توابون نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

توابون - نسخه متنی

ابراهیم البیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


التحرك

بعد أن توفر للتوابين هذه المعطيات، خطوا خطوتهم العملية الاولى على طريق الانتقام والتكفير عن الذنب، فغادروا الكوفة ليلة الجمعة في الخامس من ربيع الثاني سنة 65 هجري / التاسع عشر من تشرين الثاني سنة 684 م، ووجهتهم (النخيلة) المكان الذي ستلتقي فيه وفود المتطوعين الذين تعاهدوا على الالتحاق باخوانهم في الموعد المحدد.

وبعد اقامة سليمان ورفاقه أيام ثلاثة(1) في المعسكر، لم تكن الاستجابة في المستوى المقدر لها، وانخفض العدد الذي التزم بالخروج مع زعيم الحركة الى الربع تقريباً، حيث قدر ان آخر ما وصل اليه تجمع التوابين في النخيلة لم يتجاوز الاربعة آلاف مقاتل(2)، وربما انخفض الى ثلاثة آلاف وثلاثمائة مقاتل ابان المعركة الفاصلة(3).

____________

(1) الطبري : 7/67.

(2) الطبري : 7/67، ابن الاثير : 8/252.

(3) الفتوح لابن الاعثم الكوفي، نسخة اسطنبول، (مخطوطة).

[128 ]

وكان من أبرز المتخلفين شيعة المدائن والبصرة(1) فضلاً عن تخلف عدد غير قليل من شيعة الكوفة..

وما كان لعزوف الكثيرين عن تلبية دعوة سليمان في (النخيلة) أي تأثير على معنويات زعماء الحركة او أي انعكاس على عزائمهم الثابتة. فقد بلغ بهم الايمان حداً جعلهم لا يفكرون الا بالهدف الذي خرجوا من أجله، ولن يعيقهم عن تحقيقه عائق مهما بدت الطريق اليه صعبة وشائكة. وما أروع ما جاء في خطاب سليمان، في تلك الفترة الحرجة التي لا يصمد فيها سوى اصحاب الايمان، متحدثاً عن محتوى الهدف الذي هم سائرون لتحقيقه : «ايها الناس فان الله قد علم ما تنوون، وما خرجتم تطلبون، وان للدنيا تجاراً وللآخرة تجاراً. فأما تاجر الآخرة فساع اليها منتصب بتطلابها لا يشتري بها ثمناً لا يُرى الا قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، لا يطلب ذهباً ولا فضة، ولا دنيا ولا لذة. واما تاجر الدنيا فمكب عليها راتع فيها لا يبتغي بها بدلاً. فعليكم يرحمكم الله في وجهكم هذا بطول الصلاة في جوف الليل، وبذكر الله كثيراً على كل حال وتقربوا الى الله جل ذكره بكل خير قدرتم عليه حتى تلقوا هذا العدو والمحل القاسط فتجاهدوه، فانكم لن تتوسلوا الى ربكم بشيء هو اعظم

____________

(1) الطبري : 7/69.

[129 ]

ثواباً من الجهاد والصلاة، فان الجهاد سنام العمل جعلنا الله واياكم العباد الصالحين والمجاهدين الصابرين على اللأواء. وانا مدلجون الليلة من منزلنا هذا ان شاء الله فأدلجوا»(1).

