مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 26 -صفحه : 29/ 21
نمايش فراداده

(133)

ذمى ثم بلغه انه فارس من فرسان العرب فكتب فيه ان لا يقتل يعنى يسترضوا الاولياء فيصالحوا على الدية و ان عبيد الله بن عمر لما قتل هرمزان بتهمة دم أبيه استقر الامر على عثمان فطلب منه علي رضى الله عنه أن يقتص من عبد الله و كان يدافع في ذلك أياما ثم قال هذا رجل قتل أبوه بالامس فأنا أستحى أن أقتله اليوم و ان هرمزان رجل من أهل الارض أنا وليه أعفو عنه و أؤدى الدية فهذا اتفاق منهما علي وجوب القصاص و قضى على رضى الله عنه بالقصاص على مسلم بقتل ذمى ثم رأى الولي بعد ذلك فقال ماذا صنعت قال انى رأيت أن أقتل أباه لا برد أخى و قد أعطونى المال فقال فلعلهم خوفوك فقال لا فقال علي رضى الله عنه انما أعطيناكم الدية و تبذلون الجزية لتكون دماؤكم كدمائنا و أموالكم كأموالنا و المعنى فيه ان دم الذمي مضمون بالقصاص حتى إذا كان القاتل ذميا يلزمه القصاص به بالاجماع و ذلك دليل علي انتفاء الشبهة المبيحة عن الدم و بعد انتفاء الشبهة يستوى أن يكون القاتل مسلما أو ذميا و لا يدخل عليه الاب إذا قتل ابنه لان امتناع وجوب القود عليه عندنا ليس لقيام الشبهة في دم الابن بل لان فضيلة الابوة تخرج الولد من أن يكون مستوجبا القود على والده كما يمنعه من قتله شرعا و ان كان الاب مباح الدم بان كان مرتدا أو حربيا أو زانيا و هو محصن و الدليل على أن الابوة إذا طرأت تمنع استيفاء القصاص و الشبهة انما تؤثر إذا اقترنت بالسبب الموجب و حيث كان طريان الابوة مانعا من الاستيفاء عرفنا ان المعنى فيه ما ذكرنا فاما المستأمن إذا قتل مستأمنا ففى وجوب القصاص على المسلم بقتل المستأمن قياس أو استحسان في القياس يلزمه القصاص ذكره في هذا الكتاب و هو روياة أحمد بن عمران أستاذ الطحاوي عن أصحابنا و رواه ابن سماعة عن أبى يوسف فقالوا ما ذكره في السير بناء على جواب القياس ان الشبهة المبيحة عن الدم تنفى بعقد الامان فلا جرم يجب القصاص بقتله على المستأمن و المسلم جميعا فأما على جواب الاستحسان فيقول بقيت الشبهة المبيحة في دمه و هو كونه حربيا لانه ممكن من الرجوع الي دار الحرب فجعل في الحكم كانه في دار الحرب فلا يجب القصاص بقتله على أحد سواء كان القاتل مستأمنا أو ذميا أو مسلما و لان الذمي محقون الدم علي التأبيد فيجب القصاص بقتله على المسلم كالمسلم و تحقيقه أن القصاص يعتمد المساواة في الحياة لانه ازهاق الحياة و هو مشروع لحكمة الحياة و انما تتحقق المساواة في ذلك شرعا لوجود التساوى في حقن الدم و قد وجد ذلك بين المسلم و الذمى فان حقن كل واحد منهما مؤبد بسبب مشروع و هو عقد الذمة

(134)

