مشارق الشموس فی شرح الدروس

حسین بن جمال الدین محمد خوانساری

جلد 1 -صفحه : 74/ 35
نمايش فراداده

في الموثق عن عمار الساباطي قال سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل ذبح طير فوقع بدمه في البئر فقال ينزح منها دلاء إذا كان ذكيا و ما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه فاكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا و أقله العصفور ينزح منها دلوا واحدا و ما سوى ذلك فيما بين هذين قال المحقق في المعتبر لا يقال هذا السند فطحية لنا نقول هذا حق لكن من الثقاة مع سلامته عن المعارض ثم هذه الرواية معمول عليها بين الاصحاب عملا ظاهرا و قبول الخبر بين الاصحاب مع عدم الراد له يخرجه إلى كونه حجة فلا يعتد اذن بمخالف فيه و لو عدل إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به إلى الشاذ الذي ليس بمشهور و هو باطل بخبر عمر بن حنظلة المتضمن لقوله ( عليه السلام ) خذ ما اجتمع عليه اصحابك و اترك الشاذ الذي ليس بمشهور انتهى و اعترض عليه صاحب المعالم بأن في هذا التوجيه نظرا واضحا لانه ان كان الاجماع واقعا على مضمون الخبر كما يدل عليه قوله و لو عدل عنه إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به فهو الحجة و لا حاجة إلى التكلف الذي ذكره و ان لم يتحقق الاجماع الذي ينهض بانفراده حجة لم يكف الاعتبارات التي قربها في إثبات الحكم و قد أنكر حجية مثلها في مواضع فقناعته بها هاهنا لا يخلو عن غرابة و لا يذهب عليك ان مراد المحقق ( ره ) من الاجماع الشهرة كما يدل عليه قوله الشاذ الذي ليس بمشهور و ما ذكره صاحب المعالم من انه حينئذ لم تكف الاعتبارات إلى آخر ما قاله ظاهر اذ الظاهر ان وجود الرواية الغير الصحيحة خصوصا إذا كانت من الثقات مع عدم معارض لها و شهرتها بين الاصحاب جدا مما يكفي في ثبوت الحكم و إلا لا نسد باب العمل باخبار الآحاد الا نادرا اذ الاخبار الصحيحة ايضا مع وجود ادنى معارض لها أو مع عدم شهرتها بين الاصحاب شهرة عظيمة مما لا يزيد على هذه الرواية في ايراث الظن و ظاهر ان مناط العمل حصول الظن لا كون الراوي عدلا اماميا و إن لم يحصل الظن برواته لان إثباته مما لا سبيل اليه و ما نسب إلى المحقق ( ره ) من إنكار حجية مثلها في مواضع ايضا مما ليس بظاهر اذ إنكاره ( ره ) في المواضع اما لعدم تحقق الشهرة العظيمة و أما لوجود المعارض و أما لعدم الرواية بل اكتفى بمجرد الشهرة و بالجملة إنكاره ( ره ) في مثل ما نحن فيه ظاهر نعم يمكن ان يعترض عليه بأن سلامته من المعارض مسلم لان صحيحة محمد بن مسلم و رواية زرارة المتضمنتين لنزح عشرين للميتة مطلقا انما تعارضانه الا ان يقال هذه ليست بالمعارضة المرادة هاهنا لانهما عامتان و رواية عمار خاصة و العام يجب حمله على الخاص كما هو المعمول و المعارضة المرادة هاهنا ما لم يجب حمل احد المتعارضين فيها على الآخر لكن الحق ان وجوب حمل العام على الخاص فيما يمكن ارتكاب مجاز في الخاص ليس مخالفته للظاهر اشد من مخالفة التخصيص ليس بظاهر مع ان فيما نحن فيه لا ظهور للخاص في وجوب نزح سبعين و بالجملة التعويل في الحكم على الشهرة بين الاصحاب و عدم ظهور ادلة من القائلين بالنجاسة و أما نحن معاشر القايلين باستحباب النزح فالأَمر علينا سهل بحمد الله تعالى ثم أعلم ان المشهور بين الاصحاب انه لا فرق في ذلك بين المسلم و الكافر و قال ابن إدريس بالفرق و ذهب إلى وجوب نزح الجميع للكافر و احتج بأن الكافر نجس فعند ملاقاته حيا يجب نزح البئر اجمع و الموت لا يطهر فلا يزول وجوب نزح الماء و ذكر انه لو تمسك بعموم الانسان لكان معارضا بما ورد انه إذا ارتمس الجنب في البئر نزح منها سبع دلاء فإنه يشترط فيه الاسلام اذ لا يقدم احد من الاصحاب على القول في الجنب بنزح سبع دلاء و لو كان كافرا كما اشترط هاهنا الاسلام فكذا ثمة و أيضا قد خصص الكافر من العموم بالاجماع قال المحقق في المعتبر و الجواب قوله ملاقاة الكافر موجبة لنزح الماء قلنا لا نسلم قوله اجمع الاصحاب قلنا هذه دعوى مجرده بل نحن نقول انا لم نقف على فتوى بذلك فكيف يدعى الاجماع و لو قال ذكر الشيخ ذلك في المبسوط قلنا قوله في المبسوط ليس دليلا بمجرده فضلا ان يدعى به الاجماع ثم الشيخ لم يجزم بذلك لانه يقول ما لم يرد فيه مقدر منوص يجب منه نزح الماء احتياطا و ان قلنا بجواز أربعين دلوا للخبر كان سايغا ان الاحوط الاول و الشيخ انما صار إلى الاحتياط استظهارا لا قطعا ثم انه علل إيجاب نزح الماء في الكافر لانه لا دليل على مقدر و نحن نقول الدليل موجود لان لفظ الانسان إذا كان متناولا للكافر و المسلم جرى مجرى النطق بهما فإذا وجب في موته سبعون لم يجب في مباشرته أكثر لان الموت يتضمن المباشرة فيعلم نفي ما زاد من مفهوم النص و هذا كما نقول في الجواب عن الخنزير إذا وقع و خرج حيا فإنه لا يجب له أكثر من أربعين و إن كان لم يرد على عينه نص بل فحواه دل على ذلك فالشيخ ( ره ) لم يصر إلى إيجاب الكل الا لتوهمه ان النص لا يدل بمفهومه على نفي ما زاد عن سبعين و لو قال سلمنا للعموم لكنه مخصوص قلنا تخصيص العموم بالاحتياط جايز و انما يخص بالدليل القاطع اما الاحتياط فليس من مخصصات العموم في شيء لانه انما يصار اليه عند عدم الدليل و العموم دليل فيسقط الاحتياط معه و كذا المطلق دليل فلا يعتبر معه الاحتياط و معارضته بالجنب وارده لانا نجيب من وجوه