و هذه الجملة كلها مجمع عليها بين علماء الامصار الا ما كان من خلاف ابن مسعود و من تبعه لسائر الصحابة و الفقهاء في ولد الاب إذا استكمل الاخوات من الابوين الثلثين فانه جعل الباقي للذكر من ولد الاب دون الاناث ، فان كانت أخت واحدة من أبوين و اخوة و أخوات من أب جعل للاناث من ولد الاب الاضر بهن من المقاسمة أو السدس و جعل الباقى للذكور كفعله في ولد الابن مع البنات على ما مر تفصيله و شرحه و قد سبق ذكر حجته و جوابها بما يغني عن إعادته .
فاما فرض الثلثين للاختين فصاعدا و النصف للواحدة المفردة فثابت بقول الله تعالى ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد و له أخت فلها نصف ما ترك و هو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ) و المراد بهذه الآية ولد الابوين و ولد الاب بإجماع أهل العلم ، و روى جابر قال قلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي ولي أخوات ؟ قال فنزلت آية الميراث ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ) رواه أبو داود و روى أن جابرا اشتكى و عنده سبع أخوات فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( قد أنزل الله في أخواتك ) فبين لهن الثلثين و ما زاد على الاختين في حكمهما لانه إذا كان للاختين الثلثان فالثلاث أختان فصاعدا ، و اما سقوط الاخوات من الاب باستكمال ولد الابوين الثلثين فلان الله تعالى انما فرض للاخوات الثلثين فإذا أخذه ولد الابوين لم يبق مما فرضه الله تعالى للاخوات شيء
يستحقه ولد الاب فان كانت واحدة من الابوين فلها النصف بنص الكتاب و بقي من الثلثين المفروضة للاخوات سدس يكمل به الثلثان فيكون للاخوات للاب و لذلك قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين فان كان ولد الاب ذكورا و أناثا فالباقي بينهم لقول الله تعالى ( و ان كانوا اخوة رجالا و نساء فللذكر مثل حظ الانثيين ، و لا يفارق ولد الاب مع ولد الابوين ولد الابن مع ولد الصلب إلا في أن بنت الابن يعصبها ابن أخيها و من هو أنزل منها ، و الاخت من الاب لا يعصبها إلا أخوها ، فلو استكمل الاخوات من الابوين الثلثين و ثم أخوات من أب و ابن أخ لهن لم يكن للاخوات للاب شيء و كان الباقي لا بن الاخ لان ابن الابن و ان نزل ابن و ابن الاخ ليس بأخ ( فصل ) أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم فيمنعونهن الفرض و يقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الانثيين و هم الابن و ابن الابن و ان نزل و الاخ من الابوين و الاخ من الاب و سائر العصبات ينفرد الذكور بالميراث دون الاناث و هم بنو الاخ و الاعمام و بنوهم و ذلك لقول الله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ) فهذه الآية تناولت الاولاد و أولاد الابن و قال تعالى ( فان كانوا إخوة رجالا و نساء فللذكر مثل حظ الانثيين ) فتناولت ولد الابوين و ولد الاب و انما اشتركوا لان الرجال و النساء كلهم وراث فلو فرض للنساء فرض أفضي إلى تفضيل الانثى على الذكر أو مساواتها إياه أو إسقاطه بالكلية فكانت المقاسمة أعدل و أولى ، و سائر العصبات ليس أخواتهم من أهل الميراث فانهن لسن بذوات فرض و لا يرثن منفردات فلا يرثن مع اخوتهن شيئا و هذا لا خلاف فيه بحمد الله و منته
( مسألة ) قال ( و للام الثلث إذا لم يكن الا أخ واحد أو أخت واحدة و لم يكن ولد و لا ولد ابن فان كان له ولد أو اخوان أو أختان فليس لها إلا السدس ) و جملة ذلك ان للام ثلاثة أحوال : حال ترث فيها الثلث بشرطين ( أحدهما ) عدم الولد و ولد الابن من الذكور و الاناث .
