مقابسات نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقابسات - نسخه متنی

أبی حیان التوحیدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المقابسة الواحدة والأربعون

في أن المغمض من الحكماء يدرك ما لا يدركه المحدق من الدهماء

قال أبو الحسن العامري : إن المغمض من أرباب الحكمة يدرك بفكره ما لا يدركه المحدق ببصره من غيرهم. وذلك أن الحس محطوط عن سماء العقل، والعقل مرفوع عن أرض الحس، فمجال الحس في كل ما ظهر بجسمه وعرضه، ومجال العقل في كل ما بطن بذاته وجوهره. والحس ضيق الفضاء قلق الجوهر، سيال العينن مستحيل الصورة، متبدل الاسم، متحول النعت. والعقل فسيح الجو، واسع الأرجاء، هادئ الجوهر، قار العين، واحد الصورة، ثابت الجسم، متناسب الحلية، صحيح الصفة. والفكر من خصائص النفس الناطقة. والنطق في النفس بتصفح العقل بنور ذاته، والحس رائد النفس بالوقوع على خصائصه. وكما قد صح أن الحس كثير الإحالة والاستحالة، فكذلك قد وضح أن العقل ثابت على ما له في كل حالة. والحس يفيدك ما يفيد في عرض الآلة التي أصلها المادة؛ والعقل يفيدك ما يفيد على هيئة محضة، لأنه نور. قيل: لم! ألسنا نرى عاقلاً يتحول من معقول إلى معقول، وينتقل من رأي إلى رأي، وينصرف من معتقد إلى معتقد؟ فهل هذا إلا لأن السيلان الذي ادعى في الحس تدرب إليه وعمل فيه؟ وما هكذا يرى من اعتقد معتقداً بشهادة الحس! فإنه أثبت رأياً، وأرسخ يقيناً، وأظهر سكوناً، وعلى هذا: ألحس يفيد العلم الذي تسكن معه النفس. والعقل يفيد العلم الذي كأنه مظنون؟

فقال: هذا كلام من لم يرتض بحكمة القدماء، ولم يرتق عما عليه العامة والضعفاء؛ والأحساس حفظك أو من إليه من جهة النفس لا من العقل ولا من جهته، وليس لها حكم على شيء من أحواله إلا من جهة النطق النفسي، والذي يوضح هذا أن البهائم كلها ذوات إحساس قوية، وليس لها قضايا منها ولا نتائج بها، لأنها خادمة للقوة القاضية بالحق، الدالة على الصحة، المفضية إلى المقدمات، المستخرجة للثمرات، وإنما وقع لك هذا القول لأنك ظننت أن ما يعتقده كثير من الناس الذين يظنون بأنفسهم أنهم خاصة من ناحية الحق؟ بل ليس الأمر كذلك؟ لأنهم يعتقدون أشياء ممزوجة مشوبة مختلطة كدرة يحكمون فيها أحلام العقل وسماء دره ومحايله، يأخذونها من أشباح الأمور وصفحات الأحوال وظواهر الأشياء، ولذلك ما يزولون عنها بشرعة، ويستوحشون منها عند كل شبهة، وليس كذلك الفلسفة، فإنها علم العلوم، وصناعة الصناعات، لا تعطيك في موضح الشك اليقين، ولا موضح الظن العلم، ولكها تعطيك في كل شيء ما هو خاصته وحقيقته، إن شكا فشكا، وإن يقيناً فيقيناً. وسنصل بهذه المقابسة في الكتاب ما يكون بياناً وشاهداً بصحته، ولو أن هذه الأوراق اشتملت على نكتة ما فيها فقط، وكان ذلك لا ينكر أنه كاف في معناه، موف على أقصاه، لأن بحر هذا العلم عميق، وقيمته غالية، ولكنا وصلنا نكتة بنكتة، ومقابسة بمقابسة، تذكيراً للعالم، وتفريجاً للنفس، واستدعاء للنشاط، ودلالة علة مواضع السعة والغزارة، ولا تصل منها إلا وهو يوفي على كتاب ضخم إذا حويت على كل ما فيه وكل ما يتعلق به ويصرف فيه وشبهه، فإذا عتبت علي أبقاك الله في بعض التقصير فقارب وأقصد، فلم أضمن لك خلوص ما أقوله عن بعض الشوائب، وإنما عزوت ذلك كله إلى هؤلاء الأعلام الذين كانوا مذكورين في الوقت من غير أن استبددت بشيء عليهم، إلا بما لا بال به، ليحسن ظنك ويقل تعبك بها في تهجينهم، والله يعينك بلطفه، ويواصلك بتوفيقه، إنه قريب مجيب.

المقابسة الثانية والأربعون

في معرفة الله تعالى أضرورية هي أم استدلالية؟

قيل لأبي الخير حدثنا عن معرفة الله تقدس وعلا، ضرورة هي أم استدلال؟ فإن المتكلمين في هذا اختلفوا اختلافاً شديداً، وتنابذوا عليه تنابذاً بعيداً، ونحب أن يحصل لنا جواب فيفسر على حد الاختصار مع البيان؟ فقال: هي ضرورة من ناحية العقل، واستدلال من ناحية الحس، ولما كان كل مطلوب من العلم إما أن يطلب بالعقل في المعقول، أو بالحس في المحسوس، قال: وهذا هو الشاهد والغائب. وساغ أن يظن مرة أن معرفة الله اكتساب واستدلال، لأن الحس يتصفح ويستقوي بموازرة العقل ومظاهرته وتحصيله، وأن يظن تارة أخرى أنها ضرورة. إن العقل السليم من الأفة، البريء من العاهة، يحث على الاعتراف بالله تقدس اسمه، ويحظر على صاحبه بجحده وإنكاره والتشكك فيه، لكن ضرورة لائقة بالعقل، لأن ضرورة العقل ليست كضرورة الحس، وذلك أن ضرورة الحس فيها جذب واختيار، وحمل وإكراه، فأما ضرورة العقل

/ 96