( الجزء الثامن من ) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي و كتب ظاهر الرواية أتت ستا و بالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير و الكبير و السير الكبير و الصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط و يجمع ألست كتاب الكافي للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الامة السرخسي ( تنبية ) قد بأشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم و الله المستعان و عليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم ( كتاب المكاتب ) ( قال ) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة و فخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله الكتابة لغة هو الضم و الجمع يقول كتب البغلة إذا جمع بين سفريها بحلقة و منه فعل الكتابة لما فيها من الضم و الجمع بين الحروف فسمى العقد الذي يجرى بين المولى و عبده بطريق المعاوضة كتابة إما لانه لا يخلو عن كتبة الوثيقة عادة و لهذا سمى مكاتبة على ميزان المفاعلة لان العبد يكتب لمولاه كما يكتب المولى لعبده ليكون في يد كل واحد منهما ما يتوثق به أو سمى كتابة لان المولى به يضم العبد إلى نفسه في إثبات صفة المالكية له يدا فان موجب هذا العقد ثبوت المالكية للعبد يدا في نفسه و كسبه لان المالكية عبارة عن ضرب قوة و قد ثبتت له هذه القوة بنفس العقد حتى يختص بالتصرف في منافعه و مكاسبه و يذهب للتجارة حيث شاء و لهذا لا يمنعه المولى من الخرج للسفر و لو شرط عليه أن لا يخرج كان الشرط باطلا لان ذلك ثابت له بضرورة هذه المالكية و مقصود المولى من إثبات هذه المالكية له أن يتمكن من أداء المال بالتكسب و ربما لا يتمكن منه الا بالخروج من بلدة إلى بلدة و موجب العقد ما يثبت بالعقد المطلق ثم عتقه عند أداء المال لاتمام هذه الماليكة لان العقد معاوضة فيقتضى المساواة بين المتعاقدين وأصل البدل يجب للمولى في ذمته بنفس العقد و لكن لا يتم ملكه الا بالقبض لان الذمة تضعف بسبب الرق فان صلاحية الذمة لوجوب المال فيها من كرامات البشر و ذلك ينتقض بالرق كالحل الذي ينبنى عليه ملك النكاح و لهذا لا يثبت الدين في ذمة العبد الا متعلقا بمالكية رقبته و هذا لا يتحقق فيما كان واجبا للمولى لان المالكية حقه فلهذا كان ما يجب له ضعيفا في ذمته فثبت للعبد بمقابلته مالكية ضعيفه أيضا ثم إذا تم الملك المولى بالقبض تتم المالكية للعبد أيضا و تمام المالكية لا يكون الا بالعتق فيعتق لضرورة إتمام المالكية
ثم جواز هذا العقد ثبت بالنص قال الله تعالى و الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ان علمتهم فيهم خيرا و بظاهر الآية يقول داود و من تابعه إذا طلب العبد من مولاه أن يكاتبه و قد علم المولى فيه خيرا يجب عليه أن يكاتبه لان الامر يفيد الوجوب و قال بعض مشايخنا الامر قد يكون لبيان الجواز و الاباحة كقوله تعالى و إذا حللتم فاصطادوا و قوله ان علمتم فيهم خيرا مذكور على وفاق العادة و العادة ان المولى انما يكاتب عبده إذا علم فيه خيرا و لكن هذا ضعيف فانه إذا حمل على هذا لم يكن مفيدا شيئا و كلام الله تعالى منزه عن هذا و لكن نقول الامر قد يكون