أحدها ان الارتماس من الجنابة أنما يراد الطهارة فيكون ذلك قرينة دالة على من له عناية بالطهارة و هو المسلم و لهذا قال الشيخ في المبسوط ينزح منها سبعة دلاء و لم يطهر الثاني ان نقول اما ان يكون هاهنا دليل يمنع من تنزيل خبر الجنب على الكافر و المسلم و أما ان لا يكون فإن كان فالامتناع انما هو لذلك الدليل و ان لم يكن قلنا بموجبه سواء كان مسلما أو كافرا فإنا لم نره زاد على الاستبعاد شيئا و الاستبعاد ليس حجة في بطلان المستبعد الوجه الثالث ان مقتضى الدليل العمل بالعموم في الموضعين و امتنا عنا من استعمال احد العمومين في العموم لا يلزم منه اطراح العموم الآخر لانا نتوهم لاحد العمومين مخصصا فالتوقف عنه انما هو لهذا الوهم فإن صح و إلا قلنا به مطلقا فالإِلزام وارد ثم هذا ليس بنقض على مسئلتنا بل نقض على استعمال اللام في الاستغراق اين كان فيلزم ان لا ينزل قوله الزانية و الزاني على العموم و لا قوله السارق و السارقة لانا لم ننزل الجنب هاهنا على العموم انتهى و اعترض عليه صاحب المعالم ( ره ) بأن الحيثية معتبرة في جميع موجبات النزح فمعني وجوب نزح السبعين لموت الانسان ان جاسة موته يقتضي ذلك فالعموم الواقع فيه انما يدل على تساوي المسلم و الكافر في الاكتفاء لنجاسة موتهما ينزح السبعين فإذا انضم إلى ذلك جهة اخرى للنجاسة كالكفر و نحوه لم يكن للفظ دلالة على الكناية الا ترى انه لو كان بدن المسلم متنجسا بشيء من النجاسات و كانت العين موجودة لم يكف نزح المقدر عن الامرين و لو تم ما ذكروه لاقتضى الاكتفاء و هم لا يقولون به جملة فالكفر امر عرضي للانسان كملاقاة النجاسة و لكل منهما تأثير في بدنه بالتنجس لكن الاول يشمل جميع بدنه و الثاني يختص بما يلاقيه فكما ان العموم متناول النجاسة الملاقاة لا يتناول نجاسة الكفر و بهذا يظهر ان المعارضة في محلها اذ حاصلها ان الحيثية متبادره من اللفظ و لذلك فرقوا بين المسلم و الكافر في مسألة الجنب فينبغي مثل ذلك هاهنا و قول المحقق ان الارتماس من الجنابة انما يراد للطهارة إلى ضعيف لخلو أكثر الاخبار الواردة في الجنب عن ذكر الاغتسال و انما ذكر فيها النزول و الوقوع و قوله اما ان يكون هاهنا دليل إلى آخره قد ظهر جوابه مما ذكرنا و كذا قوله ان مقتضى الدليل العمل بالعموم في الموضعين و قوله هذا ليس ينقض على مسئلتنا بل نقض على استعمال اللام في الاستغراق إلى آخره واه جدا لان اللازم من عدم عموم لفظ الجنب لنجاسة الكفر عدم تناول الزاني و السارق و نحوهما لغير حيثية الزنا و السرقة بحيث يكون الحد المذكور لكل واحد منهما كافيا عنه و عن غيره و هذا مما لا ريب فيه و نحن لا ندعي خلافه و الحاصل ان ملاحظة الحيثية يرشدك إلى رد كلام المحقق في هذا المقام من اصله لابتنائها على اغفالها انتهى و لا يذهب عليك ان ما ذكره صاحب المعالم ( ره ) لا يصلح توجيها لكلام ابن إدريس و لا يدفع إيراد المحقق ( ره ) عليه نعم قد يورث شكا في حقية كلام المحقق في الواقع بيانه ان ابن إدريس ( ره ) استدل على اشتراط الاسلام في نزح سبعين بوجهين أحدهما ان الاجماع واقع على ان اليهودي و كل كافر من اجناس الكفار إذا بأشر ماء البئر ببعض من أبعاضه نجس الماء و وجب نزح جميعها مع الامكان أو التراوح و هذا الوجه له احتمالان أحدهما ان يكون مراده ان الاجماع وقع على ان مباشرة الكافر موجب لنزح الجميع و الكافر الميت ايضا يصدق عليه الكافر و ثانيهما ان الاجماع وقع على ان مباشرة الكافر في حال الحيوة موجب لنزح الجميع ففي حال الموت بطريق الاولى لان الموت يزيد النجس نجاسة و الظاهر ان مراده الثاني لانه يظهر من كلماته انه يدعى الاجماع على المباشرة حال الحيوة و ثانيهما ان الاجماع واقع على ان الكافر إذا نزل إلى الماء و باشره يجب نزح الجميع فعند نزوله إلى الماء قبل الموت وجب نزح الجميع و ظاهر ان الموت ليس بمطهر فكيف يسقط وجوب الجميع و لا يخفى ان الوجه الاول شامل للواقع ميتا بخلاف الثاني ثم اعترض على نفسه انه قد ورد في الرواية انه إذا مات إنسان في البئر ينزح منه سبعون و هو عام في المؤمن و الكافر و لم يفصل و كذا أورد الشيخان و ابن بابويه هذا الحكم مطلقا من تفصيل فيجب العمل به و أجاب بوجهين أولا بالنقض و ثانيا بالحل اما النقض فإن الرواية وردت في الجنب ايضا عاما من تفصيل و كذا أورد الثلاثة المذكورة حكم الجنب من تفصيل فيلزم على ما ذكرتم ان يكون الجنب الكافر ايضا كذلك مع انه باطل بالاتفاق و أما الحال هو انه و ان كانت الرواية عامة لكن عند تعارض العام و الخاص يجب العمل بالخاص و قد أورد لذلك شواهد و هاهنا قد تعارض العام و الخاص لان الرواية عامة و ما ذكر من الاجماع خاص فيجب ان يحمل الرواية على الانسان المسلم لئلا يلزم التناقض هذا حاصل كلامه ( ره ) و محصل اعتراض المحقق ( ره ) عليه ان الاجماع على ما ادعاه ممنوع و لو تمسك بما ذكره الشيخ في المبسوط من ان الكافر إذا أنزل البئر و باشر الماء وجب نزح الماء اجمع فقول الشيخ بمجرده ليس حجة فضلا ان يكون إجماعا مع ان الشيخ لم يجزم به بل ذكره من باب الاحتياط و أيضا احتياط الشيخ انما هو لاجل انه لم يرد فيه نص كما صرح به و الحال ان النص موجود فيضمحل احتياطه بالكلية و بيان وجود النص ان لفظ الانسان عام للمؤمن و الكافر فيكون بمنزلة النطق بهما فيصير الرواية في قوة ان الانسان المسلم و الانسان الكافر إذا وقعا في البئر و ماتا نزح منها