قال العامري : الطبيب أخو المنجم، ونظير له وشبيه الحال به، وذاك أن الطبيب قد يرسم بأنه حفظ الصحة بالتدبير المحمود، وأزال العلة بالرأي الصحيح. وكمال علم الطب أشرف من موضوعه، وموضوع علم النجوم أشرف من كماله. أو الصناعة محتملة للحيلة والزرق. كما أنها راجعة إلى الصحة والحذق، وقد يتفق في زرق الزارق صواب كبير، كما يعرض في حذق الحاذق خطأ يسير؛ وللحيرة بين هذين الإتفاقين مجال، وللمعترض عليها مقال، وفصل الحال بين الرجلين صعب، والخطب مشكل. وليس للمصيب بالزرق أن يجعل ذلك قاعدة وأساساً؛ ولا للمخطئ أن يقطع منه يأساً. قال: وقفت هذه الصناعة هذا الموقف، وتدرجت هذا التدرج، لأن الله تقدس كما أراد بالعافية والبرء والسلامة والنجاة إنعاماً وامتناناً، كذلك أراد بالعلة والمرض واليأس اختباراً وامتحاناً، ثم أشاع الله العلم بالطب تعليلاً للطبيب بسبب رزقه منه، وتعليلاً للمريض بسبب تخفيفه عنه، فكلا الرجلين، أعني المعافى والعليل إلى غاية مضروبة، على أسباب محسوبة وغير محسوبة، ولو عافى الله تبارك وتعالى بالطب أبداً لا تخذ الناس الطبيب رباً، ولو لم ينفع بالطب أحداً لهجر الناس الطب هجراً، بل جعله علالة مرة مع إحصاء أيام العافية، وسبب العافية مرة مع التنبيه على موقع النعمة ولذع البلية. قال: وما هذا مرده ومرجعه إلى أمر الدار وما أسست عليه. ودبر أهلها به، وصرف سكانها فيه، فمن لم يفتح بصره لم ير ما فوقه ولا ما تحته، ولا ما عن يمينه، ولا ما عن يساره، كذلك للغيب سبحاً لم يطلع على سر هذا الشاهد، ومكنون هذا الجلي، وباطن هذا الظاهر، ومعقول هذا الذي تم عليه الحس، وخفي هذا الذي وقع عليه الحدس. قال: والمرض والعافية في الأبدان بمنزلة الغنى والفقر في الأحوال، والغنى والفقر في الأحوال بمنزلة العلم والجهل في القلوب، والعلم والجهل في القلوب بمنزلة العمى والبصر في العيون، والعمى والبصر في العيون بمنزلة الشك واليقين في الصدور، والشك واليقين في الصدور بمنزلة الغش والنصح في المعاملات، والغش والنصح في المعاملات بمنزلة الطاعة والمعصية في الأعمال، والطاعة والمعصية في الأعمال بمنزلة الحق والباطل في المذاهب، والحق والباطل في المذاهب بمنزلة الخير والشر في الأفعال، والخير والشر في الأفعال بمنزلة الكراهة والمحبة في الطباع، والكراهة والمحبة في الطباع بمنزلة الهجر والوصل في العشرة، والهجر والوصل في العشرة بمنزلة الرداءة والجودة في الأشياء، والرداءة