مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 27 -صفحه : 29/ 27
نمايش فراداده

(175)

كان له أن يرجع على الورثة بثلث ما أخذوه بخلاف ما إذا قاسم على الورثة مع الموصى له لان الورثة يخلفون المورث في العين يبقى لهم الملك الذي كان للمورث و لهذا يرد الوارث بالعيب و يصير مغرورا فيما اشتراه مورثه و الوصي قائم مقام الموصى فيكون قائما مقام من يخلفه في ملكه و أما الموصى له فيثبت الملك له بإيجاب مبتدأ حتى لا يرد بالعيب و لا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى فلا يقوم الموصى مقامه في تعيين محل حقه و لكن ما هلك مما عزله يهلك على الشركة و ما بقي يبقى على الشركة و العزل انما يصح بشرط أن يسلم المعزول للموصى له و إذا أوصى أن يحجوا عنه وارثا لم يجز الا أن يجيزه الورثة لان فيه إيثاره بشيء من ماله لنفقته على نفسه و كما انه لا يجوز إيثاره بشيء من المال تمليكا منه بدون اجازة الورثة فكذلك اباحته له لنفقته على نفسه و لو أوصي بان يحج عنه بمائة درهم و أوصى بما بقي من ثلثة لفلان و أوصى بالثلث من ماله لاخر و الثلث بمائة درهم فنصف الثلث للحج و نصفه لصاحب الثلث لاستواء الوصيتين في القوة و المقدار و لا شيء لصاحب ما بقي لانه لم يبق من الثلث شيء و الايجاب بهذا اللفظ يتناول ما بقي و إذا لم يبق من الثلث شيء بطل الايجاب لانعدام المحل و هو بمنزلة العصبة مع أصحاب الفرائض فان للعصبة ما بقي بعد حق أصحاب الفرائض و إذا لم يبق شيء لم يكن له شيء بقول فان مات الموصى له بالثلث قبل موت الموصى فما بقي من الثلث للموصى له بما بقي لان وصية الموصى له بالثلث بطلت بموته قبل موت الموصى فكأنها لم تكن و لكن لا يصح هذا الجواب علي ما وضعه عليه في الابتداء ان الثلث مائة درهم لانه أوصى أن يحج عنه بمائة فيجب تنفيذ هذه الوصية أولا ثم لا يبقى من الثلث شيء لان ذلك لا يكون له بما بقي الا أن يكون الثلث أكثر من مائة فحينئذ يحج عنه بالمائة و الفضل للموصى له بما بقي و إذا كانت الوصايا لله تعالى لا يسعها الثلث مثل الحجة و النسمة و البدنة بدئ بالذي بدأ به ما خلا حجة الاسلام أو الزكاة أو شيأ واجبا عليه فانه يبدأ بالواجب و ان كان الميت أخره استحسن ذلك ودع القياس فيه و قد تقدم في ترتيب الوصايا من البيان ما هو كاف و الله أعلم بالصواب ( باب الوصية للوارث و الاجنبي و القاتل ) ( قال رحمه الله ) قد بينا أن الوصية للوارث لا تجوز بدون اجازة الورثة لقوله عليه السلام لا وصية لوارث إلى أن يجيزه الورثة فان أوصى لبعض ورثته و لاجنبي جازت حصة

(176)

