مقابسات نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقابسات - نسخه متنی

أبی حیان التوحیدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وكان في كلامهم حشو كثير حصلت خالصة زبدته


ما أعدت ههنا، وذكرته في جملة الكلام والناس من أول الدهر إنما يتكلمون في الأخلاق، على هذا تدل الكتب السالفة، والأشعار المتقدمة، والمواعظ القائمة، والمزاجر المترددة، ومع ذلك كله من طبع على الجبن ليس يجيء منه شجاع، ومن طبع على الغيرة لم يمكنه أن يغفل، ومن وجد في سوسه شيئاً أبداه، ومن كان في قوته شيء أظهره، ومن استكن في مزاجه شيء أبانه والأصل طالع على رابية الأيام، والاختيار في الأشياء قوة ضعيفة جداً لا ثبات لها مع الضرورة التي ترد قاهرة، وتوافي مجبرة، فإن الاختيار أيضاً في الأول من جملة تلك الضرورة في عرض القسمة السماوية، إن أذن له بدا وظهر، وسعى وسفر؛ وإن تكن الآخر بطل حكمه ورسمه، وارتفع عيبه وفعله. وقد شاهدنا من يمدح الجود ويحث عليه، ويحسنه ويدعو إليه، وهو أبعد الناس من العمل به، والقيام بحكمه. وقد وجدنا من يلوم التغافل في الحرمة وما يجري معها، ويبعث على الغيرة والصرامة فيها، وخوض الدم من أجل عارض في بابها، وهو أشد الناس انحلالاً فيها، وأظهرهم اختلالاً عليها. فكأن ما يقوله أحدهم ذاماً ومادحاً، هو غير ما ينبغي أن يأتيه أو يتركه مجتنباً. وكان أبو سليمان يقول: كثير من أخلاق الإنسان تخفى عليه، وتطوى عنه؛ وذلك جلي لصاحبه وجاره وعشيره. وهو يدرك أخفا من ذلك على صاحبه وجليسه ومعامله وقريبه وبعيده، وكأنه في عرض هذه الأحوال عالم جاهل، ومتيقظ غافل، وجبان شجاع، وحليم طائش. يرضى عن نفسه في شيء هو المغتاظ على غيره من أجله. قال: وهذا كله دليل على أن الخلق في وزن الخلق وعلى نساجه، يعسر منه ما يعسر من هذا، ويسهل من هذا ما يسهل من ذاك. قلت له عند التفاف الكلام في هذا الحد: ما الخلق؟ قال: شعار. قلت: فما المحمود منه؟ قال: ما أنشأته النفس الفاضلة في ذي المزاج المعتدل. قلت: فما المذموم منه؟ قال: ما توريه الطبيعة في ذي المزاج المتفاوت. والكلام في الأخلاق مطرب، وكل هذا الكتاب فيها، ولهذا ما يجب أن يخطى، وإن أمكن عدت إليها في أثناء غيرها. فالغرض كله تقديرها بالقسطاس، وتطهيرها من الأدناس، التي عليها جمهور هذا الخلق.

المقابسة الرابعة

في الناموس الآلهي ووضعه بين الخلق

سمعت ابن مقداد يقول: لا بد في وضع الناموس الآلهي الذي يتوجه به إفاضة الخير، وترتيب السياسة، وما يورث سكون البال، ويحسم مواد الشر، ويوطد دعائم السنن، ويبعث على تشريف النفوس وتزيين الأخلاق، ويقرب الطريق إلى السعادة المطلوبة، ويواصل أسباب الحكمة، ويشوق الأرواح إلى طلب الحق وإيثار العقد، ويقدم دواعي العدل والنصفة والرحمة والمكرمة من الأخبار التي تنقسم بين ما هو صدق محض، وبين ما هو صدق ممزوج، وتكون الألفاظ التي تدور بها، واللغات التي ترجع إليها، كثيرة الوجود، سمحة عند التأويل، وإنما وجب ذلك لأن الناس في أصل جبلتهم وبدء خلقهم وأول سنخهم، قد افترقوا مجتمعين، واجتمعوا مفترقين، واختلفوا مؤتلفين، وائتلفوا مختلفين، وإحساسهم متوقدة، وظنونهم جوالة، وعقولهم متفاوتة، وأذهانهم عاملة، وآراؤهم سائحة، وكل منهم منفرد بمزاج وشكل وطباع وخلق ونظر وفكر، وأصل وفرع واختيار وإلف وعادة، وضراوة ونفرة، واستحسان واستقباح، وتوق ووقفة وإقدام وجسارة، واعتراف وشهادة، وبهت ومكابرة. هذا سوى أعراض كثيرة مختلفة لا أسماء لها عندنا خالصة، ولا صفات متميزة. قال: ومصل هذا كمثل رجل أصلح طعاماً كثيراً واسعاً مختلفاً من كل لون وجنس ومذاق ورائحة ووضع وقصد وحرارة وبرودة، وحلاوة وحموضة، ونصبه على مائدة واسعة عظيمة، فجمع ذوي عدد جم، فمتى لم تكن المائدة ذات ألوان مختلفة، وأطعمة مركبة، متباينة في القلة والكثرة والملوحة والحرافة، ومرقة المتقدمة، لم يقبل كل إنسان على ما يفيق به شهوته الخاصة لهن ولم تمتد يده إليه باللون الذي تدعو إليه العين، لأن للعين نوعاً من الطلب ليس للغم، وللنفس أيضاً مثل ذلك؛ أعني النفس المتغذية، فهذا غير ما هو مطلوب للنفس الناطقة من الترتيب والتكرمة والإيناس والمحادثة .

قال: فلما كان الناموس الآلهي نصحية عامة لدكانة، وجب أن يستعان عليها بكل ما يكون ردأً لها ورفداً معها، وفارشاً لما انطوى فيها، وموضحاً لما خفى عنها، وداعياً باللطف إليها، وضامناً لحسن الجزاء عليها. وهذا قدر كالخالصة مما وقع التفاوض به، سقته على ما أمكن والحمد لله وحده.

/ 96