نفحات القرآن

ناصر مکارم شیرازی

جلد 4 -صفحه : 159/ 147
نمايش فراداده

جمع الايات وتفسيرها

ان كـلمة (محيي ) مشتقة من مادة (حياة ) التي لها معنيان ـ كما ذكر ذلك في مقاييس اللغة ـ الاول بمعنى الحياة اي ضد الموت , والثاني بمعنى الحيااي ضد الوقاحة .

ولكن بعض المحققين ارجعوا المعنى الثاني الى المعنى الاول وقالوا لحيا او الخجل بمعنى انقباض الـنفس ازا الرذائل من آثار الكائن الحي , اوبتعبير آخر الحيا هو حفظ النفس من الضعف والنقصان والعيب والسؤ.

والجدير بالالتفات هو ان (حي ) احد اسما المطر , لانه مادة حياة الارض , ويطلق ايضا على القبيلة اسـم (حي ) لانها تحتوي على حياة اجتماعية ,ويطلق على الافعى الكبيرة (حية ) ايضا لانها تتمتع بكامل صور الحياة ولها قابلية كبيرة على الانتقال والتحرك ((308)) .

وقد ذكر الراغب في مفرداته ستة مصاديق للحياة هي

1 ـ الـحياة النباتية 2 ـ الحياة الحيوانية 3 ـ الحياة العقلية للانسان 4 ـ الحياة العاطفية (زوال الهم وحـصـول الـنـشـاط والـلذة ) 5 ـ الحياة الاخروية الخالدة 6 ـالحياة التي هي احدى صفات اللّه (وتعتبر اكمل واتم انواع الحياة اي كمال العلم والقدرة ).

ويـمكن تصور انواع اخرى من الحياة , ومن جملتها الحياة المعنوية اي الايمان , وقد اشار القرآن الكريم الى هذا المعنى في آيات عديدة .

وعـلى اي حال فقد تجلت صفة ((المحيي )) في اللّه سبحانه وتعالى من عدة جهات في عالم النبات حيث نلاحظ ان الكرة الارضية مغطاة من اقصاها الى اقصاها بانواع مختلفة من الاشجار , الازهار , الاعشاب الصغيرة والكبيرة ,المائية والبرية , في الغابات وفي الصحرا , الطبية والغذائية , بحيث ان التدقيق في تنوعها وعجائبها يهدي الانسان الى ذلك المبدئ العظيم لعالم الوجود.

واما في عالم الحيوان فقد خلق سبحانه انواع واقسام الاحيا المائية والبرية , الطيور , الحشرات , الـحـيـوانات الوحشية والاليفة , الاحيا المجهرية والعملاقة , وبالتالي الانسان الذي يعد النموذج الاتم للحياة .

ومن البديهي انه كلما ازدادت الحياة تعقيدا ازدادت اسرارها وصارت اكثر دهشة , وهذا في الحال الـذي لايـزال اصل حقيقة الحياة وكيفية خروج الحي من الميت مجهولة , ولم تزل مساعي وجهود آلاف العلما الفطاحل فاشلة في طريق حل هذه الاحجية .

وعـنـدمـا نـجتاز هذه المرحلة , تبدا مرحلة الحياة المعنوية الروحانية التي وضع اللّه اسسها عن طـريـق الوحي وانزال الكتب السماوية وارسال الانبياوالرسل , كما قال سبحانه (اومن كان ميتا فـاحـيـيناه ) (الانعام ـ 122), والاية (من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) (النحل ـ 97).

وقد اشارت الايات القرآنية واكدت مرارا على هذا النوع من الاحياالالهي .

والاعـلـى مـن هذه المرحلة ايضا , هو مرحلة الاحيا الاخروية , حيث يحيي سبحانه العظام وهي رميم , يحييها حياة خالدة لاتعرف بعدها اي لون من الموت .

وعـلـى هـذا الترتيب يكون اتصاف الباري بصفة الحياة (المحيي ) في الدنياوالاخرة مصدرا لاهم واوسـع مظاهر خلقه واما بلاغ هذه الصفة الالهية , فمن جهة الانتباه الى هذه الحقيقة , وهي كونه سـبحانه (منبع ) كل الوان الحياة , لذايجب ان تتوجه اليه سبحانه في حفظ الحياة الظاهرية والحياة الباطنية , ونطلب منه الحياة , لانه محيي كل شي .

ومـن جـهـة اخـرى ان الـتـخـلق بهذه الصفة يعد مصدرا لاعانة الحياة المادية والمعنوية للبشر , ولتخليص عباد اللّه من الموت , ولمحاولة هدايتهم الى اللّه واعمال الخير.