الاجنبي و بطلت حصة الوارث لان الايجاب تناولها بدليل ان عند اجازة الورثة ثم الاستحقاق لهما فبطلانه في حصة الوارث بعدم الاجازة لا يبطل حصة الاجنبي و لا يزيد في نصيبه بخلاف الوصية لحى و ميت فالإِيجاب في حق الميت صحيح أصلا و هذا بخلاف الاقرار لوارثه و لاجنبي لان الاقرار اخبار عن واجب سابق و قد أقر بالمال مشتركا بينهما و لا يمكن إثباته بهذه الصفة لما فيه من منفعة الوارث و الوصية إيجاب مبتدأ و انما يتناول إيجابه نصف الثلث في حق كل واحد منهما فأمكن تصحيحه في نصيب الاجنبي كما أوجبه الموصى له و على هذا الوصية للقاتل و للاجنبي مع الاقرار لهما لان صفة القتل في المنع عن الوصية و الاقرار كصفة الوراثة على ما نبينه و لو أوصى له بشيء و هو وارث يوم أوصي ثم صار وارث أو كان وارث يوم الوصية ثم صار وارثا و مات الموصي انما ينظر إلى يوم يموت الموصى فان كان الموصى له وارثه لم تجز الوصية و ان لم يكن وارثه جازت الوصية لان الوصية عقد مضاف إلى ما بعد الموت و انما تحقق الوجوب له عند الموت و لان المانع صفة الوراثة و لا يعرف ذلك الا عند الموت لان صفة الوراثة لا تكون الا بعد بقاء الوارث حيا بعد موت المورث و كذلك الهبة في المرض و الكفالة فان ذلك في حكم الوصية حتى تعتبر من الثلث في حق الاجنبي و لا يصح للوارث أصلا و قد بينا الفرق بين هذا و بين الاقرار في كتاب الاقرار ان هناك ان صار وارثا بسبب تجدد الاقرار كان الاقرار صحيحا و ان ورثه بسبب كان قائما وقت الاقرار لم يصح الاقرار و إذا أوصى لمكاتب وارثه أو لعبد وارثه فهو باطل من أجل أن ذلك ينتفع به الوارث فان المولى يملك كسب عبده و له حق الملك في كسب مكاتبة و لو أوصى لمكاتبه و قد كاتبه في مرضه أو في صحته جازت الوصية لانه ليس في هذا منفعة لبعض الورثة دون البعض فانه ان أعتق فالوصية سالمة له و هو أجنبي و ان عجز فرقبته و كسبه يكون ميراثا بين جميع الورثة قال و بلغنا عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه انه لم يجعل للقاتل ميراثا و عن عمر رضى الله عنه مثله و عن عبيدة السلمانى رضى الله عنه قال لا يورث قاتل بعد صاحب البقرة و الوصية عندنا بمنزلة ذلك و لا وصية لقاتل أما الكلام في نفي الارث للقاتل فقد بيناه في الديات و أما الوصية للقاتل فلا تصح عندنا سواء أوصى له قبل الجراحة أو بعدها و قال مالك تصح الوصية له في الوجهين و قال الشافعي ان أوصى له قبل أن يجرحه بطلت الوصية بقتله إياه و ان أوصى بعد ما جرحه صحت الوصية وجه قول مالك ان هذا تمليك المال بالعقد فالقتل

(177)

