قرئ على أبي سليمان من كلام أبندقليس : إذا استولت المحبة على الأجسام التي منها تركيب العالم كان منها العالم الكري، وإذا إستولت الغلبة كان منها الإستقصات، والعالم الكائن الفاسد. فقال مفسراً: إنه أراد باستيلاء المحبة على العالم استيلاء القوة العقلية، فإنها هي التي تحيط بجميع الموجودات إحاطة كلية، وتؤلف بينها تأليفاً نظامياً موفقاً بين جميع أجزائها. وهذا الفعل منها شبيه بتأليف الأكر بعضها مع بعض، وإحاطة بعضها ببعض، حتى لا يتخللها شيء آخر. قال: ومعنى قوله: إذا استولت الغلبة حدث منها الإستقصات المتباعدة الأفطار، المتميزة بعضها من بعض، المباين كل واحد منها غيرها؟ وهذا تشبيه بالقوى الحسية المتشذبة المفارق بعضها بعضاً فيما يخصها من الإكدادات مع ما يقع فيه من الخطأ والغلط والزيادة والنقصان. وهذه صفة الأشياء المتغالبة والمتنافرة. هذا آخر تفسيره، وليس به غنى عن بقية بها ينكشف فضل انكشاف ويغترف من سجلها أكثر من هذا الاغتراف، ولكني قد بلغت هذا الموضع من الكتاب وما بي طرف ولا معي ذهن، لأحوال إن شرحتها أثرت الشماتة من العدو، وأعنت العدو على المحب، وحركت ساكن الخصم الآن وأسأت الصديق بعض المساءة، وإن كان لا صديق، وإلى الله أشكو غربتي وكربتي ومعاداتي لمن لا يسمح ولا يوالي، فبيده تفريج ما ألقى وتسويغ ما أشقى، وهو المولى والمعين.
المقابسة الثامنة والسبعون
في التضاد بن السلب والإيجاب
أملى على أبو سليمان فيما أملى: السلب هو نفي شيء من شيء، والإيجاب هو إثبات شيء لشيء، والحد ليس فيه حكم ولا إثبات شيء لشيء، ونفي شيء عن شيء، لكنه قول دال على أمر دلالة مفصلة، كما أن الاسم دال عليه دلالة مجملة، مثال ذلك: النقطة، فإنه سواء قلت شيء ما لا جزء له، أو قلت نقطة من قبل أن قولي نقطة ليس فيه حكم، كذلك قولي شيء ما لا جزء له لا حكم فيه. وأما إن جعلت أحدهما موضوعاً والأخر محمولاً، حتى تقول النقطة هي شيء ما لا جزء له، وله يصير حينئذ الحد محمولاً على النقطة، وتختلف دلالته عما كان عليه.