عليه السلام ان زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا فقبلنا منه و صدقناه ، و قد أحببت أن أعرضه عليك ، فقال : هاته ، قلت : فزعم أنه سألك عن قول الله عز و جل " و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " من ملك زادا و راحلة ، فقال : كل من ملك زادا و راحلة ، فهو مستطيع للحج و ان لم يحج ؟ فقلت نعم .
- قوله : روى عنك في الاستطاعة شيئا .
القول المنسوب إلى زرارة و أصحابه ، و قد قال مولانا الصادق عليه السلام أنه بري منه ، و أن ذلك ليس من دينه و دين آبائه صلوات الله عليهم ، هو تفويض الفعل و اسناده إلى قدرة العبد و ارادته على الاستقلال بالذات من استناد إلى الله و ارادته تعالى سلطانه أصلا الا بالعرض ، و فريق جم من العامة يسمون أصحاب هذا القول بالقدريه . و لعل من في اقليم العقل و البرهان يعلم أنه من الممتنع أن يتصحح للممكن الذاتي (1) تحقق بالفعل من دون الاستناد إلى الواجب الحق بالذات . و في ازاء هذا القول قول الجبرية بالترى و أولئك هم القدرية على التحقيق و اياهم عني النبي صلى الله عليه و آله " القدرية مجوس هذا الامة " كما قد أسلفنا بيانه ، و هو اسناد أفعال العباد إلى الله سبحانه ابتداء و نفي مدخلية قدرة العبد و ارادته في فعله مطلقا ، و كان ذا العقل الصريح و الذهن الصراح ليس يحتاج في إبطال ذلك إلى مؤنة تجشم . و الطريق الوسط الذي هو القول الفصل و الدين الحق و الكلمة السوآء أنه لا جبر و لا تفويض و لكن أمر بين الامرين ، فان المبادي المترتبة المنبعث عنها فعل العبد مبتدأة في جهة التصاعد من القدرة الحقة الوجوبية و الارادة الحقيقية الربوبية ، و منتهية في جهة التنازل إلى قدرة العبد و ارادته المنبعث عنهما فعله ، و الجميع في نظام الوجود مستند إلى الذات الاحدية الحقة التي هي في حد نفسها عين العلم المحيط ه ص 360
1) في " س " : الذاتية 1) فقال : ليس هكذأ سألني و لا هكذا قلت : كذب علي و الله كذب علي و الله لعن الله زرارة لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة انما قال لي من كان له زاد و راحلة فهو مستطيع للحج ؟ قلت : و قد وجب عليه الحج ، قال : فمستطيع هو ؟ فقلت : لا حتى يؤذن له ، قلت : فأخبر زرارة بذلك ؟ قال : نعم . قال زياد : فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله عليه السلام و سكت عن لعنة ، فقال : اما أنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم ، و صاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال . التام ، و القدرة الحقيقية الواجبة ، و الارادة الحقة القدوسية . فهذا دين مولانا الصادق و آبائه الصادقين صلوات الله عليهم أجمعين و هو دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده المؤمنين فليثبت . قوله ( ع ) : قلت : وجب عليه الحج مولانا الصادق عليه السلام حيث فسر الاستطاعة للحج بالصحة البدنية و السعة المالية انما رام بها الاستطاعة المترتبة عليها وجوب الحج و استقرار التكيف به في ذمة المكلف . فزرارة لم يفهم ذلك ، فمن سوء فهمه حسب أنه عليه السلام أراد بها الاستطاعة المنبعث عنها فعل الحج و إيقاعه . و لم يعلم أن تلك الاستطاعة انما هي إرادة العبد المستندة إلى إرادة الله تعالى و مشيته ، كما يقول القرآن الحكيم " و ما تشاؤون الا أن يشاء الله " (1) فالعبد مختار مجبور في فعله . ضرورة أن فعله منبعث عن ارادته و اختياره ، و ان كانت المبادي و الاسباب المترتبة الموجبة لارادته و اختياره مستندة إلى أرادة الله تعالى و اختياره ، فلا يريد و لا يختار الا أن يؤذن له في قضأ الله سبحانه و قدره ، و الثواب و العقاب من لوازم ه ص 361 1) سورة الانسان : 30