لا يبطله كالتمليك بالبيع و الهبة و بان كان يبطل الارث لا يستدل على انه يبطل الوصية كالرق و اختلاف الدين فانه ينفى التوريث و لا يمنع الوصية و الفرق للشافعي من وجهين أحدهما انه ان كان الجرح بعد الوصية فالظاهر أن الموصى نادم على وصيته راجع عنها و إذا كانت الوصية بعد الجرح فلم يوجد بعد الوصية ما يدل على الرجوع عنها بل الظاهر انه قصد الانتداب إلى ما ندب اليه و هو مقابلة السيئة بالاحسان و الثاني انه إذا جرحه بعد الوصية فالموصى له قصد الاستعجال بفعل محظور فيعاقب بالحرمان كالميراث فأما إذا أوصى له بعد الجراحة فلم يتوهم قصد الاستعجال في تلك الجراحة و لا بعد الوصية فبقيت الوصية على حالها وجه قولنا ظاهر قوله عليه السلام ليس للقاتل شيء و يدخل الوصية و الميراث جميعا في عموم هذا اللفظ و قال و لا وصية لقاتل و لان الملك بالوصية يثبت بعد الموت فيكون معتبرا بالملك الثابت بالميراث و لا فرق بينهما في المعنى لان بطلان الوصية للوارث لدفع المغايظة عن سائر الورثة و بطلان الوصية للقاتل لهذا المعنى أيضا فانه يغيظهم أن يقاسمهم قاتل أبيهم تركة أبيهم بسبب الارث أو بسبب الوصية و في هذا المعنى لا فرق بين أن تتقدم الوصية على الجرح أو تتأخر عنه و به فارق الرق و الكفر فان الحرمان بهما لانعدام الاهلية للولاية لا لدفع المغايظة عن سائر الورثة و لا معتبر بالاهلية للولاية في الوصية و بخلاف سائر عقود التمليكات لانها لا تشابه الارث صورة و لا معنى و كذلك لو كان القاتل وارثا فأوصى لله له لم تجز الوصية و هذا تجوز في العبارة فان القاتل لا يكون وارثا و ان كان وارثا كالصبي و المعتوه و الوصية لمثل هذا القاتل تصح ثم الوجه فيه انه اجتمع فيه وصفان كل واحد منهما بانفراده يجزئ الوصية فاجتماعهما أولى فان أجازت الورثة الوصية للقاتل جازت في قول أبى حنيفة و محمد و لم تجز في قول أبى يوسف ذكر قوله في الزيادات لان الوصية أخت الميراث و لا ميراث للقاتل و ان أوصى به الورثة فكذلك الوصية و هذا لان الحرمان كان بطريق العقوبة حقا للشرع فلا يتغير ذلك بوجود الرضي من الورثة و الدليل عليه انه لو أوصى لحربي في دار الحرب لم تجز الوصية لتباين الدارين و ان أجازت الورثة و انما امتنعت الوصية للحربى لكونه محاربا حكما و القاتل محارب له حقيقة فلان لا تنفذ الوصية له بإجازة الورثة كان أولى وجه قولهما ان الوصية للقاتل أقرب إلى الجواز من الوصية للوارث لان الامر في نفس الوصية للوارث مشهور و في نفس الوصية للقاتل مسبور و العلماء اتفقوا على أن لا وصية للوارث و اختلفوا في جواز الوصية للقاتل ثم بإجازة الورثة تنفيذ الوصية

(178)