خلف عن الاسلام في معنى الحقن و الخلف يعمل عمل الاصل عند عدم الاصل و هذا الحقن و التقوم انما يثبت بالاحراز و الاحراز بكون بالدار لا بالدين لان الاحراز بالدين انما يكون في حق من يعتقده فأما الاحراز بقوة أهل الدار فيكون في حق الكل و الذمى في الاحراز مساو للمسلم لانه من أهل دارنا حقيقة و حكما و الدليل عليه أن الاحراز يؤثر في المال و النفس جميعا ثم في المال إحراز الذمي كاحراز المسلم حتى يجب القطع بسرقة مال الذمي وحد السرقة أقرب إلى السقوط عند تمكن الشبهة من القصاص و لا يدخل عليه المقضي عليه بالرجم لانا لا نقول يباح قتله لنقصان في إحراز كل جزء على جريمته فأما الاحراز فقائم في المال و النفس جميعا و هاهنا ان سلم لنا ان الاحراز في حق المسلم و الذى سواء يتضح الكلام فانه لا يمكنه أن يدعى بعد ذلك بقاء الشبهة بسبب إصراره علي الكفر لان المبيح كان هو القتال دون الكفر كما قال الله تعالي فان قاتلوكم فاقتلوهم و لما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم إمرأة مقتولة قال هاه ما كانت هده تقاتل فلم قتلت و القتال ينعدم بالاحراز في حق الذمي أصلا كما ينعدم في حق المسلم و قد قررنا هذا في السير و إذا ثبت انتفاء الشبهة و المساواة في الاحراز ثبتت المساواة بينهما في حكم القصاص فلا يجوز أن تكون فضيلة الاسلام في القاتل مانعا لان طريان هذه الفضيلة لا تمنع الاستيفاء فلو كان اقترانها بالسبب يمنع الوجوب لكان طريانها يمنع الاستيفاء كفضيلة الابوة و فضيلة الاسلام في المنكوحة فانه لما كان يمنع ابتداء النكاح عليها للكافر يمنع الوطء إذا طرأ بعد النكاح فاما المسلم إذا قتل مستأمنا فلا قصاص عليه على طريق الاستحسان لانعدام المساواة في الاحراز فالمستأمن غير محرز نفسه بدار الاسلام على التأبيد و لهذا لا يوجب القطع بسرقة ماله لبقاء الشبهة المبيحة و هي المحاربة فانه ممكن من أن يرجع إلى دار الحرب فيعود حربا للمسلمين و بهذا الطريق نقول لا يقتل الذمي بالمستأمن أيضا خلافا للشافعي لان الذمي محرز نفسه بدارنا علي التأبيد فلا تتحقق المساواة بينه و بين المستأمن فأما الآيات في نفى المساواة بين الكفار و المؤمنين فالمراد بها في أحكام الآخرة و ذلك مبين في آخر كل آية و أما قوله عليه السلام المسلمون تتكافؤ دماؤهم فمن أصلنا أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفى ما عداه فلا يكون هذا بيان أن دماء المسلمين لا تكافئ دماء المسلمين و أما قوله عليه السلام لا يقتل مؤمن بكافر فهو مجري على ظاهره بالاتفاق لان القاتل إذا أسلم يقتل قصاصا و فيه قتل مؤمن بكافر ثم المراد به الحربي يعنى من لا يحل قتله من أهل الحرب كالنساء و الصبيان فانه لا يقتل

(135)

