نك صحبت رسول الله (ص) قبلى و انت اكبر منى سنا، فتكلم انت ثم اتكلم انا فجعل ذلك سنه و عاده بينهما و انما كان مكرا و خديعه و اغترارا له ان يقدمه، فيبدا بخلع على ثم يرى رايه.
و قال ابن ديزيل فى "كتاب صفين" اعطاه عمرو صدر المجلس، و كان لايتكلم قبله، و اعطاه التقدم فى الصلاه و فى الطعام، لا ياكل، حتى ياكل و اذا خاطبه فانما يخاطبه باجل الاسماء، و يقول له: يا صاحب رسول الله حتى اطمان اليه، و ظن انه لايغشه.
قال نصر: فلما انمخضت الزبده بينهما، قال له عمرو: اخبرنى ما رايك يا اباموسى؟ قال: ارى ان انخلع هذين الرجلين، و نجعل الامر شورى بين المسلمين، يختارون من شاءوا، فقال عمرو: الراى و الله ما رايت.
فاقبلا الى الناس و هم مجتمعون فتكلم ابوموسى، فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: ان رايى و راى عمرو قد اتفق على امر نرجو ان يصلح الله به شان هذه الامه فقال عمرو: صدق ثم قال له: تقدم يا اباموسى، فتكلم فقام ليتكلم، فدعاه ابن عباس فقال له: ويحك! و الله انى لاظنه خدعك ان كنتما قد اتفقتما على امر فقدمه قبلك ليتكلم به ثم تكلم انت بعده فانه رجل غدار و لا آمن ان يكون قد اعطاك الرضا فيما بينك و بينه، فاذا قمت قمت به فى الناس خالفك- و كان اب وموسى رجلا مغفلا- فقال: ايها عنك انا قد اتفقنا.
فتقدم ابوموسى فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: ايها الناس، انا قد نظرنا فى امر هذه الامه، فلم نر شيئا هو اصلح لامرها، و لا الم لشعثها من الا تتباين امورها و قد اجمع رايى و راى صاحبى على خلع على و معاويه، و ان يستقبل هذا الامر، فيكون شورى بين المسلمين يولون امورهم من احبوا، و انى قد خلعت عليا و معاويه، فاستقبلوا اموركم و ولوا من رايتموه لهذا الامر اهلا.
ثم تنحى.
فقام عمرو بن العاص فى مقامه: فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: ان هذا قد قال ما سمعتم، و خلع صاحبه، و انا اخلع صاحبه كما خلعه، و اثبت صاحبى معاويه فى الخلافه فانه ولى عثمان، و الطالب بدمه، و احق الناس بمقامه.
فقال له ابوموسى: ما لك لا وفقك الله قد غدرت و فجرت! انما مثلك "كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث".
فقال له عمرو: انما مثلك "كمثل الحمار يحمل اسفارا".
و حمل شريح بن هانى ء على عمرو فقنعه بالسوط، و حمل ابن عمرو على شريح فقنعه بالسوط، و قام الناس فحجزوا بينهما، فكان شريح يقول بعد ذلك: ما ندمت على شى ء ندامتى الا اكون ضربت عمرا بالسيف بدل السوط، اتى الدهر بما اتى به.
و التمس اصحاب على (ع) اباموسى! فرك ب ناقته و لحق بمكه.
و كان ابن عباس يقول: قبح الله اباموسى! لقد حذرته و هديته الى الراى فما عقل.
و كان ابوموسى يقول: لقد حذرنى ابن عباس غدره الفاسق، و لكنى اطماننت اليه، و ظننت انه لا يوثر شيئا على نصيحه الامه.
قال نصر: و رجع عمرو الى منزله من دومه الجندل، فكتب الى معاويه: اتتك الخلافه مزفوفه هنيئا مريئا تقر العيونا تزف اليك زفاف العروس باهون من طعنك الدارعينا و ما الاشعرى بصلد الزناد و لا خامل الذكر فى الاشعرينا و لكن اتيحت له حيه يظل الشجاع لها مستكينا فقالوا و قلت و كنت امرا اجهجه بالخصم حتى يلينا فخذها ابن هند على بعدها فقد دافع الله ما تحذرونا و قد صرف الله عن شامكم عدوا مبينا و حربا زبونا قال نصر: فقام سعد بن قيس الهمدانى، و قال: و الله لو اجتمعتما على الهدى ما زدتمانا على ما نحن الان عليه، و ما ضلالكما بلازم لنا، و ما رجعتما الا بما بداتما به، و انا اليوم لعلى ما كنا عليه امس.
