ادباء مکرمون نسخه متنی

This is a Digital Library

With over 100,000 free electronic resource in Persian, Arabic and English

ادباء مکرمون - نسخه متنی

عمر موسی باشا، علی عقلة عرسان، جمانة طه، أسعد علی، محمد حسین جمعة، تور ولید مشوح، علی ابوزید، راتب سکر، سامی غانم، مروان المصری، محمد عبدالغنی حسن، عبدالکریم الزهری الیافی، عدنان عبدالبدیع الیافی، حسین حموی، حسان الکاتب، احمد جاسم الحسین، فیصل جرف، مصطفی عکرمة، عبدالعزیز الأهوانی، شوقی ضیف، محمد المبارک، عبدالکریم خلیفة، محمد أبو الفضل إبراهیم، مصطفی جواد، احمد الجندی، عبدالغنی حسن، رکس سمیث، مصطفی الرافعی، جورج عبدالمسیح، احمد مطلوب، محمد عنبر، روحی فیصل، محمد عبدالغنی حسن، نعیم الیافی، محمود المقداد، ولید مشوح

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الدكتور عمر موسى باشا
حدائقُ وردِ النفس ميْسٌ ضوائع

11/8/1422هـ

28/10/2201م

الدكتور عمر موسى باشا

ومنهجه في التحقيق

الأستاذ الدكتور.محمد حسين جمعة

قبل أن نتناول منهج التحقيق عند الدكتور عمر موسى باشا لا بد أن نتعرف إليه؛ وإلى شيء من ثقافته، وممارساته العلمية والإدارية لأنها تعدُّ جانباً هاماً من شخصيته أولاً وكانت ذا أثر فعَّال في اتجاهه إلى تحقيق مؤلفاتٍ عصر محدد من دون العصور الأخرى.. إنه عصر الدول المتتابعة، ثانياً.

فالأستاذ الدكتور عمر بن محمد علي بن محمد بن موسى باشا مولود في حماة يوم الأحد /17 شعبان 1343هـ/ الموافق لـ12 آذار سنة 1925م/ في حي (جورة حواء). وقد تلقى علومه الأولى على يد شيخة الكتاب، ثم انضم إلى مدرسة التطبيقات الرسمية بمدينة أبي الفداء ونال الشهادة الابتدائية سنة

(1939م) ثم تابع سَيْره الدراسي حتى حصل على أهلية التعليم الابتدائي من دار المعلمين بحلب سنة (1947م)، فعين معلماً بمدرسة التطبيقات بحماة في العام نفسه، وبقي فيها حتى عام (1949م)...

وفي هذا العام تقدم إلى المسابقة التي أجرتها جامعة دمشق لقبول عدد من الطلبة في (المعهد العالي للمعلمين) فكان الأول في المقبولين. ودرس فيه إلى أن أنهى الإجازة والدبلوم في التربية سنة (1953م)... عمل إثرها مدرساً في ثانوية السويداء لمدة عامين ثم نقل إلى حماة.

ومن ثم تابع تحصيله العالي في قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة سنة

(1957م) فاستحق الماجستير منه سنة (1960م) وكان بحثه لها بعنوان "ابن نباتة المصري أمير شعراء المشرق"... ثم حاز درجة الدكتوراه سنة (1964م) بالبحث الذي أطلق عليه "أدب الدول المتتابعة"... ورجع إلى سورية فعين مدرساً بجامعة دمشق سنة 1965م وارتقى في درجاته العلمية حتى مرتبة أستاذ؛ إلى أن تقاعد... وقد عمل لـه رئيساً بين 1980 - 1995م.

وقد انتسب الدكتور عمر موسى باشا إلى اتحاد الكتاب العرب سنة

(1970م) وما زال عضواً فيه، فضلاً عن أنه كان مقرراً لجمعية البحوث والدراسات بين (1976 و1990م)، ورئيساً لفرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب

(1993- 1996م) ثم عين مرة ثانية رئيساً لـه (1999- 2000م).