المؤمنون بهم بدليل قوله و لا ذو عهد في عهده أي و لا يقتل ذو العهد بالكافر و انما لا يقتل ذو العهد بالكافر الحربي فان قيل هذا ابتداء أى لا يقتل ذو العهد في مدة عهده قلنا ابتداء الواو حقيقة للعطف خصوصا فيما لا يكون مستقلا بنفسه فان قيل قد روى و لا بذى عهد فيفهم منه أن المؤمن لا يقتل بذى العهدة قلنا ان ثبتت هذه الرواية فهي محمولة على المستأمن و به نقول ان المسلم لا يقتل بالمستأمن و كذلك لو اجتمع نفر من المسلمين على قتل ذمى قتلوا به لانهم في حكم القصاص كالمسلمين و كل قطع من مفصل ففيه القصاص في ذلك الموضع لان المعتبر في القصاص المساواة و في القطع من المفاصل يمكن اعتبار المساواة فيجب القصاص فأما كل قطع لا يكون من مفصل بل يكون بكسر العظم فانه لا يجب القصاص فيه عندنا و في أحد قولى الشافعي يجب القصاص لان القصاص مشروع لمعنى الزجر و الجناية بغير حق في الغالب انما تكون بهذه الصفة و قل ما يكون من المفصل فلو قلنا لا يجب القصاص في ذلك أدى إلى إبطال الحكمة و لكنا نستدل بقوله عليه السلام لا قصاص في العظم و لانه لا تتأتى مراعاة المساواة في العظام لانه لا ينكسر في الموضع الذي بري كسره و بدون اعتبار المساواة لا يجب القصاص ما خلا السن فالقصاص يجب فيه و قد بيناه و لا تقطع اليسار باليمين و لا اليمين باليسار و لا اليد بالرجل و لا الابهام بغيرها من الاصابع و لا أصبع من يد باصبع من الرجل لانعدام المساواة بين هذه الاعضاء فان فيما هو المقصود بها لا مساواة يعنى مقصود منفعة البطش في اليد و العمل بها و بين اليمين و اليسرى في ذلك تفاوت و كذلك في الخلقة و الهيئة يظهر التفاوت بين الابهام و غيرها من الاصابع و بين اليد و الرجل و أصابع اليد و أصابع الرجل فيمتنع جريان القصاص بينهما و لا يقتص من عظم ما خلا السن و الاصل في جريان القصاص في الاسنان قوله تعالي و ألسن بألسن و روى أن الربيع عمة أنس بن مالك كسرت سن جارية فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقصاص فقاله أنس بن النضر أو يكسر سن الربيع بسن جارية فرضوا بالارش فقال عليه السلام ان لله عبادا لو أقسموا عليه لا برهم منهم أنس بن النضر و الاصل في جريان القصاص فيما دون النفس اعتبار المماثلة في الفعل و فى المحل اما المأخوذ بالفعل فلان المماثلة في ضمان العد و ان منصوص عليها فيجب اعتبارها في كل ما يتأتى والمتأتى اعتبار المماثلة في هذه الاشياء و يعنى بالمماثلة في المأخوذ بالفعل المساواة في المنفعة و المساواة في البدل لان التفاوت في المنفعة المقصودة دليل اختلاف الجنس و ان

(136)

