مصباح الفقیه

آقا رضا الهمدانی ؛ ناظر: نور الدین جعفریان؛ تحقیق: محمد الباقری، نور علی النوری

جلد 1 -صفحه : 96/ 4
نمايش فراداده

(7)

المتقدمة يدل على ان المراد من الجارى ما يعمه كما يؤيده تصريح بعضهم بكونه كالجاري حكما ( و فيه ) ان إدخاله في الجارى ليس بأولى من جعله من أقسام البئر كما يؤيده تصريح اخرين بجريان أحكام البئر عليه بل عن بعض دخوله فيه موضوعا بل لا مانع عن ان يكون لديهم من مصاديق الراكد كما يظهر من بعضهم على ما حكى عنهم ( و قيل ) ان المراد بالجاري هو الماء السايل مطلقا نظرا إلى صحة إطلاقه على المياه الجارية من ذوبان الثلج ( و فيه ) ان الاطلاق بحسب الظاهر مجاز لعدم الاطراد اذ لا يطلق الماء الجارى على الماء المنصب من الابريق و نحوه بل و كذا الجارى من ذوبان الثلج ايضا إذا كان قليلا فانه ينصرف عنه الاطلاق جزما بل يصح سلب الاسم عنه عرفا و إطلاق الجارى عليه بالفعل صدق الماء الجارى عليه على الاطلاق هذا مع تصريح واحد من الاساطين على ما حكى عنهم بعدم الخلاف في كون السايل من نبع راكدا فلا ينبغى التأمل في اختصاص الحكم المخصوص بالجاري بغير مثل الفرض نعم الاظهر كون العيون الواقفة التي ليس لها جريان فعلى الضعف موادها في حكم الجارى من حيث عدم انفعال قليله بمجرد ملاقاة النجاسة بمقتضى عموم التعليل المستفاد من الصحيحة الاتية و غيرها من الاخبار الدالة على ان المادة عاصمة عن الانفعال كما سيتضح لك فيما بعد انشاء الله ( و اما ) حكم الجارى فهو انه لا ينجس كثيره و لا قليله بمجرد ملاقاة النجاسة على المشهور بل عن الذكرى لم اقف فيه على مخالف ممن سلف و عن جامع المقاصد ان خلافه مما تفرد به العلامة و عن مجمع الفايدة و كنز الفرائد و صريح الغنية و شرح الجمل و ظاهر الخلاف و المعتبر و غيره دعوى الاجماع عليه و عن حواشى التحرير للمحقق الثاني دعوى الاجماع صريحا على عدم اشتراط الكرية فيه و في الجواهر انه يمكن للمتامل المتروى في كلمات الاصحاب تحصيل الاجماع على عدم اشتراط الكرية خلافا للعلامة في بعض كتبه فاعتبر الكرية في عدم انفعاله كالراكد و وافقه في ذلك الشهيد الثاني ( قال ) في المسالك و الاصح اشتراط كريته سواء دام نبعه ام لا و عن ظاهر الصدوقين و السيد في محكي الرسالة و الفقيه و الجمل اختياره و لكنه صرح واحد بوجود ما ينافى الحكاية في الكتابين الاولين و محكى الانتصار فلم تتضح مخالفتهم للمشهور و لم ينقل عمن عدا العلامة و الشهيد الثاني التصريح بهذا القول بل في محكي المعالم ان الشهيد ايضا عدل عنه و الانصاف انه لو لم يكن للمشهور الا الاجماعات المنقولة المستفيضة المعتضدة بالشهرة المحققة المؤيدة يكون الماء الجارى لدى العلماء رضوان الله عليهم من صدر الاسلام إلى يومنا هذا معنونا بعنوان مستقل بل جعلوا ماء الغيث من توابعه لكانت كافية في إثبات مذهبهم لكونها موجبة للحدس القطعي بكون الحكم معروفا عند اصحاب الائمة عليهم السلام مغروسا في اذهانهم واصلا إلى علمائنا يدا بيد عنهم من خلاف يعرف و الا لنقل بمقتضى العادة و لو لا ان فتاوى الاصحاب في مثل هذا الفرع المعنون في كلماتهم قديما و حديثا مور ؟ لا ستكشاف راى المعصوم لتعذر استفادة موافقته ( ع ) في شيء من المسائل الفرعية من فتاوى العلماء و مخالفة من خالف مع نذرته و تأخر عصره و معلومية مستنده و معروفيته لدى السابقين لا تضر بكاشفية قول من عداه عن وجود مستند صحيح و يدل على صحة مذهب المشهور و يشهد على صدق ما ادعيناه حدسا من كون الحكم معروفا عند اصحاب الائمة ( ع ) صحيحة داود بن سرحان قال قلت لابى جعفر ( ع ) ما نقول في ماء الحمام قال ( ع ) هو بمنزلة الماء الجارى و المناقشة في دلالتها بان إطلاق المنزلة يقتضى عمومها و سيأتي انه يعتبر في اعتصام ماء الحمام كرية مادته فالصحيحه على خلاف المطلوب ادل مدفوعة أولا بان السوأل انما هو عن حكم الماء الموجود في الحمامات المتعارف استعماله لدى الحاجة و هو في الحمامات المتعارفة بعد ضم المادة اليه فكرية المادة مأخوذة في موضوع ماء الحمام بحسب المتعارف فالغرض من التشبيه ليس الا بيان كون الماء المعهود الذي بتعارف استعماله بمنزلة مطلق الجارى لا ان الامام ( ع ) أراد بهذا الكلام بيان مساواتهما في الحكم و ان كلا منهما بمنزلة الاخر فيما هو شرط في الاعتصام فيستفاد من الصحيحة ما يستفاد من الرضوي ماء الحمام سبيله سبيل الجارى إذا كان له مادة اذ الظاهر ان التقييد لماء الحمام فيكون التشبيه بعد التقييد الا ان يقال خصوصية المورد في الصحيحة لا توجب تخصيص موضوع الحكم فتامل ( و ثانيا ) ان السوأل بحسب الظاهر انما هو عن الانفعال و عدمه لا عن كيفية انفعاله فإطلاق التشبيه ينصرف إلى الجهة المعهودة فقوله ( ع ) هو بمنزلة الجارى اى في عدم الانفعال لا فيما يعتبر في اعتصامه خصوصا مع كون عدم انفعال الجارى في الجملة هى الجهة الظاهرة التي ينصرف إليها الاطلاق ( و ثالثا ) انه لا قائل بانه يعتبر في مادة الجارى بلوغها كرا لان العلامة انما يعتبر في عدم انفعال الجارى كونه كرا فهو اما يعتبر كرية الماء الخارج منفردا أو بانضمامه إلى ما في المادة على تقدير تساوي سطحيهما و اتحادهما عرفا و اما اعتبار كرية خصوص ما في المادة على تقدير اختلافهما nو أسفلية الماء الخارج كما في مادة الحمام على ما ستيضح لك فيما بعد ] انش [ فلا قائل باعتبارها على الظاهر و الله العالم ( و قد ) يستدل ايضا بخبر ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله ( ع ) قال قلت له أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب و الصبي و اليهودي و النصراني و المجوس فقال ( ع ) ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا و فيه ان ماء النهر ينصرف عن العيون الصغار التي لا يبلغ مائها كرا فالمقصود من التشبيه بحسب الظاهر بيان كون ماء الحمام حال اتصاله بالمادة و جريانها فيه كالمياه الكثيرة الجارية التي يعتصم بعضها ببعض و المقصود في المقام إثبات ان الجارى مطلقا معتصم بالمادة و لو لم يكن كثيرا بحيث يعتصم بعضه ببعض و يدل عليه ايضا رواية سماعة قال سئلته عن الماء الجارى يبال فيه قال لا بأس به فان ظاهرها السوأل عن حكم الماء الذي يبال فيه لا عن حكم البول في الماء و يؤيده بل يدل عليه لو لا المناقشة في السند ما عن نوادر الراوندي عن على ( ع ) الماء الجارى لا بنجسه شيء و عن الفقة الرضوي