وإذا كان القانون قد فرض عليه التقاعد من العمل الجامعي؛ فإن الجامعة أدركت أن الخبرة والمعرفة ليس لها عمر محدد؛ ولهذا سارعت إلى التعاقد معه ليكون أستاذاً في الدراسات العليا؛ ولتفيد من خبراته في الإشراف على الرسائل الجامعية ومناقشتها... بل أضيف إلى هذا الشرف شرفٌ آخر حين اختاره مجمع اللغة العربية بدمشق (عضواً مراسلاً) فيه سنة (2000م)، علماً أنه عضو في العديد من الهيئات العلمية والثقافية واللغوية...

أما إسهاماته الفكرية والثقافية والأدبية فهي تدل على زاد معرفي عظيم؛ وكذلك هي نشاطاته العلمية والإدارية المتعددة... فلو أراد المرء أن يسردها كلها لما كفتها الساعات الطوال؛ فهو الذي شارك في مؤتمرات وملتقيات زادت على ستة عشر مؤتمراً وملتقى... كما بلغت مؤلفاته العدد نفسه؛ على حين وصلت الكتب المحققة إلى عشرة؛ بينما انتهت أبحاثه المطبوعة في الدوريات المحلية والعربية بما فيها المحاضرات إلى خمس وتسعين مقالة.. ومحاضرة.

وما دمنا في عرض إسهاماته المعرفية والعلمية فلا يمكن للمرء أن يتغافل عن الشأن العلمي الجامعي الذي اضطلع به الأستاذ الدكتور عمر موسى باشا، فقد أشرف على خمس عشرة رسالة في درجة الدكتوراه وأربع وعشرين في درجة الماجستير، وشارك في مناقشة ستين رسالة داخل القطر العربي السوري، وتسعٍ خارجه؛ كلها في القطر الجزائري الشقيق (حتى تاريخ 17/5/2000م).

وبهذا العمل الدؤوب، والإنتاج الأدبي المتنوع في التراث تأليفاً ودراسة وتحقيقاً استحق اهتمام المفكرين والباحثين العرب وغيرهم؛ فأثنوا عليه الثناء الذي هو أهلٌ له؛ فبلغت الآراء التي قيلت في باحثنا مع التقريظات تسعة وعشرين رأياً... ونذكر منها تقريظ عميد الأدب العربي لـه الأستاذ الدكتور شوقي ضيف- أطال الله عمره- وتقريظ المرحوم الدكتور محمد المبارك والمرحوم الدكتور عبد العزيز الأهواني؛ وغيرهم.

وفي هذا المقام لا ننسى تقريظ الدكتور علي عقلة عرسان لـه حين قدَّم لـه كتاب (قطب العصر- عمر اليافي) وهو من منشورات اتحاد الكتاب لعام 1996م. ومما قاله فيه: "كان دارسنا يغيب أحياناً في شاعرنا كأنما هو هو، ولكنه يخرج إلى الشط، وينفض ريشه ويتنفس بعمق ثم يعاود الغوص؛ فسبحان الذي وهب الإنسان قدرة وتصميماً ليقوم بجهد يصل أحياناً إلى التماهي بين إبداع المبدع، وإبداع الدارس في تناول إبداع المبدع. والباحث الدكتور عمر موسى باشا كان يعود بعد الجذب والأخذ إلى هويته ومنهجه، فيعمل عقله وعلمه ومنطقه ويستنبط...". (المقدمة 12).

ولعل ذلك كله يفرض علينا إنصافه فيما قام به في دراسة العصرين المملوكي والعثماني... فلم يشأ أن يدرس هذين العصرين بمعزل عن شعرائهما وإن تعرض لبعض الظواهر المهمة... وحقق العديد من المخطوطات النادرة فيهما.

وهنا يلزمنا المنهج الموضوعي أن نذكر شيئاً عن الشاعر (ابن نباتة= 686- 768) شاعر العصر المملوكي. فإذا كان هذا الشاعر قد توفي في القاهرة سنة (768هـ)فإنه ولد من جديد بالقاهرة أيضاً أميراً لشعراء المشرق سنة (1960م) على يدي الدكتور عمر موسى باشا... ومؤسساً للمذهب الرمزي هذا المذهب الذي ظهر في المدرسة الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر... وطفق الدكتور عمر يوازن بينهما في رسالته التي نال عليها درجة الماجستير ليثبت أن المذهب الرمزي إنما وجد في المشرق العربي قبل أن يظهر في الغرب...