و قام كردوس بن هانى ء مغضبا فقال: الا ليت من يرضى من الناس كلهم بعمرو و عبدالله فى لجه البحر رضينا بحكم الله لا حكم غيره و بالله ربا و النبى و بالذكر و بالاصلع الهادى على امامنا رضينا بذاك ا لشيخ فى العسر و اليسر رضينا به حيا و ميتا و انه امام هدى فى الحكم و النهى و الامر فمن قال لا قلنا بلى ان امره لافضل ما نعطاه فى ليله القدر و ما لابن هند بيعه فى رقابنا و ما بيننا غير المثقفه السمر و ضرب يزيل الهام عن مستقره و هيهات هيهات الرضا آخر الدهر ابت لى اشياخ الاراقم سبه اسب بها حتى اغيب فى القبر و تكلم يزيد بن اسد القسرى- و هو من قواد معاويه- فقال: يا اهل العراق، اتقوا الله فان اهون ما تردنا و اياكم اليه الحرب ما كنا عليه بالامس و هو الفناء، و قد شخصت الابصار الى الصلح و اشرفت الانفس على الفناء و اصبح كل امرى ء يبكى على قتيل ما لكم رضيتم باول امر صاحبكم و كرهتم آخره! انه ليس لكم وحدكم الرضا.
قال: و قال بعض الاشعريين لابى موسى: اباموسى خدعت و كنت شيخا قريب القعر مدهوش الجنان رمى عمرو صفاتك يابن قيس بامر لا تنوء به اليدان و قد كنا نجمجم عن ظنون فصرحت الظنون عن العيان فعض الكف من ندم و ماذا يرد عليك عضك بالبنان قال: و شمت اهل الشام باهل العراق.
و قال كعب بن جعيل شاعر معاويه: كان اباموسى عشيه اذرح يطوف بلقمان الحكيم يواربه و لما تلاقوا فى تراث محمد نمت بابن هند فى قريش مناسبه سعى بابن عفان ليدرك ثاره و اولى عباد الله بالثار طالبه و قد غشيتنا فى الزبير غضاضه و طلحه اذ قامت عليه نوادبه فرد ابن هند ملكه فى نصابه و من غالب الاقدار فالله غالبه و ما لابن هند من لوى بن غالب نظير و ان جاشت عليه اقاربه فهذاك ملك الشام واف سنامه و هذاك ملك القوم قد جب غاربه يحاول عبدالله عمرا و انه ليضرب فى بحر عريض مذاهبه دحا دحوه فى صدره فهوت به الى اسفل الجب الظنون كواذبه قال نصر: و كان على (ع) لما خدع عمرو اباموسى بالكوفه، كان قد دخلها منتظرا ما يحكم به الحكمان، فلما تم على ابى موسى ما تم من الحيله، غم ذلك عليا و ساءه و وجم له و خطب الناس فقال: (الحمدلله و ان اتى الدهر بالخطب الفادح و الحدث الجليل...) الخطبه التى ذكرها الرضى رحمه الله تعالى، و هى التى نحن فى شرحها، و زاد فى آخرها بعد الاستشهاد ببيت دريد: (الا ان هذين الرجلين اللذين اخترتموهما قد نبذا حكم الكتاب، و احييا ما امات و اتبع كل واحد منهما هواه، و حكم بغير حجه و لابينه و لا سنه ماضيه و اختلفا فيما حكما، فكلاهما لم يرشد الله.
فاستعدوا للجهاد، و تاهبوا للمسير و اصبحوا فى معسكركم يوم كذا.
قال نصر: فكان على (ع) بعد الحكومه اذا صلى الغداه و المغرب، و فرغ من الصلاه و سلم قال: اللهم العن معاويه، و عمرا، و اباموسى، و حبيب بن مسلمه، و عبدالرحمن بن خالد، و الضحاك بن قيس، و الوليد بن عقبه، فبلغ ذلك معاويه، فكان اذا صلى لعن عليا، و حسنا، و حسينا، و ابن عباس، و قيس بن سعد بن عباده، و الاشتر.