سبعون دلوا و لا شك ان هذا انما يدل ظاهرا على ان الكافر إذا بأشر الماء حيا لم يجب له ازيد من سبعين لانه إذا كان مع الموت يجب له سبعون فبدونه لا يجب ازيد منه كيف و الموت لا يخفف نجاسته بل يزيد كما صرح به ابن إدريس ( ره ) فثبت بالنص فحوى ان مباشرة الكافر للماء لا يوجب نزح الجميع بل انما يوجب سبعين أو اقل منه فخرج مما لا نص فيه فلم يكن الاحتياط نزح الجميع وجه و لا يمكن لا بن إدريس ( ره ) منع هذه الدلالة و القول بأن هذه العبارة انما يدل على ان نزح سبعين انما هو لاجل نجاسة الموت فإن انضم إليها نجاسة اخرى لا يكفي نزح سبعين كما إذا كان بدن الانسان نجسا على ما ذكره صاحب المعالم اما أولا فلان سياق كلامه ( ره ) هاهنا يدل على ان هذا العموم لو كان باقيا بحاله لكان نزح السبعين متعينا لكنه منع بقاء العموم و قال انه قد خصص بالاجماع و خرج منه الكافر فلو كان نظره إلى اعتبار الحيثية لما احتاج إلى منع العموم و ادعاء التخصيص بالاجماع و اما ثانيا فلانه ذكر في بحث وقوع الكلب انه وردت رواية بنزح سبعة دلاء لخروجه حيا لكنها ضعيفة فيجب نزح أربعين كما في موته ثم اعترض على نفسه بقوله فإن قيل إذا لم يعمل بالرواية فلم ينزح منها أربعون دلوا و لم لا ينزح جميع مائها لانه داخل في حكم ما لم يرد به نص معين قيل له لا خلاف بين أهل النظر و التأمل في أصول الفقة ان الموت يزيد النجس نجاسة فإذا كان الكلب بموته في البئر ينزح منها أربعون فما يكون وقوعه فيها و هي حى يزيد على نجاسة موته و بعد فانه يلزمه ما ألزمناه في نزول الانسان الكافر إلى البئر و تنجيسه لها و وجوب نزح جميع مائها لانه عنده لم يرد به نص فإذا مات بعد ذلك فيها وجب نزح سبعين دلوا ا تراه انقلب جنسه و زال ذلك الحكم و لا خلاف ان الموت ينجس الطاهر و يزيد النجس نجاسة و هذا قله فقه ثم أصول المذهب تدفعه لان نجاسة البئر لا يرفعها الا إخراج بعضه أو جميعه و هذا ما أخرج شيئا حتى يغير حكمه انتهى و هذا صريح فيه انه إذا أورد امر بأن الشيء الفلاني إذا ورد في البئر و مات وجب نزح كذا يلزم منه ان لا يجب لخروجه حيا ازيد من كذا و لو كان الحيثية معتبرة لما كان هكذا اذ يجوز ان يكون نزح كذا لاجل نجاسة الموت فلا يلزم ان يكون مع انضمام نجاسة اخرى ايضا كذلك و بما ذكرنا ثانيا اشار المحقق ( ره ) بقوله و هذا كما تقول في الجواب إلى آخره فظهر ان كلام المحقق ( ره ) تمام على ابن إدريس و لا قصور فيه فإن قلت ظهر من كلام ابن إدريس المنقول آخرا ان الاستدلال بعدم ورود النص في حال الحيوة مما لا يصح في إثبات نزح جميع الماء في هذا الباب و نظائره فما متمسكه في نزح جميع الماء للانسان الكافر قلت قد مر ان متمسكه الاجماع و يقول بأنه مخصص للكافر من العموم فلم يكن داخلا في الحكم حتى يلزم ان لا يجب لمباشرته حيا نزح ازيد من سبعين و بما ذكرنا ظهر اندفاع جميع ما أورده صاحب المعالم ( ره ) على المحقق ( ره ) سوى ما أورده بقوله و قول المحقق ( ره ) ان إلى آخره و يمكن دفعه ايضا بأنه بناء على مذهبه من اشتراط الاغتسال كما سيجئ نعم يمكن إيراد منع على المحقق ( ره ) في الواقع لا من قبل ابن إدريس بأن دلالة الرواية و ان كانت عامة على ان نجاسة الكفر لا يوجب نزح الزيادة على سبعين ممنوعة لجواز اعتبار الحيثية فإن قلت لا شك انه إذا قيل إذا وقع الكافر في البئر و مات انزح سبعين دلوا يدل دلالة صريحة على انه لا يجب لمباشرته الماء شيء وراء السبعين و إنكاره مكابرة و لما ثبت ان العموم ايضا بمنزلة النطق بالمسلم و الكافر فيكون إيراد المنع في صورة العموم ايضا مكابرة قلت ما ذكرته من كون المنع مكابرة عند التصريح بالكافر ظاهرا يكن في صورة العموم ظاهر و كونه بمنزلة النطق مسلم في جميع الاحكام الا ترى ان في صورة ألنطق لا يجوز التخصيص بخلاف صورة العموم ما ذكرنا من الفرق بين الصورتين في ورود هذا المنع و عدمه مما يشهد به الوجدان الصحيح و كان السر ان في صورة التصريح لما كانت حيثية الكفر و الموت متلازمتين فالظاهر عند الامر بوجوب نزح قدر معين في هذا الحال انه لهما معا بخلاف صورة العموم اذ لا تلازم بين مطلق موت الانسان و نجاسة الكفر فعند تعيين قدر لاحدهما لا يلزم تعيين القدر للآخر و للمتكلف ان يوجه كلام ابن إدريس نظرا إلى هذا الفرق و يقال ان تسليمه في الكلب لورود النص فيه بخصوصه بخلاف الكافر لكنه بعيد عن سوق كلامه فتدبر و يمكن ان يقال بعد تسليم ورود المنع انه لا شك انه إذا كان الانسان عاما في المسلم و الكافر فإذا ورد الامر بنزح السبعين لموته في البئر فهو يدل على عدم وجوب نزح الجميع لمباشره الكافر حيا اذ لو وجب لها نزح الجميع لكان الامر بعد ذلك بنزح سبعين مما لا معنى له فبقي اما ان يجب له ثلاثون أو أربعون لعدم القول بوجوب ثالث و هما انما يتداخلان مع السبعين فثبت عدم وجوب شيء سوى السبعين لكن اجراء هذا الكلام من قبل المحقق لا يصح لعدم قوله بالتداخل نعم لو كان مراده إثبات عدم وجوب نزح الجميع لكان متجها و يرد مناقشة أخرى على المحقق ( ره ) ان الوجه الثالث الذي ذكره انما هو داخل في الوجه الثاني فلا وجه لجعله وجها على حدة هذا ثم ان العلامة ( ره ) قال في المختلف ذهب علماؤنا إلى ان الانسان إذا مات في البئر ينزح منها سبعون دلوا و لم يفصلوا و قال ابن إدريس هذا في حق المسلم و أما الكافر فإنه ينزح له الجميع و احتج بأن الكافر حالة حيوته ينزح له