ولسنا هنا في مجال مناقشة هذا الرأي؛ ولكننا في مجال إبراز صفة من صفات الدارس الباحث الذي حمل على عاتقه عبء مسؤولية إنصاف العصر المملوكي والعثماني، ورموزه الكبرى؛ حملها بحماسة شديدة وكأنه المدافع الوحيد عنه؛ وطفق مندفعاً وراء رغبة إظهاره بأحسن صورة... سواء في دراساته لبعض آثاره، أم في إظهار جملة من مخطوطاته النادرة...

فالباحث الدكتور عمر موسى باشا شعر بحيف عظيم يجتاب جنبات هذا العصر؛ في تسميته، وفي دراسة آثاره، وفي عدم المعرفة بمخطوطاته... فرُكام الغبار قد تكدس على كثير منها؛ ولفها عالم من النسيان، إما لتناثرها في أصقاع المعمورة دون أن يدري بها أحد، وإما لصعوبة إدراكها؛ وإما للجهل بقيمتها بعد أن وصموا عصرها بعصر (الانحدار أو الانحطاط)...

فقد حمل الدارسون أحكاماً قاسية عنه في ذاكرتهم، ولم يكلفوا أنفسهم عناء الجهد والبحث عن الحقيقة... فكانوا يقفزون في التاريخ قفزات عجيبة وكأنهم يملكون قدرات خارقة... فتراهم يحذفون من تاريخ الأمة مرحلة من الزمن تربو على ستة قرون من أواخر العصر العباسي إلى مطلع العصر الحديث.. وندر مَنْ تعرض من الباحثين لحقبة الدول المتتابعة بالدراسة على الرغم من أنها في نظرنا من أزهى العصور العربية في حركة التأليف... فالتراث العربي لقي من أبناء العصر المملوكي والعثماني عناية كبرى، وفيه عرفت الموسوعات الثقافية للمرة الأولى... فحفظوا لنا في مصنّفاتهم كثيراً من الكتب التي سبقتهم ومنها ما لم يصل إلينا بعدُ.

لهذه الأسباب كلها كان اندفاع الأستاذ الدكتور عمر موسى باشا إلى نُصرة هذا العصر، والدفاع عنه بحمية الغيور الحريص.. انتصر لـه انتصار العارف بأسراره وآثاره، انتصر لـه رداً على مَنْ جعل ارتقاء الأمة يستند إلى الحدث السياسي والتاريخي وحده؛ انتصر لـه لِما وجده من تجاهل الدارسين في العصر الحديث؛ وقد كان عصر تقييد التراث بكل اتجاهاته، بلا منازع.

ومن هنا غاص في بحر عظيم، متلاطم الأمواج، فأشفقنا عليه من الغرق، فإذا به يظهر سباحاً ماهراً يمخر عبابَهُ ليخرج لنا أولى مخطوطاته النادرة المتلعقة بالشاعر (شرف الدين الأنصاري)؛ ثم قدم مخطوطة الديوان محققة إلى مجمع اللغة العربية بدمشق سنة (1967م) وشفعها بالمخطوطة الثانية في العام نفسه (آداب المؤاكلة- لبدر الدين الغزي)؛ ثم عززهما بمخطوطة ثالثة سنة

(1968م) (آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة- لبدر الدين الغزي) ومخطوطة رابعة سنة (1972م) "مطلع الفوائد ومجمع الفرائد- لابن نباتة المصري" وكلها من مطبوعات المجمع...

وطبعت لـه الشركة الوطنية في الجزائر مخطوطةً خامسة سنة (1973م) "الزبدة في شرح البردة- لبدر الدين الغزي" كما طبعت جامعة الجزائر مخطوطة سادسة سنة (1974م) "مجرى السوابق- لابن حجة الحموي"... ثم ظهر للنور في باريس سنة (1990م) أربعُ مخطوطات، اثنتان لابن نباتة؛ وهما "سوق الرقيق" و"القطر النباتي" والثالثة لابن الريان "قرى الضَّيف في وصف أيام الصيف" والرابعة لابن حجة الحموي وهي "قهوة الإنشاء".

وإذا كانت هذه الكتب العشرة قد أعيدت طباعتها مرة ثانية في أماكن مختلفة؛ فإنها تدل على مدى العناية بتحقيقها من جهة وبيان المفهوم الذي بُنيت عليه لإجلاء صورة العصر من جهة أخرى...