و زاد ابن ديزيل فى اصحاب معاويه اباالاعور السلمى.
و روى ابن ديزيل ايضا ان اباموسى كتب من مكه الى على (ع): اما بعد، فانى قد بلغنى انك تلعننى فى الصلاه و يومن خلفك الجاهلون و انى اقول كما قال موسى (ع): "رب بما انعمت على فلن اكون ظهيرا للمجرمين".
و روى ابن ديزيل، عن وكيع عن فضل بن مرزوق، عن عطيه عن عبدالرحمن ابن حبيب، عن على (ع) انه قال: (يوتى بى و بمعاويه يوم القيامه فنجى ء و نختصم عند ذى العرش فاينا فلج فلج اصحابه).
و روى ايضا عن عبدالرحمن بن نافع القارى ء، عن ابيه، قال: سئل على (ع) عن قتلى صفين، فقال: انما الحساب على و على معاويه.
و روى ايضا عن الاعمش، عن موسى بن طريف، عن عبايه قال: سمعت عليا (ع) و هو يقول: انا قسيم النار، هذا لى و هذا لك.
و روى ايضا عن ابى سعيد الخدرى، قال: قال رسول الله (ص) لاتقوم الساعه حتى تقتتل فئتان عظيمتان ، دعوتهما واحده، فبينماهم كذلك مرقت منهم مارقه، يقتلهم اولى الطائفتين بالحق.
قال ابراهيم بن ديزيل: و حدثنا سعيد بن كثير، عن عفير، قال حدثنا ابن لهيعه، عن ابن هبيره عن حنش الصنعانى، قال: جئت الى ابى سعيد الخدرى، و قد عمى، فقلت: اخبرنى عن هذه الخوارج، فقال: تاتوننا فنخبركم، ثم ترفعون ذلك الى معاويه فيبعث الينا بالكلام الشديد.
قال: قلت: انا حنش، فقال: مرحبا بك يا حنش المصرى، سمعت رسول الله (ص) يقول: (يخرج ناس يقرءون القرآن لايجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه، ينظر احدكم فى نصله فلا يرى شيئا، فينظر فى قذذه فلا يرى شيئا سبق الفرث و الدم، يصلى بقتالهم اولى الطائفتين بالله)، فقال حنش: فان عليا صلى بقتالهم، فقال ابوسعيد: و ما يمنع عليا ان يكون اولى الطائفتين بالله.
و ذكر محمد بن القاسم بن بشار الانبارى فى اماليه، قال: قال عبدالرحمن بن خالد بن الوليد: حضرت الحكومه، فلما كان يوم الفصل جاء عبدالله بن عباس فقعد الى جانب ابى موسى و قد نشر اذنيه، حتى كاد ان ينطق بهما فعلمت ان الامر لايتم لنا مادام هناك و انه سيفسد على عمرو حيلته فاعملت المكيده فى امره فجئت حتى قعدت عنده و قد شرع عمرو و ابوموسى فى الكل ام فكلمت ابن عباس كلمه استطعمته جوابها فلم يجب فكلمته اخرى فلم يجب فكلمته ثالثه فقال: انى لفى شغل عن حوارك الان فجبهته و قلت: يا بنى هاشم لاتتركون باوكم و كبركم ابدا! اما و الله لولا مكان النبوه لكان لى و لك شان.
قال: فحمى و غضب، و اضطرب فكره و رايه، و اسمعنى كلاما يسوء سماعه، فاعرضت عنه، و قمت فقعدت الى جانب عمرو بن العاص، فقلت: قد كفيتك التقواله، انى قد شغلت باله بما دار بينى و بينه، فاحكم انت امرك.
قال: فذهل و الله ابن عباس عن الكلام الدائر بين الرجلين، حتى قام ابوموسى، فخلع عليا.