للندب و الاباحة ثابتة بدون هذا الشرط و الندب متعلق بهذا الشرط فانما ندب المولى إلى أن يكاتبه إذا علم فيه خيرا تم الكتابة قد تكون ببدل منجم مؤجل و قد تكون ببدل حال عندنا بظاهر الآية فالتنجيم و التأجيل زيادة على ما يتلى في القرآن و مثل هذه الزيادة لا يمكن إثباتها بالرأي فعرفنا أنه ليس بشرط بل هو ترفيه و الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز الكتابة الا مؤجلا منجما أقله نجمان قال لان العبد يلتزم الاداء بالعقد و القدرة على التسليم شرط لصحة التزام التسليم بالعقد و هو يخرج من يد مولاه مفلسا فلا يقدر على التسليم الا بالتأجيل و الاكتساب في المدة فإذا كان مؤجلا منجما كان ملتزما تسليم ما يقدر على تسليمه فيصح و إذا كان حالا فانما يلتزم تسليم ما لا يقدر على تسليمه فلا يصح العقد توضيحه أن صفة الحلول تفوت ما هو المقصود بالكتابة لانه يثبت للمولى حق المطالبة عقيب العقد و العبد عاجز عن الاداء و يتحقق عجزه بفسخ العقد فيفوت ما هو المقصود و كل وصف يفوت ما هو المقصود بالعقد يجب نفيه عن العقد و ذلك لا يكون الا بالتنجيم و التأجيل قال و هذا بخلاف السلم على أصله فان المسلم اليه قبل العقد كان من أهل الملك و العاقل لا يلتزم الا تسليم ما يقدر على تسليمه فعرفنا قدرته على التسليم بهذا الطريق وهنا العبد قبل العقد لم يكن أهلا للملك فيتيقن بعجزه عن التسليم في الحال و لان بعقد السلم يدخل ملك السملم اليه بدل بقدرته على تسليم المسلم فيه في الحال و هو رأس المال وهنا بالعقد لا يدخل في ملك العبد شيء بقدرته على تسليم البدل في الحال ( و حجتنا ) في ذلك أن البدل في باب الكتابة معقود به كالثمن في باب البيع و القدرة على تسليم الثمن ليس بشرط لصحة الشراء فالقدرة على تسليم البدل في باب الكتابة مثله و هذا لان العقد انما يرد على المعقود عليه فتشرط القدرة على تسليم المعقود عليه و لهذا لا يجوز البيع الابعد أن يكون المبيع
مملوكا للبائع مقدور التسليم له و لهذا شرطنا الاجل في السلم لان المسلم فيه معقود عليه و هو مقدور التسليم في الحال لانه مملوك للمسلم اليه و قدرته على التسليم لا تتحقق الابملكه فلا يجوز الامؤجلا ليثبت قدرته على التسليم بالتحصيل في المدة و لان الكتابة عقد ارفاق فالظاهر ان المولى لا يضيق على المكاتب و لا يطالبه بالاداء ما لم يعلم قدرته عليه الا انه لا يذكر الاجل ليكون منفضلا في تأخير المطالبة منعما عليه كما كان في الاصل العقد و ليمتحنه بما تفرس فيه من الخير حتى إذا تبين له خلافه تمكن من فسخ العقد و به فارق السلم لانه مبنى على الضيق و المماكسة فالظاهر انه لا يؤخر عنه بعد توجه المطالبة له اختيارا فلهذا لا يجوز الا بذكر الاجل ليثبت به قدرته على التسليم ثم يعتق المكاتب بأداء المال سواء قال له إذا أديت إلى فأنت حر أو لم يقل له و للشافعي قول انه لا بد من أن يضمر هذا بقلبه و يظهر بلسانه و هذا بعيد لما بينا ان العتق عند الاداء حكم العقد و ثبوت الحكم بثبوت السبب و القصد إلى الحكم و التكلم به بعد مباشره العقد ليس بشرط كما في البيع فان إضمار التمليك بالقلب و إظهاره باللسان ليس بشرط لثبوته عنده مباشرة البيع فهذا مثله و ان