(8)

كل ماء جار لا ينجسه شيء و خبر دعائم الاسلام عن على ( ع ) في الماء الجارى يمر بالجيف و العذرة و الدم يتوضأ منه و يشرب و ليس ينجسه شيء ما لم يتغير اوصافه طعمه و لونه و ريحه ( و يؤيده ) ايضا الاخبار المستفيضة النافية للبأس عن البول في الماء الجارى و صحيحة ابن مسلم الواردة في الثوب الذي يصيبه البول و ان غسلته في ماء جار فمرة اذ لو كان ملاقاة الماء للنجاسة سببا لتنجسه لكان على الامام ( ع ) التنبيه عليه في مثل هذه الفروض و لو لم يكن مقصودا بالسؤال هذا إذا لم نقل باعتبار ورود الماء القليل في تطهير الثوب النجس و الا فالصحيحة الاخيرة بإطلاقها مثبتة للمطلوب و دعوى انصراف مثل هذه الاخبار عن العيون التي لا يكون مائها كرا ممنوعة و على تقدير تسليم الانصراف فهو بدوي منشأه انس الذهن يرتفع بعد ملاحظة كثرة العيون الصغيرة بل اكثريتها بمراتب خصوصا لو اعتبرنا في اعتصام الكر تساوي السطوح كما لا يخفى ( و يدل ) على عدم تنجس الجارى بل مطلق المياه التي لها مادة متصلة و لو لم يكن لها جريان فعلى لضعفها التعليل في صحيحة ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب الطعم لان له مادة لان التعليل اما راجع إلى الفقرة الاولى فيدل على عدم انفعال كل ذي مادة بما عدا التغير ( و اما ) راجع إلى الفقرة الثانية فيدل على ان وجود المادة علة الطهارة الماء مطلقا بعد زوال تغيره فيستفاد منه عدم انفعاله بمجرد الملاقاة لا لمجرد دعوى ان الدفع أهون من الرفع فيدل عليه بالاولوية القطعية حتى يمكن الخدشة فيها بالنسبة إلى الاحكام التعبدية بل لان هذا لا يجتمع مع انفعال قليله بالملاقاة توضيحه انه يستفاد من العلة المنصوصة حصول الطهارة لكل ذي مادة متغير بعد زوال تغيره فإذا فرضنا ان مجموع الماء اقل من الكر و تغير بعضه بالنجاسة فلا محالة يتنجس البعض الاخر ايضا بملاقاة النجاسة على القول باشتراط الكرية و كذا كل مايخرج من المادة ايضا على هذا التقدير بسبب ملاقاة المتنجس و ] ح [ لا يعقل ان يكون وجود المادة علة لارتفاع نجاسة المتغير بعد زوال تغيره لان اتصاله بغير المتغير المتنجس علة تامة لا نفعا له فلا يعقل طهارته ما دامت العلة موجودة و ان شئت مثالا أوضح فأفرض بقاء عين النجاسة فيه بعد زوال التغير هذا مع ان الذي يقتضيه التدبر في مفاد الرواية اختصاص التعليل بالفقرة الاولى و هي قوله ماء البئر واسع فلا حاجة في إثبات المطلوب إلى المقدمة الخارجية بيان ذلك ان التعبير عن الطهارة بقوله واسع و تاكيده ثانيا بقوله لا يفسده و استثنائه حالة التغير عنه و اقتصاره في بيان ما يزيل اثر التغير على الامر بالنزح الموجب لزوال نفس التغير من دون تنصيصه على انه يطهر بعد ذلك بل إيكاله معرفة الحكم إلى ما استفيد من أول الكلام من أعظم الشواهد على ان المراد من الرواية بيان ان ماء البئر بالذات يأبى عن الانفعال و انه بالطبع قابل للتنجس الا ان يتغير فيمنعه التغير عن اقتضائه الذاتي فإذا زال التغير بالنزح يعود الماء إلى حالته الاولى فيستفاد من الرواية على ما يشهد به سياقها و يساعد عليه الفهم العرفي حكمان أحدهما ان ماء البئر في حال التغير واسع مطلقا سواء كان قبل ان يتغير ام بعده و الثاني ان التغير موجب لعروض النجاسة و استمرارها إلى ان يزول التغير بالنزح فليست الطهارة بعد زوال التغير و قبل حدوثه حكمين مستقلين حتى يحتاج حدوث ثانيهما إلى تعليل مستقل و هذا هو السر في استفادة حكم ما بعد التغير من الرواية و الا فليس في اللفظ ما يدل عليه فلاحظ و تدبر و كيف كان فقد نوقش في دلالة الرواية باحتمال رجوع التعليل فيها إلى ترتب ذهاب الريح و طيب الطعم على النزح لان هذا الترتب مستند إلى المادة فيكون بمنزلة قول الرجل لازم غريمك حتى يوفيك حقك فانه يكره ملازمتك ( و فيه ) ان هذا الاحتمال في غاية الوهن لان إرجاع العلة في القضايا المعللة إلى الاسنادات الضمنية الغير المقصودة بالذات خلاف الظاهر مع احتياجه إلى ارتكاب التأويل بتقدير جملة خبرية و اما في المثال فانما هو لوجود القرينة و هي عدم صلاحية كونها علة للاسناد التام هذا مع ان المقصود بالاصالة في المثال انما هو استيفاء الحق فلا بأس بإرجاع التعليل اليه و هذا بخلاف ما نحن فيه فان ذهاب الريح و طيب الطعم مقصودين بالذات فلا يحسن إرجاع التعليل إليهما مع صلاحيته لان يكون علة للحكم الذي سيق الكلام لبيانه مضافا إلى ان ترتب ذهاب الريح و طيب الطعم على النزح بديهي لا يحتاج إلى الاستدلال بل ذكر الدليل له مع انه واضح مستهجن عرفا خصوصا مع عدم مدخليته في الحكم الشرعي الذي يكون بيانه من وظيفة الامام ( ع ) هذا كله مع ان المادة بنفسها ليست علة لذهاب الريح و طيب الطعم لانهما مسببان عن إخراج الماء الفاسد و استهلاك ما يبقى منه في الماء الذي يخرج من المادة من دون خصوصية لها في ذلك فجعلها علة لهما مبنى على ضرب من التأويل و المسامحة و هذا بخلاف ما لو جعلناها علة لكون ماء البئر واسعا فانها بنفسها هى العلة التامة للحكم فهي أوفق بظاهر التعليل و كفى لمثل هذه الاحتمالات وهنا و مخالفة للظاهر اختصاص ابدائها بالمتاخرين و عدم اعتناء من سبقهم انها أو غفلتهم عنها حجة العلامة العمومات الدالة على انفعال ما دون الكر الشاملة بإطلاقها للجارى و غيره و فيه أولا انه سيتضح لك ان عمدة ما يستفاد منه العموم مفهوم بعض الاخبار كقوله ( ع ) في المعتبرة المستفيضة إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شيء و هذه الاخبار في حد ذاتها لا يبعد دعوى انصراف منطوقها إلى الماء المجتمع الراكد خصوصا مع ما في بعضها مما يشهد بذلك كصحيحة ابن مسلم قال قلت له الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شيء و هذا الانصراف و ان كان بدويا بالنسبة إلى أكثر اخبار

