نفحات القرآن

ناصر مکارم شیرازی

جلد 10 -صفحه : 135/ 31
نمايش فراداده

النظام التنفيذي في عالم الخليقة :

بالرغم من اللّه تبارك وتعالى قادر على كل شي , وكل مايريده يتحقق بارادته تعالى فورا: (انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون )((138)) .

وبـالرغم من ذلك كله فان الايات المباركة للقرآن الكريم توضح وبشكل جلي , ان اللّه تبارك وتعالى قسم الاعمال في هذا العالم , اذ خلق طوائف من الملائكة ليقوم كل منها بانجاز احدى الاعمال المهمة في هذا العالم .

فيشير القرآن الكريم احيانا بشكل عام الى هذه المسالة وهو قوله تعالى :.

(جاعل الملائكة رسلا اولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع )((139)) .

ويقول في موضع آخر: (فالمدبرات امرا)((140)) .

ويـنـقـل فـي مـوضـع آخـر قول الملائكة : (ما منا الا له مقام معلوم وانا لنخن الصافون وانا لنحن المسبحون )((141)) واحيانا اخرى يشير الى طوائف خاصة منها لها وظائفهاالخاصة , اذ يمكن ان نشير فيما يلي الى المجاميع التالية كنموذج على ذلك :.

1 ـ الملائكة المبلغين للوحي والمنزلين للكتب السماوية :.

(ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشا من عباده )((142)) .

2 ـ مجموعة حملة العرش :.

(الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم )((143)) .

3 ـ مجموعة المراقبين لاعمال الناس :.

(وان عليكم لحافظين ـ كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون )((144)) .

4 ـ مجموعة جند اللّه الذين يعززون المؤمنين في الحروب وحوادث الحياة القاسية :.

(يا ايها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم اذ جائتكم جنود فارسلنا عليهم ريحاوجنودا لم تروها وكان اللّه بما تعملون بصيرا)((145)) .

5 ـ مجموعة حفظة الناس ازا الكثير من الاخطار والحوادث :.

(وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة )((146)) .

6 ـ مجموعة المكلفين بقبض الارواح :.

(قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم )((147)) (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين )((148)) .

7 ـ الملائكة المكلفون بتقسيم الارزاق :.

(فـالـمـقـسمات امرا)((149)) اذ يقول البعض في تفسير هذه الاية الكريمة , وجريا مع تناسب الايـات الواردة قبلها, بانها تشير الى الملائكة الذين يقسمون الارزاق بين العباد, بينما يقول البعض الاخر بانها تشير الى الملائكة المكلفين بتقسيم جميع الاعمال في عالم الوجود.

8 ـ الملائكة المكلفون بنشر السحاب ونزول الامطار والمكلفون بتشتيها بعدهطول الامطار:.

(والناشرات نشرا ـ فالفارقات فرقا)((150)) .

9 ـ الـمـلائكـة الـمـكـلفون بابطال وساوس الشياطين عن قلوب المؤمنين , والذين يصدون هجوم الشياطين على افكار المؤمنين , فيقضون على وساوسهم :.

(فالزاجرات زجرا)((151)) ((152)) .

10 ـ الـمـلائكـة الذين ينزلون في ليلة القدر, والمكلفون بابلاغ تقديرات اللّه تعالى على مدى سنة كاملة , تلك المقدرات التي تحدد وفقا لاستحقاق الافراد وحسن اعمالهم , وليس بدون حساب وبشكل اجباري :.

(تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر)((153)) .

وكـمـا تـلاحـظون فان اللّه تبارك وتعالى وبالرغم من قدرته التامة على جميع الاعمال , فانه يقسم تدبير امور هذا العالم بين الملائكة , وجعل لكل مجموعة منهم واجبا وتكليفا محددا.

ونـلاحـظ فـي الـروايات الاسلامية ايضا تعبيرات متعددة وبليغة بشان اصناف الملائكة , من حيث تقسيم المسؤوليات , ومن جملة ذلك ماورد في نهج البلاغة في خطبة الاشباح :.

((ومـنـهـم من هو في خلق الغمام الديح , وفي عظم الجبال الشمخ وفي فترة الظلام الايهم , خرقت اقـدامـهـم تـخوم الارض السفلى فهي كرايات بيض قد نقذت في مخارق الهوا, وتحتها ريح هفافة , تحبسها على حيث انتهت من الحدودالمتناهية , قد استفرغتهم اشغال عبادته , ووصلت حقائق الايمان بينهم وبين معرفته قد ذاقوا حلاوة معرفته , وشربوا بالكاس الروية من محبته ))((154)) .

ولدينا المزيد من الروايات الاخرى بشان تقسيم المسؤوليات فيما بين الملائكة , لو ذكرناها جميعا لطال بنا المقال((155)) .

ويـمـكننا ان نستخلص مما تقدم ذكره آنفا المفهوم القرآني التالي : لوارادت البشرية ان تساير نظام ربـوبـية الباري جل وعلا في الوجود وتطبق نظام ادارته في عالم التكوين , لابد لها ان تهتم وبكل دقـة بـمـسالة تقسيم الاعمال والمسؤوليات في المجتمع الانساني , لكي تقترن حياة افراد المجتمع بالموفقية والنجاح .

وبـعـبـارة اخرى : نحن نعلم ان نظامي التكوين والتشريع يجب ان يعملا بشكل متناغم , ولابد لحياة الـبـشـرية ان تستلهم فلسفتها من خلقة الباري جل وعلا وتصطنع بصبغة اللّه تعالى , وان كل ما هو حـاكـم هناك يجب ان يكون هو الحاكم هنا, ان الاهتمام والالتفات الى هذه الحقيقة يدعونا الى مسالة تنظيم الامور التنفيذية .