الفصل الثاني
الدلالة الإيحائية في الصيغة الذاتية
تعريف الذات
إن الذات في مفهومها العام، موجود مقيس، يشغل حيزاً من الفراغ على حدِّ قول رجال التوحيد. ووجودها يقتضي تخصيصاً لها في ذاتها عن غيرها. وهذا التمييز يختص بشكلها ومحتواها؛ ويكون ذلك من خارجها لأن الذات لا تصف نفسها إلا بعد التخصيص والتمييز. وأول ما تختص به الذات في وجودها وتتميز به في حياتها عن غيرها تسميتها. والتسمية قد تكون مكرورة، ومع ذلك تعد أساس التمييز والتخصيص. وهي أول ما تتخذه الذات لها من مجتمعها. فتسمية المولود واجبة على والده في تراثنا الاجتماعي، وفي فقهنا الإسلامي، موضوع يسمى العقيقة.والعقيقة هي من واجب المولود على والده فإذا بلغ المولود سابع يوم من ولادته، ذبح له والده شاة واختار له اسماً. "ويسميه بأحسن اسم كعبد الله أو أحمد أو محمد ونحو ذلك."فمن واجب المولود على والده إذن أن يختار له أمه واسمه، ومن هنا كان أول ما يملكه المولود هو اسمه. ولاختيار الاسم شروط مغفلة وخلفيات ملحوظة. ومن هذه الخلفيات، أن لكل نطق دلالة. والاسم "لفظ أو صوت مركب من أصوات له معنى" ومعناه هذا أو دلالته هذه تكون "إما على سبيل المطابقة... وإما على سبيل التضمين.. وإما على سبيل الاستتباع والالتزام.. مثل دلالة السقف على الحائط، والإنسان على قابل صنعة الكتابة."يستبين من فحوى ما سبق من النصوص، أن الاسم لفظ منطوق دال على موجود، وأن المسمى لا دخل له في اختيار اسمه؛ بل ذلك من واجبات الوالد. واختيار الوالد لاسم مولوده يرتبط بالعرف والتقاليد. ومن هذه الزاوية تكون دلالة الاسم عرفية ذات خلفية اجتماعية، لحال توقعية أو تذكرية.فإذا سألنا الوالد عن سبب اختيار هذا الاسم الذي قد يكون ترجح بعد نقاش عائلي طويل، فلا تخْرُج إجابته عن كون هذا الاسم متعارف عليه اجتماعياً، وأن له صورة في ذهنه، التي قد يتفاءل بها ويتوقع منها خيراً مستقبلاً أو تعود إلى الماضي لعلاقتها بعزيز افتقده يريد إحياءه من خلال هذا الاسم الحي. وفي مجال التصور والتوقع الأول سمى ابن الرومي ولده يحيى، ولكنه مات فقال فيه:
وسَمَّيْتُهُ يَحْي لِيَحْيَا فَلَمْ يَكُنْ
إلى مَرَدِّ أَمْرِ الله فِيهِ سَبِيلا
إلى مَرَدِّ أَمْرِ الله فِيهِ سَبِيلا
إلى مَرَدِّ أَمْرِ الله فِيهِ سَبِيلا