(9)

الباب الا انه يوهنها عن المكافئة للادلة المتقدمة المعتضدة بالشهرة المحققة و الاجماعات المحكية مضافا إلى ان صحيحة ابن بزيع المشتملة على التعليل حاكمة على جميع الادلة الدالة على انفعال الماء القليل لانها بمدلولها اللفظي تدل على اختصاص الانفعال بغير ذي المادة فلاتلاحظ النسبة بينها و بين المطلقات هذا مع ان التعليل بمنزلة النص من حيث الدلالة على سببية المادة للاعتصام و لو في خصوص موردها و القضية الشرطية غاية مفادها ظهورها في السببية المنحصرة فيرفع اليد عنها بصريح التعليل ( و ربما ) قيل في تأييد مذهب العلامة بعد المناقشة في دلالة صحيحة ابن بزيع على مذهب المشهور بالاحتمال الذي عرفته فيما سبق مع ما فيه ان النسبة بين الاخبار المتقدمة الدالة على ان الماء الجارى لا ينجس و بين مفهوم القضيه الشرطية العموم من وجه و ظهور الشرطية في شمول مادة الاجتماع أقوى من تلك المطلقات لان تقييد مطلقات الجارى بما إذا كان كرا إخراج للفرد النادر لان ما لا يبلغ مع ما في المادة بل بنفسه كرا قليل بخلاف تقييد الماء بالغير الجارى في ادلة اناطة الاعتصام بالكثرة فانه إخراج للفرد المتعارف و دعوى ان الخارج عن احد الاطلاقين هو الجارى القليل و لا يتفاوت الحال بين خروجه عن إطلاقات الجارى أو عن تلك الاطلاقات مدفوعة بان تخصيص المفهوم بما عدا القليل الجارى يستلزم تقييد الماء في منطوق القضيه بالراكد اذ لا يعقل شمول المنطوق لكثير الجارى و عدم شمول المفهوم لقليله لان المفاهيم من قبيل اللبيات منشأئها الاستلزامات المحققة بين المناطق nو مفاهيمها فلا يعقل التصرف فيها و لو بالتخصيص الا بالتصرف في المنطوق ( و بما ) ذكرنا ظهر لك ضعف ما يقال من ان عمومات الانفعال منصرفة عن القليل الجارى لان دعوى الانصراف انما تتمشى ؟ في الادلة اللفظية دون اللبيات كما هو ظاهر ( و فيه ) أولا ان دعوى ندرة ما لا يبلغ مع ما في المادة كرا ممنوعة على مدعيها كما لا يخفى وجهه على من شاهد منابع المياه و ثانيا ان تعليق الحكم على وصف الجريان لو لم ؟ ؟ بدلالته على العلية للحكم فلا اقل من اشعاره بذلك فتقوى به تلك المطلقات بحيث لا يكافئى ظهورها ظهور الشرطية في المفهوم فضلا عما عرفت فيما سبق من أمكن دعوى الانصراف في منطوقها و لو سلم المكافئة فالمرجع عموم النبوي المشهور الذي ادعى في محكي السرائر انه من المتفق على روايته و عن ابن ابى عقيل انه متواتر عن الصادق عن ابائه عليهم السلام خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء الا ما لونه أو طعمه أو ريحه و عن الذخيرة انه عمل الامة بمدلوله و قبلوه فالمناقشة في سنده بعد ما عرفت مما لا يلتفت إليها و يبعد هذا القول مضافا إلى ما عرفت ان مقتضاه ان لا يكون تكاثر الماء من المادة على الجارى المتغير موجبا لتطهيره لان النابع تحتها لا يبلغ الكر غالبا اذ فلما يوجد في باطن الارض كر من الماء بالفعل متصلا اجزائه بعضها ببعض اتصالا عرفيا بحيث يكون بالشرايط المعتبرة في عاصمية الكر لا اقل من الشك في ذلك و كذا لازمه الالتزام في مثل الفرض بنجاسة ماء عين انسد منبعها بشيء نجس و انقطع عمود الماء ثم ازيل المانع و جرى الماء و ان بلغ الماء المتجدد من الكثرة ما بلغ لان ما يتحدد ينجس فلا يكون مطهرا الا على قول سيتضح لك ضعفه و لا يظن ان يلتزم بشيء من اللازمين احد و الله العالم ( و ربما ) يناقش في عموم المفهوم الذي هو عمدة مستند هذا القول بان مفهوم إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شيء ليس الا ان ما عدا الكر ينفعل في الجملة بشيء من النجاسات و لا ينافى هذه القضبة اختصاص الانفعال ببعض افراد القليل و هو ما عدا الجارى بل لا يضر الا التزام بعموم الحكم لجميع الافراد ايضا بعد إهمال الشيء لان الجارى القليل ايضا ينفعل بشيء من النجاسات و هو ما يوجب تغيره ( و فيه ) ان النجاسة الموجبة للتغير مرادة من عموم الشيء في المنطوق لان الكر ايضا ينفعل بها فاهمال الشيء المنجس بعد تسليمه و الاغماض عما سنذكره ] انش [ ضائر بالاستدلال في مقابل السلب الكلى كما هو مذهب المشهور ( و اما ) دعوى إهمال المفهوم من حيث افراد الماء بعد تسليم دلالة الشرطية على المفهوم فاسدة حدا لان استفادة المفهوم منها مبنية على دلالتها على السببية المنحصرة فيكون مفاد التعليق في قولك إذا كان الماء كرا لا ينفعل ان الشرط في عدم انفعال الماء انما هو كونه كرا لا فيكون المادة ايضا سببا لعدم الانفعال ينافى ذلك فلو ثبت ذلك بدليل آخر فلا بد من التصرف في ظاهر التعليق بنحو من أنحاء التصرفات ( و لكن ) الانصاف ان هذه المناقشة بل و كذا غيرها من المناقشات التي تقدمت الاشارة إلى بعضها انما نشات من عدم فهم العرف لهذه الشرطية مفهوما لان المراد منها على ما يشهد به سياق جل الاخبار المشتلمة على هذه القضيه ليس الا بيان ان الماء البالغ حد الكر لا ينفعل بشيء من النجاسات لا ان عدم انفعال الماء مشروط بالكرية حتى تدل على الانتفاء عند الانتفاء كما هو متقضى ظاهر التعليق و الحاصل ان ادوات الشرط و ان كانت حد ذاتها ظاهرة في إرادة التعليق الا ان العرف كثيرا ما لا يساعد على هذا الظاهر بل لا يبعد دعوى ان المتبادر منها في اغلب موارد استعمالاتها إرادة ترتب الحكم على موضوع مقدر لا التعليق الحقيقي و هذا لا ينافي كونه بحسب الوضع حقيقة في المعنى الاول لان ظهورها في هذا المعنى منشائه خصوصيات الموارد و مما يفصح عن ان المتبادر من الشرطية في المقام هو هذا المعنى لا التعليق انه لو قال القائل في ذيل كل واحد من هذه الاخبار بعد قوله ( ع ) إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شيء و اما إذا لم يكن قدر كر ففيه تفصيل لا ترى تهافتا و تنافيا بين مفاديهما أصلا فلو كان ظاهرها التعليق و بيان ان عدم الانفعال مشروط بالكرية لكان التنافي بينهما في بادى النظر بينا و ما تراه فيها من الدلالة على ان ما عدا الكر ينفعل في الجملة فليس منشأها

