مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 26 -صفحه : 29/ 29
نمايش فراداده

(189)

المباشرة لان القتل انما حصل بفعله حين كان هو على الدابة التي وطئت فتجب عليه الكفارة و على عاقلته الدية و ان نفحته برجلها و هي تسير فلا ضمان على الراكب لقوله عليه السلام الرجل جبار أى هدر و المراد نفحة الدابة بالرجل و هي تسير و هذا لانه ليس في وسعه التحرز من ذلك لان وجه الراكب أمام الدابة لا خلفها و كذلك النفحة بالذنب ليس في وسعه التحرز عن ذلك و قال ابن أبى ليلي هو ضامن لجميع ذلك و قاس الذي يسير على الدابة بالذي أوقف دابته في الطريق فنفحت برجلها أو يدها فكما ان هناك يجب ضمان الدية على عاقلته فكذلك هنا و لكنا نقول في الفرق بينهما هو ممنوع من إيقاف الدابة على الطريق لان ذلك مضر بالمارة و لان الطريق ما أعد لايقاف الدواب فيه فيكون هو في شغل الطريق بما لم يعد الطريق له متعديا و المتعدى في التسبب يكون ضامنا فلهذا يسوى فيه بين ما يمكن التحرز عنه و بين ما لا يمكن و هذا لانه ان كان لا يمكن التحرز عن النفحة بالرجل و الذنب فهو يمكنه التحرز عن إيقاف الدابة بخلاف الاول فان السير على الدابة في الطريق مباح له لان الطريق معد لذلك و لانه لا يضر بغيره و هو محتاج إلى ذلك فربما لا يقدر على المشي فيستعين بالسير على الدابة و إذا لم يكن نفس السير جناية قلنا لا يلزمه ضمان ما لا يستطاع الامتناع منه ( ألا ترى ) ان الماشي في الطريق لا يكون ضامنا لما ليس في وسعه الامتناع منه بخلاف الجالس و النائم في الطريق و لو كدمت أو صدمت أو خبطت أو ضربت بيدها إنسانا و هو يسير عليها فذلك كله مما يمكن التحرز عنه فيكون موجبا للدية على عاقلته بمنزلة ما لو وطئت الا أن هذه الاسباب لا تلزمه الكفارة عندنا لان الكفارة جزاء مباشرة القتل فلا تجب بالتسبب علي ما نبينه و ان ضربت بحافرها حصاة أو نواة أو حجرا أو شبه ذلك فأصاب إنسانا و هي تسير فلا ضمان عليه لان هذا لا يمكن التحرز عنه فهو بمنزلة التراب و الغبار المنبعث من سنابكها إذا فقأ عين إنسان الا أن يكون حجرا كبيرا فيضمن لان ذلك مما يستطاع الامتناع منه و انما ينبعث الحجر الكبير بخرق منه في السير و لو راثت أو بالت في السير فعطب إنسان بذلك لم يكن عليه ضمان لانه لا يمكن التحرز عن ذلك قالوا و كذلك إذا وقفت لتبول أو لتروث لان من الدواب ما لا يفعل ذلك حتى يقف فهذا مما لا يستطاع الامتناع عنه و كذلك اللعاب يخرج من فيها و لو وقع سرجها أو لجامها أو شيء محمول عليها من اداتها أو متاع الرجل الذي معه يحمله فأصاب إنسانا في السير كان ضامنا لان هذا مما يمكن التحرز عنه و انما سقط

(190)

