حرکة التاریخ عند الامام علی (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حرکة التاریخ عند الامام علی (ع) - نسخه متنی

محمد مهدی شمس الدین

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



3 -
التّاريخ يعيد نفسه


هل يعيد
التاريخ نفسه ؟

من البديهي
أنّ التّاريخ لا يعود مرة أخرى إلى ساحة الحاضر أو
المستقبل، إذا أردنا من هذه القضية عودة تفاصيله
وجزئيات أحداثه، فالأحداث ليست أشياء مجرّدة تقع
في الفراغ دون أن تكون لها صلة بالبشر، وإنّما
الأحداث بما هي صنع البشر تحمل السّمات الشخصية
الخاصة لصانعيها: تحمل طابع مصالحهم الآنية،
وأمزجتهم وعواطفهم، وأخلاقياتهم وطريقة فهمهم
للحياة... وقد تنعدم هذه السمات الشخصية المميّزة مع
أصحابها، ولن تعودَ على الإطلاق. وإذن، فالتاريخ
بهذا المعنى لا يعود ولا يتكرر.

إنّ ما حدث
في الماضي قد حدث مرة واحدة، ولن يحدث مرة أخرى، لن
يتكرر، على الإطلاق.

أمّا إذا
أردنا من هذه القضية عودة نمط الحركة التّاريخيّة
ومظاهره العامة وآثارها النّفسيّة والإجتماعيّة
في المجتمع فإنّ التاريخ يعود بالتأكيد حين تتوفّر
في الحاضر... في نسيجه الإجتماعي وعلاقاته
الإنسانية الأسباب الموضوعية الّتي أدّت إلى نشوء
نمط الحركة التاريخيّة في الماضي.

إنّ
الإنسان هو الإنسان في كلّ زمان.

إنّه يتحرك
في الزّمان والمكان مدفوعاً - فرداً وجماعةً
ومجتمعاً - بمصالحه وعلاقاته وعواطفه، والعقائد
والشرائع والمثل والقيم الأخلاقية والرّوحية إذا
تأصّلت فيه وتعمقت في وجدانه وكيّفت نظرته إلى
الكون والحياة والإنسان فإنها تكون قادرة على

96

أن تدخل
تغييراً عميقاً على عواطفه ومصالحه وعلاقاته في
المجتمع والعالم، ومن ثمّ فإنّها تكون قادرة على
تغيير تاريخه ونقله إلى مسار جديد، ما دامت لا
تواجه عقبات تشلّ فاعليتها وتأثيرها.

أمّا إذا
فشلت العقائد والشرائع والمثل والقيم الأخلاقية
والرّوحية في إدخال التغيير المناسب لها على تكوين
الإنسان النفسي وعلى تقديره لمصالحه، لأنها لم
تتأصّل في أعماقه ولم تغيّر نظرته إلى الكون
والحياة والإنسان، فإنّ تاريخه في هذه الحالة
سيتكرر.

إنّ هذا
التاريخ الجديد لن يحمل نفس السّمات والخصائص
الماضية في الغالب، ولكنّه يحمل نفس الروح، ويخلّف
في المجتمع نفس الآثار الّتي كانت في الماضي تحمل
أسماء جديدة وتقدم نفسها بمبرّرات جديدة لا تعدو أن
تكون مجرّد قشرة خادعة يستطيع المؤرخ الباحث أن
يكتشف ما وراءها فيتجاوزها إلى العمق ليجد الواقع
القديم تحت الأشكال الجديدة1.

*

في أول
خطبة خطبها أمير المؤمنين عليّ بعد أن بويع
بالخلافة في المدينة نرى أنّه قد لاحظ عودة الأشكال
القديمة للإنقسامات القبلية والفئوية داخل
المجتمع العربي الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي في
عهد عثمان وبعد مقتله بكلّ ما كانت تحتويه هذه
الأشكال من روح قبلية وعنصرية، وأخلاقيات جاهلية
رجعيّة.

