نفحات القرآن

ناصر مکارم شیرازی

جلد 10 -صفحه : 135/ 104
نمايش فراداده

الاثار الثقافية لمؤتمر الحج العظيم :

2.ومن العبادات الاخرى التي لها تاثير مهم في تربية المسلمين ونشر العلم والمعرفة ووحدة الصفوف وقوة شوكة المسلمين هي مراسم الحج , التي يجتمع فيهاكل سنة ملايين من المسلمين من شتى بقاع الارض فـي مؤتمر عظيم فيتعلمون في هذا المؤتمر شتى انواع العلوم والمعارف وفي كل الجهات المادية والمعنوية .

والـنـكـتة المهمة هنا هي ان الاشتراك في هذا المؤتمر العالمي واجب على كل مسلم يستطيع مرة واحـدة فـي الـعمر, واما باقي المرات فهي مستحبة , ولا فرق في هذا الحكم بين المسلمين , فالحج واجب على الرجل وعلى المراة , والشاب والشيخ , والابيض والاسود والمتعلم والجاهل , ولهذا نجد كـل سـنـة مـجـمـوعة عظيمة من كبار الشخصيات العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية من الـمـسـلـمين بين صفوف الحجاج يتشرفون بزيارة بيت اللّه الحرام , وفي طول المدة التي يقضونها في مكة والمدينة وسائر المشاهد والمواقف يلتقي بعضهم بالبعض الاخر فيتبادلون العلوم والمعارف والمعلومات والاخبار فيما بينهم .

وفي الاونة الاخيرة وبعد وقوف المسلمين على اهمية هذا الاجتماع المعنوي العظيم نجد ان علما الدول الاسلامية المختلفة يعقدون المؤتمرات المصغرة والموسعة على هامش مؤتمر الحج العظيم , فيلتقون ويتبادلون العلوم والمعارف والثقافات عن هذا الطريق .

يـذكـر الـقـرآن الـكـريـم جـمـلـة مـختصرة في بيان فلسفة الحج حيث يقول : (ليشهدوامنافع لهم )((352)) .

وللمفسرين كلام طويل في تفسير معنى كلمة (منافع ) ولكن من الواضح انه لايوجد حد لمفهوم هذا اللفظ, فيشمل كل المنافع والبركات المعنوية والمادية والنتائج السياسية والثقافية والاجتماعية .

وقد سال الربيع بن خيثم عن الامام الصادق (ع ) عن تفسير هذه الكلمة , فبين له الامام (ع ) انها تشمل المنافع الدنيوية والاخروية((353)) .

وفـي رواية اخرى عن الامام الصادق (ع ) يجيب هشام بن الحكم عن فلسفة الحج , فيشير الامام (ع ) الـى عدة ابعاد مهمة , منها تعارف مسلمي العالم بعضهم على البعض الاخر, ثم المنافع الاقتصادية , ثم ايـجـاد كـثـيـر مـن مـجالات العمل في اطارموسم الحج ثم يشير(ع ) الى آثاره الثقافية ويقول : ((ولتعرف آثار رسول اللّه (ص )وتعرف اخباره ويذكر ولا ينسى ))((354)) .

وعلى اي حال , فلو ان احدا دقق وتامل في جزئيات مراسم الحج , وخاصة اذاشاهد تلك المراسم عن قرب , فانه سيقف على اهمية البعد الثقافي والتربوي للحج بنحو يقل نظيره .

نـعـم , فـالحج يمكن ان يكون مؤتمرا سنويا ثقافيا عظيما ـ بل مؤتمرات ـ فيلتقي العلما من كل انحا الـعـالم الاسلامي في الايام التي يتواجدون فيها في مكة المكرمة , فتتناقل الافكار والابداعات التي يحملونها فيما بينهم مضافا الى آثار الحج المعنوية الخاصة .

وفي الفترات المظلمة لحكومة السلاطين الظالمين والطغاة الذين لم يفسحواالمجال لانتشار العلوم والمعارف الاسلامية , كان المسلمون يستفيدون من الظرف الذي يتاح لهم في موسم الحج لحل كثير من مشاكلهم , وبالالتقا بائمة الهدى (ع )وكبار علما الاسلام , كانوا يتعرفون على المعارف والقوانين الاسـلامـية وسنة النبي الاكرم (ص ), وعندما يعودون الى بلادهم , يعودون وهم يحملون رسالات مهمة في الاخلاق والثقافة وشتى العلوم .