ففي ديوان "الصاحب شرف الدين الأنْصاري" وفي الصفحة السابعة هبَّ مدافعاً عن عصر الدول المتتابعة؛ ورأى أن الباحثين والمفكرين من عرب ومستشرقين قد ظلموه وسموه خطأ باسم (العصر المغولي)، ونعتوه ظلماً وجهلاً بأنه "عصر انحطاط وضعف"... ودعم المحقق رأيه بالعديد من آراء الباحثين كالدكتور شوقي ضيف، وأحمد أحمد بدوي؛ وحسين مؤنس فجاء في الصفحة الثامنة برأيين لهما، ثم أثنى على الدكتور محمد كامل حسين في الصفحة التاسعة لأنه دفعه إلى دراسة (أدب الدول المتتابعة).

ولهذا حظي شرف الدين الأنصاري بمنزلة عظيمة عنده، ووضع لـه مقدمة مطولة دافع فيها عن العصر الذي يدرسه... هذا العصر الذي امتد قروناً عدة خبا فيها المجد السياسي، وما تضاءل ولا انحدر فيه الإبداع الثقافي والفكري... ومما قاله في الصفحة العاشرة من المقدمة: "فهذا ديوان شرف الدين بين الناس؛ أضعه أمام الباحثين المعجبين بأدب الدول المتتابعة ليكون لبنة متواضعة في إقامة هذا الصرح الجديد".

ولمَّا كانت للباحث رؤيته الخاصة للعصر فإن رؤية المحقق كانت ثمرة التطبيق الحقيقي لرؤية الباحث... هذه الرؤية التي اتسع لها المجال في الدراسات؛ أما التحقيق فقد وضعنا أمام الصور الفنية الراقية للشعر الذي قدمه بين أيدينا إثباتاً لفكرته...

وبعد أن كشف لنا عما انتواه في المقدمة عرض لحياة الشاعر وأتبعه بحديث مطول آخر عن شعره ومذهبه الفني، ومن ثم استقر عند الديوان والنُّسخ التي وجدها لـه وطفق يحدثنا عنها... فقال في هذا الشأن: "توجد من هذا الديوان نسخة مخطوطة نفيسة محفوظة في مكتبة بايازيد- باستانبول، وهي الوحيدة التي بقيت لنا من سائر نسخ الديوان". وتتألف من "إحدى وتسعين ورقة كتبت بالخط الفارسي، وهي مقروءة واضحة لم يطرأ عليها ما يمس سلامتها، وكتابتها حسنة".

هذا جزء أصيل من وصف مخطوطة الديوان يبين بجلاء المنهج الوصفي الدقيق القائم على القراءة الصحيحة لكل ورقة من أوراقها... فقد شرع يتأمل أشعارها، ويتعقبها في المظان الأخرى، ليدرك أن المخطوطة لم تُحط بأشعار الشاعر... فهناك أشعار لـه عثر عليها في كتاب "ذيل مرآة الزمان" وقد مثلت لـه كنزاً جديداً يضاف إلى ما في المخطوطة... لهذا نقحها بعناية تامة ثم ألحقها بالديوان المطبوع بعد الفهارس.

ومن يتأمل صنعة الديوان وتحقيق أشعاره يلحظ بجلاء أن المحقق اتبع منهج المحققين الكبار، منذ وقت مبكر، فأظهر وعياً عالياً في إخراج الديوان في المرحلة التي طبع فيها...

ومن أهم ما يراه الباحث في ذلك التحقيق أن المحقق أعطى كل نص من نصوصه رقماً مسلسلاً ثم رتب الأشعار تبعاً للحروف الهجائية، وضبطها بالشكل؛ ولم يهمل أرقامها الأصلية المثبتة في المخطوطة، فحافظ عليها مُظْهِراً إياها وجهاً وظهراً على هامش التحقيق...

وقد عُني المحقق بالحواشي أيَّما عناية لتقوي عنده التوجه الذي آمن به في مفهوم العصر ثقافة وفناً... فجاءت الحواشي ملبية لمراده في التنوع اللغوي وثرائه عند الشاعر، مما جعله يشرح الكثير من المفردات الغلقة، ويوضح المصطلحات التي اعترضته، مثلما ترجم للأعلام التي وردت في المتن. إنه أثبت ما دعاه إليه منهج التحقيق، ورآه ضرورة لبيان قضية ما.