كان لهذه الخطبة تأثيرها الجلي في نفوس التوابين، وفي تهيئة المناخ المثالي والملائم للبدء في عملية التنفيذ... واطمأن سليمان في أعماقه وأيقن ان القوم في (النخيلة) سائرون معه دونما تردد. فغادروا جميعاً المعسكر متخذين طريق كربلاء حيث قبر الحسين حاملين اليه آلامهم بكل تفجعها وذنوبهم وقد بلغت من الثقل حداً لا يطاق... وأي لقاء سيكون أشد ايلاماً وأقسى مرارة من لقاء التوابين بالحسين، لقاء المذنب المستغفر في حضرة صاحب الشفاعة، لقاء المتخاذل عن نصرة الحق في مقام شهيد الحق. كان ذلك مواجهة مباشرة مع الذنوب، مع الخطايا، مع الضمير الذي استفاق.. مواجهة تجلت فيها ضخامة المأساة، وقتلت لديهم كل احساس بالكبرياء ورغبة في العيش، وفوق ذلك كان تجمعهم حول قبر الحسين، جزءاً من التحرك الذي حانت ساعة تنفيذه... فهو لن يقتصر على الانفعالات وطلب الغفران، وانما كانت له

____________

(1) الطبري : 7/69.

[130 ]

أيضاً أبعاده السياسية لتكريس الميثاق الذي التزموا به، ووضع أنفسهم في أجواء الشهادة التي بلغت أسمى درجاتها البطولية مع سقوط الحسين في كربلاء.

وقد يذهب بنا الخيال بعيداً الى ذلك الزمن، وينقلنا الى تلك الارض، فنتصور رهبة اللقاء وضجيج التوابين وهم يدورون حول قبر الحسين، ينشدون بصوت موحد نشيد الغفران والتوبة، ويهزجون بايمان عميق اهزوجة الموت والشهادة : «اللهم انا خذلنا ابن بنت نبينا، وقد أسأنا وأخطأنا، فاغفر لنا ما قد مضى من ذنوبنا، وتب علينا انك أنت التواب الرحيم. اللهم ارحم الحسين، الشهيد ابن الشهيد وارحم اخواننا الذين حصنّوا أنفسهم معه بالشهادة. اللهم ان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين»(1).

وفي اثناء ذلك، كانت أخبار التحرك والاستعدادات تتسرب الى مسامع أشراف الكوفة، الذين أحدق بهم الخوف والهلع على مصيرهم. وكان أشدهم قلقاً عمر بن سعد الذي التجأ الى قصر الامارة طلباً للحماية والامان(2).

____________

(1) الفتوح لابن الاعثم الكوفي، (مخطوطة) 1/255 - 267 - نسخة اسطنبول.

(2) الطبري : 7/68، ابن الاثير 4/74.

[131 ]

ولقد سبق لهؤلاء الاشراف أن ألحوا كثيراً على أمير الكوفة الزبيري(1) لضرب جماعة التوابين قبل أن يقوى أمرهم ويشتد خطرهم. ولكنه لم يتأثر لضغوطهم أو ينساق مع مصالحه السياسية - باعتباره ممثلاً لابن الزبير - المتعارضة مع آمال التوابين وتطلعاتهم. وللحقيقة، فان أمير الكوفة تصرف بموضوعية واخلاص في معالجة مسألة التوابين، وقد ظهر ذلك في جوابه للزمرة من الاشراف : «الله بيننا وبينهم ! ان هم قاتلونا قاتلناهم، وان تركونا لم نطلبهم»(2). لِمَ الخوف من التوابين.. أهو الذي قتل الحسين ؟(3) على حد تعبيره.. فهو لم يتردد من لعن قاتله أمام الاشراف وبعضهم اشترك في الجريمة. وفي نفس الوقت جاهر برأيه في خطبة له في مسجد الكوفة.. «لقد أصبت بمقتله رحمة الله عليه، فان هؤلاء القوم - ويقصد التوابين - آمنون، فليخرجوا ولينتشروا ظاهرين ليسيروا الى من قاتل الحسين فقد أقبل اليهم وأنا لهم على قاتله ظهير»(4).

لم يكن هناك اذا تضارب بين أمير الكوفة وبين أمير التوابين، او تنافس بينهما على السلطة. فحركة هذا الاخير

____________

(1) عبد الله بن يزيد الانصاري.

(2) الطبري : 7/53.

(3) الطبري : 7/53.

(4) الطبري : 7/54.

