المقابسة السابعة والخمسون
في الحظوظ والأرزاق
قال أبو العباس البخاري لأبي سليمان وقد جرى كلام في الحظوظ والأرزاق: لعل الذي عنى لي في أن العالم والأدبة؟ في الحكمة والتبين والاستنباط هو الذي إليه هذا الأمر دون غيره من الأمور، فلما تولاني بما هو إليه بلغ بي، فأما ماعدا هذا من الحظ والرزق والكفاية فلعله إلى غيره فلذلك ما تركت مهملاً في شيء وتوليت ملقنا في آخر، ولوعني في صاحب المال لبلغت غاية الكمال، ولو كنت أغني عن ملاحاة الرجال، وعن إعادة القيل والقال؟ فقال له: ليس كذلك، بل المعنى بهما واحد، وإنما تختلف هذه الحكمة ويشكل القضاء عليه في عالم الحس وعرصة الزخرف وأرجاء الماء والطين. والدليل على ذلك أن الحائك لا يزرع القطن، والخياط لا ينسج الثوب، والخباز لا يذبح الشاة، والعطار لا يدبغ الجلد، والزفان لا يضرب بالعود، ولو أمكن لفعل كل واحد جميع ذلك، وكان الإنسان يكمل بوفائه بكل شيء وإتمامه لكل شيء، وبالواجب خالف حكم الحس حكم العقل في المعقول. كل مختلف متفقاً، وكل كثير واحداً، وكل بعيد قريباً؛ وكل متعذر سهلاً، وكل عصي سمحاً؛ وكل مظنون متيقناً. وذلك لأن الوحدة العقلية في الكثرة الحسية مدمجة ولو استوى الطرفان لسقط البحث وزال المراء، ولكان لا يشتاق الغريب إلى وطنه، ولا يحن إلى معدنه؟ ثم أنشد في هذا الموضع بيتاً ولم أدر من قائله وهو:
حن الغريب إلى أوطانه طرباً
إن الغريب إلى الأوطان حنان
إن الغريب إلى الأوطان حنان
إن الغريب إلى الأوطان حنان
فإن تصبرا فالصبر خير مغبة
وغن تجزعا فالأمر ما تريان
وغن تجزعا فالأمر ما تريان
وغن تجزعا فالأمر ما تريان