شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 79
نمايش فراداده

خطبه 035-بعد از حكميت

الشرح:

الخطب الفادح: الثقيل و نخلت لكم اى اخلصته، من نخلت الدقيق بالمنخل.

و قوله: (الحمدلله و ان اتى الدهر) اى احمده على كل حال من السراء و الضراء.

و قوله: (لو كان يطاع لقصير امر) فهو قصير صاحب جذيمه، و حديثه مع جذيمه و مع الزباء مشهور فضرب المثل لكل ناصح يعصى بقصير.

و قوله: (حتى ارتاب الناصح بنصحه، و ضن الزند بقدحه) يشير الى نفسه، يقول: خالفتمونى حتى ظننت ان النصح الذى نصحتكم به غير نصح، و لاطباقكم و اجماعكم على خلافى، و هذا حق، لان ذا الراى الصواب اذا كثر مخالفوه يشك فى نفسه.

و اما ضن الزند بقدحه، فمعناه انه لم يقدح لى بعد ذلك راى صالح، لشده ما لقيت منكم من الاباء و الخلاف و العصيان، و هذا ايضا حق، لان المشير الناصح اذا اتهم و استغش عمى قلبه و فسد رايه.

و اخو هوازن صاحب الشعر هو دريد بن الصمه، و الابيات مذكوره فى الحماسه، و اولها: نصحت لعارض و اصحاب عارض و رهط بنى السوداء و القوم شهدى فقلت لهم ظنوا بالفى مدجج سراتهم فى الفارسى المسرد امرتهم امرى بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح الا ضحى الغد فلما عصونى كنت منهم و قد ارى غوايتهم و اننى غير مهتد و ما انا الا من غزيه ان غوت غو يت و ان ترشد غزيه ارشد و هذه الالفاظ من خطبه خطب بها (ع) بعد خديعه ابن العاص لابى موسى و افتراقهما، و قبل وقعه النهروان.

قصه التحكيم ثم ظهور امر الخوارج و يجب ان نذكر فى هذا الفصل امر التحكيم، كيف كان و ما الذى دعا اليه، فنقول: ان الذى دعا اليه طلب اهل الشام له، و اعتصامهم به من سيوف اهل العراق، فقد كانت امارات القهر و الغلبه لاحت، و دلائل النصر و الظفر وضحت فعدل اهل الشام عن القراع الى الخداع و كان ذلك براى عمرو بن العاص.

و هذه الحال وقعت عقيب ليله الهرير، و هى الليله العظيمه التى يضرب بها المثل.

و نحن نذكر ما اورده نصر بن مزاحم فى كتاب صفين فى هذا المعنى، فهو ثقه ثبت، صحيح النقل، غير منسوب الى هوى و لا ادغال، و هو من رجال اصحاب الحديث.

قال نصر: حدثنا عمرو بن شمر، قال: حدثنى ابوضرار، قال: حدثنى عمار بن ربيعه قال: غلس على (ع) بالناس صلاه الغداه يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الاول سنه سبع و ثلاثين- و قيل: عاشر شهر صفر- ثم زحف الى اهل الشام بعسكر العراق، و الناس على راياتهم و اعلامهم، و زحف اليهم اهل الشام و قد كانت الحرب اكلت الفريقين، و لكنها فى اهل الشام اشد نكايه، و اعظم وقعا، فقد ملوا الحرب، و كرهوا ال قتال، و تضعضعت اركانهم.

قال: فخرج رجل من اهل العراق، على فرس كميت ذنوب، عليه السلاح لا يرى منه الا عيناه، و بيده الرمح.

فجعل يضرب رءوس اهل العراق بالقناه، و يقول: سووا صفوفكم رحمكم الله! حتى اذا عدل الصفوف و الرايات، استقبلهم بوجهه، و ولى اهل الشام ظهره، ثم حمد الله و اثنى عليه، و قال: الحمدلله الذى جعل فينا ابن عم نبيه، اقدمهم هجره، و اولهم اسلاما سيف من سيوف الله على اعدائه، فانظروا اذا حمى الوطيس و ثار القتال، و تكسر المران، و جالت الخيل بالابطال، فلا اسمع الا غمغمه او همهمه، فاتبعونى و كونوا فى اثرى.

ثم حمل على اهل الشام فكسر فيهم رمحه، ثم رجع فاذا هو الاشتر.

قال: و خرج رجل من اهل الشام، فنادى بين الصفين: يا اباالحسن، يا على ابرز الى.

فخرج اليه على (ع) حتى اختلفت اعناق دابتيهما بين الصفين، فقال: ان لك يا على لقدما فى الاسلام و الهجره، فهل لك فى امر اعرضه عليك، يكون فيه حقن هذه الدماء، و تاخر هذه الحروب حتى ترى رايك؟ قال: و ما هو؟ قال: ترجع الى عراقك، فنخلى بينك و بين العراق، و نرجع نحن الى شامنا فتخلى بيننا و بين الشام.

