( فصل ) و إن خرجت طائفة من المسلمين عن طاعة الامام بغير تأويل و استولت على البلاد و منعت ما عليها و أخذت ما لا يجوز أخذه قصدهم الامام و طالبهم بما منعوا ورد ما أخذوا ، و غرمهم مما أتلفوه بغير حق ، و أقام عليهم حدود ما ارتكبوا ، لانه لا تأويل لهم فكان حكمهم ما ذكرناه كقطاع الطريق ( الشرح ) الخارج هم جمع خارجة ، أى طائفة ، سموا بذلك لخروجهم على خيار المسلمين ، و قد حكيا لرافعى في الشرح الكبير أنهم خرجوا على على رضى الله عنه حيث اعتقدوا أنه يعرف قتلة عثمان و يقدر عليهم و لا يقتص منهم لرضاه يقتله أو مواطاته ، كذا قال ، و هذا خلاف المستفيض من حقائق التاريخ و صادق الاخبار ، فإن كل أولئك تقرر أن الخارج لم يطلبوا بدم عثمان ، بل كانوا ينكرون عليه شيئا و يتبرءون منه .
وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان فطعنوا على عثمان بذلك ، و كان يقال لهم القراء ، لشدة اجتهادهم في التلاوة و العبادة ، إلا أنهم يتأولون القرآن على غير المراد منه و يستبدون بآرائهم و يبالغون في الزهد و الخشوع فلما قتل عثمان قاتلوا مع على و اعتقدوا كفر عثمان و من تابعه و اعتقدوا إمامة على و كفر من قاتله من أهل الجمل بقيادة طلحة و الزبير ، فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا عليا فلقيا عائشة و كانت حجت تلك السنة ، فاتفقوا على طلب قتلة عثمان ، و خرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك ، فبلغ عليا فخرج إليهم فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة ، و انتصر على و قتل طلحة في المعركة ، و قتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة .
فهذه الطائفة هى التي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك و كان عاملا على الشام و قد أرسل اليه على أن يبايع له أهل الشام ، فاعتل بأن عثمان قتل مظلوما و أنها تجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته ، و أنه أقوى الناس على الطلب بذلك ، و التمس من علي أن يمكنه منهم ثم يبايع له بعد ذلك و على يقول ادخل فيما دخل فيه الناس و حاكمهم إلى أحكم فيهم بالحق ، فلما طال الامر خرج على في أهل العراق طالبا قتال أهل الشام ، فخرج معاوية في