للوارث فكذلك للقاتل و المعنى فيهما واحد و هو ان المغايظة تنعدم عند وجود الرضي من الوراث بالاجازة في الموضعين جميعا بخلاف ميراث القاتل فان ثبوت الملك بالميراث بطريق الحكم حتى لا يتوقف على القبول و لا يرتد بالرد و الاجازة انما تعمل فيما يعتمد القبول و يرتد بالرد و بخلاف الوصية للحربى في دار الحرب لان بطلانها لا نعدام الاهلية في جانب الموصى له فان من في دار الحرب في حق من هو في دار الاسلام كالميت و لهذا تنقطع العصمة بتباين الدارين حقيقة و حكما و الميت لا يكون أهلا للوصية له و لا تأثير للاجازة في إثبات الاهلية لمن ليس بأهل و كذلك الوصية لعبد القاتل أو لمكاتبة فانها كالوصية للقاتل لما يثبت له من حقيقة الملك أو حق الملك في الموصى به و قال في الاصل إذا كانت الوصية لمولاه أو لعبده أبطلناها و قال الحاكم تأويله عندنا إذا كان المولى هو القاتل فأوصى له أو لعبده فأما إذا كان العبد هو القاتل فالوصية لمولاه وصية صحيحة ( ألا ترى ) ان عبد الوارث إذا قتل المورث لا يحرم المولي ميراثه و هذا لانه لاحق للعبد في ملك مولاه و ليس في حق المولى ما يحرمه الارث و الوصية لا بن القاتل و أبويه و غيرهم من قرابته جائزة و كذلك لماليك ؟ هؤلاء من عبيدهم و مكاتبيهم و مدبر يهم و أمهات أولادهم على قياس الارث فان ابن القاتل و أبويه يرثون المقتول و ان لم يرثه القاتل و هذا لانه ليس للقاتل في ملك هؤلاء حق الملك و لا حقيقة الملك و إذا أقر لقاتله بدين فان كان مريضا صاحب فراش حتى مات لم يجز و ان كان يذهب و يجئ فهو جائز لان الجرح و ان كان سبب الهلاك و لكن لا يصير به في حكم المريض ما لم يصر صاحب فراش فان المريض انما يباين الصحيح بهذا لان الانسان لا يخلو عن نوع مرض و ان كان صحيحا فإذا لم يصر صاحب فرش كان هو في حكم الصحيح و إذا كان صاحب فراش فهو مريض و ان تكلف لمشيه إلى بعض حوائجه و كذلك الهبة إذا قبضها للقاتل و هو مريض فان تصرف المريض كالمضاف إلى ما بعد الموت فأما إذا كان يذهب و يجئ فهو صحيح ينفذ تصرفه في الحال مع القاتل كما ينفذ مع غيره و هكذا الجواب في الاقرار للوارث و الهبة له و إذا ضربت المرأة الرجل بحديدة أو بغير حديدة فأوصى لها ثم تزوجها فلا ميراث لها و لا وصية و انما لها مقدار صداق مثلها من المسمى و ما زاد على ذلك في معنى الوصية فيبطل بالقتل و لو اشترك عشرة في قتل رجل أحدهم عبده و أوصى لبعضهم بعد الجناية و أعتق عبده فالوصية باطلة لان كل واحد منهم قاتل له على الكمال ( ألا ترى ) انه يلزمهم القصاص إذا كان عمدا

(179)

و الكفارة إذا كان خطأ كما لو تفرد به و ان كل واحد منهم يحرم عن الميراث فكذلك الوصية الا أن العتق بعد ما تعذر لا يمكن رده فيكون الرد بإيجاب السعاية عليه في قيمته و العفو على القاتل في دم العمد جائز لان الواجب القصاص و القصاص ليس بمال ( ألا ترى ) ان متلفه بالشهادة باطلة و الاكراه على العفو لا يكون ضامنا و انه لا يعتبر من الثلث بحال فيكون صحيحا للقاتل و جعل العفو في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء أو أقوى منه و لو كان خطأ فعفا عنه كان هذا منه وصية لعاقلته فيجوز من الثلث لان الواجب في الخطأ الدية على العاقلة و هو مال قلنا أصل الوجوب على القاتل و العاقلة يتحملون عنه فتكون هذه وصية للقاتل قلنا باعتبار المال الوصية تكون للعاقلة و هم المنتفعون بهذه الوصية فان قيل جزؤ من الدية على القاتل ففي ذلك الجزء الوصية منه تكون للقاتل قلنا نعم و لكن تتعذر الوصية في ذلك الجزء لان كل جزء من بدل النفس يتقرر وجوبه على القاتل ففي ذلك الجزء الوصية تتحمله العاقلة كما لو اشترك ألف نفس قتل رجل فالجزء الواجب على كل واحد منهم مع قتله يتحمله العاقلة و كذلك ان كان القاتل عبدا لان الوصية بالعفو تقع لمولاه فان موجب جناية العبد على المولى و هو الذي يخاطب بدفعه أو فدائه ( ألا ترى ) ان بمد عتق العبد لا يطالب بشيء و إذا أوصي لعبده بثلث ماله صحت الوصية لان رقبته من جملة ماله فيكون موصيا له بجزء منها فان قتله العبد فوصيته باطلة انه يعتق و يسعى في قيمته لانه تعذر رد العتق فيكون الرد بإيجاب السعاية و على هذا المدبر إذا قتل مولاه عمدا أو خطأ فعليه أن يسعى في قيمته لرد الوصية و عليه في العمد القصاص فان كان المقتول وليان فعفى أحدهما عنه انقلب نصيب الاخر ما لا فعليه أن يسعى في نصف قيمته للاخر لانها انما صارت ما لا بعد ما عتق و صار أحق بمكاسبه الا أن الواجب بسبب جناية كانت منه في حال رقه فيكون الوجوب عليه من القيمة دون الدية بخلاف ما إذا قتل مولاه خطأ لانه حين وجب المال بسب الجناية كان المولي أحق بكسبه و موجب جنايته على غيره يكون على المولى فلا يجب بجنايته على مولاه شيء من ذلك لانه لو وجب وجب على نفسه وأم الولد إذا قتلت سيدها خطأ فليس عليها سعاية في شيء لان عتقها ليس بوصية و موجب جنايتها على المولى يكون على المولي فلا يلزمه بالجناية على مولاها خطأ شيء و ان قتلته عمدا و ليس لها منه ولد كان عليها القصاص فان عفى أحد الوارثين سعت للاخر في نصف قيمتها لان نصيب الاخر انما انقلب ما لا يعد ما عتقت و صارت أحق بكسبها و ان كان لها منه