لهذا نجده يستكمل الديوان بإضافة سبعة فهارس سهَّلت عودة الدارسين إليه؛ وفي مطلعها فهرس القوافي والأشعار...

ذلك ما كان من أمر المنهج في تحقيق الشعر أو ديوان شاعر ما. ولا يستطيع المرء أن يسرد منهج المحقق في كل كتاب من كتبه الأخرى التي تناول فيها العديد من نصوص التراث لأعلام بارزين من عصر الدول المتتابعة... وفق ما ذكرناه سابقاً... ولكنه يمكنه أن يختار منها اثنين أو ثلاثة ليكشف في ضوئها عن سمة التحقيق ومنهجه لدى المحقق...

ويمكن أن نتوقف عند (آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة- لبدر الدين الغزي). فهذا الكتاب في الأصل مخطوطة صغيرة تضم عشرين رسالة، وقد ورثها المحقق عن أسرته كما أثبت هو بنفسه في الصفحة التاسعة من رسالة (آداب المؤاكلة)... وكان قد ذكر في الصفحة السادسة من المطبوع أن المخطوطة تبدأ "من ظهر الورقة السابعة حتى وجه الورقة الحادية والعشرين..." ثم يصف حالها فيقول: "الخط واضح مقروء؛ استخدم الناسخ اللون الأحمر في كتابة أوائل الشواهد المنقولة المقتبسة، وأوائل الفقرات الجديدة من الرسالة" ثم يقول بعد ذلك: "ذيَّل الناسخ هذه الرسالة بقوله على عادته في هذا المجموع بعد الانتهاء: "تمَّت الرسالة المباركة نهار الثلاثاء بعد العصر ثالث عشر جمادى الآخرة من شهور سنة سبع عشرة وألف".

إن المطلع على تحقيق مخطوطات هذا العصر عند الدكتور عمر موسى باشا يلمس شيئين اثنين؛ اطلاعه الشمولي على نتاج بدر الدين الغزي؛ لأنه يقرن أي رسالة برسالة أخرى للمؤلف.. وحرصَه الشديد على إظهار تحقيق الرسالة بالشكل الذي يراه وافياً كافياً...

ولكن المتأمل لصورة التحقيق في (آداب المؤاكلة) و(آداب العشرة...) يدرك أن صورة التحقيق في أواخر الستينيات لدى المحقق لا تماثل نظائرها بعد سنوات من الخبرة والمعرفة... فمنهج التحقيق في كتاب (مطلع الفوائد ومجمع الفرائد) يعد حالة متقدمة جداً عن تلك الحالة المبكرة السابقة في تحقيق (آداب العشرة...) على الرغم من أنه ألحق المطبوع بجملة من الفهارس التفصيلية التي أغنت مادته القليلة.

ففي (مطلع الفوائد) نلحظ جهداً كبيراً وقدرة على امتلاك أدوات المنهج، مما يدل على التطور الفني الذي كان يرتقي فيه باحثنا في التحقيق. ويؤيدنا في هذا ما قاله هو في الصفحة الخامسة عشرة من المطبوع: "اعتمدت في تحقيقي كتاب (مطلع الفوائد ومجمع الفرائد) على أربع مخطوطات، هي المعروفة عندنا، وتظهر أنها كل ما وصل إلينا من النسخ المخطوطة."

ثم وصف المخطوطة الأولى التي جعلها أصلاً للتحقيق ورمز لها بالحرف (ح) وقال: "تتميز هذه المخطوطة بقدمها وصحتها، وتقع في ست وسبعين ورقة كتبت بخط نسخي جيد وجميل وواضح. وقد التزم الناسخ فيها الشكل في معظم الأحيان".

ومن بعدُ عرض المحقق وصفاً للمخطوطات الثلاثة الأخرى التي جاءت تالية في الزمن ولم يبلغ مستواها الفني ما بلغه في المخطوطة الأولى... مما يدل على أن المحقق قد راعى العنصر الزمني والفني... وليس لـه مندوحة عن ذلك... ثم ذيَّل ذلك كله بثبت للفهارس حوى اثني عشر فِهْرساً.

