قال أبو بكر الصيمري، لجماعة عنده ونحن في طاق الخواني في الوراقين وقد ذهب به القول في كل عروض، وجذبه إلى كل باب: العلم حياة الحي في حياته، والجهل موت الحي في حياته، فإذا كان الجاهل ميتاً في حياته فماذا ترى يكون بعد مماته؟ وإذا كان العلم حياة الحي في حياته فلا شك أنه يكون حياة له بعد وفاته.ثم قال: العلوم الآلهية في السر لأنه بساط العمل الصالح، والحق المعتقد، والخلق الطاهر، والطاعة الحسنة، والراحة في المعاقبة، ومن عري من العلم ولزم العمل، كان كخابط عشواء، ما يفوته أكثر مما يجده، وما يفسده أكثر مما يصلحه؛ ومن لزم العلم وخلا من العمل، كان كلابس ثوبي زور. والعلم فنون، وأشرفه معرفة الحق الأول، والعلم قوام المعقول، والعمل قوام المحسوس، ولولا المحس لا ستغنى عن العمل، لأن العمل إنما هو رياضة النفسين اللتين تعاندان النفس الناطقة، أعني الشهوية والغاضبة، فأما العلم فهو كله في تقديس المعقول بالعقل والتشوق إليه، وطلب الاتصال به، والفرق في بحره، والوصول إلى وحدته، والعمل مقوم للقوى التي تريع كثيراً بالزيادة والنقصان، وبالخمود والهيجان؛ والعلم مبلغ إلى الغاية التي لا مطلوب ورائها، والعمل مهيئ لك نحو المسلك إلى سعادتك، والعلم مشرف بك على سعادتك، والعمل يوصل، والعلم وصول، والعمل حق عليك لا بد من أدائه، والعلم حق لك لا بد لك من اقتضائه والعلم كله نور وأنواره ما أضاءك وسطع عليك وأسفر بك وجلاً عن حقيقتك، وتحلى بعقيدتك ونحي قشورك عنك، وأبرز لبك منك، وصقلك وصفاك وزينك، وأبهجك ونورك، واهلك لدرك حدك، وأحلك دار كرامتك وقرارك، وصار ألصق بك من شعارك ودثارك، هناك تبقى ولا تبلى، وتغنى ولا تضنى، هناك الواصل والموصول، والعالم والمعلوم، والعاقل والمعقول، في فضاء الوحدة، ومغاني القدس، وخطة الراحة، ومراد الطمأنينة، والجدة والثقة والسكينة، وعرصة آلهية لا تفرقه ولا تمييز، ولا كثرة ولا اختلاط، ولا تمازج ولا اختلاف؛ حال تجل عن إمارات الحال، وأمر يلطف عن رسوم الأمر، على هذا سكبت العبرات، وطالت الزفرات، أتظن أن الرقي في سلاليم المعرفة، والتناهي في غايات التوحيد، هين سهل، وقريب ممكن؟ هيهات أن يكون ذلك كذلك، ولكن لواحد بعد واحد، يخص به الواحد، في عالم بعد عالم، وفي دور بعد دور. وكان كلامه أطول من هذا وأشفى، وهذا حاصل منه، والله أسأل تقبله والوفاء به والقيام عليه.