الدين. وبعد، بين يديك عزيزي القارئ رسالة وجيزة، صغيرة في حجمها، كبيرة في محتواها، خطها يراع أحد علمائنا البارزين، وهي الرسالة الثانية من الاثني عشريات الخمس للشيخ البهائي. قسم المصنف فيها ما يتعلق بالصلاة إلى: أفعال وتروك، وكل منهما إلى: واجبة ومستحبة، وكل منهما إلى: لسانية أو جنانية أو أركانية، فتكون اثني عشر نوعا، ثم حصر كل نوع باثني عشر مصداقا فيكون لدينا 144 مصداقا، وبهذا يكون المؤلف قد جمع كل ما يتعلق بالصلاة بمقالة ظريفة يسهل حفظها، مجتنبا الاطالة والايجاز. وقد انتهى من تأليفها في 17 ربيع الاول سنة 1012 ه.
المصنف: لست بصدد ترجمة حياة مؤلف هذه الرسالة الشيخ البهائي، بل إن ذلك منوط بكبار العلماء والمطلعين في هذا المجال، ولا يمكن لهذه الاسطر أن تستوعب مثل هذه الشخصية الفذة ذاع صيتها في الآفاق، وأشرق نورها في الاماكن والبقاع. وما هي إلا لمحة عن حياته المباركة، بل كلمة تعريف جرت العادة كتابتها في مقدمة كل رسالة أو كتاب محقق. فهو الشيخ الجليل بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني الجبعي، ينسب إلى الحارث الهمداني، ولد في بعلبك - وقال أبو المعالي الطالوي: إنه ولد بقزوين، وقيل غير ذلك - سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وانتقل به والده وهو صغير إلى الديار الايرانية فنشأ فيها وتتلمذ على يد والده وغيره في الفقه والاصول والعقائد والتفسير والنحو وغير ذلك من العلوم، حيث لم يدع علما إلا وطرق بابه وارتشف من منهله العذب، حتى ذاع صيته وعلا، وعرف بالفضل والكمال، وأصبحت كلمته مسموعة. فعند ذلك رغب في الفقر والسياحة، واستهب من مهاب التوفيق رياحه، فترك تلك المناصب، ومال لما هو بحاله مناسب، فساح في البلدان ثلاثين عاما من أصفهان إلى الحجاز، ثم مصر والقدس وحلب، ثم رجع إلى أصفهان - مركز تحصيله وتعلمه -، وهناك هما غيث فضله وانسجم، وألف وكتب، فانتهت إليه رئاسة المذهب، وبه قامت قواطع البراهين والادلة، جمع فنون العلم، وانعقد عليه الاجماع، وتفرد بصنوف الفضل، فبهر النواظر والاسماع، فما من فن إلا وله القدح المعلى، والمورد العذب المحلى، إن قال لم يدع قولا لقائل، أو طال لم يأت غيره بطائل. فحاله في الفقه والعلم، والفضل والتحقيق والتدقيق، وجلالة القدر، وعظم الشأن، وحسن التصنيف، ورشاقة العبارة، وجمع المحاسن أظهر من أن
يذكر، وفضائله أكثر من أن تحصى، كان ماهرا متبحرا، جامعا، كاملا، شاعرا، أديبا، فقيها، اصوليا، حسابيا، عديم النظير في زمانه. فخلال جولاته اجتمع بكثير من أرباب الفضل والكمال، ونال من فيض حججهم ما تعذر على غيره واستحال. توفي رضوان الله تعالى عليه في أصفهان في شهر شوال سنة ألف وثلاثين - وقيل إحدى وثلاثين، وقيل خمس وثلاثين - ونقل إلى مشهد الرضا عليه السلام ودفن هناك، وقبره الآن مشهور تزوره الخاصة والعامة. أساتذته وتلاميذه: تتلمذ البهائي على أساطين العلم وكبار شيوخ عصره، ولاشك أن أباه كان أول معلم له، وهو الذي دفعه إلى انداده من علماء ايران ليثقفوا ابنه ويوجهوه نحو حب العلم. ولم يكتف العاملي بأساتذة ايران حيث امضى شطرا من حياته 7 - عماد الدين محمود النطاسي، قرأ عليه في الطب. 8 - الشيخ عمر العرضي، والد المؤلف أبي الوفاء، أفاد منه في حلب. 9 - الاستاذ محمد بن أبي الحسن البكري، اجتمع به في مصر وحضر دروسه في الازهر. وقد تتلمذ على يده الكثير من الفضلاء، وتخرج من مدرسته المباركة فطاحل العلماء، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الفاضل الجواد البغدادي، والسيد الماجد البحراني، والمولى محمد حسن - المشتهر بالفيض الكاشاني -، والسيد الميرزا رفيع الدين النائيني، والمولى شريف الدين محمد الروي دشتي، والمولى خليل ابن الغازي القزويني، والمولى محمد صالح بن أحمد المازندراني، والمولى مظفر الدين علي، والشيخ محمود بن حسام الدين الجزائري، وغيرهم. مصنفاته: لم يدع الشيخ البهائي - رضوان الله تعالى عليه - علما إلا وكتب فيه مفصلا أو مجملا، حتى بلغت مؤلفاته ثمانية وثمانين، نذكر بعضها: ففي مجال الفقه له: الحبل المتين، الاثنا عشريات الخمس: الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج. والجامع العباسي، ورسالة في قصر الصلاة في الاماكن