رويت لأبي سليمان كلاماً لبعض الصوفية فلم يفكه ولم يهش عنده، وقال: لو قلت أنا في هذه الطريقة شيئاً لقلت: الحواس مهالك، والأوهام مسالك، والعقول ممالك، فمن خاص نفسه من المهالك قوى على المسالك، ومن قوى على المسالك أشرف على الممالك شرفا يوصله إلى المالك. قال أبو الخطاب الكاتب: أيها الشيخ، هذا والله أحسن من كل ما سمع منهم، فلو زدتنا منه؟ فقال: الحواس مضلة، والأوهام مزلة، والعقل مدلة، فمن اهتدى في الأول وثبت في الثاني أدرك في الثالث، ومن أدرك في الثالث فقد أفلح. ومن ضل في الأول وزل في الثاني خاف ومن خاف في الثالث فهو من الهمج. واستزاده مظهر الكاتب البغدادي فاستعفى وقال: هذا حديث قوم أباعد منا على بعض المشاكهة وما قلناه كاف فيما قصدنا، فإن استتب خفت العار واستحليت الغار، ولكل أفق يدورون عليه، ومركز يطمئنون إليه، وجو يتنفسون فيه، وفنن يقطفون منه. ولولا هذه اللطائف التي هي مشغلة النفوس الوافرة والناقصة، لكانت الصدور تتقرح بأسا، والعقول تتحير يأساً، والأرواح تزهق كمداً، والأكباد تتفتت صمداً، فسبحان من له هذه القدرة وهذه الخليقة، وهذه الأسرار في هذه الطريقة.
المقابسة السادسة والتسعون
في كلمات في الحكمة منقولة عن المشايخ
هذه مقابسة رسمنا فيها كلمات نافعة كانت متفرقة في ديوان الحفظ ولم ننسبها إلى شيخ واحد لأنها كانت تجري في مجالس مختلفة، وهذا موضع يقتضى حصولها فيه لتكون مجاورة لأخواتها، وداخلة في جملة ما لاق بها. وفي النفس بعد هذا جمع النوادر للفلاسفة مع التصفح والإيضاح، إن أخر الله ما لابد منه، وأعان على إظهار ما تتحدث النفس به يكون شرفاً لجامعه، وفائدة للظافر به، وغنيمة للطالب له. وبيده تسهيل ما عسر، وهو ولي الحمد في الأول والآخر. ولكل طائر صائد، وما كل تربية تصلح للعقبان، وما كل طبيعة محتاجة إلى برهان. وقال: الحق بين منهاجه، ومنير سراجه، ومعقول بيانه، ومعلوم برهانه، منه استضاء به أفلح، ومن سلك سبيله نجح. قال قائل: أنواع الاختلاف ستة: الإضافة، والتضاد، والقنية، والعدم والإيجاب، والسلب. والمضاف مثل الضعف، والمنصف والتضاد مثل الصالح والطالح، والقنية والعدم مثل البصر والعمى، والموجب والسالب مثل فلان جالس، فلان ليس بجالس.