الماء اجمع فكذا بعد موته لان الموت يزيد النجس نجاسة و الحق تفريعا على القول بالتنجيس ان يقول ان وقع ميتا نزح له سبعون للعموم و يمنع من زيادة نجاسته فان نجاسته حيا انما هو بسبب اعتقاده و هو منتف بعد الموت و ان وقع حيا و مات في البئر فكذلك لانه لو باشرها حيا نزح له ثلاثون لحديث كردويه و ابن إدريس بني ذلك على ان النجاسة التي لم يرد فيها نص ينزح لها الماء اجمع و نحن نمنع ذلك انتهى و اعترض عليه صاحب المدارك بوجوه اما أولا فلان ذلك مخالف لما هو المفروض في النصوص و كلام ابن إدريس و غيره فإن موضع المسألة في كلامهم موت الانسان في البئر و وقوعه فيها حيا كما لا يخفى على من تتبع كلامهم و أما ثانيا فلان ابن إدريس لم يستدل على وجوب نزح الجميع في هذه الحالة بمفهوم الموافقة ليتوجه عليه ما ذكره من المنع و إنما احتج عليه بثبوته في حال الحيوة و عدم اقتضاء الموت التطهير فلا يزول وجوب نزح الجميع الثابت قبله و هو استدلال جيد لو سلم انتفاء التقدير فيه و ان كل ما كان كذلك وجب فيه نزح الجميع و أما ثالثا فلان زوال الاعتقاد المقتضي لنجاسة الكفر لا يقتضي زوال تلك النجاسة الحاصلة عنه كما حققناه فيما سبق من ان كل ما حكم الشارع بنجاسته فيجب إبقاؤه على ذلك إلى ان يثبت له المطهر شرعا و ان هذا ليس من باب الاستصحاب بل مرجعه إلى الادلة العامة الدالة على ذلك فتأمل انتهى و فيه نظر اما في الوجه الاول فلانه ( ره ) لم يخص الكلام بالوقوع ميتا فقط بل أورد حكم الصورتين معا فلا وجه للايراد و أما في الوجه الثاني فلانك قد علمت ان الوجه الاول من وجهي احتجاج ابن إدريس هو هذا بعينه و أيضا ليس في كلامه ( ره ) ان منع زيادة النجاسة أنما هو مع ابن إدريس بل يجوز ان يكون منعا لما يتوجه في هذا المقام و ان لم يكن من ابن إدريس و أما ما نقله ( ره ) من احتجاج ابن إدريس فيمكن حمله على الوجهين المنقولين سابقا عنه كما لا يخفى فلا يرد الايراد عليه بأنه لم لم ينقل وجهه الثاني مع انه أظهر من الاول فإن قلت إذا لم يحمل العلامة ( ره ) كلامه على الوجه الاول فقط و لم يكن المنع الذي ذكره منعا لكلامه فلم يندفع كلام ابن إدريس و يبقى وجهه الثااني بحاله فكيف يصح كلام العلامة ( ره ) قلت قد عرفت ان الوجه الثاني انما يختص بالوقوع حيا ثم الموت و لا يجزي في صورة الوقوع ميتا فلا يلزم ان يدفعه العلامة ( ره ) في الصورة ألاولى بل انما يلزم دفعه في الصورة الاولى بل انما يلزم دفعه في الصورة الثانية و هو انما دفعه فيها كما سنذكره عن قريب انشاء الله تعالى و اما في الثالث فلان وجود العمومات الدالة على بقاء نجاسة الكفر بعد الموت ممنوع و ما ذكره بعض من ان عدم وجوب غسله و عدم جواز دفنه في مقابر المسلمين يدل على ذلك مسلم اذ لا ملازمة بين المعنيين كما لا يخفى و قد اعترض صاحب المعالم ( ره ) ايضا على المختلف بقوله و لقد اغرب العلامة في المختلف هاهنا حيث منع بقاء نجاسة الكافر بعد الموت و حكم بوجوب نزح تسعين بناء على القول بالتنجيس لوقوعه ميتا نظرا إلى العموم ثم قال و ان وقع حيا و مات فكذلك و من أحاط خبرا بما حققناه لم يتخالجه شك في فساد التسوية التي ذكرها بعد منعه لبقاء نجاسة الكفر بعد الموت و جعله مورد الحديث الوقوع ميتا كما افصح به تمسكه في حكم الوقوع ميتا بالعموم فإن اللازم من ذلك كون نزح السبعين واجبا لنجاسة الموت فقط اذ ليس هناك غيرهم بزعمه و حينئذ فإذا وقع حيا و مات اقترن بها امرا آخر منصوص عنده و هو المباشرة حيا فيجب لها ما يجب لغير المنصوص فكيف يقول بعد هذا انه وقع حيا و مات فكذلك انتهى و فيه نظر ظاهر لان ما ذكره من فساد التسوية بعد منع نجاسة الكفر بعد الموت و جعله مورد الحديث الوقوع ميتا فاسد قوله و حينئذ فإذا فإذا وقع حيا و مات انتهى قلنا مسلم انه اقترن بنجاسة الموت امرا آخر و هو ( ره ) لم ينكره لكنه انما دفعه بأن ما لا نص فيه يجب له نزح ثلاثين لرواية كردويه و هو انما يتداخل مع السبعين لان مذهبه ( ره ) تداخل النزح سواء كان النجاسات متحدة في الجنس و مختلفة كما صرح به في كتبه نعم انما يرد عليه منع صحة الاحتجاج برواية كردويه لكنه خارج عن هذا البحث و قد مر في بحث ما لا نص فيه و هذا ما وعدنا إتيانه انفا و لا يخفى ان الوجه الذي ذكره في الصورة الاخيرة يمكن اجرائه في الصورة الاولى ايضا لكنه تمسك فيها بالوجه الآخر ثم ما نسب اليه ( ره ) من جعله مورد الحديث الوقوع ميتا باطل و افصاح تمسكه فيه بالعموم به مسلم لان التمسك به باعتبار انه عام في وجوب نزح سبعين لنجاسة الموت كما اعترف به صاحب المعالم ايضا و ليس هاهنا سوى نجاسه الموت بزعمه انه لا يبقى نجاسة الكفر فيجب ان لا ينزح سبعين فقط و لا يتوجه منع العموم بأن الرواية انما وردت في الموت في البئر للاتفاق على ان الموت في البئر لا مدخل له في الحكم و لا فرق بين الموت فيها و في خارجها بالنظر إلى النجاسة الحاصلة من الموت نعم قد يفرق بينهما باعتبار النجاسة الاخرى و ليس الكلام هاهنا فيه هذا و لا يخفى عليك انه يرد على العلامة ( ره ) ان ابن إدريس ما بني الكلام هاهنا على وجوب نزح الجميع لما لا نص فيه بل انما بني على الاجماع فحينئذ الوجه في دفع كلامه ما ذكره المحقق ( ره ) لا منع تلك المقدمة فتأمل و قد بقي في المقام شيء و هو ان الشهيد الثاني ( ره ) في شرح الارشاد منع منع العلامة ( ره ) بقاء نجاسة الكفر بعد الموت و مع ذلك