و روى الزبير بن بكار فى "الموفقيات" و رواه جميع الناس ممن عنى بنقل الاثار و السير، عن الحسن البصرى (قال): اربع خصال كن فى معاويه لو لم يكن فيه الا واحده منهن لكانت موبقه: انتزاوه على هذه الامه بالسفهاء حتى ابتزها امرها بغير مشوره منهم و فيهم بقايا الصحابه و ذوو الفضيله، و استخلافه بعده ابنه يزيد سكيرا خميرا، يلبس الحرير و يضرب بالطنابير، و ادعاوه زيادا، و قد قال رسول الله (ص): (الولد للفراش و للعاهر الحجر) و قتله حجر بن عدى و اصحابه، فيا ويله من حجر و اصحاب حجر.
و روى فى "الموفقيات" ايضا الخبر الذى رواه المدائنى، و قد ذكرناه آنف ا من كلام ابن عباس لابى موسى، و قوله: ان الناس لم يرتضوك لفضل عندك لم تشارك فيه.
و ذكر فى آخره: فقال بعض شعراء قريش: و الله ما كلم الاقوام من بشر بعد الوصى على كابن عباس اوصى ابن قيس بامر فيه عصمته لو كان فيها ابوموسى من الناس انى اخاف عليه مكر صاحبه ارجو رجاء مخوف شيب بالياس و ذكر الزبير ايضا فى "الموفقيات" ان يزيد بن حجيه التيمى، شهد الجمل و صفين و نهروان مع على (ع) ثم ولاه الرى و دستبى، فسرق من اموالهما، و لحق بمعاويه و هجا عليا و اصحابه و مدح معاويه و اصحابه، فدعا عليه على (ع) و رفع اصحابه ايديهم فامنوا، و كتب اليه رجل من بنى عمه كتابا يقبح اليه ما صنع، و كان الكتاب شعرا، فكتب يزيد بن حجيه اليه: لو كنت اقول شعرا لاجبتك، و لكن قد كان منكم خلال ثلاث، لاترون معهن شيئا مما تحبون، اما الاولى فانكم سرتم الى اهل الشام، حتى اذا دخلتم بلادهم، و طعنتموهم بالرماح، و اذقتموهم الم الجراح، رفعوا المصاحف فسخروا منكم، و ردوكم عنهم، فو الله و الله لادخلتموها بمثل تلك الشوكه و الشده ابدا.
و الثانيه ان القوم بعثوا حكما، و بعثتم حكما، فاما حكمهم فاثبتهم، و اما حكمكم فخلعكم، و رجع صاحبهم يدعى اميرالمومنين، و رجع تم متضاغنين.
و الثالثه ان قراءكم و فقهاءكم و فرسانكم خالفوكم، فعدوتم عليهم فقتلتموهم.
ثم كتب فى آخر الكتاب بيتين لعفان بن شرحبيل التميمى: احببت اهل الشام من بين الملا و بكيت من اسف على عثمان ارضا مقدسه و قوما منهم اهل اليقين و تابعو الفرقان و ذكر ابواحمد العسكرى فى كتاب "الامالى" ان سعد بن ابى وقاص دخل على معاويه عام الجماعه، فلم يسلم عليه بامره المومنين، فقال له معاويه: لو شئت ان تقول فى سلامك غير هذا لقلت، فقال سعد: نحن المومنون و لم نومرك، كانك قد بهجت بما انت فيه يا معاويه! و الله ما يسرنى ما انت فيه و انى هرقت المحجمه دم.
قال: و لكنى و ابن عمك عليا يا ابااسحاق قد هرقنا اكثر من محجمه و محجمتين، هلم فاجلس معى على السرير فجلس معه، فذكر له معاويه اعتزاله الحرب، يعاتبه فقال سعد: انما كان مثلى و مثل الناس كقوم اصابتهم ظلمه، فقال واحد منهم لبعيره اخ، فاناخ حتى اضاء له الطريق فقال معاويه: و الله يا ابااسحاق، ما فى كتاب الله (اخ) و انما فيه: "و ان طائفتان من المومنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفى ء الى امر الله" فو الله ما قاتلت الباغيه و لاالمبغى عليها.
فافح مه.
و زاد ابن ديزيل فى هذا الخبر زياده ذكرها فى كتاب "صفين" قال: فقال سعد: اتامرنى ان اقاتل رجلا قال له رسول الله (ص): (انت منى بمنزله هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى)! فقال معاويه: من سمع هذا معك؟ قال: فلان و فلان و ام سلمه، فقال معاويه: لو كنت سمعت هذا لما قاتلته.