قال { باب من اجمع اقامة اربع اتم } استدل على ذلك بحديث العلاء بن الحضرمي ( يمكث المسافر بمكة بعد قضأ نسكه ثلاثا ) ثم ذكر ( عن الشافعي انه قال رأينا اربعا كانها بالمقيم اشبه لانه لو كان للمسافر ان يقيم أكثر من ثلاث كان شبيها أن يأمر النبي عليه السلام به للمهاجر ) قلت ذكر ابن حزم انه ليس في هذا الخبر نص و لا اشارة إلى المدة التي إذا اقامها مسافر يتم صلوته و انما هو في حكم المهاجر لا يقيم أكثر من ثلاثة أيام ليحاز شغله و قضى حاجته في الثلاث و لا حاجة إلى أكثر منها و لا يدل على انه يصير مقيما في الاربعة و لو احتمل لا يثبت حكم شرعي بالاحتمال و ما زاد على ثلاثة أيام للمهاجر داخل عندهم في حكم ان يكون مسافرا لا مقيما و ما زاد على الثلاثة للمسافر اقامة صحيحة فلا يتقاسان و أيضا فان اقامة قدر صلوة واحدة زيادة على الثلاث مكروهة للمهاجر فينبغي عندهم إذا قاسوا عليه المسافر ان يتم و هو خلاف مذهبهم و الاربعة لا دليل عليها ثم ذكر ( ان عمر ضرب لليهود و النصارى و المجوس بالمدينة ثلاثة أيام يتسوقون فيها ) قلت لان هذه المدة ادنى المدة التي يتمكنون فيها من التصرف فقد ربها تضييقا عليهم و حكى ابن رشد الاختلاف في مدة الاقامة ثم قال و سبب الخلاف انه امر مسكوت عنه في الشرع و القياس على التحديد ضعيف عند الجميع و كذلك رام هؤلاء كلهم ان
يستدلوا لمذهبهم من الاحوال التي نقلت عنه عليه السلام انه أقام فيها مقصرا و انه جعل لها حكم المسافر ثم قال البيهقي ( الاخبار الثابتة تدل على انه عليه السلام قدم مكة في حجة الوداع لاربع خلون من ذي الحجة فأقام بها ثلاثا يقصر و لم يحسب اليوم الذي قدم فيه مكة لانه كان فيه سائرا و لا يوم التروية لانه خارج فيه إلى منى فصلى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الصبح ) قلت أقام بمكة أربعة أيام يقصر فانه عليه السلام قدم صبح رابعة من ذي الحجة كذا في الصحيحين من حديث جابر و كذا ذكره البيهقي فيما تقدم فأقام الرابع و الخامس و السادس و السابع و بعض الثامن ناويا للاقامة بها بلا شك ثم خرج إلى منى يوم التروية و هو الثامن قبل الزوال و هذا يبطل تقديرهم بأربعة أيام و لهذا حكى ابن رشد عن احمد و داود انه إذا ازمع على أكثر من أربعة أيام اتم قال و احتجوا بمقامه عليه السلام في حجته بمكة مقصرا أربعة أيام و ذكر صاحب التمهيد عن الاثرم قال احمد أقام عليه السلام اليوم الرابع و الخامس و السادس و السابع وصلى الصبح بالابطح في الثامن فهذه احدى و عشرون صلوة قصر فيها و قد اجمع على اقامتها و ظهر بهذا بطلان قول البيهقي في آخر هذا الباب ( فلم يقم عليه السلام في موضع واحد اربعا يقصر ) و كيف يقول كان سائرا في اليوم الرابع مع انه قدم في صبيحته فأقام بمكة كما تقدم و كيف لا يحسب يوم الدخول مع ان الاحكام المتعلقة بالسفر لينقطع حكمها
يوم الدخول إذا نوى الاقامة و يلحق بما بعده اصله رخصة المسح و الافطار فلا معنى لاخراجه بعد نية الاقامة بغير دليل شرعي و كذا يوم الخروج قبل خروجه و فى اختلاف العلماء للطحاوي روى ابن عباس و جابر انه عليه السلام قدم مكة صبيحة أربعة ( 1 )
من ذي الحجة فكان مقامه إلى وقت خروجه أكثر من اربع و قد كان يقصر الصلوة فدل على سقوط الاعتبار بالاربع ثم ذكر الطحاوي عن ابن عمران من نوى الاقامة خمسة عشر يوما اتم الصلوة قال و لم يرو عن احد من السلف خلافه و قال ابن حزم رويناه عن سعيد بن المسيب قال { باب المسافر يقصر ( 2 ) ما لم يخرج مسكنا ما لم يبلغ مقامه } ما أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة تمام الفتح قلت و ذكر في الخلافيات ان الشافعي نص على هذا في الاملاء و إقامته عليه السلام تلك المدة لا تدل على ان الرجل يتم إذا اقامها إذا كانت أقامته على شيء يرى انه ينجح في اليوم و اليومين فتأخر عن ذلك بل الصواب انه يقصر ابدا كما سيأتي في الباب الذي بعد هذا الباب ان شاء الله تعالى و هذا لانه لم ينو الاقامة و الاصل بقاء السفر و لهذا قال الترمذي
1 - هكذا في الاصل و الظاهر ( رابعة ) 12 ( 2 ) هكذا في جوهر النقي و فى أصول السنن للبيهقي التي عندنا ( ما لم يجمع مكثا ) كما مر 12
اجمع أهل العلم على ان المسافر يقصر ما لم يجمع اقامة و ان اتى عليه سنون و كذا قال ابن المنذر و قد ذكر البيهقي في الباب الذي يلى هذا الباب حديث جابر قال أقام عليه السلام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلوة و أخرجه أبو داود بسند على شرط الصحيح فان كان أقامته عليه السلام دليلا في هذه المسألة كان الواجب ان يعتبر الشافعي أقامته بتبوك لان مدتها ازيد من مدة قامته بمكة عام الفتح ثم ذكر البيهقي في هذا الباب حديث الزهرى ( عن عبيد الله عن ابن عباس أقام
عليه السلام عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلوة ) ثم قال ( و رواه عراك بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا ) قلت أخرجه النسائي عن عراك مسندا فقال انا عبد الرحمن بن الاسود البصري ثنا محمد بن ربيعة عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبى حبيب عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أقام عليه السلام بمكة خمس عشرة يصلى ركعتين ركعتين