فرق بين الوقوع ميتا و الوقوع حيا ثم الموت و حكم في الاول بالاكتفاء بنزح سبعين لعموم الرواية و في الثاني بوجوب نزح الجميع ان قلنا بوجوبه لما لا نص فيه و بنزح ثلاثين أو أربعين زايدا على السبعين ان قلنا بوجوبهما لما لا نص فيه و لم نجوز التداخل و إن جوزنا فسبعون فقط و لا يخفى ما فيه لان الرواية صريحة في الوقوع حيا و الموت بعده فإن عمل بعمومها و لم ينظر إلى حيثية النجاسة فيلزم الاكتفاء بالسبعين في الموضعين و ان لم يعمل بعمومها أو يعتبر الحيثية يجب ان لا يكتفي به على التقادير المذكورة اذ كما في الصورة الثانية يجتمع جهتا النجاسة الكفر و الموت فكذا في الصورة الاولى لانه منع زوال النجاسة الكفرية بعد الموت نعم انما يصح الفرق لو منع البقاء كما فعله العلامة ( ره ) هذا و قد تلخص مما ذكرنا ان وجوب نزح الجميع للكافر سواء وقع ميتا أو حيا مما لا طهور له لان بنائه اما على الاجماع أو وجوب نزح الجميع لما لا نص فيه و الاول ثابت و الثاني ايضا قد عرفت حاله في بحثه بل القدر المسلم على تقدير الوجوب الثلاثون أو الاربعون و هما انما يتداخلان مع السبعين كما سيجئ انشاء الله تعالى من ظهور التداخل مع ان الدلالة التي ادعاها المحقق كما سبق ليس ببعيد و ان كان للمنع مجال لكن الاحتياط في وجوب نزح الجميع و الله أعلم ( و خمسين للعذرة الرطبة أو الذائبة ) أوجب الشيخ في المبسوط خمسين للعذرة الرطبة و عشر لليابسة و المفيد في المقنعة أوجب عشرا لليابسة و خمسين للرطبة و الذائبة كما في هذا الكتاب و كذا قال المرتضى ( ره ) في المصباح على ما حكى عنه في المعتبر و الصدوق ( ره ) قال و للعذرة عشر فإن ذابت فأربعون أو خمسون و هو اختيار المحقق و ما ذهب اليه الثلاثة لا مستند له و أما ما ذهب اليه الصدوق ( ره ) فمستنده ما رواه التهذيب في باب تطهير المياه و الاستبصار في باب البئر يقع فيها العذرة اليابسة أو الرطبة عن ابي بصير عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال سئلته عن العذرة تقع في البئر فقال ينزح منها عشر دلاء فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا و ما رواه الكافي في باب البئر عن علي بن حمزة عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) مثل الخبر السابق و هذان الخبران واضحا الدلالة على المراد لكنها ضعفا السند فالذي يقتضيه النظر ان يقال انه لو اكتفى في التكاليف المتيقنة الغير المعلومة المراد بالاتيان بالقدر المتيقن فيكفي الاربعون في الذائبة و ان قبل بلزوم تحصيل البرائة اليقينية فلا بد من خمسين للاتفاق على عدم وجوب الزايد و أما ما يدل على نفي الباس من العذرة من صحيحة علي بن جعفر المتضمنة للزنبيل و موثقة عمار المتضمنة له ايضا و رواية ابي مريم المتضمنة لخروج قطعة يابسة من العذرة بالدلو المتقدمة في بحث نجاسة البئر بالملاقاة فلا ينظر إليها هاهنا لان الكلام على تقدير نجاسة البئر أو وجوب النزح و إن لم ينجس و هذه الروايات واجبة التأويل و الاطلاح على هذا التقدير و أما رواية كردويه الاتية انشاء الله تعالى فمع كونها ضعيفة السند لا تنافي ما ذكر لان فيها نزح ثلاثين للعذرة المخلوطة بماء المطر فلعل نجاستها قد خففت بسبب المطر فلا يمكن التعدي إلى غيرها ثم ان الرواية كما رأيت متضمنة لحكم الذائبة و غيرها و لا تعرض فيها للرطبة و اليابسة فإلحاق الرطبة بالذائبة مشكل و قال العلامة ( ره ) في المنتهى بإمكان التعدية إلى الرطبة لاشتراكها مع الذائبة في شياع الاجزاء و لانها تصير حينئذ رطبة و الاشتراك ممنوع و أيضا لو حصل شياع الاجزاء و التفرق بحيث يصدق الذوبان فتكون ذائبة حقيقة لا أنها ملحقة بها و الوجه الاخير محصل المعنى و المراد بالذوبان كما ذكره بعض الاصحاب تحلل الاجزاء و شيوعها في الماء بحيث يستهلكها و يمكن ان يكتفي فيه بتفرق الاجزاء و تقطعها لصدق الذوبان حينئذ عرفا ثم انه هل يكفي ذوبان البعض أو يشترط ذوبان جميعها فقيل بالثاني نظرا إلى ان الرواية اسندت الذوبان إلى العذرة الواقعة في البئر و هو انما يحصل بذوبان جميعها و للمنع مجال و قيل بالاول نظرا إلى ان القلة و الكثرة معتبرة فلو سقط مقدار البعض الذائب منفردا و ذاب لاثر فانضمام غيره اليه لا يمنعه التأثير و قد يمنع هذا ايضا فبالجمله الاحتياط في القول الثاني ( و الدم الكثير كدم ذبح الشاة مثلا ) اختلف الاصحاب في حكم الدم فالمفيد ( ره ) في المقنعة حكم بوجوب خمسة دلاء للقليل و عشرة للكثير و قال الشيخ ( ره ) في النهاية و المبسوط للقليل عشرة و للكثير خمسون و الصدوق ( ره ) قال بوجوب ثلاثين إلى أربعين في الكثير و بوجوب دلاء يسيرة في القليل و اليه مال في المعتبر و حسنة المصنف في الذكرى و قال المرتضى في الصباح في الدم ما بين الدلو الواحدة إلى عشرين و احتج التهذيب المفيد ( ره ) بمكاتبة ابن بزيع المتضمنة لوقوع قطرات البول و الدم في البئر كما تقدم في بحث نجاسة البئر و قال الشيخ وجه الاستدلال من هذا الخبر هو انه قال ينزح منها دلاء و أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب ان نأخذ به و نصير اليه اذ لا دليل على ما دونه و اعترض عليه بوجوه أحدها انه ليس في الحديث اشعار بالكثرة بل ظاهره إرادة القلة و الثاني انه مبني على كون الدلاء جمع قلة كما يدل عليه قوله و أكثر عدد إلى آخره و ليس كذلك لانحصار جموع القلة في أوزان أربعة مشهورة أو خمسة عند بعضهم و ليس