فقال على (ع): قد عرفت ما عرضت ان هذه لنصيحه و شفقه، و لقد اهمنى هذا الامر و اسهرنى، و ضربت انفه و عينه فلم اجد الا القتال او الكفر بما انزل الله على محمد.

ان الله تعالى ذكره لم يرض من اوليائا ان يعصى فى الارض و هم سكوت مذعنون، لايامرون بمعروف، و لاينهون عن منكر فوجدت القتال اهون على من معالجه فى الاغلال فى جهنم.

قال: فرجع الرجل و هو يسترجع، و زحف الناس بعضهم الى بعض فارتموا بالنبل و الحجاره حتى فنيت، ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت و اندقت.

ثم مشى القوم بعضهم الى بعض بالسيوف و عمد الحديد، فلم يسمع السامعون الا وقع الحديد بعضه على بعض لهو اشد هولا فى صدور الرجال من الصواعق، و من جبال تهامه يدك بعضها بعضا و انكسفت الشمس بالنقع، و ثار القتام و القسطل و ضلت الالويه و الرايات و اخذ الاشتر يسير فيما بين الميمنه و الميسره فيامر كل قبيله او كتيبه من القراء بالاقدام على التى تليها فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد.

من صلاه الغداه من اليوم المذكور الى نصف الليل، لم يصلوا لله صلاه.

فلم يزل الاشتر يفعل ذلك حتى اصبح و المعركه خلف ظهره و افترقوا عن سبعين الف قتيل فى ذلك اليوم و تلك الليله و هى ليله الهرير المشهوره.

و كان الاشتر فى ميمنه الناس و ابن عباس فى الميسره، و على (ع) فى القلب، و الناس يقتتلون.

ثم استمر الق تال من نصف الليل الثانى الى ارتفاع الضحى، و الاشتر يقول لاصحابه: و هو يزحف بهم نحو اهل الشام ازحفوا قيد رمحى هذا، و يلقى رمحه، فاذا فعلوا ذلك قال: ازحفوا قاب هذا القوس فاذا فعلوا ذلك سالهم مثل ذلك، حتى مل اكثر الناس من الاقدام، فلما راى ذلك قال: اعيذكم بالله ان ترضعوا الغنم سائر اليوم.

ثم دعا بفرسه، و ركز رايته- و كانت مع حيان بن هوذه النخعى- و سار بين الكتائب، و هو يقول: الا من يشترى نفسه لله و يقاتل مع الاشتر حتى يظهر او يلحق بالله! فلا يزال الرجل من الناس يخرج اليه فيقاتل معه.

قال نصر: و حدثنى عمرو قال: حدثنى ابوضرار، قال: حدثنى عمار بن ربيعه، قال: مر بى الاشتر، فاقبلت معه حتى رجع الى المكان الذى كان به، فقام فى اصحابه، فقال: شدوا- فدا لكم عمى و خالى- شده ترضون بها الله، و تعرزون بها الدين.

اذا انا حملت فاحملوا ثم نزل، و ضرب وجه دابته، و قال لصاحب رايته: اقدم فتقدم بها، ثم شد على القوم، و شد معه اصحابه، فضرب اهل الشام حتى انتهى بهم الى معسكرهم، فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا و قتل صاحب رايتهم و اخذ على (ع)- لما راى الظفر قد جاء من قبله- يمده بالرجال.

و روى نصر عن رجاله، قال: لما بلغ القوم الى ما بلغوا ال يه، قام على (ع) خطيبا، فحمد الله و اثنى عليه و قال: ايها الناس قد، بلغ بكم الامر و بعدوكم ما قد رايتم، و لم يبق منهم الا آخر نفس، و ان الامور اذا اقبلت اعتبر آخرها باولها، و قد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا، و انا غاد عليهم بالغداه احاكمهم الى الله.

قال: فبلغ ذلك معاويه فدعا عمرو بن العاص، و قال: يا عمرو، انما هى الليله، حتى يغدو على علينا بالفيصل، فما ترى؟ قال: ان رجالك لايقومون لرجاله، و لست مثله، هو يقاتلك على امر و انت تقاتله على غيره، انت تريد البقاء، و هو يريد الفناء، و اهل العراق يخافون منك ان ظفرت بهم و اهل الشام لايخافون عليا ان ظفر بهم، و لكن الق الى القوم امرا ان قبلوه اختلفوا و ان ردوه اختلفوا ادعهم الى كتاب الله حكما فيما بينك و بينهم، فانك بالغ به حاجتك فى القوم، و انى لم ازل اوخر هذا الامر لوقت حاجتك اليه.

فعرف معاويه ذلك و قال له: صدقت.