اتحد الاصل فلان تنعدم المماثلة أولى و لهذا لا تقطع اليمين باليسار و التفاوت في البدل دليل ظاهر على انعدام المساواة لان البدل بمقابلة المبدل و هو قيمته فالتفاوت فيه دليل على التفاوت في المبدل و على هذا الاصل قال علماؤنا رحمهم الله لا يجرى القصاص بين الرجال و النساء في الاطراف و قال ابن أبى ليلي يجرى و هو قول الشافعي و يسلكون في الباب طريقا سهلا و هو اعتبار الاطراف بالنفوس لانها تابعة للنفس و ثبوت الحكم في التبع بثبوته في الاصل فكما يجرى القصاص بين الرجال و النساء في النفوس فكذلك في الاطراف و لكنا نقول لا مماثلة بين طرف الرجل و طرف المرأة في المنفعة و لا في البدل و المماثلة معتبرة في القصاص في الاطراف بدليل أن الصحيحة لا تستوفى بالشلاء للتفاوت بينهما في البدل و المنفعة و لا معنى لقولهم ان الشلاء ميتة لا روح فيها لان استيفاءها في القصاص جائز و بقطعها يتألم صاحبها و يجب حكومة العدل لقطعها فعرفنا ان الحياة فيها باقية و لكن التفاوت في البدل فلا تقطع الصحيحة بها بخلاف النفوس فالمعتبر هناك المساواة في الفعل حتى تستوفى النفس الصحيحة بالزمنة فان قيل التفاوت في البدل يمنع استيفاء الاكمل بالانقص و لا يمنع استيفاء الانقص بالاكمل حتى ان الشلاء تقطع بالصحيحة و عندكم في هذا الموضع لا تقطع يد المرأة بالرجل قلنا نعم إذا كان التفاوت بسبب حسى كالشلل و فوات بعض الاصابع فهو كما قلنا فأما إذا كان التفاوت بمعنى حكمى فانه يمنع استيفاء كل واحد منهما لصاحبه كالميين مع اليسار و هذا المعنى و هو ان في التفاوت إذا كان بنقصان حسى فمن له الحق إذا رضى بالاستيفاء يجعل هو بالعبض حقه مستوفيا لما بقي و ذلك جائز و لهذا لا يستوفى الاكمل بالانقص و ان رضى به القاطع لانه بالرضا يكون باذلا للزيادة و لا يجوز استيفاء الظرف بالبدل فاما إذا كان التفاوت لمعنى حكمى فلا وجه لتمكنه من الاستيفاء هاهنا بطريق إسقاط البعض و لا بطريق البدل و على هذا قال الشافعي تقطع يد العبد بيد الحر كما يقتل العبد بالحر و كذلك تقطع يد العبد بيد العبد كما يقتل أحدهما بالآخر قصاص و لا تقطع يد الحر بيد العبد كما لا يقتل الحر بالعبد عنده و عندنا لا يجرى القصاص بين العبيد و الاحرار و لا بين العبيد فيما دون النفس لانعدام المساواة في البدل أما فيما بين العبيد و الاحرار فظاهر و كذلك بين العبيد إذا اختلفت القيم فيهم و كذلك إذا استوت لان طريق معرفة القيمة الحزر و المماثلة المشروطة شرعا لا تثبت بطريق الحرز كالمماثلة في الاموال الربوية عند المقابلة بجنسها و لا يقال نصاب السرقة يعرف بالتقويم

(137)

و ان كان يتعلق به ما يندرئ بالشبهات فكذلك المماثلة في القيمة هاهنا لانا لا ننكر معرفة القيمة بالحزر و الظن و انما ننكر ثبوت المساواة بالحزر قطعا و في باب السرقة الحاجة إلى معرفة القيمة لا إلى المساواة و لا يقال إذا كانت قيمة كل واحد من العبدين أكثر من عشرة آلاف فهاهنا المساواة بينهما في البدل ثابتة شرعا و مع ذلك لا يجرى القصاص بينهما في الاطراف لان التقدير في بدل نفس العبد فاما بدل طرفه فلا يدخله التقدير شرعا و لكن تجب قيمته بالغة ما بلغت فيتحقق التفاوت بينهما فيه و بهذا تبين ان اطراف العبد يسلك بها مسلك الاموال و لا مدخل للقصاص في الاموال و على هذا الاصل قلنا يجرى القصاص بين المسلم و الذمى فيما دون النفس للمساواة بينهما في البدل و عند الشافعي يقطع طرف الذمي بطرف المسلم و لا يقطع طرف المسلم بطرف الذمي اعتبارا بالنفسية علي قوله و علي هذا الاصل لا يقطع يدان بيد واحدة عندنا للتفاوت في البدل و التفاوت في المقدار و تأثير التفاوت في المقدار فيما يعتبر فيه المماثلة أكثر من تأثير التفاوت في الصفة ( ألا ترى ) ان في الاموال الربوية التفاوت في المقدار يمنع جواز العقد و التفاوت في الصفة لا يمنع ثم التفاوت في الصفة هاهنا يمنع استيفاء الاكمل بالانقص كالصحيحة بالشلاء فالتفاوت في المقدار أولى و عند الشافعي يقطع يدان بيد واحدة إذا وضعا السكين من جانب واحدة اعتبار اللقصاص في الطرف بالقصاص في النفس الا أن في الاطراف إذا وضع أحدهما السكين من جانب و الآخر من جانب و امرا حتى التقي السكينان يجب القصاص لان القتل ازهاق للحياة و هو لا يحتمل الوصف بالتجزي بحال فباختلاف محل الفعل لا يثبت التجزى بل كل واحد منهما قاتل على الكمال كما لو اتحد محل فعلهما فاما القطع فانه جزء محسوس و ذلك يتنوع نوعين نوع منه يتجزأ و هو عند اختلاف محل الفعل لانه لو لم يوجد من كل واحد منهما امرار السلاح الا على بعض العضو و نوع منه لا يحتمل الوصف بالتجزي و هو ما اتحد محل الفعل لان كل واحد منهما أمر السلاح على جميع العضو ( ألا ترى ) أنه لا يمكن أن يشار إلى شيء من المحل فيقال القطع بفعل هذا دون فعل ذلك و عند اختلاف محل الفعل يقال هذا الجانب انقطع بفعل هذا و الجانب الآخر انقطع بفعل الآخر فإذا كان متجزئ كان قياس النفس يجعل كل واحد منهما قاطعا بجميع اليد حكما فيلزمه القصاص لا عتبار معنى الزجر كما يعتبر ذلك في النفس و الدليل على الفرق ان عند تميز محل الفعل يجب على كل واحد منهما حكومة العدل و عند اتحاد محل يجب على كل واحد منهما عندكم