(10)

نجاسة الماء تبغيره بالنجاسة

كون القضيه شرطية بل انما هى لاجل اخذ الكرية قيدا للموضوع في مقام إعطاء القاعدة فيستفاد منه ان الكر ليس له هذا الحكم بإطلاقه و اما ان مطلقه ينفعل فلا يستفاد منه ( نعم ) يستفاد ذلك من صحيحة اسماعيل بن جابر قال سئلت ابا عبد الله ( ع ) عن الماء الذي لا ينجسه شيء فقال كر فان تخصيص الكر بالذكر في مثل المقام يدل على اختصاص الحكم به الا ان هذه الدلالة ليست بحيث تقاوم شيئا من الادلة كما لا يخفى و قد ظهر مما تقدم ان الماء الجارى بل كل ماء ذي مادة لا ينجسه شيء من النجاسات الا ان يتغير باستيلاء اثر عين النجاسة و لو في ضمن متنجس على احد أوصافه الثلثة المعهودة في النص و الفتوى و هي الطعم و الريح و اللون اما نجاسة الجارى بذلك بل جميع المياه فلا خلاف فيها ظاهرا بل في الجواهر عليها الاجماع محصلا و منقولا كاد يكون متواترا و يدل عليها مضافا إلى النبوي و خبر الدعائم المتقدمين الاخبار المتواترة في الاولين و المستفيضة في الثالث و من الطائفة الاولى صحيحة ابن بزيع المتقدمة و من الثانية الصحيح المحكي عن بصائر الدرجات بسنده عن شهاب بن عبد ربه قال اتيت ابا عبد الله ( ع ) اسئله فابتدائى فقال ان شئت فاسئل يا شهاب و ان شئت أخبرناك بما جئت إلى ان قال ( ع ) جئت تسئلني عن الماء الراكد الغدير يكون فيه الجيفة اتوضأ منه أولا قلت نعم قال ( ع ) اتوضأ من الجانب الاخر الا ان يغلب على الماء الريح فينتن وجئت تسئلني عن الماء الراكد من البئر فما لم يكن فيه تغيرا و ريح غالبة قلت فما التغير قال ( ع ) الصفرة فتوضأ منه و كلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر ( الخبر ) و ذكر خصوص الصفرة لبيان اللون الحاصل من الجيفة و في رواية العلاء بن فضيل عن الحياض يبال فيها قال لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول و يستفاد ذلك ايضا من رواية ابى بصير عن الماء النقيع تبول فيه الدواب فقال ان تغير الماء فلا تتوضأ منه و ان لم يتغير بابوالها فتوضأ منه و كذلك بالدم إذا سأل في الماء و أشباهه فان المنصرف إلى الذهن من تغير الماء بالدم انما هو تغير لونه فمناقشة بعض المتأخرين في مستند الحكم بالنسبة إلى التغير باللون مما لا وجه لها و لا عبرة بغير الاوصاف الثلاثة كالحرارة و البرودة و الثخانة و غيرها و ان كان مقتضى بعض الاخبار المطلقة كفاية مطلق التغير الا انه يتعين صرفها لو لم نقل بانصرافها إلى الاوصاف الثلاثة التي هى أظهر الاوصاف للحصر المستفاد من الاخبار المتضمنة لذكر الثلاثة أو بعضها مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا بل عن واحد دعوى الاجماع عليه و يعتبر ان يكون التغير مستندا إلى وقوع النجاسة فيه فلا ينجس الماء إذا تغير بمجاورة النجاسة و لو وقعت بعد التغير فيه لان المتبادر من الاخبار ان يكون التغير مسببا عن ملاقاة النجس كما ان المتبادر إلى الذهن مما دل على انفعال القليل انفعاله بملاقاة النجس لا بمجاورته و لو تغير الماء بنجس بعضه في الماء و بعضه خارج عنه و استند التأثير إلى المجموع فالظاهر انفعاله لصدق تغيره بما وقع فيه و لو علم استناده إلى خصوص الخارج فالظاهر طهارته لما عرفت بل و كذا لو احتمل استناده إلى خصوص الجزء الخارج لاصالة الطهارة و لو تغير ما لا ينفعل بالملاقاة كالماء العالي المتغير بسبب النجاسة المغيرة في السافل ففى انفعاله وجهان من إطلاق الاخبار و من ان الماء العالي لقاهريته على السافل و تدافعه لا يعد جزء منه ينظر العرف بل هو بحكم المنفصل عنه فلا يصدق في الفرض عرفا انه تغير بما وقع فيه و لذا لو كان قليلا لم ينسبق إلى الذهن انفعاله بملاقاة السافل للنجس فتغيره بما وقع في السافل بمنزلة التغير بالمجاورة بل هو هو فالاخبار منصرفة عنه و هذا الوجه أقوى و ان كان الاول احوط ثم ان المعتبر انما هو تغير الماء باثر النجاسة و لو في ضمن المتنجس لا تغيير عين النجاسة للماء لان هذا الفرض فلما يتحقق له مصداق في الخارج لان الغالب انه ينفعل ما حول النجاسة منها أولا ثم ينتشر المتنجس فيما عداه و كيف كان فيكفى في الحكم بانفعال الماء الذي تغير بسبب وقوع النجاسة فيه و لو في ضمن المتنجس إطلاقات الادلة نعم لا عبرة بتغيره بأوصاف المتنجس كما لو تغير طعم الماء بالدبس النجس و نحوه كما عن المشهور خلافا للمحكي عن ظاهر الخلاف و المبسوط و المعتبر و التحرير و لا يظن بمن نسب اليه الخلاف ارادته ذلك لان عبائرهم المحكية متضحة المفاد قابلة للتوجيه القريب كما لا يخفى على من تأمل فيها و كيف كان فيكفى في ضعفه انصراف الادلة عنه بل ظهور صحيحة ابن بزيع في إرادة التغير بأوصاف النجس كما لا يخفى المتامل ( و اما ) النبوي المشهور فقد يتوهم ظهوره في العموم و فيه ان كون التغير بالاوصاف الاصلية التي للمتنجس مؤثرا في تنجس الماء تعبدا بعيد عن الذهن فيستبعد ارادته من المطلقات فيمنعها عن الظهور في إرادة ما عدا اعيان النجاسات ( و الحاصل ) ان عدم المناسبة بين التغير بأوصاف المتنجس الذي اكتسب نجاسته بملاقاه النجس و بين تنجس الماء الذي يتوقف نجاسته على منجس قوى و لا ينفعل بملاقاة النجس مانع عن ظهور الرواية في شمول مثل الفرض بل هى منصرفة عنه كانصراف ما عن التغير بالاشياء الطاهرة و الله العالم ( و هل ) يعتبر في انفعال الماء استيلاء النجاسة عليه بظهور أوصافها فيه ام يكفى تغير الماء بوقوعها فيه و لو بحدوث صفة اخرى مغايرة لصفتى الماء و النجاسة وجهان أظهرهما الثاني لان المستفاد من أكثر الاخبار اناطة الحكم بتغير الماء لا بظهور أوصاف النجاسة فيه و قيل في تقريب الوجه الاول بان المتبادر من التغير التغير بلون النجاسة ورد بان الانصراف بدوي منشأه غلبة الوجود و الاولى منع الانصراف و انما ينصرف إلى الذهن انصرافا بدويا في خصوص النجاسات التي يكون تغير الماء بها مسببا عن تفرق اجزائها و اما في مثل الميتة و نحوها مما يؤثر في تغير لون الماء و طعمه بالخصية كما هو اغلب موارد الاخبار فليس فيها انصراف أصلا بل لا يلتفت الذهن إلى اتحاد nو صفيهما نعم بالنسبة إلى التغير بالريح لا يبعد الانصراف البدوى ] مط [

