عمر اليافي الشاعر
والفيلسوف الصوفي الكبير
الأستاذ فيصل جرفترجمة الدكتور عدنان عبد البديع اليافي يقول برغسون: "في كل إنسان شخصية صوفية تحتاج إلى من يوقظها من سباتها"، وكتاب "قطب العصر: عمر اليافي" يمثل دراسة مبنية على التراث الصوفي لعمر اليافي البكري، كتبها الدكتور عمر موسى باشا.ويتصدر الكتاب مقدمة بقلم الدكتور علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وهي تعتبر جزءاً مكملاً للكتاب من حيث المعلومات التي تضمنتها، وقد استهلها الدكتور عرسان بقوله: "يلتقي في هذا الكتاب عمران، عمر اليافي الشاعر، وعمر موسى باشا الدارس، وفي لقائهما يلتقي عصران اتسعت بينهما الشقة في العلوم والمعارف والأحوال، كما في الهموم والاهتمامات والشواغل والتواصل، فصار العالم قرية كبيرة بعد أن كان كل فرد من الأفراد سابقاً يشكل ما يشبه قرية صغيرة منعزلة".ومن هذا المنطلق فإننا، حسبما أوضح الدكتور عرسان في المقدمة، لا يمكننا أن ننظر إلى هذا الكتاب على أنه دراسة عن التصوف في عصر عمر اليافي، أو على أنه دراسة للشعر والموسيقى والغناء في ذلك العصر، بل على أنه جهد دارس مدقق تناول رجلاً لـه اهتمامات متعددة في عصره، فحاول أن يلقي الأضواء على المناخ العام للشعر والشاعر المتصوف، مدفوعاً بأحاسيسه ومشاعره الداخلية للغوص في الأعماق بغية الوصول إلى المعاني النبيلة والدرر الثمينة، وأظهرت النتائج دائماً أن هذا الدارس غواص ماهر.ويضيف الدكتور عرسان: إن الجهد الذي بذله الدكتور عمر موسى باشا يذكره بقصة قصيرة رواها أبو بكر الشبلي، أحد كبار المتصوفة، الذي قال: "إن متحابين ركبا بعض البحار فسقط أحدهما في البحر وغرق، فألقى الآخر نفسه إلى البحر، فغاص الغواصون فأخرجوهما سالمين، فقال الأول لصاحبه: أما أنا، فقط سقطت في البحر، أنت لم رميت نفسك في البحر؟ فقال له:أنا غائب بك عن نفسي، توهمت أني أنت"، ودارسنا عمر موسى باشا، كان يغيب أحياناً في شخصية شاعرنا عمر اليافي، وكأنهما شخص واحد.ويشير الدكتور عمر موسى باشا في مدخل بحثه إلى أنه من المفيد جداً توضيح أهمية التصوف في تاريخ الفكر العربي، والحضارة الإسلامية، فالصوفية فلسفة دينية وصفت بأنها (الأخذ بالحقائق)، والصوفية المسلمون كانوا مولعين بأن يسموا أنفسهم (أهل الحق).وتوضح النظرة إلى المراجع والكتب والمخطوطات التي تناولت الصوفية أنها تحتل مكانة مرموقة في الفكر الإسلامي، ومن بين الذين قوموا الأدب الصوفي تقويماً صادقاً العلامة أحمد أمين الذي تحدث عن الطور الثالث لهذا الأدب قائلاً: "إن الأدب الصوفي غني في شعره وفي فلسفته التي تعتبر من أعمق أنواع الفلسفات الإلهية وأدقها، ومعانيه في غاية النبل والسمو، وعواطفه الصادقة وخياله الرائع يعرضها عليك كأنها كتاب إلهي تقلب صفحاته أنامل ملائكية".والشاعر عمر اليافي هو أبو الوفاء قطب الدين عمر بن محمد بن محمد الدمياطي اليافي، ولد في يافا سنة 1173 ميلادية، وعاصر خمسة من سلاطين آل عثمان، واشتهر باسم اليافي نسبة إلى مدينة يافا التي ولد بها، وكان القرآن الكريم مدرسته والمصدر الأساسي لمعارفه، وقد تلقى العلم على أيدي عدد من مشاهير الشيوخ في عصره، ومنهم الشيخ علي الخالدي، والشيخ نور الدين علي الرشيدي، والشيخ شمس الدين محمد مهيار، وغيرهم، وأصبح عمر اليافي عالماً من علماء اللغة العربية، وبرع في علم الحديث النبوي الشريف، وبحكم ثقافته الدينية وانتشار الصوفية في ذلك العصر فقد تميز أدبه بتوجه إسلامي صوفي.وقد تنقل الشيخ عمر اليافي إلى أقطار عديدة، واستقر به المقام في دمشق الشام بالقرب من المسجد الأموي، وقد كتب أشعاراً كثيرة أغلبها من نوع الموشحات، ويقول في إحدى ثنائياته يمدح آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سفينة نوح آل بيت محمد
وأما الذي عنها تخلف هالك
غريق ببحر الغي لم يلق مخرجا
فمن كان فيها راكباً صادف النجا
غريق ببحر الغي لم يلق مخرجا
غريق ببحر الغي لم يلق مخرجا