بالرغم من اللّه تبارك وتعالى قادر على كل شي , وكل مايريده يتحقق بارادته تعالى فورا: (انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون )((138)) .
وبـالرغم من ذلك كله فان الايات المباركة للقرآن الكريم توضح وبشكل جلي , ان اللّه تبارك وتعالى قسم الاعمال في هذا العالم , اذ خلق طوائف من الملائكة ليقوم كل منها بانجاز احدى الاعمال المهمة في هذا العالم .
فيشير القرآن الكريم احيانا بشكل عام الى هذه المسالة وهو قوله تعالى :.
(جاعل الملائكة رسلا اولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع )((139)) .
ويقول في موضع آخر: (فالمدبرات امرا)((140)) .
ويـنـقـل فـي مـوضـع آخـر قول الملائكة : (ما منا الا له مقام معلوم وانا لنخن الصافون وانا لنحن المسبحون )((141)) واحيانا اخرى يشير الى طوائف خاصة منها لها وظائفهاالخاصة , اذ يمكن ان نشير فيما يلي الى المجاميع التالية كنموذج على ذلك :.
(ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشا من عباده )((142)) .
(الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم )((143)) .
(وان عليكم لحافظين ـ كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون )((144)) .
(يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم اذ جائتكم جنود فارسلنا عليهم ريحاوجنودا لم تروها وكان اللّه بما تعملون بصيرا)((145)) .
(وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة )((146)) .
(قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم )((147)) (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين )((148)) .
(فـالـمـقـسمات امرا)((149)) اذ يقول البعض في تفسير هذه الاية الكريمة , وجريا مع تناسب الايـات الواردة قبلها, بانها تشير الى الملائكة الذين يقسمون الارزاق بين العباد, بينما يقول البعض الاخر بانها تشير الى الملائكة المكلفين بتقسيم جميع الاعمال في عالم الوجود.
(والناشرات نشرا ـ فالفارقات فرقا)((150)) .
(فالزاجرات زجرا)((151)) ((152)) .
(تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر)((153)) .
وكـمـا تـلاحـظون فان اللّه تبارك وتعالى وبالرغم من قدرته التامة على جميع الاعمال , فانه يقسم تدبير امور هذا العالم بين الملائكة , وجعل لكل مجموعة منهم واجبا وتكليفا محددا.
ونـلاحـظ فـي الـروايات الاسلامية ايضا تعبيرات متعددة وبليغة بشان اصناف الملائكة , من حيث تقسيم المسؤوليات , ومن جملة ذلك ماورد في نهج البلاغة في خطبة الاشباح :.
((ومـنـهـم من هو في خلق الغمام الديح , وفي عظم الجبال الشمخ وفي فترة الظلام الايهم , خرقت اقـدامـهـم تـخوم الارض السفلى فهي كرايات بيض قد نقذت في مخارق الهوا, وتحتها ريح هفافة , تحبسها على حيث انتهت من الحدودالمتناهية , قد استفرغتهم اشغال عبادته , ووصلت حقائق الايمان بينهم وبين معرفته قد ذاقوا حلاوة معرفته , وشربوا بالكاس الروية من محبته ))((154)) .
ولدينا المزيد من الروايات الاخرى بشان تقسيم المسؤوليات فيما بين الملائكة , لو ذكرناها جميعا لطال بنا المقال((155)) .
ويـمـكننا ان نستخلص مما تقدم ذكره آنفا المفهوم القرآني التالي : لوارادت البشرية ان تساير نظام ربـوبـية الباري جل وعلا في الوجود وتطبق نظام ادارته في عالم التكوين , لابد لها ان تهتم وبكل دقـة بـمـسالة تقسيم الاعمال والمسؤوليات في المجتمع الانساني , لكي تقترن حياة افراد المجتمع بالموفقية والنجاح .
وبـعـبـارة اخرى : نحن نعلم ان نظامي التكوين والتشريع يجب ان يعملا بشكل متناغم , ولابد لحياة الـبـشـرية ان تستلهم فلسفتها من خلقة الباري جل وعلا وتصطنع بصبغة اللّه تعالى , وان كل ما هو حـاكـم هناك يجب ان يكون هو الحاكم هنا, ان الاهتمام والالتفات الى هذه الحقيقة يدعونا الى مسالة تنظيم الامور التنفيذية .