(11)

و ما يمكن ان يستدل به لهذا الوجه تعليق الحكم في بعض الاخبار بغلبة ريح الجيفة على الماء مثل خبر سماعة عن ابى عبد الله ( ع ) عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميته قد انتنت قال إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب و فيه انه جار مجرى العادة و ليس له ظهور ينافى المطلقات كيف و لو كان المدار على ظهور وصف النجاسة في الماء للزم الحكم بطهارة الماء الذي وقع فيه الجيفة أو غيرها من النجاسات المغيرة للماء بالخاصية لا بتفتت اجزائها الا بعد العلم بمماثلة صفة الماء و النجس و هو حاصل غالبا في مثل الفرض مما كان التغيير فيه بالخاصية لجواز تخلفها في الكيفية فيرجع على تقدير الشك كما هو الغالب بالنسبة إلى الطعم إلى قاعدة الطهارة مع انه لا يكاد يرتاب احد في مخالفته لما أريد من الاخبار فضلا عن ظاهرها فلو حدث في الماء صفرة لوقوع قليل الدم فيه ينجس على الاقوى و الله العالم ( و لا ) يكفى في انفعاله التغير التقديري كما عن المشهور بل يعتبر ان يكون فعليا لاناطة الحكم به في ظواهر الادلة و هو عبارة عن تبدل كيفية الماء بالفعل فلو وقع فيه مقدار من النجس بحيث لو لم يكن موافقا له في الصفة لا نفعل لا ينجس من دون فرق بين ان يكون المانع عن التغيير اتحادهما في الاوصاف ذاتا بمقتضى طبيعتهما النوعية كالماء الصافي مع البول أو في خصوص شخص باعتبار صفته الاصلية كماء النفط و الكبريت الموافق لبعض النجاسات في صفتها أو لعارض في النجس كما لو ازيل صفته بهبوب الرياح أو في الماء كما لو صبغ بطاهر احمر فاريق فيه الدم فالأَظهر عدم انفعال الماء في جميع الصور خلافا للمحكي عن العلامة و جماعة ممن تأخر عنه قال في محكي القواعد و المنتهى لو وافقت النجاسة الماء في صفاته فالأَقرب الحكم بنجاسة الماء ان كان يتغير بمثلها على تقدير المخالفة و الا فلا و يحتمل عدم التنجيس لعدم المقتضى و هو التغير انتهى و ربما يوجه هذا القول بان نجاسة الماء مسببة عن غلبة النجاسة الواقعة فيه بمعنى ان الشارع جعل غلبة النجاسة سببا لانفعال الجارى و التغير كاشفا عنه و المانع انما يمنع عن ظهور وصف التغير لا عن تأثير ما هو علة تامة للتنجيس فإذا احرز وجوده بامارة اخرى كما هو المفروض نحكم بثبوت اثره و لو لم يحصل تغيير بالفعل ( و فيه ) ان الظاهر من الاخبار كون التغير بنفسه مؤثرا في التنجس لا انه كاشف عن وجود المؤثر ثم ان مراده من هذه العبارة بيان الحكم في الصورة الاخيرة حيث ان مفروضه ما لو وافقت النجاسة الماء في صفاته الاصلية فلا وجه لما أورده عليه جامع المقاصد فيما حكى عنه من ان حق العبارة ان يقول لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات لان موافقة النجاسة للماء في الصفات صادقة على نحو الماء المتغير بطاهر احمر إذا وقع فيه دم فيقتضى ثبوت التردد في تقدير المخالفة في هذه الصورة و ينبغي القطع بوجوب التقدير حينئذ لان التغير منا تحقيقي غاية الامر انه مستور عن الحسن انتهى ثم ان مقتضى هذه العبارة كعبائر واحد من المتأخرين انه ينبغى القطع بنجاسة الماء في الصورة الاخيرة و في المدارك بعد ان رجح القول باعتبار التغير الحسي مستدلا بان التغير حقيقة في الحسي لصدق السلب بدونه و اللفظ انما يحمل على حقيقة قال فرع لو خالفت النجاسة الجارى في الصفات لكن منع من ظهورها مانع كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر احمر دم مثلا فينبغي القطع بنجاسة لتحقق التغير حقيقة غاية الامر انه مستور عن الحس و قد نبه على ذلك الشهيد في البيان انتهى و في الحدائق بعد ان رجح ظاهرا انفعال الماء لو وقعت فيه نجاسة مسلوبة الصفات قال لو اشتمل الماء على صفة تمنع من ظهور التغير فيه كما لو تغير بجسم طاهر يوافق لونه لون النجاسة كتغيره بطاهر احمر ثم وقع فيه دم فالذي قطع به متأخروا الاصحاب من خلاف ظاهر معروف في الباب هو وجوب تقدير خلوا الماء عن ذلك الوصف ثم قال و كأنهم لحظوا في الفرق بين هذا الموضع و بين ما لو كانت النجاسة مسلوبة الاوصاف حيث أوجبوا التقدير هنا دون هناك ان المراد بالتغير هو التغير الحسي كما تقدم و التغير هنا ظاهر حسا لو خلينا و ذات الماء و ذات النجاسة بخلاف ما هناك لكون النجاسة عارية عن الاوصاف ( و فيه ) ان خلوا النجاسة عن الاوصاف لا يخرجها عن تنجيس ما يلاقيه و المنجس ليس أوصافها و انما المنجس عينها انتهى و فيه ما عرفت من ان مقتضى ظواهر الاخبار ان للتغير الفعلى مدخلية في ثبوت الحكم الشرعي التعبدي و ليس في العقل ما يحيله فلا مقتضى لرفع اليد عن ظواهر الاخبار و ارتكاب التأويل فيها و اما ما ذكروه من ان التغير في الفرض الاخير موجود حقيقة غاية الامر انه مستور عن الحس ففيه انه بعد فرض تساويهما في اللون يستحيل انفعال أحدهما بالاخر كما لو وقع قطرة دم في إناء مملو من الدم فانه لا يعقل ان يكتسب احد المتلاقيين من الاخر لونه لان التأثر من الاخر فرع قابلية المحل و عدم اشتغاله بمثل اثر الاخر و الا يلزم اجتماع المثلين في موضوع واحد نعم لو كان أحدهما اشد لونا من الاخر يحصل للمجوع بعد الامتزاج لون وسط فيتحق التغير في هذا الفرض بشهادة العقل فان كان التفاوت بين لون الماء قبل الامتزاج و بعده بينا بحيث يدركه العرف فلا شبهة في انفعاله و الا فلا اذ ليس المدار على التغير الحقيقي المستور عن الحس و الا يجب ان يحكم بنجاسة حوض كبير وقع فيه قطرة دم مستهلكه لكونها مؤثرة في تغير لون الماء و طعمه بحكم العقل غاية الامر ان اثرها ليس بحيث يدركه الحس فالأَقوى طهارة الماء ] مط [ في جميع الصور الا ان يحصل له تغيير حسى بحيث يشهد بوجودة العرف ( و ربما ) يستدل للنجاسة في الصورة الاخيرة بوجوه ضعيفة اقويها ان الجسم الطاهر الواقع في الماء لو لم يوجب ضعفه لا يوجب فوته قطعا و هو لا يقتضى منع النجاسة عن التأثير بداهة فالمقتضى للتنجيس موجود و المانع لا يصلح مانعا الا عن التغير لا عن الانفعال فيجب الحكم بنجاسته عقلا و فيه انه انما يتم لو كان السبب في نجاسة الماء اختلاطه بمقدار من النجاسة يقتضى

(12)