(138)

نصف دية اليد في ماله و كذلك قلتم لو أن محرمين قتلا صيدا بضربة واحدة فان على كل واحد منهما قيمته صحيحا و لو جرحه كل واحد منهما في محل علي حدة ضمن كل واحد منهما قيمته مجروحا بجراحة صاحبه فيه يتضح هذا الفرق و لكنا نقول كل واحد منهما قاطع بعض اليد سواء اختلف محل الفعل أو اتحد لان القطع هو الفعل بين متصلين و لهذا يطلق هذا الاسم على الخشب و النبات و الجبال و نحن يتيقن ان ما انقطع بفعل أحدهما لم ينقطع بفعل الا آخر و لا معتبر بإمرار كل واحد منهما السلاح على جميع العضو لان امرار السلاح من حصول القطع به وجوده كعدمه و ما انقطع بقوة أحدهما لم ينقطع بقوة الآخر هذا شيء يعرفه كل عاقل فعرفنا ان كل واحد منهما قاطع بعض اليد و لا يجوز أن يقطع جميع يده بقطعه بعض اليد لان المساواة في الفعل معتبرة لا محالة و الدليل عليه أن القطع في الجملة مما يحتمل الوصف بالتجزي و ما يحتمل الوصف بالتجزي إذا اشترك فيه اثنان يضاف إلى كل واحد منهما بعضه و ان حصل على وجه متجزى كما لو اشتركا في تمزيق ثوب أو في استهلاك درة أو في جمل حبسه يضاف نصفه إلى كل واحد منهما و ان حصل على وجه متجزى فاما النفس فالقياس فيها هكذا و لكن تركنا القياس بالاثر و هو حديث عمر و المخصوص من القياس بالاثر لا يلحق به الا أن يكون في معناه من كل وجه لان الفعل في النفس لا يحتمل الوصف بالتجزي بحال و الفعل في الطرف يحتمل الوصف بالتجزي ( ألا ترى ) أنه يتحقق أن يقطع بعض اليد و يترك ما بقي و في النفس لا يتحقق ازهاق بعض الحياة دون البعض فلعدم احتمال التجزى هناك يجعل كاملا في حق كل واحد منهما و لا حتمال التجزى هاهنا يجعل كل واحد منهما قاطعا للبعض يوضح الفرق ان الفعل في النفس يكمل بسراية فعله فانه لو جرح فسرى إلى النفس كان مباشرا قتله و الفعل في الطرف لا يكمل بسراية الفعل و انه لو قطع فسرى إلى ما بقي حتى سقط لا يلزمه القصاص و سراية فعله أقرب إلى فعله من فعل شريكه فإذا لم يجز تكميل فعله بسراية فعله في حكم القصاص فلان لا يجوز تكميله بفعل شريكه أولى و لا معنى لا عتبار الزجر فان معنى الزجر معتبر بعد وجود المماثلة بدليل انه لا تقطع يد الحر بيد العبد و لا الصحيحة بالشلاء لانعدام المماثلة و ان وقعت الحاجة إلى الزجر و لان المشتركين في أدنى ما يتعلق به القطع لا يلزمهما القطع كما لو اشترك رجلان في سرقة نصاب واحد لا يقطع واحد منهما و ان كان المسروق درة لا تحتمل التجزي و به فارق النفس فان المشتركين في أدنى