[132 ]

وضحت هويتها وتبلورت أهدافها.. وهي في شتى الاحوال تخدم مصالح أمير الكوفة وسيده خليفة الحجاز، فهي كحركة ثورية موجهة ضد النظام الاموي - العدو الرئيسي والمشترك للحزبين الشيعي والزبيري - تؤدي بالنتيجة الى استنزاف طاقات الامويين وتؤخر استعداداتهم الحربية لاسترجاع العراق، ومن ثم الحزب الزبيري في عرينه. هذا المنطق يمكن تفسيره كأساس للعلاقات بين الحزبين التي سبقت ورافقت تحرك التوابين، وهو ما اعتمده بعض المؤرخين(1) في تصويره للموقف في الكوفة عشية التحرك.

وقد يحتوي هذا المؤشر بعض المبالغة، وقد يكون ناتجاً عن تقدير خاطئ. فاذا كان يعبر عن منطق الحزب الزبيري واستراتيجيته، فانه ليس كذلك بالنسبة لممثل الحزب في الكوفة، الذي كانت له نظرته المختلفة في هذا الامر. ومن الانصاف ان لا نغفل دور هذا الرجل الذي شغله بكل مسؤولية، وهو دور الناصح بالتخلي عن هذه الحركة الانتحارية والتسلح بالصبر والتروي.. لان هدفه كان منصباً حول اجتذابهم الى الحزب الزبيري وتشكيل جبهة قوية ضد الامويين(2) بدل أن تتبعثر القوى،

____________

(1) الخربوطلي : تاريخ العراق في ظل الحكم الاموي 135 - 136.

(2) الطبري : 7/69.

[133 ]

وتنصرف الجهود في غير مواقعها الاساسية.

ولكن سليمان وجماعته، كانوا قد بلغوا نقطة اللارجوع في القرار الحاسم الذي اتخذوه والتزموا مصيرياً بتنفيذه «لقد خرجنا لامر ونحن نسأل الله العزيمة على الرشد والتسديد لاصوبه، ولا ترانا الا شاخصين»(1).

وبعد خروج التوابين الى قبر الحسين، لم يتكاسل عبد الله بن يزيد (أمير الكوفة) عن اسداء النصيحة مرة أخرى لسليمان، محاولاً باخلاص ان يثنيه عن قراره وطالباً اليه تأخير موعد التحرك، فذلك أسلم عاقبة وأضمن نتيجة لسلامة الحركة وشريكها في مناهضة الامويين، الحزب الزبيري، مصوراً له ضخامة الجيش الاموي الذي بدأ يزحف حينئذ باتجاه العراق، وما يقابله من ضآلة حجم المتطوعين مؤكداً من جديد على ضرورة توحيد الجهود وتكاتف الايدي للوقوف في وجه عدو قوي وعنيد. فقد كتب الى سليمان قائلاً : «أما بعد فان كتابي لكم كتاب ناصح مشفق، تريدون المسير بالعدد اليسير الى الجمع الكثير والجيش الكبير. وقد علمتم انه من أراد أن يقلع الجبال من أماكنها تكل معاوله ولا تظفر بحاجته. فيا قومنا لا تطمعوا عدوكم في أهل بلدكم فانكم خيار قومكم، ومتى ظفر بكم عدوكم طمع في غيركم من أهل

____________

(1) الطبري : 7/69.

[134 ]

مصركم وهلاككم ومن خلفكم. يا قومنا انهم ان يظهروا عليكم يرجموكم او يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا اذا أبداً، فارجعوا واجعلوا أيدينا وأيديكم اليوم واحدة على عدونا وعدوكم، فانه متى اجتمعت كلمتنا ثقلنا على عدونا فلا تستعيبوا نصحي ولا تخالفوا أمري، واقبلوا حين تقرأون كتابي هذا أقبل بكم الى طاعته وادبر بكم عن معصيته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(1).