عجز عن أول نجم منها أو كانت حالة فلم يؤدها حين طالبه بها رد في الرق لتغير شرط العقد و تمكن الخلل في مقصود المولى و قد بينا خلاف أبى يوسف في كتاب العتاق و يستوى ان شرط ذلك في الكتابة أو لم يشرط و حكي ابن أبى ليلي قال هذا إذا شرط عند العقد ان يرده في الرق إذا كسرنجما فان لم يشترط ذلك فما لم يكسر نجمين لا يرد في الرق و هذا فاسد لان تمكن الخلل فيما هو مقصود العاقد يمكنه من الفسخ سواء شرط ذلك في العقد أو لم يشترط كوجود العيب بالمبيع و هذا لان موجب العقد الوفاء بمقتضاه و بدونه ينعدم تمام الرضا و انعدام تمام الرضا في العقد المحتمل للفسخ يمنع ثبوت صفة اللزوم و العاقد في العقد الذي لا يكون لازما متمكن من الفسخ شرط ذلك أو لم يشترط كما في الوكالة و الشركة فان كاتبه على ألف منجمة فان عجز عن نجم فمكاتبته الفا درهم لم تجز هذه المكاتبة لان هذا العقد لا يصح إلا بتسمية البدل كالبيع و فى باب البيع لا تصح التسمية بهذه الصفة لكونها مترددة بين الالف و الالفين فكذلك في المكاتبة و هذا في معنى صفقتين في صفقة واحدة و قد ورد النهي في ذلك ثم فيه تعليق وجوب بعض البدل بالخطر و هو عجزه عن اداء نجم و هذا شرط فاسد تمكن فيما هو من صلب العقد و هو البدل فيفسد به العقد و قد قررنا هذا الاصل في العتاق و ان كاتبه على ألف
درهم على نفسه و ماله و للعبد ألف درهم أو أكثر فهو جائز و لا يدخل بينه و بين عبده ربا قال عليه الصلاة و السلام لا ربابين العبد و سيده ثم مقصود المولى الارفاق بعبده و اشتراط مال العبد للعبد في الكتابة يحقق هذا المقصود لانه كما لا يتمكن من الكسب الابمنافعه لا يتمكن من تحصيل الربح الا برأس مال له فلتحقق معني الارفاق صح اشتراط ماله له و الربا هو الفضل الخالي عن العوض و المقابلة إذا كان مستحقا بمعاوضة محضة فما يكون بطريق الارفاق كما قررنا لا يكون ربا فان كان في يده مال سيده لم يدخل ذلك في الكتابة لا نه شرط له في العقد ما لا مضافا اليه و اضافة المال إلى المرء اما ان يكون بكونه ملكا له أو لكونه كسبا له و العبد ليس من أهل الملك فالإِضافة اليه لكونه كسبا له بل يده فيه يد مولاه فهو كسائر الاموال التي في يد المولى و انما يدخل في هذه التسمية كسبه من مال و رقيق و غير ذلك لانه مضاف اليه شرعا قال عليه الصلاة و السلام من باع عبدا و له مال و كذلك ما كان سيده وهبه له أو وهبه له غيره بعلمه أو بغير علمه لان ذلك كله كسبه فانه حصل له بقبوله و عدم علم المولى لا يخرجه من أن يكون كسبا له فيدخل ذلك كله في هذه التسمية ثم موجب عقد الكتابة ان يكون هو أحق بكسبه و اشتراط ما اكتسبه قبل العقد ليس من جنس ما هو موجب العقد فيكون داخلا في هذا الايجاب فاما مال المولى الذي ليس من كسب العبد ليس بجنس ما هو موجب العقد فلا يستحقه بهذه التسمية و ان كاتبه على أن يخدمه شهرا فهو جائز استحسانا و فى القياس لا يجوز لان الخدمة معلومة و فيما لا يصح الا بتسمية البدل لابد من أن يكون المسمى معلوما ثم خدمته مستحقة لمولاه بملكه رقبته و انما يجوز عقد الكتابة إذا كان يستحق به المولى ما لم يكن مستحقا له و لكنه استحسن فقال أصل الخدمة معلوم بالعرف و مقداره ببيان المدة و