لانه لم يشد عليها أو لم يحكم ذلك فكأنه ألقاه بيده على الطريق و كذلك من عطب به بعد ما وقع علي الارض فان عثر به أو تعقل فهو ضامن له بمنزلة ما لو وضعه بيده علي الطريق و الراكب و الرديف و السائق و القائد في الضمان سواء لان الدابة في أيديهم و هم يسيرونها و يصرفونها كيف شاؤوا و ذلك مروى عن شريح رحمه الله الا أنه لا كفارة على السائق و القائد فيما وطئت لانهما مسببان للقتل و الكفارة جزاء مباشرة القتل قأما الراكب و المرتدف فمباشر ان القتل بفعلهما فعليهما الكفارة كالنائم اذا انقلب علي إنسان فقتله و إذا أوقف دابته في طريق المسلمين أو في دار لا يملكها بغير اذن أهلها فما أصابت بيد أو رجل أو ذنب أو كدمت أو سأل من عرقها أو لعابها علي الطريق فزلق به إنسان فضمان ذلك على عاقلته لانه متعد في هذا التسبيب فانه ممنوع من إيقاف الدابة في ملك غيره بغير اذنه و كذلك في طريق المسلمين هو ممنوع من إيقاف الدابة خصوصا إذا كان يضر بالمار و لكن لا كفارة عليه لانعدام مباشرة القتل منه و إذا أرسل الرجل دابته في الطريق فما أصابت في وجهها فهو ضامن له كما يضمن الذي سار به و لا كفارة عليه لانه سائق لها ما دامت تسير على سنن إرساله فإذا عدت يمينا أو شمالا فلا ضمان عليه لانها تغيرت عن حالتها أنشأت سير آخر باختيارها فكانت كالمنفلتة الا أن لا يكون لها طريق الذي أحدثت فيه فحينئذ يكون ضامنا على حاله لانه انما سيرها في الطريق الذي يمكنه أن يسير فيه و انما سارت في ذلك الطريق فكان هو سائقا لها و وقفت ثم سارت فيه بري الرجل من الضمان إذا لانها لما وقفت فقد انقطع حكم إرساله ثم أنشأت بعد ذلك سيرا باختيارها في كالمنفلتة فان ردها فالذي ردها ضامن لما أصابت في فورها ذلك لانه سائق لها في الطريق الذي ردها فيه و إذا حل عنها و أوقفها ثم سارت هي فلا ضمان عليه لان حكم فعله قد انقطع بما أنشأت من السير باختيارها قال و إذا اصطدم الفارسان فوقعا جميعا فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية صاحبه عندنا استحسانا و في القياس على عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه و هو قول زفر و الشافعي وجه القياس ان كل واحد منهما انما مات بفعله و فعل صاحبه لان الاصطدام فعل منهما جميعا فانما وقع كل واحد منهما بقوته و قوة صاحبه فيكون هذا بمنزلة ما لو جرح نفسه و جرحه غيره و لكنا استحسنا لما روى عن على رضى الله عنه انه جعل دية كل واحد من المصطدمين علي عاقلة صاحبه و المعنى فيه ان كل واحد منهما موقع لصاحبه فكانه أوقعه عن الدابة بيده و هذا

(191)

لان دفع صاحبه إياه علة معتبرة xلاتلافه في الحكم فاما قوة المصطدم فلا تصلح أن تكون علة معارضة لدفع الصادم فهو بمنزلة من وقع في بئر حفرها رجل في الطريق يجب الضمان علي الحافر و ان كان لو لا مشيه و ثقله في نفسه لما هوى في البئر و كذلك لو دفع إنسان غيره في بئر حفرها رجل في الطريق فالضمان علي الدافع دون الحافر و ان كان لو لا حفره لذلك الموضع لما أتلفه بدفعه و على هذا الاصل قالوا لو أن رجلين تجاذبا حبلا فانقطع الحبل فماتا جميعا فان مات كل واحد منهما بفعل صاحبه بأن وقع على وجهه فعلى عاقلة كل واحد منهما دية صاحبه لانه انما وقع علي وجهه بجذب صاحبه إياه و ان وقع كل واحد منهما علي قناه فلا شيء على واحد منهما لان سقوطه على قفاه بقوة نفسه لا بجذب صاحبه إياه و ان سقط واحد منهما على وجهه و الآخر على قفاه فدية الساقط على وجهه على عاقلة صاحبه و لو قطع إنسان الحبل بينهما فسقط كل واحد منهما على قفاه و مات فديتهما علي عاقلة القاطع للحبل لانه كالدافع لكل واحد منهما و لو كان الصبي في يد أبيه فجذبه رجل من يده فمات فديته على عاقلة الجاذب لان الاب محق في إمساكه و الجاذب متعد في تسبيبه و كذلك لو تجاذبا صبيا يدعي أحدهما انه ابنه و الآخر يدعي انه عبده فالدية علي عاقلة الذي يدعى انه عبده لان الشرع جعل القول قول من يدعيه ابنه فيكون هو محقا في إمساكه و الآخر متعديا في جذبه و لو جذب ثوبا من يد إنسان و هو يدعى انه ملكه فتخرق الثوب من جذبهما ثم أقام المدعى البينة انه كان له فله نصف قيمة الثوب على صاحبه لانه كان يكفيه الامساك باليد و ما كان يحتاج الي الجذب فيجعل التخريق محالا به علي فعلهما جميعا و لو عض ذراع إنسان فنزع ذراعه من فيه فسقطت إنسان العاض فهو هدر و لو انقطع لحم صاحب الذراع فارش ذلك علي العاض لانه محتاج إلى جذب الذراع من فيه فان العض يؤلمه و هو انما قصد دفع الالم عن نفسه فيكون محقا في الجذب و الآخر متعديا في العض و لو أخذ بيد إنسان فجذب صاحب اليد يده فعطبت يده فان كان أخذ بيده ليصافحه فلا ضمان على الذي أخذ لان الجاذب ما كان يحتاج إلى ما صنع فيكون هو الجاني على يد نفسه و ان كان أخذ يده ليعصره فالضمان على الآخذ لان الجاذب محتاج إلى الجذب لدفع الالم عن نفسه و لو جلس على ثوب إنسان فقام صاحبة فتخرق الثوب من جذبه فالضمان على الجالس عليه لانه متعد في الجلوس على ذيل الغير بغير اذنه و الذى بينا في اصطدام الفارسين فكذلك الجواب في اصطدام الماشيين فان كان أحدهما حرا و الآخر عبدا فقيمة العبد على