(180)

ولد بطل عنها القصاص لصيرورة جزء منه لولدها و عليها أن تسعى في قيمتها لان القصاص انما انقلب ما لا بعد موت المولى حين ورث ولدها جزأ منه و إذا أوصى لقاتله بالثلث و أجاز ذلك الورثة بعد موته جاز و ان اجازته قبل موته فهو باطل بمنزلة الوصية للوارث و قد تقدم بيانه و لو أوصى لرجل بوصية فقامت البينة عليه انه قاتل و صدقهم بذلك بعض الورثة و كذبهم بعضهم فانه يبرأ من حصة الذين كذبوا من الدية و تجوز وصيته في حصتهم من الثلث و يلزمه حصة الذين صدقوا من الدين و تبطل وصيته في حصتهم من الثلث لان في حق كل فريق يجعل كأن الفريق الاخر في مثل حالة اذ لا ولاية لبعضهم على البعض و إذا قامت عليه بينة بالقتل و أبرأه الميت فابراؤه عفو منه فيصح من الثلث ان كان القتل خطأ و لا وصية له بعد ذلك لان القتل ثبت عليه بالبينة فان في حق الذين كذبوهم حتى لو كذب الورثة الشهود جازت الوصية له بعد و إذا جرح الرجل في مرضه جراحة عمدا أو خطأ فقال المجروح لم يجر حنى ؟ فلان ثم مات من ذلك كان القول قوله و لا سبيل للورثة على القاتل لانهم يخلفونه و بعد ما قال لم يجر حنى لا سبيل له عليه في دعوى القتل فكذلك لورثته و ان أقام ورثته البينة على القتل لم تقبل بينتهم لان قبول البينة ينبنى على صحة الدعوي منهم و بعد قول المجروح لم يجر حنى فلان لا يصح كما لا يصح الدعوي منه قبل موته بخلاف ما إذا قال لا جراحة لي قبل فلان ثم ادعى عليه القتل وأثبته بالبينة جازت لانه نفى موجب الجرح و دعواه موجب النفس لا تنافي ما أبقاه من موجب الجرح و في الاول نفى أصل الجرح و من ضرورته نفى القتل اذ القتل بدون الجرح لا تصور له أما ظاهرا أو باطنا و إذا أوصى الرجل لرجلين بوصية و أقام كل واحد من ورثته البينة على أحد الموصى لهما انه قتل صاحبهما خطأ كان على كل واحد منهما خمسة آلاف للذي أقام عليه البينة و لا وصية له في حصة الذي أقام عليه البينة بالقتل و تجوز له الوصية في حصة الاخر بالحساب لان كل واحد منهما يثبت الحق على المشهود عليه لنفسه و لصاحبه و صاحبه مكذب لشهوده فيخرج كل واحد منهما من ان يكون قاتلا في حق من كذب المشهود عليه و يبقى قاتلا في حق الاخر في حكم الدية و الوصية جميعا و اذ أوصى الرجل لرجلين لكل واحد منهما بالثلث و أوصى لاخر بعبد فشهد الموصى لهما بالثلث على الموصى له بالعبد انه قاتل فشهادتهما باطلة لانهما يجزآن الثلث إلى أنفسهما و يسقطان مزاحمة الموصى له بالعبد معهما في الثلث و يلزمه الدية أيضا و لهما من ذلك الثلث فكانا شاهدين لا نفسهما و الموصى له بالثلث شريك الوارث

