسهم فى سبيل الله... الايات، الى ان رضى الله عنهم، فقال: "و على "الثلاثه الذين خلفوا" اى عن رسول الله "حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت..." الايه.
مناقب على و ذكر طرف من اخباره فى عدله و زهده روى على بن محمد بن ابى سيف المدائنى عن فضيل بن الجعد، قال: آكد الاسباب فى تقاعد العرب عن اميرالمومنين (ع) امر المال، فانه لم يكن يفضل شريفا على مشروف، و لا عربيا على عجمى، و لايصانع الروساء و امراء القبائل كما يصنع الملوك، و لايستميل احدا الى نفسه.
و كان معاويه بخلاف ذلك، فترك الناس عليا و التحقوا بمعاويه، فشكا على (ع) الى الاشتر تخاذل اصحابه، و فرار بعضهم الى معاويه، فقال الاشتر: يا اميرالمومنين، انا قاتلنا اهل البصره باهل البصره و اهل الكوفه، و راى الناس واحد، و قد اختلفوا بعد و تعادوا و ضعفت النيه، و قل العدد، و انت تاخذهم بالعدل، و تعمل فيهم بالحق، و تنصف الوضيع من الشريف، فليس للشريف عندك فضل منزله على الوضيع، فضجت طائفه ممن معك من الحق اذ عموا به، و اغتموا من العدل اذ صاروا فيه و راوا صنائع معاويه عند اهل الغناء و الشرف، فتاقت انفس الناس الى الدنيا و قل من ليس للدنيا بصاحب، و اكثرهم يجتوى الحق و يشترى الباطل، و يوثر الدنيا فان تبذل المال يا اميرالمومنين تمل اليك اعناق الرجال، و تصف نصيحتهم لك و تستخلص ودهم صنع الله لك يا اميرالمومنين و كبت اعد اءك و فض جمعهم و اوهن كيدهم، و شتت امورهم، انه بما يعملون خبير.
فقال على (ع): اما ما ذكرت من عملنا و سيرتنا بالعدل، فان الله عز و جل يقول: "من عمل صالحا فلنفسه و من اساء فعليها و ما ربك بظلام للعبيد" و انا من ان اكون مقصرا فيما ذكرت اخوف.
و اما ما ذكرت من ان الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك، فقد علم الله انهم لم يفارقونا من جور، و لا لجئوا اذ فارقونا الى عدل و لم يلتمسوا الا دنيا زائله عنهم كان قد فارقوها و ليسالن يوم القيامه: اللدنيا ارادوا ام لله عملوا؟ و اما ما ذكرت من بذل الاموال و اصطناع الرجال، فانه لايسعنا ان نوتى امرا من الفى ء اكثر من حقه، و قد قال الله سبحانه و تعالى و قوله الحق: "كم من فئه قليله غلبت فئه كثيره باذن الله و الله مع الصابرين" و قد بعث الله محمدا (ص) وحده فكثره بعد القله، و اعز فئته بعد الذله، و ان يرد الله ان يولينا هذا الامر يذلل لنا صعبه، و يسهل لنا حزنه، و انا قابل من رايك ما كان لله عز و جل رضا و انت من آمن الناس عندى، و انصحهم لى و اوثقهم فى نفسى ان شاءالله.
و ذكر الشعبى قال: دخلت الرحبه بالكوفه- و انا غلام- فى غلمان، فاذا انا بعلى (ع) قائما على صبرتين من ذهب و فضه، و معه مخفقه و هو يطرد الناس بمخفقته ثم يرجع الى المال فيقسمه بين الناس، حتى لم يبق منه شى ء، ثم انصرف و لم يحمل الى بيته قليلا و لاكثيرا.
فرجعت الى ابى فقلت له: لقد رايت اليوم خير الناس او احمق الناس قال: من هو يا بنى، قلت: على بن ابى طالب اميرالمومنين، رايته يصنع كذا، فقصصت عليه فبكى و قال: يا بنى، بل رايت خير الناس.
و روى محمد بن فضيل عن هارون بن عنتره، عن زاذان، قال: انطلقت مع قنبر غلام على (ع) فاذا هو يقول: قم يا اميرالمومنين، فقد خبات لك خبيئا، قال: و ما هو ويحك! قال: قم معى، فانطلق به الى بيته، و اذا بغراره مملوءه من جامات ذهبا و فضه فقال: يا اميرالمومنين، رايتك لاتترك شيئا الا قسمته، فادخرت لك هذا من بيت المال، فقال على (ع): ويحك يا قنبر! لقد احببت ان تدخل بيتى نارا عظيمه.