انما تكون الجهالة في الصفة و ذلك لا يمنع صحه تسميته في الكتابة كما لو كاتبه على عبد أو ثوب هروى ثم المولى و ان كان يستخدمه قبل الكتابة فلم يكن ذلك دينا له في ذمة العبد و بتسميته في العقد يصير واجبا له في ذمته فهو بمنزلة الكسب كان مستحقا لمولاه قبل العقد و انما يؤدى بدل الكتابة من ذلك الكسب و لكن لما كان وجوبه في الذمة بالتسمية في العقد صح العقد بتسميته و كذلك ان كاتبه على أن يحفر له بئرا قد سمى طولها و عرضها و أراه مكانها أو على أن يبني له دارا قد أراه أجرها و جصها و ما يبني بها فهو على القياس و الاستحسان الذي قلنا و ان كاتبه على أن يخدم رجلا
شهرا فهو جائز في القياس لان المولى انما يشترط الخدمة لنفسه ثم يجعل غيره نائبا في الاستيفاء فهو و اشتراطه الاستيفاء بنفسه سواء الا أنه قال هنا يجوز في القياس بخلاف الاول لان خدمته لم تكن مستحقة لذلك الرجل قبل العقد و انما تصير مستحقة بقبوله بالعقد فأما خدمته لمولاه و حفر البئر و بناء الدار كان مستحقا له قبل العقد بملك رقبته و ذلك الملك يبقى بعد الكتابة فبهذا الحرف يفرق بينهما في وجه القياس و ان كاتبه على ألف درهم يؤديها إلى غريم له فهو جائز لانه شرط المال لنفسه بالعقد ثم أمره بأن يقضى به دينا عليه و جعل الغريم نائبا في قبضه منه و قبض نائبه كقبضه بنفسه و كذلك ان كاتبه على ألف درهم يضمنها لرجل عن سيده فالكتابة و الضمان جائزان و هذا ليس بضمان هو تبرع من المكاتب بل هو التزام أداء مال الكتابة إلى من أمره المولى بالاداء اليه و لا فرق في حقه بين أن يلتزم الاداء إلى المولى و بين أن يلتزم الاداء إلى من أمره المولى بالاداء اليه و ان ضمن لرجل ما لا بغير اذن سيده سوي الكتابة لم يجز لانه انما يضمن المال ليؤديه من كسبه و كسبه لا يحتمل التبرع فكذلك التزامه بطريق التبرع ليؤديه من كسبه لا يجوز و هذا لانه بقي عبدا بعد الكتابة و لا يجب المال في ذمة العبد الا شاغلا لمالية رقبته أو كسبه فإذا كان بطريق التبرع لم يكن شغل كسبه فلا يثبت دينا في ذمته للحال و كذلك ان أذن له المولى في ذلك لان المولى ممنوع من التبرع بكسبه فلا يعتبر اذنه في ذلك و به فارق القن فانه لو كفل باذن مولاه صح لان المولى مالك للتبرع بمالية رقبته و كسبه فإذا إذا أذن له في هذا الالتزام يثبت المال في ذمته متعلقا بمالية رقبته فكان صحيحا و ان ضمن عن السيد لغريم له بمال على أن يؤديه من المكاتبة أو قبل الحوالة به فهو جائز لانه لا يتحقق معنى التبرع في هذا الالتزام فانه مطلوب ببدل الكتابة سواء كان طالبه به المولى أو المضمون له و لان دين الكتابة وجب في ذمته شاغلا لكسبه حتى يؤديه من كسبه فما يلتزم اداؤه من الكتابة فهو متمكن من اداء ذلك من كسبه فلهذا صح هذا الضمان و ان كاتبه على مال منجم ثم صالحه على أن يجعل بعضها و يحط عنه ما بقي فهو جائز لانه عبده و معنى الارفاق فيما يجرى بينهما أظهر من معنى المعاوضة فلا يكون هذا مقابلة الاجل ببعض المال و لكنه أرفاق من المولى بحط بعض البدل و هو مندوب اليه في الشرع و مساهلة من المكاتب في تعجيل ما بقي قبل حل الاجل ليتوصل به الي شرف الحرية و هو مندوب اليه في الشرع أيضا بخلاف ما لو جرت