قال نصر: و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الانصارى، قال: و الله لكانى اسمع عليا يوم الهرير، و ذلك بعد ما طحنت رحا مذحج، فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الاشعريين بامر عظيم تشيب منه النواصى، حتى استقلت الشمس، و قام قائم الظهر، و على (ع ) يقول لاصحابه، حتى متى نخلى بين هذين الحيين! قد فنيا و انتم وقوف تنظرون.

اما تخافون مقت الله ثم انفتل الى القبله، و رفع يديه الى الله عز و جل و نادى: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا واحد، يا احد، يا صمد، يا الله، يا اله محمد، اللهم اليك نقلت الاقدام، و افضت القلوب، و رفعت الايدى، و مدت الاعناق، و شخصت الابصار، و طلبت الحوائج.

اللهم انا نشكو اليك غيبه نبينا، و كثره عدونا، و تشتت اهوائنا، "ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و انت خير الفاتحين" سيروا على بركه الله.

ثم نادى: لا اله الا الله و الله اكبر كلمه التقوى.

قال: فلا و الذى بعث محمدا بالحق نبيا، ما سمعنا رئيس قوم منذ خلق الله السموات و الارض اصاب بيده فى يوم واحد ما اصاب، انه قتل- فيما ذكر العادون- زياده على خمسمائه من اعلام العرب، يخرج بسيفه منحنيا فيقول: معذره الى الله و اليكم من هذا.

لقد هممت ان افلقه و لكن يحجزنى عنه انى سمعت رسول الله (ص) يقول: (لا سيف الا ذوالفقار و لا فتى الا على).

و انا اقاتل به دونه (ص).

قال: فكنا ناخذه فنقومه، ثم يتناوله من ايدينا فيقتحم به فى عرض الصف، فلا و الله ما ليث باشد نكايه منه فى عدوه (ع).

قال نصر: فحدثنا عمرو بن شمر، عن جابر، قال: سمعت تميم بن حذيم، يقول: لما اصبحنا من ليله الهرير، نظرنا فاذا اشباه الرايات، امام اهل الشام فى وسط الفيلق، حيال موقف على و معاويه، فلما اسفرنا اذا هى المصاحف قد ربطت فى اطراف الرماح، و هى عظام مصاحف العسكر، و قد شدوا ثلاثه ارماح جميعا، و ربطوا عليها مصحف المسجد الاعظم، يمسكه عشره رهط.

قال نصر: و قال ابوجعفر و ابوالطفيل: استقبلوا عليا بمائه مصحف، و وضعوا فى كل مجنبه مائتى مصحف فكان جميعها خمسمائه مصحف.

قال ابوجعفر: ثم قام الطفيل بن ادهم حيال على (ع) و قام ابوشريح الجذامى حيال الميمنه، و قام ورقاء بن المعمر حيال الميسره، ثم نادوا: يا معشر العرب، الله الله فى النساء و البنات و الابناء من الروم و الاتراك و اهل فارس غدا اذا فنيتم! الله الله فى دينكم! هذا كتاب الله بيننا و بينكم.

فقال على (ع): اللهم انك تعلم انهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا و بينهم انك انت الحكم الحق المبين.

فاختلف اصحاب على (ع) فى الراى فطائفه قالت القتال و طائفه قالت المحاكمه الى الكتاب، و لا يحل لنا الحرب، و قد دعينا الى حكم الكتاب، فعند ذلك بطلت الحرب و وضعت او زارها.

قال نصر: و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال: حدثنا ابوجعفر محمد ب ن على بن الحسين قال: لما كان اليوم الاعظم، قال اصحاب معاويه: و الله لانبرح اليوم العرصه حتى نموت او يفتح لنا، و قال اصحاب على (ع): لانبرح اليوم العرصه حتى نموت او يفتح لنا، فبادروا القتال غدوه فى يوم من ايام الشعرى طويل، شديد الحر فتراموا حتى فنيت النبال، و تطاعنوا حتى تقصفت الرماح، ثم نزل القوم عن خيولهم، و مشى بعضهم الى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها و قام الفرسان فى الركب، ثم اضطربوا بالسيوف و بعمد الحديد، فلم يسمع السامعون الا تغمغم القوم، و صليل الحديد فى الهام و تكادم الافواه و كسفت الشمس و ثار القتام، و ضلت الالويه و الرايات، و مرت مواقيت اربع صلوات ما يسجد فيهن لله الا تكبيرا، و نادت المشيخه فى تلك الغمرات: يا معشر العرب الله الله فى الحرمات من النساء و البنات! قال جابر: فبكى ابوجعفر و هو يحدثنا بهذا الحديث.

قال نصر: و اقبل الاشتر على فرس كميت محذوف، و قد وضع مغفره على قربوس السرج، و هو ينادى: اصبروا يا معشر المومنين، فقد حمى الوطيس، و رجعت الشمس من الكسوف، و اشتد القتال، و اخذت السباع بعضها بعضا، فهم كما قال الشاعر: مضت و استاخر القرعاء عنها و خلى بينهم الا الوريع قال: يقول واحد لصاحبه فى تلك الحال