كيفية تطهير الجارى

تغيره فيكون التغير كاشفا عن تحقق السبب كما تقدم في توجيه كلام العلامة و اما لو كان السبب هو النجاسة المؤثرة في تغير الماء فعلا بحيث يكون لوصف التغير ايضا مدخلية في تمامية السبب كما هو مقتضى ظواهر الاخبار فلا و قد اشرنا إلى انه لا مانع عنه عقلا بل ربما يستأنس له بتشبيه بالقدارات الصورية فان تغير الماء بشيء منها يوثر في تنافر الطبع عنه نفرة ليست حاصلة عند فقد التغير و استتار أوصاف القذر و كيف كان فالمتبع في الاحكام التعبدية انما هو ظواهر الادلة لا المحسنات الذوقية و لو قيل ان الحكم و ان أنيط في ظواهر الادلة بالتغير و لكن العرف يساعد على تقديره في مثل الفرض ( قلنا ) بعد تسليم الدعوي ان مساعدة العرف نافعة في تشخيص الامور المقصودة من الخطاب لا في الاحكام المستنبطة باجتهادهم و الله العالم و العجب ممن اعترض على المشهور القائلين بعدم كفاية التقدير فيما لو اريق في الماء نجاسة مسلوبة الصفات بانه يلزمهم الحكم بطهارة ماء اريق فيه اضعاف اضعافه من البول و هو بديهي الفساد و حقيق ان يقال له حفظت شيئا و غابت عنك اشياء فان شرط عدم الانفعال بقاء الماء على صفة الاطلاق عرفا و بعد اختلاطه بنصفه من البول فضلا عن مثله أو ضعفه لا يصدق عليه الاسم على إطلاقه لو فرض استهلاك البول في ضمنه و صدق الماء المطلق عليه عرفا لا نتحاشى عن الالتزام بالحكم فالمدار حينئذ على بقاء اسم الماء و عدم خروجه عن إطلاقه و الا فينجس لو صدق على المجموع كونه ماء ممتزجا بالبول و ان لم يتحقق استهلاك من الطرفين و لم يصدق على المجموع اسم البول على إطلاقه اذ ليس شرط تأثير البول كونه بولا مطلقا فيكفى في تنجيس الملاقى وجوده في ضمن المجموع و لو بحكم الاستصحاب ؟ نعم لو حصل للمجموع بالامتزاج طبيعة ثالثة بحيث تغير كل من الطبيعتين حين ملاقاة الاخرى من دون ان يخرج الماء عن إطلاقه ما دام اسم البول باقيا فمقتضى القاعدة طهارته لانها هى الاصل في كل شيء و لا يجوز استصحاب نجاسة ما كان بولا حتى يترتب عليه تنجيس ملاقيه لا لمعارضته باستصحاب طهارة ما كان ماء اذ ليس من اثار بقاء الطهارة تطهير ملاقيه حتى يعارض استصحاب النجاسة بل لان تبدل الموضوع و تحقق الاستحالة مانع عن جريان الاستصحاب و لو شك في خروج الماء عن صفة الاطلاق قبل استحالة البول فالأَظهر ايضا طهارة المجموع لا لاستصحاب بقاء الماء على صفة الاطلاق إلى زمان استحالة البول المقتضية لطهارته و عدم تنجيس ملاقيه لمعارضته باستصحاب بقاء البول إلى زمان ارتفاع صفة الاطلاق بل لقاعدة الطهارة و سيأتي مزيد توضيح و تحقيق لامثال هذه الموارد في مسألة من تيقن الطهارة و الحدث و شك في المتأخر و لو تغير بعض الجارى بحيث انقطع عمود الماء بواسطة المتغير فهل حكم ما يلى المتغير كحكم ما يلى المادة في عدم انفعال قليله وجهان من ان تغير البعض لا يخرجه عن صدق اسم الجارى عليه و من ان المستفاد من الادلة المتقدمة انما هو اعتصامه في الفرض لان صحيحة ابن بزيع لا تدل الا على اعتصام ما اتصل بالمادة كما هو ظاهر و اما إطلاقات ما دل على ان الجارى لا ينجس فهي منصرفة عن مثل الفرض لان المنسبق إلى الذهن منها ليس الا الماء الجارى عن نبع و ما يلى المتغير و ان لم يكن منفصلا عن المادة حقيقة الا انه بنظر العرف بحكم المنقطع حيث لا يرون فرقا بين انقطاعه بحائل أو بالتغير nفما يلي المتغير بنظرهم ليس الا كالمنقطع فهو بحكم الراكد و هذا الوجه هو الاقوى و هل يطهر الجارى المتغير بزوال تغيره ] مط [ ام يعتبر امتزاجه بماء معتصم كالكر و ماء الغيث و ما يخرج من مادته وجهان ظاهر المصنف ] ره [ و كل من عبر كعبارته حيث اناط الحكم بكثرة الماء الطاهر الجارى من مادته عليه متدافعا حتى يزول التغير هو الثاني بل في طهارة شيخنا المرتضى ] قده [ نسبته إلى المشهور بين من تقدم على الشهيد بل لم يعرف منهم قائل بكفاية مجرد زوال التغير و ظاهر الشهيد في اللمعة و أكثر من تأخر عنه على ما حكى عنهم هو الاول و سيتضح لك تحقيق الحال في مبحث كيفية تطهير الماء القليل ] انش [ ( نعم ) قد يقال انه و ان قلنا باعتبار الامتزاج في تلك المسألة و لكنه لا نلتزم به هنا لان مقتضى التعليل في صحيحة ابن بزيع كفاية المادة في طهارة ماء البئر بعد زوال تغيره و الامر بالنزح في الصحيحة على ما يشهد به سياقها ليس الا لزوال الريح و طيب الطعم فالأَمر به ليس الا لكونه سببا عاديا لزوال التغير فيكون مفاد الصحيحة كما عرفت فيما سبق ان ماء البئر في حد ذاته واسع لكونه ذا مادة و انه لا يفسده شيء الا ان يتغير فإذا ازيل تغيره يعود إلى ما كان بمقتضى طبيعته و فيه ان غاية ما يستفاد منها ان ماء البئر في غير حال التغير طاهر و ما دام متغيرا نجس و اما ان ارتفاع النجاسة العارضة له بواسطة التغير عند زوال تغيره مسبب عن نفس زوال التغير من حيث هو من ان يكون الامتزاج بالماء الجديد الذي يخرج من المادة مدخلية في ذلك فلا يكاد يفهم منها حيث ان كون زوال التغير بالنزح مستلزما لذلك في العادة لا يحتاج بيانه إلى قيد زائد فلا يمكن نفى شرطية الامتزاج بأصالة الاطلاق و دعوى شهادة سياق الرواية بان الامر بالنزح ليس الا مقدمة الزوال التغير من حيث هو مع انها عارية عن الشاهد مجدية بعد تسليم كون النزح سببا عاديا في ازالة التغير عن البئر اذ غاية الامر انها تدل على ان الامر بالنزح ليس الا لاجل زوال التغير و اما ان الطهارة تتفرع على زوال التغير من حيث هو هو من دون مدخلية شيء آخر ملزوم له عادة فلا ( نعم ) لو عاد التعليل إلى القضيه المتصيدة من الكلام المتفرعة على الفقرة الثانية اعنى حدوث الطهارة بعد زوال التغير لكان للاستدلال به للمدعى وجه نظرا إلى ظهوره في كون المادة بنفسها علة له لكنك عرفت ان الاظهر رجوعه إلى الفقرة الاولى و كيف كان فالقول بكفاية مجرد زوال التغير استنادا إلى هذه الصحيحة في غاية الاشكال ( و يلحق ) به اى بالجاري في الاحكام

(13)