هو منها فيكون من جموع الكثرة و هو في الاستبصار قد اعترف به و الثالث ان حمل الدلاء على جمع القلة يقتضي الاجتزاء بأقل مدلولاته و هو الثلاثة لان إطلاق اللفظ يدل على ان المطلوب تحصيل الماهية بأى فرد اتفق مما يتحقق فإذا حصلت بالاقل كان الزايد منفيا بالاصل و اعترض في المعتبر ايضا بأنا نسلم ان أكثر عدد يضاف إلى الجمع عشر لكن لا نسلم انه إذا جرد عن الاضافة كانت حاله كذلك فإنه لا يعلم من قوله عندي دراهم انه لم يخبر عن زيادة من عشرة و لا إذا قال اعطه دراهم يعلم انه لم يرد أكثر من عشرة فلن دعوى ذلك باطلة و لا يذهب عليك ان ظاهر قول الشيخ و أكثر عدد يضاف إلى هذه الجمع عشرة حيث اقحم لفظة هذا ان مراده ان هذا الجمع جمع قلة لا ان يكون بناء كلامه على ان الجمع إذا كان مميزا فاكثر ما يكون هو مميزا له عشرة حتى يرد عليه إيراد المحقق أحدهما صريحا و الآخر فحوى نعم انما يرد عليه الايراد السابق من منع كونه جمع قلة و كذا الايراد ان الآخران و أما ما ذهب اليه المبسوط و النهاية فلا مستند له في الكثير أصلا و أما القليل فقد يستند فيه بالمكاتبة المذكورة تارة بأن يقال ان ظاهرها ان الكلام في قليل الدم لان القطرات جمع صحة و نص سيبويه على ان جمع الصحة للقلة و الدلاء جمع قلة و أكثرها عشرة فيجب الاكثر تحصيلا ليقين البرائة و فيه أولا منع كون الدلاء جمع قلة كما مر و ثانيا منع وجوب الاكثر بل الظاهر انه يكفي اقل ما يصدق عليه و تارة بأن الكلام في قليل الدم كما قلنا و الدلاء جمع كثرة و أقله العشرة و فيه أولا منع كون أوزان الجمع متفاوتة بالقلة و الكثرة حقيقة بل الظاهر ورود كل من و زنى القليل و الكثير على مصطلحهم بمعنى الآخر ورودا شايعا ذايعا فهو أما حقيقة فيه ايضا و أما مجاز مشهور بالغ حد الحقيقة و على التقديرين لا يتم المقصود و ثانيا انه لو تم هذا لزم ان يجب نزح احد عشر لانه اقل جمع الكثرة لا العشرة و أما ما ذهب اليه الصدوق ( ره ) فمستنده في القليل المكاتبة المذكورة و وجه الاستدلال ظاهر و كذا موثقة عمار المتقدمة في بحث وجوب سبعين لموت الانسان و يدل عليه ايضا ما رواه التهذيب في زيادات باب المياه و الاستبصار في باب البئر يقع فيها الدم و الكافي في باب البئر في الصحيح عن علي بن جعفر ( عليه السلام ) قال سئلته عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء و أوداجها تشخب دما هل يتوضأ من ذلك البئر قال ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الاربعين دلوا ثم يتوضا منها و لا بأس قال و سئلته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر هل يصلح ان يتوضأ منها قال ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها قال و سألته عن رجل يستقي من بئر فرعف فيها هل يتوضأ منها قال ينزح منها دلاء يسيرة و الخبر و ان كان مضمرا في التهذيب و الاستبصار لكنه مسند في الكافي إلى ابي الحسن ( عليه السلام ) و الجزء الاول منه رواه الفقية ايضا عن علي بن جعفر عن اخيه ( عليه السلام ) في باب المياه و الجزء الاخير رواه التهذيب في باب تطهير المياه ايضا و مستنده في الكثير الجزء الاول من الخبر الاخير و هذا المذهب منصور من حيث قوة مستنده و صراحة دلالته لكن التعدي من الدماء التي فيه إلى غيرها كما فعله جمع من الاصحاب مشكل فالظاهر إلحاق ما عداها بما لا نص فيه كما ذكره بعض الفضلاء ان لم نقل بدخوله تحت عمومات التغير لان الظاهر انه لا ينفك عن التغير و أما رواية كردويه و زرارة المتقدمتان في بحث وقوع الخمر الدالة احديهما على نزح الثلاثين لقطرة الدم و الاخرى على نزح عشرين لها أو للدم مطلقا فلا تصلحان معارضا لما ذكر لعدم صحة مستندهما مع ان الحمل على الاستحباب ايضا احتمال ظاهر نعم انما يعارضه الاخبار المتضمنة للتغير و أنه يكفي عنده ما يزيل التغير و سيجيء بسط القول فيه انشاء الله تعالى في بحثه و أما ما ذهب اليه المرتضى ( ره ) فكان مستنده رواية زرارة المذكورة و لا يخفى ما فيه لعدم دلالتها على مدعاه مع انه ضعيفة و أسند المحقق في المعتبر إلى ابي العباس رواية بمضمون رواية زرارة و لم نطلع عليها في الكتب الاربعة ثم أعلم ان جماعة من الاصحاب قدر و القليل بمثل دم الطير و الرعاف و الكثير بدم ذبح الشاة و نقل عن الراوندي ان الاعتبار في ذلك بماء البئر في الغزارة و النزارة فربما كان دم الطير كثيرا في بئر قليلا في أخرى و قد نقل العلامة الرازي ( ره ) عن العلامة ( ره ) ما يوافقه و أنت خبير بأن تحقيق هذين المعنيين انما كان انما كان نافعا لو كانا في لفظ الحديث لكن في الحديث ما سمعت فلا وجه له فلنقتصر على ما فيه ( و أربعون للثعلب و الارنب و الكلب و الخنزير و السنور و الشاة و بول الرجل ) وجوب أربعين دلو للستة الاول و لاشباهها في الجثة هو مختار الشيخين و المرتضى و اتباعهم و قال الصدوق في الفقية في الكلب ثلاثون إلى أربعين و في السنور سبع دلاء و في الشاة و ما أشبهها تسع دلاء إلى عشرة و قال في المقنع ان وقع فيها كلب أو سنور فانزح ثلاثين دلوا إلى أربعين و قد روى سبع دلاء و ان وقعت في البئر شاة فانزح منها سبع دلاء و احتج الشيخ على مختاره بما رواه التهذيب في باب البئر يقع فيها الكلب عن علي قال سئلت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن الفأرة تقع في البئر قال سبع دلاء قال و سألت عن الطير و الدجاجه تقع في البئر قال سبع دلاء و السنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا و الكلب و شبهه و بما روياه ايضا في البابين في الموثق عن سماعة قال سئلت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن الفأرة تقع في البئر و الطير قال ان أدركته قبل ان ينتن نزحت منها سبع دلاء و ان كان سنورا و أكبر منه نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا و ان انتن حتى توجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن في الماء قال في التهذيب و ليس لاحد ان يقول كيف عملتم على أربعين دلوا في السنور و الكلب و شبهها و في الدجاجة و الطير على سبع دلاء و في هذين الخبرين ليس القطع على أربعين دلوا بل انما يتضمنه على جهة التخيير وهلا عملتم بغير هذين الخبرين مما يتضمن نقصان ما ذهبتم اليه لانا إذا عملنا على ما ذكرناه من نزح أربعين دلوا مما وقع فيه الكلب و شبهه و نزح سبع دلاء مما وقع فيه الدجاج و شبهه فلا خلاف بين اصحابنا في جواز استعمال ما بقي من الماء و يكون ايضا الاخبار التي يتضمن الاقل من ذلك داخلة في جملته و إذا عملنا على ذلك نكون دافعين لهذين الخبرين جملة و صايرين إلى المختلف فيه فلاجل هذا عملنا على نهاية ما وردت به الاخبار انتهى و لا يخفى ما فيه من الضعف و حجة الفقية اما في السنور فلعلها رواية عمرو بن سعيد بن هلال المتقدمة و أما في الكلب فموثقة سماعة المذكورة آنفا و أما في الشاة و ما اشبهها فما رواه التهذيب و الاستبصار في البابين عن اسحق بن عمار عن جعفر عن ابيه ان عليا ( عليه السلام ) كان يقول الدجاجة و مثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان و ثلاثة فإذا كانت شاة و ما اشبهها فتسعة أو عشرة و أما حجة المقنع ففي الكلب و السنور موثقة سماعة رواية السبع كأنها رواية عمرو بن سعيد و يحتمل ان يكون صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في بحث صب الخمر و في الشاة و شبهها كأنها هاتان الروايتان ايضا و أنت خبير بما في هذه الوجوه من الضعف و اعلم انه قد وردت اخبار كثيرة تدل على خلاف ما ذكر فمنها ما روياه في البابين المذكورين في الصحيح صريحا في الاستبصار و ظاهرا في التهذيب عن ابي اسامة عن ابي عبد ( عليه السلام ) في الفأرة و السنور و الدجاجة و الطير و الكلب قال فإذا لم يتفسخ أو لم يتغير طعم الماء فيكفي نزح خمس دلاء و ان تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح و رواه الكافي ايضا في باب البئر في الحسن و التهذيب ايضا روى عن الكافي مرة اخرى و أجاب الشيخ عنه بوجهين أحدهما ان الجواب انما هو عن الدجاجة و الطير فقط و يحال الحكم في الكلب و السنور إلى ما علم شايعا من مذاهبه أو إلى خبر آخر و ثانيهما بحمله على انه خرج الكلب حيا و لا يخفى ما فيهما من الضعف الظاهر و قال المحقق في المعتبر رواية اسامة قوية السند لكنها متروكة بين المفتين و منها صحيحة علي بن يقطين المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنزح دلاء و منها صحيحة الفضلاء و رواية الفضيل المتقدمتان في بحث وقوع الفرس المتضمنتان ايضا للدلاء و أجاب الشيخ عنها بحمل الدلاء على الاربعين و فيه ما فيه و منها ما روياه في البابين في الصحيح عن ابي مريم قال حدثنا جعفر قال كان أبو جعفر ( عليه السلام ) يقول إذا مات الكلب في البئر نزحت و قال جعفر ( عليه السلام ) إذا وقع فيها ثم أخرج منها حيا نزح منها سبع دلاء و حمله الشيخ على التغير و المعتبر على ان المراد نزحت أربعون و لا يخفى ما فيه و منها ما روياه في البابين في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال و سئل عن بئر يقع فيها كلب أو فارة أو خنزير قال ينزف كلها و الشيخ حمله ايضا على التغير و قال المحقق في المعتبر و رواية عمار و ان كان ثقة لكنه فطحي فلا يعمل بها مع وجود المعارض السليم و الظاهر ان المراد بالمعارض السليم رواية علي التي استدل بها على مختاره من وجوب الاربعين و لا يخفى ما فيه و منها ما رواه الكافي في باب البئر عن ابي بصير قال سئلت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عما يقع في الآبار فقال الفأرة و أشباهها فينزح منها سبع دلاء الا ان يتغير الماء فينزح حتى تطيب فإن سقط فيها كلب فقدرت ان تنزح مائها فافعل كل شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقرب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس و هذا الخبر ضعيف السند و أنت خبير بأن مثل هذا الاختلاف العظيم شاهد عدل على استحباب النزح و عدم نجاسة البئر ثم أنه لو قيل بالاستحباب فأمر الاختلاف سهل و لو قيل بالوجوب فالظاهر نظرا إلى مقتضى الروايات الاكتفاء في الجميع بخمسة دلاء بل بثلاثة الا ان يكون خرقا للجماع و الاحتياط في أربعين و الله أعلم و أما وجوب أربعين لبول الرجل فهو مذهب الخمسة و اتباعهم و استدل عليه بما روا التهذيب في الباب المذكور و الاستبصار في باب بول الصبي تقع في البئر عن علي ابي حمزة عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال سئلته عن بول الصبي العظيم يقع في البئر فقال دلو واحد قلت بول الرجل قال ينزح منها أربعون دلوا و قد عارضه اخبار منها صحيحة معوية بن عمار المتقدمة في بحث وقوع الخمر المتضمنة لنزح الجميع عند صب البول و يجاب بحملها على الاستحباب و يشكل مع الحمل في قرينة من الخمر على الوجوب و على التغير و منها مكاتبة ابن بزيع