قلت لأبي سليمان: لم قيل لسان الجاحد أشد من تعريف قلب الجاهل؟ فقال: لأن تعريفك يوصل إلى قلبه مرادك من غير أن يقدر على محاجزتك بالمنع والامتناع، وذلك أنه لا حجاب على قلبه ولا حاجز دون عقله، وليس هكذا تقريرك للسانه، لأنه ينكر به ما يعرف بقلبه، ويميل إلى البهت، شراداً على الحق، وذهاباً مع العنت، واللسان يطاوعه على السكوت، والقلب لا يطاوعه على الجحود. قيل له: قد يكون دون القلب أيضاً كن الجهالة، وغطاء الغباوة وضباب البلادة، فلا يكون تعريفك موصلاً إليه مرادك. فقال: متى كان الأمر على هذا لا يكون قلبه جاحداً، إنما يكون بما يرد عليه جاهلاً، وإنما استقام الكلام الأول على قلب عرف فعرف، فكان التعريف أسهل على القلب من الإقرار على اللسان، واستشهد فكذب، فكانت ذات برهان واضح، فمن المحال أن يقال بعد هذا: قد يكون دون القلب مانع، كما يكون دون اللسان مانع، لأن ما حددنا به المسألة قد فصل الحال، وبين المراد.
المقابسة الثانية والخمسون
في هل دون فلك القمر فلكان هما سبب المد والجزر؟
سمعت غلام زحل ببغداد يقول: ألسماء هي الجسم الذي فيما بين نهاية كرة فلك القمر التي تلينا إلى نهاية العالم، وجميع كرات السماء على ما صح عند الحكماء تسع كرات أقربها إلينا كرة القمر. وسمعت بعد هذا ابن بكير يقول: دون فلك القمر فلكان، هما سبب المد والجزر، يقطعان الفلك في كل يوم وليلة مرتين. وكان هذا من آراءه التي تفرد بها، ولم أجد أحداً يوافقه على شيء منها، وخاصة هذا الرأي. ولأنه ليس لنا في هذه الصناعة مدخل ولا منفذ لم نقصد الرد عليه، ولكنا عجبنا من مخالفته الأوائل الذين قد أقاموا البرهان على خلاف دعواه. والصناعة برهانية. فليت شعري أي برهان قام له على هذه الدعوى؟ والبرهان معروف وهو القياس الذي يعطي صورة الحق غير مشوبة ولا حاملة؟