ويخلص الباحث المدقق لمنهج التحقيق عند الأستاذ الدكتور عمر موسى باشا إلى الملامح العامة لهذا المنهج... فقد اعتمد خطة ثابتة على الأغلب في التحقيق.

فكان يقدم لكل مطبوع بمقدمة يوضح فيها المخطوطة ويصف حالها؛ ومنهجه في اختيار النسخة المعتمدة أصلاً... ويردُّ كل نسخة إلى صاحبها، والمكان الذي وصلت منه... ويُتبعه بحديث يراه من مستلزمات المطبوع كالحديث عن حياة صاحب المخطوطة؛ وطبيعة الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه وخصائصه... فإذا وصل إلى النص نفسه تأمله بعناية، وأخرجه في المطبوع على الوجه الذي يعتقد فيه أنه الصواب، وهو الذي كتبه صاحبه دون تغيير أو تحريف...

ومن هنا كان يشير إلى الثغرات التي تعتري المخطوطة، ويوضح ما استغلق من موادها وألفاظها... ليكون النص مفهوماً وسهلاً بين يدي القارئ... ولهذا يرشده بإشارات مفيدة إلى شرح المفرادت أو إلى تراجم الأعلام التي يستلزمها التحقيق، أو إلى أي قضية أخرى...

ولكن هذا لا يعني أنه أثقل الحواشي بالمراجعات التي لا حاجة لها، فقد جاءت حواشيه متطابقة مع الهدف باقتصاد غيْر مخل... إذا اقتضى الأمر الإيجاز... وقد يزيد ما يراه في صالح المادة للكشف عن جوانبها المتعددة.

ومن هنا فإن المحقق كان يضيف أحياناً إلى المطبوع بعض الملاحق الخاصة المتعلقة بمادة المخطوطة كما نجده في تحقيقه لرسالة "مجرى السوابق" حين أضاف جدولاً بيَّن فيه أسماء خيل العرب المشهورة وأربابها... وقد جمعها من معجم "القاموس المحيط" كما ذكرها الفيروزآبادي... أما الفهارس فإنه لم يألُ جهداً في صَنْعة ما يحتاج إليه المطبوع منها...

وبعدُ؛ فإن هذا كله يوحي بأن الأستاذ الدكتور عمر قد امتلك مَنْهجاً واضحاً ودقيقاً؛ إنه منْهج العلماء المتثبتين، فأكد لنا أن علاقته بالمخطوطة لم تكن علاقة طارئة، ولا سطحية، بل هي علاقة تثبت أنه مدرك لما بين يديه، ومقدر لقيمته، وعارف لما هو مقبل عليه، ودقيق في اختيار المنهج الملائم لهذا العمل أو ذاك.

فالأستاذ الدكتور عمر موسى باشا يبرز لنا من مجمل ما حققه أنه انغمس انغماس الصوفي في المؤلفات التي أظهرها للوجود... ودلل على أنه مثال المحقق الصبور العالم المتواضع المحب لتراث أمته وأدبها... وما ادعى يوماً أنه قدَّم شيئاً... ولا تبجَّح بأنه فعل كذا وكذا، ولا ملأ الدنيا ضجيجاً.

ولهذا نقول له: إنك أوضحت أشياء كثيرة، فأنت الذي أكدت لنا أن العصر المملوكي والعثماني عصر لا يقل في قيمه ومعارفه عن أي عصر آخر، وأن اختلاف الأشكال تنوعٌ وثراء لا انحدار وتخلف... وأنت الذي أكدت أن الركام مهما طالت عليه السنون لا يمكنه إخفاء الحقيقة. فقد جئت كالفارس أنت وأمثالك ممن سبقوك أو عاصروك... وعلى الرغم من قلتكم فقد رفعتم هذا الركام عن كاهل العصر المملوكي والعثماني وأعدتم لـه جوهره الحيوي والفعال فنعمت به الذاكرة بعد نسيان طويل، وانتصفتم لـه بعد طوال ظلم.

ذلك هو عمر موسى باشا، وذلك وجهه المشرق في بعض شؤونه وسيرته وما تركه لنا من مؤلفات وأعمال قام بتحقيقها على منهج المحققين الكبار...

/ 136