( و الثاني ) عدم الابنين فصاعدا من الاخوة و الاخوات من أي الجهات كانوا ذكورا أو إناثا أو ذكورا و أناثا فلها في هذه الحال الثلث بلا خلاف نعلمه بين أهل العلم ( الحال الثاني ) لها السدس إذا لم يجتمع الشرطان بل كان للميت ولد أو ولد ابن أو اثنان من الاخوة و الاخوات في قول جمهور الفقهاء ، و قال ابن عباس لا يحجب الام عن الثلث إلى السدس من الاخوة و الاخوات الا ثلاثة و حكي ذلك عن معاذ لان الله تعالى قال ( فان كان له إخوة فلامه السدس ) و أقل الجمع ثلاثة ، و روي ان ابن عباس قال لعثمان رضي الله عنه : ليس الاخوان اخوة في لسان قومك فلم تحجب بهما الام ؟ فقال لا أستطيع ان أرد شيئا كان قبلي و مضى في البلدان و توارث الناس به و لنا قول عثمان هذا فانه يدل على أنه إجماع ثم قبل مخالفة ابن عباس و لان كل حجب يتعلق بعدد كان أوله اثنين كحجب البنات بنات الابن و الاخوات من الابوين الاخوات من الاب ، و الاخوة تستعمل في الاثنين قال الله تعالى ( فان كانوا اخوة رجالا و نساءا فللذكر مثل حظ الانثيين ) و هذا الحكم ثابت في أخ و أخت ، و من أهل اللغة من يجعل الاثنين جمعا حقيقة و منهم من يستعمله مجازا
فيصرف اليه بالدليل ، و لا فرق في حجبها بين الذكر و الانثى لقوله تعالى ( اخوة ) و هذا يقع على الجميع بدليل قوله ( فان كانوا اخوة رجالا و نساء ) ففسرهم بالرجال و النساء ( الحال الثالث ) إذا كان زوج و أبوان أو إمرأة و أبوان فللام ثلث الباقي بعد فرض الزوجين ، و هذه يأتي ذكرها ان شاء الله تعالى ( مسألة ) قال ( و ليس للاب مع الولد الذكر أو ولد الابن الا السدس فان كن بنات كان له ما فضل ) يعني و الله أعلم كان له ما فضل بعد أن يفرض له السدس فيكون له ثلاثة أحوال : ( حال ) يرث فيها بالفرض و هي مع الابن أو ابن الابن و ان سفل فليس له الا السدس و الباقي للابن و من معه لا نعلم في هذا خلافا و ذلك لقول الله تعالى ( و لابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد ) ( الحال الثانية ) يرث فيها بالتعصيب المجرد و هي مع الولد فيأخذ المال ان انفرد ، و ان كان معه ذو فرض الولد كزوج أو أم أو جدة فلذي الفرض فرضه و باقي المال له لقول الله تعالله ( فان لم يكن له ولد و ورثه أبواه فلامه الثلث ) فأضاف الميراث إليهما ثم جعل للام الثلث فكان الباقي للاب ثم قال ( فان كان له اخوة فلامه السدس فجعل للام مع
الاخوة السدس و لم يقطع اضافة الميراث إلى الابوين و لا ذكر للاخوة ميراثا فكان الباقي كله للاب ( الحال الثالثة ) يجتمع له الامران الفرض و التعصيب و هي مع إناث الولد أو ولد الابن فله السدس لقوله تعالى ( فلكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد ) و لهذا كان للاب السدس مع البنت بالاجماع ثم يأخذ ما بقي بالتعصيب لما روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لاولى رجل ذكر ) متفق عليه و الاب أولى رجل بعد الابن و ابنه و أجمع أهل العلم على هذا كله فليس فيه بحمد الله اختلاف نعلمه ( فصل ) و الجد كالأَب في أحواله الثلاث و له حال رابع مع الاخوة يذكر في بابه و يسقط بالاب لانه يدلي به فيسقط به كالاخوة و كذلك كل جد يسقط بابنه لكونه يدلي به و ينقص الجد عن رتبة الاب في زوج و أبوين أو إمرأة و أبوين فيفرض للام فيهما ثلث جميع المال و باقيه للجد بخلاف الاب ( مسألة ) ( قال و للزوج النصف إذا لم يكن ولد فان كان لها ولد فله الربع و للمرأة الربع واحدة كانت أو أربعا إذا لم يكن ولد فان كان له ولد فلهن الثمن ) و جملة ذلك أن الزوج و الزوجة ذوا فرض لا يرثان بغيره و فرض الزوج النصف مع عدم ولد الميتة و ولد ابنها و الربع مع الولد أو ولد الابن و فرض الزوجة و الزوجات الربع مع عدم ولد الزوج