ثم سل سيفه و ضربه ضربات كثيره فانتثرت من بين اناء مقطوع نصفه، و آخر ثلثه، و نحو ذلك ثم دعا بالناس، فقال: اقسموه بالحصص ثم قام الى بيت المال فقسم ما وجد فيه ثم راى فى البيت ابرا و مسال فقال: و لتقسموا هذا فقالوا: لا حاجه لنا فيه- و قد كان على (ع) ياخذ من كل عامل مما يعمل- فضحك و قال: ليوخذن شره مع خيره.
و روى عبدالرحمن بن عجلان، قال: كان على (ع) يقسم بين الناس الابزار و الحرف و الكمون و كذا و كذا.
و روى مجمع التيمى، قال: كان على (ع) يكنس بيت المال كل جمعه، و يصلى فيه ركعتين و يقول: ليشهد لى يوم القيامه.
و روى بكر بن عيسى عن عاصم بن كليب الجرمى، عن ابيه، قال: شهدت عليا (ع) و قد جاءه مال من الجبل فقام و قمنا معه و جاء الناس يزدحمون فاخذ حبالا فوصلها بيده و عقد بعضها الى بعض ثم ادارها حول المال و قال: لا احل لاحد ان يجاوز هذا الحبل، قال: فقعد الناس كلهم من وراء الحبل و دخل هو، فقال: اين رءوس الاسباع؟ و كانت الكوفه يومئذ اسباعا- فجعلوا يحملون هذه الجوالق الى هذه الجوالق، و هذا الى هذا، حتى استوت القسمه سبعه اجزاء، و وجد مع المتاع رغيف فقال: اكسروه سبع كسر، و ضعوا على كل جزء كسره، ثم قال: هذا جناى و خياره فيه اذ كل جان يده الى فيه ثم اقرع عليها و دفعها الى رءوس الاسباع، فجعل كل رجل منهم يدعو قومه فيحملون الجواليق.
و روى مجمع، عن ابى رجاء، قال: اخرج على (ع) سيفا الى السوق فقال: من يشترى منى هذا؟ فو الذى نفس على بيده لو كان عندى ثمن ازار ما بعته فقلت له: انا ابيعك ازارا و انسئك ثمنه الى عطائك، فدفعت اليه ازارا الى عطائه فلما قبض عطاءه دفع الى ثمن الازار.
و روى هارون بن سعيد، قال: قال عبدالله بن جعفر بن ابى طالب لعلى (ع): يا اميرالمومنين، لو امرت لى بمعونه او نفقه، فو الله ما لى نفقه الا ان ابيع دابتى فقال: لا و الله ما اجد لك شيئا الا ان تامر عمك ان يسرق فيعطيك.
و روى بكر بن عيسى، قال: كان على (ع) يقول: يا اهل الكوفه اذا انا خرجت من عندكم بغير راحلتى و رحلى و غلامى فلان، فانا خائن فكانت نفقته تاتيه من غلته بالمدينه بينبع، و كان يطعم الناس منها الخبز و اللحم، و ياكل هو الثريد بالزيت.
و روى ابواسحاق الهمدانى ان امراتين اتتا عليا (ع): احداهما من العرب و الاخرى من الموالى، فسالتاه، فدفع اليهما دراهم و طعاما بالسواء، فقالت احداهما: انى امراه من العرب، و هذه من العجم، فقال: انى و الله لا اجد لبنى اسماعيل فى هذا الفى ء فضلا على بنى اسحاق.
و روى معاويه بن عمار عن جعفر بن محمد (ع) قال: ما اعتلج على على (ع) امران فى ذات الله، الا اخذ باشدهما، و لقد علمتم انه كان ياكل- يا اهل الكوفه- عندكم من ماله بالمدينه و ان كان لياخذ السويق فيجعله فى جراب، و يختم عليه مخافه ان يزاد عليه من غيره، و من كان ازهد فى الدنيا من على (ع).