الحمام واعتبار الكرية في مادته

المذكورة ماء الغيث حال نزوله و ماء الحمام إذا كان له مادة اما ماء الغيث فيجئى البحث فيه عند تعرض المصنف ] ره [ له في المطهرات ] انش [ و اما ماء الحمام فالمراد به في المقام الماء القليل الذي في الحياض الصغار المعدة للاستعمال في رفع الحدث و الخبث المعمولة في اغلب الحمامات المتعارفة في بلاد العامة مستمدة من موادها و انما هو بحكم الجارى إذا اتصل بمادته و التقييد بوجود المادة كما في المتن و غيره لبيان اشتراط اعتصامه باتصاله بها و الا فاصل وجودها في الحمامات التي يتعارف الاستعمال فيها من مثل هذه الحياض مما لابد منه في تحقق مهية الحمام و يدل على انه بحكم الجارى صحيحة داود بن سرحان قال قلت لابى جعفر ( ع ) ما تقول في ماء الحمام قال ( ع ) هو بمنزلة الماء الجارى ( و رواية ) ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه السلام قال قلت أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب و الصبي و اليهودي و النصراني و المجوسي فقال ( ع ) ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا و في تشبيهه بالجاري و النهر دون الكر اشعار بل دلالة على ان اعتصامه انما هو لاجل اتصاله بماء طاهر قاهر فالمشبه انما هو ماء الحياض حال استمداده من موادها لا حين انقطاعه عنها و مما ( يؤيد ) إرادة ذلك من الروايتين رواية بكر بن حبيب عن ابى جعفر ( ع ) قال ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة ( و عن ) الفقة الرضوي ان ماء الحمام سبيله سبيل الجارى إذا كان له مادة فيها و بغيرها مما دل على انفعال الماء القليل يقيد إطلاق قوله ( ع ) في رواية قرب الاسناد ماء الحمام لا ينجسه شيء ( و هل ) يعتبر في مادة الحمام بلوغها كرا ام يكفى مطلقا أو يشترط الكرية في رفع النجاسة لا دفعها فيكفى مطلقا في الدفع أو يشترط كونها مع بما في الحياض كرا وجوه بل أقوال اقويها و اشهرها الاول بل في الحدائق انه هو المشهور بين الاصحاب و في المسالك هو قول الاكثر و في المدارك نسبته إلى أكثر المتأخرين و مرادهم على ما يعطى التأمل في كلامهم نسبة القول باعتبار كرية المادة مطلقا إلى المشهور لا في خصوص الرافعية فما أبعد ما بين هذه النسبة و ما عن بعض المتأخرين من دعوى الاجماع على كفاية بلوغ المجموع كرا و لا يبعد ان يكون مراد هذا البعض كفاية كرية المجموع في الدافعية و الا فستعرف دعوى الاجماع عن واحد على اعتبار الكرية في الرفع و كيف كان فهذه النسبة في محلها ( نعم ) ربما تستظهر من إطلاقات كلامهم بانه كالجاري إذا كان له مادة من دون تقييدها بالكرية و من افرادهم إياه بالذكر كماء الغيث ان له مزية على ساير المياه و هي عدم اشتراطها بالكرية أصلا و فيه ان إطلاقهم منزل على المتعارف و افرادهم إياه بالذكر بعد تسليم تقوى الماء السافل بالعالى في ماء الحمام كما هو الاظهر فانما هو المتابعة النص الا ترى ان واحد منهم صرح بعدم الخلاف في اعتبار كرية المادة في رفع النجاسة حتى ان من قوى عدم اعتبار الكرية مطلقا علقه في صورة الرفع على عدم انعقاد الاجماع على خلافه فيظهر من ذلك ان إطلاق كلامهم انه بمنزلة الجارى ليس لبيان عدم اشتراط الكرية في المادة بل قد عرفت عن الحدائق ان اشتراط كرية المادة هو المشهور بين الاصحاب فكيف يمكن استكشاف عدم الاشتراط من افرادهم له بالذكر أو إطلاق قولهم انه بمنزلة الجارى و كيف كان فالمتبع انما هو ظواهر الادلة ( فنقول ) قد يستدل بإطلاق قوله ( ع ) ماء الحمام كماء النهر و انه بمنزلة الجارى و انه لا بأس به إذا كان له مادة على اعتصامه مطلقا و عدم اشتراطه بالكرية لا في الدفع و لا في الرفع الا ان يثبت الاجماع على اعتبارها في الرفع أو على بلوغ المجموع كرا في الدفع ايضا ( و فيه ) ان الاطلاقات منزلة على ما هو المتعارف و من المعلوم ان الماء الموجود في المادة بمقتضى العادة في الحمامات التي يتعارف استعمالها حال الاستعمال ازيد من عشرين كرا فضلا عن كر واحد كيف مع ان وضع الحمامات المتعارفة انما هو على وجه لو اضيف إلى الماء الموجود في موادها لدى الحاجة كرا و أزيد لا يؤثر في تبريد مائه و من قال بان زيادتها على الكر انما تتعارف في أوائل الاخذ في الاستعمال و اما بعده فلا فكانه غفل عن وضع الحمام و بناء الحمامي و تخيل ان مادة الحمام كالمنابع المصنوعة لتطهير الحياض و نحوه فيمتلئونها تارة و يفرغونها اخرى و غفل عن ان وضع الحمام على ان يكون في خزانته بالفعل مقدار من الماء يفى بقضاء حاجة عامة أهل البلد لو احتاجوا اليه و الحمامي لازال يراقب امرها بحيث لو نقص من مائه شيء يعينه بماء جديد و لا يتقوم امر الحمام الا بان يكون الماء الجار الموجود في الخزانة بمقدار لو زيد عليه كرا و كران لاستهلك فالعادة قاضية باستحالة وجود حمام لا يكون الماء الموجود في خزانته في ازمنة تعارف استعماله مقدار الكر و بما ذكرنا ظهر لك انه لو لا الاجماع على عدم اعتبار ما زاد عن الكر في عاصميته المادة لا شكل استفادة كفايتها من هذه الاخبار نعم لو فرض اتصال ما في الحياض الصغار بما في المادة على وجه يعد في العرف مجموع الماء بين ماء واحدا كما لو كان الحوض و المادة بمنزلة غديرين موصولين بساقية التعين القول بكفاية بلوغ المجموع كرا في دفع النجاسة لا لهذه الاخبار بل لعموم قوله ( ع ) إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شيء الا ان وضع الحمامات المتعارفة ليس كذلك ضرورة ان حكمة افراز الحوض الصغير انما هى صيانة ما في مادته عن اثر الاستعمال و هذا ينافى اتحادهما فما اعترضه صاحب الحدائق و غيره على من اشترط كرية المادة في الحمام بان مقتضاه ان الحكم في الحمام اغلظ حيث انهم لم يعتبروا ذلك في الغديرين المتواصلين مدفوع بان اشتراطهم الكرية انما هو في الحمامات المتعارفة التي لا يجرى الماء في حياضها الا من جهة الفوق بانبوبة و نحوها لاما كان حياضيا كالغديرين المتواصلين المتساويين في السطح فان هذا بحسب الظاهر مجرد فرض لا تحقق له في الخارج نعم هذا ينافى القول ؟ ؟ الماء السافل و العالي ؟ في الحمام إذا كان مجموعهما كرا الا ان القائل باشتراط كرية المادة بحسب الظاهر لا يلتزم بهذا القول و ان أوهمه إطلاق عبارته في الغديرين الموصولين بساقية و الحاصل ان غاية ما يمكن استفادته من هذه الاخبار بضميمة الاجماع على عدم اشتراط كون المادة ازيد