جـات الايـة الـثامنة باستدلال واضح , ملموس لاثبات علم اللّه المحيطبكل شي وبجملة مختصرة وغنية جدا , كما هو شان القرآن الكريم ـ حيث قال تعالى (الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) ((39)) .
لـو اردنـا ان نـشـرح هـذا الـدلـيـل بشكل بسيط نقول بان نظام موجودات الكون يدل على انها ـ الموجودات ـ خلقت وفق خطة واهداف معينة وبرنامج دقيق وعليه فان خالق هذه الموجودات يعلم بجميع اسرارها حتى قبل خلقها.
ولو التفتنا الى مسالة ديمومة واستمرار خلق اللّه , وان جميع الممكنات مرتبطة مع واجب الوجود فـي الـوجود وفي البقا , وفيض الوجود يفيض من ذلك المبدا الفياض على المخلوقات في كل آن , لادركـنـا بان علمه واحاطته بجميع وجودات عالم الوجود دائم وسرمدي وفي كل مكان وزمان , فتامل .
والـجـديـر بالالتفات هو ان الاية ابتدات باستفهام استنكاري , فهي تطلب الاجابة من سامعها , اي ان الـموضوع بدرجة من الوضوح بحيث ان كل من يراجع عقله ووجدانه يعلم او يدرك بان الخالق لاي شي خبير به حتما((40)) .
و((لـطـيـف )) مـن مـاة ((لـطف )) , وهو هنا بمعنى خالق الموجودات اللطيفة والاشيا الظريفة والدقيقة جدا , او بمعنى من احاط بها علما.
وقالوا ايضا في معنى الخبير بانه من يعلم بالاسرار الخفية , ووصفه تعالى بهاتين الصفتين تلويح عن علمه باسرار الكون ورموزه الخفية .
والـجدير بالملاحظة هو ان اللّه قد خاطب الناس قبل هذه الاية فقال واسروا قولكم او اجهروا بـه انـه عـلـيم بذات الصدور) ثم طرح الاستدلال المذكوراعلاه لاثبات هذه القضية وعليه فان الاستناد الى هذه الاية في الاستدلال على اثبات علم اللّه سبحانه يدل على اثرها التربوي ايضا.
يـتـضـح مما قيل حول تفسير هذه الاية بان مفهومها واسع جدا , وينبغي ان لاتحدد بعلم اللّه باعمال الـنـاس ونياتهم وعقائدهم فحسب , بل هي في الحقيقة دليل كلي ومنطقي على علم اللّه , وقد جات لتوضيح جانب تربوي معين .