(139)

ما يوجب القتل حقا لله تعالى يلزمهما القتل نحو ما إذا اشتركا في قتل رجل في قطع الطريق فيعتبر حق العبد بحق الله تعالى في الفصلين جميعا و إذا ثبت أنه لا يجب القصاص عليهما قلنا يجب علي كل واحد منهما نصف دية اليد في ماله لانا نتيقن أن كل واحد منهما قاطع للنصف والفمل عمد و كذلك إذا وضع كل واحد منهما السكين من جانب فانا ان علمنا أن كل واحد منهما قطع نصف اليد يلزمه نصف الدية و انما يصار إلى حكومة العدل إذا لم يعلم أن كل ما قطعه كل واحد منهما قدر النصف و لو قطع رجل يد رجل من نصف الساعد أو رجله من نصف الساق عمدا لم يكن عليه في ذلك قصاص لانه لا يمكن اعتبار المماثلة في الفعل و المحل فان فعله كان في كسر العظم دون القطع من المفصل و فيما يلزمه من الدية و حكومة العدل اختلاف بين أصحابنا و قد تقدم بيانه و لو قطع رجل يدى رجل اليمنى و اليسرى قطعت يداه بهما و كذلك ان قطعهما من واحد لان المماثلة المشروطة في الفعل و المحل و المأخوذ بالفعل موجود فان قيل هو ما فوت على كل واحد منهما منفعة الجنس و إذا قط منا يده كان فيه تفويت منفعة الجنس فلا يتحقق المماثلة قلنا في حق كل واحد منهما يعتبر ما يستوفيه هو و ليس في استيفائه منفعة الجنس ثم هذا المعنى انما يعتبر في السرقة لان تفويت منفعة الجنس استهلاك حكما و الاستهلاك الحقيقي في حد السرقة مشروع فكذلك الحكمي فأما في القصاص فالاستهلاك الحقيقي مشروع إذا كانت المماثلة فيه فكذلك الاستهلاك الحكمي و لو قطع رجل يمينى رجلين قطعت يمينه بهما و غرم دية يد منهما عندنا سواء قطعهما معا أو على التعاقب و قال الشافعي ان قطعهما على التعاقب يقطع بالاولى منهما و للثاني الارش و ان قطعهما معا يقرع بينهما و يكون القصاص لمن خرجت قرعته و الارش للاخر لانه حين قطع يد أحدهما فقد صارت مشغولة بحقه مستحقة له قصاصا و المشغول لا يشغل كمن رهن عينا من إنسان و سلمها اليه ثم رهنها من آخر فانه لا يصلح الثاني مع بقاء حق الاول وهنا حق الاول باق فمنع ذلك ثبوت حق الثاني في اليد بخلاف ما إذا عفى الاول لان المانع قد زال اذ لم يبق له حق في المحل و كذلك إذا بادر الثاني و استوفى لانه لم يبق للاول حق في المحل لفواته فكان الثاني مستوفيا حقه فإذا حضرا جميعا فحق الاول قائم فيترجح بالسبق و الدليل عليه أنه ليس في عينه وفاء بحقهما بالاتفاق حتى ان عندكم يقضى بأرش يد بينهما و ان قطعا جميعا و لو كان في عينه وفاء بحقهما لم يجب لهما شيء آخر بعد استيفائه كما قلتم في النفس إذا ثبت أن في عينه وفاء بحق أحدهما لم يكن بد