و ولد ابنه و الثمن مع الولد أو ولد الابن الواحد و الاربع سواء بإجماع أهل العلم ، و الاصل فيه قول الله تعالى ( و لكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين و لهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ) و انما جعل للجماعة مثل ما للواحدة لانه لو جعل لكل واحدة الربع وهن أربع لاخذن جميع المال و زاد فرضهن على فرض الزوج و مثل هذا في الجدات للجماعة مثل ما للواحدة لان الجدات لو أخذت كل واحدة منهن السدس لاخذن النصف فزدن على ميراث الجد فأما سائر أصحاب الفروض كالبنات و بنات الابن و الاخوات المفترقات كلهن فان لكل جماعة منهن مثل ما للاثنتين على ما ذكر في موضعه ، و زدن على فرض الواحدة لان الذكر الذي يرث في درجتهن لا فرض له إلا ولد الام فان ذكرهم و أنثاهم سواء لانهم يرثون بالرحم و قرابة الام المجردة ( مسألة ) قال ( و ابن الاخ للاب و الام أولى من ابن الاخ للاب و ابن الاخ للاب أولى من ابن ابن الاخ للاب و الام و ابن الاخ و ان سفل إذا كان الاب أولى من العم و ابن العم للاب أولى من ابن ابن العم للاب و الام و ابن العم و ان سفل أولى من عم الاب ) هذا في ميراث العصبة و هم الذكور من ولد الميت و آبائه و أولادهم و ليس ميراثهم مقدارا بل يأخذون المال كله إذا لم يكن معهم ذو فرض فان كان معهم ذو فرض لا يسقط بهم أخذوا الفاضل
عن ميراثه كله و أولاهم بالميراث أقربهم و بسقط به من يعد لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لاولى رجل ذكر ) و أقربهم البنون ثم بنوهم و ان سفلوا يسقط قريبهم ببعيدهم ثم الاب ثم آباؤه و ان علو الاقرب منهم فالأَقرب ثم بنو الاب و هم الاخوة للابوين أو للاب ثم بنوهم و ان سفلو الاقرب منهم فالأَقرب و يسقط البعيد بالقريب سواء كان القريب من ولد الابوين أو من ولد الا ب وحده فان اجتمعوا في درجة واحدة فولد الابوين أولى لقوة قرابته بالام فلهذا قال ابن الاخ للاب و الام أولى من ابن الاخ للاب لانهما في درجة واحدة و ابن الاخ للاب أولى من ابن ابن الاخ للاب و الام لان ابن الاخ للاب أعلى درجة من ابن ابن الاخ للاب و الام و على هذا أبدا و مهما بقي من بني الاخ أحد و إن سفل فهو أولى من العم لانه من ولد الاب و العم من ولد الجد فإذا انقرض الاخوة و بنوهم فالميراث للاعمام ثم بنيهم على هذا النسق أن استوت درجتهم قدم من هو لابوين ، فان اختلفت قدم الاعلى و إن كان لاب و مهما بقي منهم أحد ، و ان سفل فهو أولى من عم الاب لان الاعمام من ولد الجد و أعمام الاب من ولد أب الجد فإذا انقرضوا فالميراث لاعمام الاب على هذا النسق ثم لاعمام الجد ثم بنيهم و على هذا أبدا لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه و إن نزلت درجتهم لما مر في الحديث و هذا كله مجمع عليه بحمد الله و منه ( مسألة ) قال ( و إذا كان زوج و أبوان أعطي الزوج النصف و الام ثلث ما بقي و ما بقي فللاب و إذا كانت زوجة و أبوان أعطيت الزوجة الربع و الام ثلث ما بقي و ما بقي فللاب ) هاتان المسئلتان يسميان العمريتين لان عمر رضي الله عنه قضى فيهما بهذا القضاء فأتبعه على ذلك عثمان و زيد بن ثابت و ابن مسعود و روي ذلك عن علي و به قال الحسن و الثوري و مالك و الشافعي