بـحثنا مفهوم كلمتي (الرحمن ) و (الرحيم ) في المجلد الاول من هذا التفسيربصورة مفصلة , ولا حاجة الى التكرار, ونكتفي هنا بالقول ان كلتيهما ماخوذتان من مادة (الرحمة ).
ومعروف بين العلما ان صفة (الرحمن ) ترمز الى الرحمة الالهية العامة التي تشمل الموالي والمعادي , والـمـؤمـن والكافر , والمحسن والمسي , (كانواع النعم والمواهب الالهية العامة التي ينتفع منها جميع العباد).
و(الـرحـيم ) ترمز الى (الرحمة الخاصة ) الالهية التي خص بها عباده المؤمنين وجعلها من نصيب المحسنين والمتقين .
وامـا عـبارة (ارحم الراحمين ) فانها استعملت كصفة من الصفات الالهية , لان شعاعا من رحمته قد دخل في قلوب عباده ايضا , فالوالدان رحيمان وعطوفان على ولدهما , والكثير من الناس يكنون في قـلـوبـهم الرحمة والمحبة تجاه اصدقائهم واحبائهم , الا ان هؤلا جميعهم يمثلون شعاعا ضعيفا من رحمة اللّه , بل في الحقيقة ان جميع هذه الرحمات مجازية , ورحمة اللّه هي الرحمة الحقيقية , لان ذاته المقدسة غنية عن كل شي , في حين ان المحبة والرحمة الموجودة فيما بين الناس غالبا ماتنبع من تاثيرهم في مصير بعضهم وحاجتهم الى بعضهم .
عـلاوة عـلى هذا, فان رحمة غيره محدودة في اطر خاصة , الا رحمته فهي غير محدودة من كل ناحية .
يـسـتـنـتـج بـشكل اجمالي من موارد استعمال هذه الصفة التي وردت في اربع آيات قرآنية , انها استعملت في الحالات التي وصلت بها المشكلة حدهاالاقصى , فقد وردت هذه الصفة في قصة النبي ايـوب (ع ) بعد تحمله كل تلك الخطوب المنهكة , وفي قصة يوسف (ع ) عندما كان اخوته بمنتهى الـقـسـوة (يـوسـف ـ 64)((230)) , او بـعـد معرفتهم اخاهم يوسف اذ خجلوا وندموا كثيرا عـلـى مـافعلوا (يوسف ـ 92)((231)) , وفي قصة موسى عندما رجع الى قومه ورآهم يعبدون العجل وعاتب اخاه هارون (الاعراف ـ 151)((232)) .
ومن هنا يتضح لزوم الاعتصام بهذه الصفة الالهية الملهمة للامل , في الظروف العصيبة , والاحداث المعقدة جدا والاليمة , والتفيؤ بظل رحمته ,علاوة على لزوم السعي لكي نكون مظهرا لهذه الصفة الالهية واحيا شعاع منهافي وجودنا على الاقل .