ان أحداً لا يستطيع أن يرتاب في موقف أمير الكوفة الزبيري نحو التوابين او يشكك في مدى اخلاصه حين دعاهم الى التريث والتراجع، حتى ان سليمان نفسه لم يجد في نصيحة الامير الا الصدق والاخلاص. ولكن المسألة خرجت عن حدود النصيحة وتعدت اطار المنطق، فالتوابون حينئذ كانوا اشبه بمركبة أفلت زمامها وانجرفت في الوادي السحيق، الى درجة استحال معها أن تتوقف او تخفف بعض اندفاعها.. فقد كانوا معبئين لسنوات خمس مضت بشحنات متراكمة من العواطف السخية، بحيث انها خلقت منهم شخصيات مغامرة تطبعت بروح الفداء واستهوتها التضحية. وفي كل الحالات كان

____________

(1) الفتوح لابن الاعثم الكوفي (مخطوطة) 260 - نسخة اسطنبول.

[135 ]

منطق واحد يوجه تحركاتهم، بدون ضابط، هو منطق العاطفة الجامحة، بما فيه من مثالية وتجرد واندفاع. وكان من الطبيعي ان يتعارض منطقهم هذا مع منطق أمير الكوفة، وان تكون صرخة هذا الاخير في غير محلها ولا تلاقي من يصغي اليها في صفوف التوابين(1). فقد اعتمدت منطق العقل في تصوير الموقف السياسي في الكوفة وفي تجسيد الخطر الذي يتهددها على يد الامويين اذا ما استمرت جبهتها في التمزق وقواها في التبعثر.

أنهى سليمان قراءة الكتاب الذي وصله من أمير الكوفة بتنهيدة رافقها هذا البيت من الشعر :

أرى لك شكلاً غير شكلي فأقصري***عن اللوم اذ بُدّلتِ واختلف الشكل(2)

وهو لا شك يعبّر بصدق عن التناقض في المواقف والاهداف بين كل من التوابين وبين ممثل ابن الزبير في الكوفة.. فلم يكن هناك - أي رابط مبدئي يربطهم بهذا الاخير، أو يدفعهم الى التعاون معه «انا وهؤلاء مختلفون... ولا أرى الجهاد مع ابن الزبير الا ضلالاً،

____________

(1) الطبري : 7/71 - 72.

(2) الطبري : 7/72.

[136 ]

وأنّا ان نحن ظهرنا رددنا هذا الامر الى أهله، وان أصبنا فعلى نياتنا تائبين من ذنوبنا»(1).

ولعل من المفيد ان نعود قليلاً الى الوراء، لنتلمس انعكاسات الحركة التوابية على الوضع العام في الكوفة، منذ أن خرجت من سريتها الحذرة الى العلنية الجريئة، وأخذ قادتها يصعّدون الموقف بخطبهم الملتهبة بعد موت يزيد بن معاوية. فقد اندفعت الجماهير الى قصر الامارة وأطاحت بالامير الاموي ونصّبت مكانه أميراً آخراً يدين بالولاء للحزب الزبيري. وفي الحقيقة كان فضل التوابين ظاهراً في تهيئة الظروف أمام هذا الحزب لاستلام السلطة، وكان من الممكن لاي حركة سياسية، اضطلعت بهذا الدول، ان تتحول الى شريك رئيسي في الحكم الزبيري حينئذ. ولكن حركة التوابين، كما عرفنا، كانت لها همومها البعيدة كل البعد عن استلام الحكم أو المشاركة فيه، او حتى المباركة في أدنى الاحتمالات. لذلك كان تعاملهم مع نظام ابن الزبير تعاملاً محدوداً، وفي نطاق ما يوفره لهم من حرية التحرك وعدم اثارة المشاكل التي يمكن ان تعيقهم عن تحقيق ما التزموه بتنفيذه وما أخذوه على أنفسهم من ميثاق.

____________

(1) الطبري : 7/72.

