قيل لأبي زكريا الصيمري بباب الطاق في الوراقين وأبو سليمان حاضر: بلغنا أنك لا تقول إن الباري شيء؟ وهذا مذهب كالشنع إن لم يكن كالمحال، والمعروف غيره عند كافة الناس؟ فقال: قولنا شيء، ليس باسم، ولا فعل ولا حرف، ولا نعت، ولا مصدر، ولا ظرف، ولا حال! ولست واجداً نصاباً يقر فيه، ولا منزعاً ينزع إليه، وإنما صار له مفهوم بحسب اتصاله بغيره، وانضمامه إلى ما يتم به، كقولك، هذا شيء إذا أضفت إلى نفسك. وهذا شيئك، إذا أضفت إلى مخاطبك. وهذا شيء فلان، على هذه الوتيرة المعترف بها. وأما قولك شيء على نكرته وأصله وتجرده، فليس يجلب فائدة ولا يحدث ثمرة ولا يوجب علماً. والنفس لا تأخذ منه معنى، والفهم لا يحلو منه بجملة، والحس ينفي عنه ضربة واحدة، فأما إن عرفتة بالألف واللام فقلت الشيء، فإنه لا يكون له أيضاً ثمرة حتى تتصل المعرفة المجتلبة إليه بغيره وتنكشف، اللهم إلا أن يكون بينك وبين صاحبك عهد بشيء من الأشياء، فحينئذ ذلك العهد يشير إلى غير ذلك الشيء الذي في نفسك، ويذكر عهدك به وعهده بك ثم قال: فان قلت مستزيداً: لم لا يكون للأسماء؟ قيل: لأنه لا ينبغي أن يوجد شيء من الأشياء ثم يولى اسماً بأنه زيد أو نعتاً بأنه يسيل؛ أو حالاً بأنه قائم، وخاصة بأنه ضاحك، وسائر ما يتبع هذه الأوائل مما لا يحصى كثرة، وهو مشهور عند كل أحد. فإن سميت ما لم يوجد فذلك لأنك أعرته اسم آخر موجوداً. فإن قلت: فلم لا يكون نعتاً؟ قيل لك: لأنه قبل أن ينعت يكون شيئاً. وإنما النعت يقرره ويميزه ويحليه ويوضح عنه. فإن قلت: ومن أين كان هذا هكذا؟ قيل: لاشتمال قولك الشيء واحتوائه. ألا ترى أنك تطلقه على المعدوم، على تفاوت درجاته؛ كما تطلقه على الموجود، على تباين طبقاته؟ وتعين به ما في الحس تعيينا، كما تشير به إلى ما في العقل إشارة؟ وتستعمله فيما يفرضه فرضاً من غير حقيقة، كما تستعمله في ما هو موجود وله حقيقة؟ فلوقوعه على كل ما عدم ووجد، ويعدم ويوجد، ما وجب أن لا يطلق على من كان يعلو على كل شيء، وهو منبعث بكل شيء، ومعطي كل شيء ما على ما هو به من جسم وجوهر، ومحسوس ومعقول، ومفروض ومعلوم، ومشهود وموهوم، وبائد وثابت؟ وكنت سمعت الشيخ علي بن عيسى الرماني النحوي الصالح يقول: الشيء مصدر شاء يشاء شيئاً، كقولك جاء جيئاً، والمشية كالمجية، وإنما أعمل على ما ترى لتعلق ما نجد حساً وعقلاً وظناً ووهما. فالمشيئة ولاشيء بهذا المعنى بعض خصائص الاسم، وخرج به عن أصل المصدر. ولهذا أشباه. وقال أبو سليمان في هذا المجلس، زائداً في هذه الفائدة: لا ينبغي أن يطلق على الباري موجود! قلنا: ولم؟ قال: لأن الموجود مقتض للواجد لا محالة، والواجد في صيغته مقتض للموجود لا محالة، فالرباط قائم، والتعلق بين، والله تعالى يجل عن هذه الرتبة لأنه لا واجد له، ولو كان له واجد لكانت مرتبة الواجد فوق مرتبة الموجود بدلالة سائر الأسماء والصفات. قلنا له: قد قيل: معبود ومحمود وموجود، وما ضارع ذلك؟ فقال: أما إذا تجوزت في الكلام، وتفسحت في العبارة، فكل هذا على باج واحد. وإنما الخصوصية للذين دققوا في التوحيد من هذه الجهات الغامضة والإشارات اللطيفة. على أن الذين أباحوا هذه الأسماء أعاروه إياها لأنهم نقلوها عن غيرها ونعتوه بها؛ وذلك غاية طاقتهم، ومبلغ علمهم، ونهاية جهدهم. ثم قال: إن أطلق الموجود على أنه اسم فقط جاز؛ لأن الموجود في الأول إنما اقتضى الواجد وصار مضمناً به، لأنه التبس بالصفة. فأما إذا جرد اللفظ من معنى النعت واستعمل على مدرجة الأسماء لم يكن كبير تقصير إلا من وجه واحد، وهو أن هذا الاسم بعينه هو صفة في مكان آخر. فالشركة حاصلة