(181)

في التركة فهذه الشهادة لا تقبل من الورثة للتهمة فكذلك من الموصى له و كذلك لو شهدا على وارث أو على أجنبي انه قتله خطأ لان المعنى في الكل سواء و إذا أعتق الرجل في مرضه صبيا صغيرا لا مال له غيره ثم قتل الصبي مولاه عمدا فعليه أن يسعى في قيمتين يدفع له من ذلك الثلث وصية له و يسعى فيما بقي لان الصبي لا يحرم الارث بسبب القتل فكذلك لا يحرم الوصية و محل الوصية الثلث فيلزمه السعاية فيما زاد على الثلث و المعتق في المرض ما دام عليه شيء من السعاية فهو بمنزلة المكاتب فلهذا ألزمه السعاية في قيمته بسبب الجناية و في قيمته بسبب العتق في المرض بعد أن يسلم له من ذلك الثلث و لو كان كبيرا فقتل مولاه خطأ سعى في قيمتين للورثة و لا وصية له لانه قاتل و هذا أقوى و هذا كله قول أبى حنيفة رحمه الله فأما عندهم عليه السعاية في قيمته لرد الوصية والدية على العاقلة لان المستسعى حر عندهما و لو قتل غيره مولاه خطأ كانت الدية على عاقلته و كذلك إذا قتل مولاه و عند أبى حنيفة هو بمنزلة المكاتب فعليه السعاية في قيمته لاجل الجناية و كذلك قولهما في الصبي أن الدية تجب على عاقلته كما لو قتل غيره مولاه لانه حرفان كان عليه السعاية لم يحسب له قيمته من الثلث بطريق الوصية لان الصبي لا يحرم الوصية و ان كان قاتلا و الله أعلم ( باب الوصية بالغلة و الخدمة ) ( قال رحمه الله ) و الوصية بخدمة العبد أو غلته أو سكنى الدار و غلتها تجوز عندنا و على قول ابن أبى ليلي لا يجوز شيء من ذلك موقتا و لا موقت لان الموصى يملك له بإيجابه و ذلك لا يصح منه فيما ليس بمملوك له و المنفعة و الغلة التي تحدث بعد موته ليس بمملوكة له و بايجابه لا يتناول المنفعة و الغلة التي تحدث في حال حياته فيبطل وصيته بها و لكنا نقول المنفعة تحتمل التمليك ببدل و بغير بدل في حال الحياة فيجعل التمليك بعد الموت أيضا و هذا لان الموصى تبقي العين على ملكه حتى يجعله مشغولا بتصرفه موقوفا على حاجته فانما يحدث المنفعة على ملكه فإذا ثبت هذا في المنفعة فكذلك في الغلة لانها بدل المنفعة و الوصية بخلاف الميراث فالإِرث لا يجرى في الخدمة بدون الرقبة لان الوراثة خلافة و تفسيره أن يقوم الوارث مقام المورث فيما كان ملكا للمورث و هذا لا يتصور الا فيما يبقى وقتين و المنفعة لا تبقي وقتين فاما الوصية إيجاب ملك بالعقد بمنزلة الاجارة و الاعارة فيما أبقي فان أوصى بخدمة عبده سنة