المتقدمة في بحث نجاسة البئر المتضمنة لنزح دلاء لقطرات البول و منها رواية كردويه المتقدمة في بحث صب الخمر المتضمنة ثلاثين لقطرة البول و منها رواية كردويه ايضا الآتية في بحث وقوع ماء المطر و الجواب عن الاخيرة ظاهر لانها مختصة بالبول المختلط بماء المطر و الرواية الاخرى منه ايضا يمكن القدح فيها باعتبار السند و اما المكاتبة فقوية و استقرب العلامة في المنتهى العمل بها لكنه حمل الدلاء فيها على ثلاثين لرواية كردويه و فيه ما لا يخفى و المحقق في المعتبر بعد ان استدل برواية علي بن ابي حمزة و أورد معارضاتها من صحيحة معوية و روايتي كردويه قال و الترجيح لجانب الاولى لاشتهارها في العمل و شذوذ غيرها بين المفتين لا يقال علي بن ابي حمزة واقفي لانا نقول تغيره انما هو في زمن موت موسى ( عليه السلام ) فلا يقدح فيما قبله على ان هذا الوهن لو كان حاصلا وقت الاخذ عنه لانجبرت بعمل الاصحاب و فتويهم بها انتهى و اعترض عليه صاحب المعالم بقوله و فيما قاله نظر واضح لان حال الشهرة معلوم و ظاهره في كثير من المواضع عدم اعتبارها كما سبق التنبيه عليها و قوله ابن ابي حمزة انما تغير في زمن موسى ( عليه السلام ) إلى آخره عجيب اذ ليس الاعتبار في عدالة الراوي بحال التحمل بل بزمان الرواية و كيف يعلم بمجرد اسنادها إلى الصادق ( عليه السلام ) ان روايته بها وقعت قبل تغيره و ما هذا الا محض التوهم مع ان الجزم بإرادة ابن ابي حمزة البطائني الذي هو واقفي لا وجه له الاشتراك الاسم بينه و بين ابي حمزة الثمالي وأي قرينة واضحة على التميز و الثمالي حكى الكشي عن حمدويه بن نصير يوثقه انتهى و في إيراده الاول ما مر من أنه لا ظهور في عدم اعتباره ( ره ) مثل هذه الشهرة و الثاني موجه و أما الثالث فليس بشيء اذ لم يعلم ان المحقق ( ره ) جزم بأنه البطائني بل لما كان مشتركا بينه و بين الثمالي و الضعف انما ينشأ باعتباره فقد تعرض لدفعه على هذا الحال و أما الاحتمال الآخر فلا حاجة إلى التعرض لانه ثقة هذا ثم على القول بالاستحباب لا اشكال و على القول بالوجوب قيل المتجة العمل بصحيحة معوية بن عمار في الكثير لدلالة الانصباب عليه و بصحيحة محمد بن اسماعيل في القليل لظهورها فيه كما سبق الا ان يتحقق إجماع على خلافه لا مجرد عدم ظهور القايل به و فيه اشكال حيث ان الرواية الصحيحة بمجردها لا ظهور جدا في وجوب العمل بها بل لابد من انضمامها بعمل الاصحاب اما جميعا بحيث لم يظهر مخالف أو مع ظهور المخالف ايضا لكن شاذا نادرا و لا اقل من ان لا يشتهر خلافه بحيث لم يظهر عامل به أو يكون العمل به نادرا شاذا و الجميع مفقود فيما نحن فيه فالعمل بهما لا يخلو من اشكال خصوصا رواية معوية لمخالفتها للاصل و احتمالها الاستحباب احتمالا ظاهرا نعم العمل بصحيحة محمد لا يخلو من وجه لتأييدها بالاصل و عدم ظهور وجوب العمل بالمشهور سيما مع عدم صحة متمسكه على انه مطلق بالنسبة إلى صحيحة محمد و هي مقيدة فيجب حمله عليها مع ان احتمال الاستحباب ظاهر ايضا و الله أعلم ان الاصحاب رحمهم الله اختلفوا في بول المرأة فحكم ابن إدريس بمساواته لبول الرجل في وجوب الاربعين و به قال العلامة في التحرير و الاكثر فرقوا بينهما و احتج ابن إدريس بتناول لفظ الانسان لهما قال المحقق ( ره ) في المعتبر و نحن نسلم انها إنسان و نطالبه اين وجد الاربعين معلقة على بول الانسان و لا ريب انه و هم منه انتهى و هو حسن اذ لم نقف في الروايات على ما يدل عليه ثم القائلون بالفرق الحقة جماعة منهم بما لا نص فيه و المحقق في المعتبر أوجب له ثلاثين دلوا سواء كان من صغيرة أو كبيرة لرواية كردويه و حكم بالاستحباب نزح الجميع لرواية معوية بن عمار و في القولين نظر اما الاول فلورود النص فيه متعددا من صحيحتي معوية و ابن بزيع و روايتي كردويه الا ان يقال صحيحة معوية لم يعمل به الاصحاب في حكم البول فلا عبرة بها و قد يقال ان عدم عمل الاصحاب بها انما هو في بول الرجل لوجود مخصص في الخارج فذلك لا يستلزم عدم العمل بها في بول المرئة الا ان يقال إذا ثبت عدم العمل في بول الرجل فالتخصيص ليس بأولى من المجاز فليحمل على الاستحباب و كذا الحال في صحيحة ابن بزيع و أما روايتا كردويه فاحديهما خارجة عن البحث لاختصاصها بالمخالط بماء المطر و أما الاخرى فغير نقي السند فالعمل بها مشكل مع ان الاصحاب لم يعملوا بمضمونها و أيضا انها مختصة ظاهرا بقطرة البول فلا نص فميا عداها و أما الثاني فلان رواية كردويه لا يصلح للاعتماد مع انها ظاهرة في القطرة و الذي يقتضيه النظر ان يكتفي في القليل منه بدلاء لصحيحة ابن بزيع مع تأييدها بالاصل و عدم معارض لها سليم و أما في الكثير فلا يبعد الاكتفاء بالثلاثين لانه القدر المتيقن و لا دليل على الزايد و الاولى الاربعون و الاحوط الجميع ثم ان المتقدمين حتى ابن إدريس القايل بالفرق بين موت المسلم و الكافر لم يفرقوا بينهما في البول لتناول العموم لهما و احتمل بعض المتأخرين الفرق لان لنجاسة الكفر تأثيرا و لهذا لو وقع في البئر ماء متنجس بملاقاة بدن الكافر لوجب له النزح فكيف يكتفي للبول مع ملاقاته لبدنه بأربعين و الحكم انما هو منوط بنجاسة البول لا بنجاسة الكفر و قال و هذا وارد في ساير فضلاته كعذرته و بوله و مثل دم نجس العين و فيه أولا ان نجاسة البول بمجاورة بدن الكافر ممنوع اذ لا عموم بحيث يظهر شموله و له لو سلم فنقول مثل ما سبق في مسألة بول الانسان