و روى النضر بن منصور، عن عقبه بن علقمه، قال: دخلت على على (ع) فاذا بين يديه لبن حامض، آذتنى حموضته، و كسر يابسه، فقلت: يا اميرالمومنين، اتاكل مثل هذا! فقال لى: يا ابا الجنوب، كان رسول الله ياكل ايبس من هذا، و يلبس اخشن من هذا- و اشار الى ثيابه- فان انا لم آخذ بما اخذ به خفت الا الحق به.
و روى عمران بن مسلمه، عن سويد بن علقمه، قال: دخلت على على (ع) بالكوفه، فاذا بين يديه قعب لبن اجد ريحه من شده حموضته، و فى يده رغيف، ترى قشار الشعير على وجهه و هو يكسره، و يستعين احياتا بركبته، و اذا جاريته فضه قائمه على راسه فقلت: يا فضه اما تتقون الله فى هذا الشيخ الا نخلتم دقيقه؟ فقالت: انا نكره ان نوجر و ياثم، نحن قد اخذ علينا الا ننخل له دقيقا ما صحبناه- قال: و على (ع) لايسمع ما تقول- فالتفت اليها فقال: ما تقولين؟ قالت: سله فقال لى: ما قلت لها؟ قال: فقلت انى قلت لها: لو نخلتم دقيقه فبكى ثم قال: بابى و امى من لم يشبع ثلاثا متواليه (من) خبز بر حتى فارق الدنيا، و لم ينخل دقيقه! قال: يعنى رسول الله (ص).
و روى يوسف بن يعقوب، عن صالح بياع الاكسيه، ان جدته لقيت عليا (ع) بالكوفه، و معه تمر يحمله، فسلمت عليه، و قالت له: اعطنى يا اميرالمومنين هذا التمر احمله عنك الى بيتك، فقال: ابوالع يال احق بحمله، قالت: ثم قال لى: الا تاكلين منه؟ فقلت لا اريد، قالت فانطلق به الى منزله ثم رجع مرتديا بتلك الشمله، و فيها قشور التمر، فصلى بالناس فيها الجمعه.
و روى محمد بن فضيل بن غزوان، قال: قيل لعلى (ع): كم تتصدق! كم تخرج مالك! الا تمسك! قال: انى و الله لو اعلم ان الله تعالى قبل منى فرضا واحدا لامسكت، و لكنى و الله ما ادرى، اقبل منى سبحانه شيئا ام لا! روى عنبسه العابد، عن عبدالله بن الحسين بن الحسن، قال: اعتق على (ع) فى حياه رسول الله (ص) الف مملوك مما مجلت يداه، و عرق جبينه، و لقد ولى الخلافه، و اتته الاموال، فما كان حلواه الا التمر، و لاثيابه الا الكرابيس.
و روى العوام بن حوشب، عن ابى صادق، قال: تزوج على (ع) ليلى بنت مسعود النهشليه، فضربت له فى داره حجله، فجاء فهتكها، و قال: حسب اهل على ما هم فيه! و روى حاتم بن اسمعيل المدنى، عن جعفر بن محمد (ع)، قال: ابتاع على (ع) فى خلافته قميصا سملا باربعه دراهم، ثم دعا الخياط، فمد كم القميص، و امره بقطع ما جاوز الاصابع.
و انما ذكرنا هذه الاخبار و الروايات- و ان كانت خارجه عن مقصد الفصل- لان الحال اقتضى ذكرها، من حيث اردنا ان نبين ان اميرالمومنين (ع) لم يكن يذهب فى خل افته مذهب الملوك الذين يصانعون بالاموال و يصرفونها فى مصالح ملكهم و ملاذ انفسهم، و انه لم يكن من اهل الدنيا، و انما كان رجلا متالها صاحب حق، لايريد بالله و رسوله بدلا.
و روى على بن محمد بن ابى يوسف المدائنى ان طائفه من اصحاب على (ع) مشوا اليه، فقالوا: يا اميرالمومنين، اعط هذه الاموال و فضل هولاء الاشراف من العرب و قريش على الموالى و العجم، و استمل من تخاف خلافه من الناس و فراره، و انما قالوا له ذلك لما كان معاويه يصنع فى المال فقال لهم: اتامروننى ان اطلب النصر بالجور! لا و الله لاافعل ما طلعت شمس، و ما لاح فى السماء نجم، و الله لو كان المال لى لواسيت بينهم، فكيف و انما هى اموالهم! ثم سكت طويلا و اجما، ثم قال: الامر اسرع من ذلك قالها ثلاثا.