في أن العالم من حيث هو كائن فاسد ومن حيث هو فاسد كائن
سمعت بعض مشايخنا ببغداد، وغالب ظني أنه نظيف الرومي يقول: العالم من حيث هو كائن فاسد، ومن حيث هو فاسد كائن، فلذلك نظمه بدد، وبدده نظم، ومتصله مفصول، ومفصوله متصل، وغفله موسوم، وموسومه غفل، يقظته رقاد، ورقاده يقظة، وغناه فقر، وفقره غنى، وحياته موت، وموته حياة؛ قال: فلا أطيل، ها هنا مثل ينزع إلى الحس ضرورة ويعترف به العقل اضطراراً: أنظر إلى السماء نظراً شافياً، وتأملها تأملاً بليغاً، وجل في آفاقها ببحثك ونظرك ملياً، واستقر صورها استقراء تاماً، فإنك تجد نجومها منتثرة متساقطة كأن سلكها قد وهى، ونظمها قد انخرط. على هذا إدراك الحس، وسابق العيان، وشهادة النظر، وظاهر الخبر والأثر، ثم إنك لا تستثبت بعد إمعان النظر وإنعام الفحص ومواصلة البحث أن تجدها متسقة إتساقاً، ومتفقة اتفاقاً، وموزونة وزناً، ومعدلة تعديلاً، ومنظومة نظماً، ومعبأة تعبئة، ومزينة بكل زينة، ومحلاة بكل حيلة، حتى يقضي اختياراً واضطراراً وانتهاراً واقتداراً أنها زالت عن حالتها المعروفة، أو حالت عن صورتها المألوفة، بأقل من مثقال ذرة أو هباءة تربة، تهافت أصله، وبطل بعضه وكله، واضمحل خفيفه وثقيله، وبار كثيفه ولطيفه، واضطرب أوله وآخره، واختل محيطه ومركزه؟ وهذا لأن الحس حس قضى في الأول قضاء بما في الطبيعة من الخل والنقص والتلون، وقديماً قيل الحس حاكم مؤنس، وساع مفسد، ومتوسط عياب، وقاض خصم، ودليل سوء، ومشاطة مشوطة؟ وموضح لابس، وناقد مدلس وخاطر ملفق، وصديق متملق، ومعلم مضل، ومقوم مزل، وناصح مزور، ومرشد مغرر، وجار مخاتل، وشريك سروق، ووافد كذاب. لا مقنع به ولا مفزع إليه، ولا خير فيه ولا معول عليه. فأما العقل فإنه يقضي بانتظامه ودوامه وسلامته وصحته وثباته واتصاله والتئامه، وذلك لأن العقل رفيق عفيف، وقاض عدل، وصديق مشفق، ووالد حدب، وجار محسن، وشريك ناصح، وهاد صدوق، وصاحب