[137 ]

وانطلاقاً من هذا المبدأ رفض سليمان دعوة أمير الكوفة الى التراجع برغم ما فيها من اخلاص وتودد. وكان قد وصل الى مكان يقال له (هيت)(1) ومن هناك أجابه برسالة لا تخلو من استحسان ظاهر لموقفه المسؤول وسلامة نواياه : «أما بعد فقد قرأنا كتابك أيها الامير، وفهمنا ما نويت، فنعم أخو العشيرة أنت ما علمناك في المشهد بالمغيب، غير انّا سمعنا الله تعالى يقول في كتابه وقوله الحق (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به فذلك هو الفوز العظيم)(2). وأعلمك أيها الامير ان القوم قد استبشروا ببيعهم الذي بايعوه وقد تابوا اليه من عظيم ذنوبهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(3).

أدرك أمير الكوفة عبث ندائه الى التوابين بالتراجع، وتأكد له أن القوم سائرون الى أقدارهم بعزيمة ثابتة لملاقاة

____________

(1) الطبري : 7/72.

(2) القرآن الكريم : التوبة 111.

(3) الفتوح لابن الاعثم الكوفي 260. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

[138 ]

موتهم البطولي. فالتفت الى الحاضرين في ديوانه مردداً وكأنه يسّر الى نفسه : «استمات القوم ورب الكعبة، وأول خبر يأتيكم عنهم بأنهم قتلوا بأجمعهم والله لا قُتلوا حتى يكثر القتل بينهم وبين عدوهم»(1).

فرغت الكوفة حينئذ من زعماء التوابين الذين غادروها وهم في ذروة الحماسة الى (النخيلة)، المعسكر الذي هرع اليه رفاق آخرون، اشتركوا معهم في تلك المسيرة النضالية الرائعة، لخوض معركة الانتقام البطولي ضد النظام الاموي ولضرب ما عبروا عنه بقواعد الطغيان والظلم. وكانت بعض العناصر الشيعية التي استهوتها حركة سليمان قد أخذت بدورها تغادر الكوفة تباعاً وتلتحق بمركز التجمع في (النخيلة)، دونما التزام، أحياناً، بمواقف قبائلها التي لم تقتنع زعاماتها بدعوة سليمان ووجدت فيها مجرد مغامرة انتحارية لا هدف منها سوى تبديد الجهود وهدر الطاقات دون أي نتيجة ايجابية على صعيد حركة النضال الشيعي. وهذه الظاهرة كانت من أبرز سمات الجيش الذي خاض به التوابون معركة

____________

(1) الفتوح لابن الاعثم الكوفي 260. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

[139 ]

التكفير عن الذنب في (عين الوردة). فقد كان الانفلات من نظام القبيلة كوحدة قتالية أمراً مألوفاً الى حد كبير، على خلاف ما عرفه التقليد العربي بصفة عامة في ميادين الحرب. وكان لهذا الواقع مدلولاً آخراً، هو أن نفراً قليلاً فقط من جمهور الشيعة الكوفيين خرج الى (النخيلة) اما الغالبية، فقد التزم بعضها بقرار القبيلة في معارضة الحركة، وبعض آخر ظل على تردده يترقب انجلاء الامور. اما الاشراف فقد كانوا أكثر الفئات ابتهاجاً بخروج التوابين حيث انزاح عنهم كابوس ظل لفترة يؤرق مضاجعهم، ويفقدهم نعمة الاستقرار. وثمة شخص آخر في الكوفة، لم يكن أقل شعوراً بالفرح من الاشراف هو المختار الثقفي، وكان لا يزال في السجن ينظر من وراء قضبانه فيجد الساحة الشيعية خالية من منافسيه، فاذا به المستفيد الاكبر من غياب التوابين. وبسرعة عاد الى تحركه وأخذ يصعّد نشاطه في أوساط الحزب الشيعي، حتى أصبح بعد قليل من الوقت زعيم هذا الحزب غير المنافس، والى حين زعيم الكوفة بأسرها.


/ 20