وقد كانت
عودة هذه الأشكال القديمة حاملة مضمونها الرجعي
نتيجة لضمور المثل العليا والقيم المؤثرة في حركة
التاريخ الإسلامي، ونتيجة لضعف مؤسسة الخلافة في
عهد عثمان، هذا الضعف الّذي مكّن القوى القديمة
والقيم القديمة - الّتي لم تكن قد ماتت بعد، وإنّما
كانت تعاني من حالة خمود وضمور - مكّنها من أن
تستعيد فاعليتها، وتعود إلى التأثير في حركة
التاريخ تحت شعارات مناسبة تنسجم مع الإسلام في


________________

1 . من
الظواهر الهامة الّتي نقدّر أنّها تستحق من
المفكرين والمؤرخين بحثاً معمقاً، ظاهرة
الإنقسامات الإقليمية في العالم العربي، فإنّنا
نقدّر أنّها تعبير جديد عن القبلية، تحت أسماء
جديدة وبمبرّرات تلائم المناخ الثقافي الحاضر
والوعي السياسي السائد. ونقدّر أنّ فشل فكرة الوحدة
العربية لا يرجع فقط إلى عمل الإستعمار التخريبي
وإنّما نشأ من وجود استعداد للتشرذم أعان
الإستعمار على رسم سياساته وإنجاحها في هذا المجال
ولولا ذلك لما وُفِّق الإستعمار إلى بلوغ غايته.


97

الشكل
الخارجي.

لقد عادت
إلى الظهور والفاعلية تلك القيم والمثل الجاهليّة
القديمة الّتي كانت تقود حركة التاريخ في المجتمع
العربي وترسم ملامح هذا المجتمع وتوجه خطاه قبل
بعثة الرّسول الأكرم وانتصار الإسلام.

وقد رأى
أمير المؤمنين عليّ هذه القيم البائدة العائدة من
خلال رصده للظواهر الجديدة الّتي تبدو في حركة
الجماعات داخل المجتمع الإسلامي، وحركة القيادات
الّتي توجّه هذه الجماعات سراً وعلانيةً.

وقد رأى مع
ذلك الأفاعيل التي ستنجم عن هذه الحركة الرجعية
للتاريخ في الإسلام، والمآسي الكبرى الّتي ستنزل
بالمسلم فرداً وجماعةً ومجتمعاً ودولةً ومؤسساتٍ
نتيجة لانبعاث هذه الرّوح الشّريرة من جديد.

قال عليه
السلام:

«ذِمَّتِي
بِماا أقُولُ رهِينة1 وأنا بِهِ زعِيم2. إنَّ من
صرَّحت لهُ العِبرُ عمّا بين يديهِ مِن المثُلاتِ3
حجزتهُ التّقوى عن تقحُّمِ الشُّبُهاتِ4، ألا وإنّ
بلِيَّتكُم قد عادت كهيئتِها5 يوم بعثَ اللهُ
نبِيَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. والّذي بعثهُ
بِالحقِّ لتُبلبلُنَّ6 بلبلةً، ولتُغربلُنَّ7
غربلةً، ولتُساطُنَّ سوط القِدرِ8 حتى يعُودَ
أسفلُكُم أعلاكُم، وأعلاكُم أسفلكُم...»9.


________________

1 . رهينة:
من الرهن. جعل ذمته رهناً على ما يقول.

2 . زعيم:
كفيل بصدق ما يقول.

3 . العبر:
ما أصاب النّاس من «مثلات» عقوبات إذا دعاها
الإنسان على سبيل الإعتبار، فيتعظ بتجربة الّذين
أصابتهم العقوبات من قبله.

4 .
الشّبهات: الأفعال والمواقف الغامضة الّتي لم يبت
في الشرع الرخصة في فعلها. يريد أنّ العبرة
بالماضين تحجر الإنسان عن الوقوع فيما وقعوا فيه من
أخطاء.

5 . رجعت
البلية كما كانت في الماضي الجاهلي.

6 . البلبلة:
الإختلاط، كناية عن الأزمات الإجتماعية والثّورات.

7 . الغربلة:
من الغربال: يريد أنّ التجارب الآتية ستميّز
المواقف، وتكشف الأشخاص على حقيقتهم.

8 . السوط:
الخلط - سوط القدر: كما تمزج مواد الطبخ في القدر،
وتختلط وتغلي سيكون المجتمع نتيجة للثّورات
والأزمات الإجتماعية.

9 . نهج
البلاغة - رقم الخطبة 16.


98

يقول لهم:
إنّ البليّة (الفساد الإجتماعي، والإنحطاط
الأخلاقي والحضاري) الّتي كانت تسم الحياة العربية
في الجاهلية نتيجة لسيادة قيم الجاهلية ونظرة
الجاهلية إلى الكون والحياة والإنسان - هذه البليّة
قد عادت كما كانت عشية بعثة الرسول الأكرم (ص) لأنّ
القيم الّتي ولّدت هذه البليّة في الماضي الجاهلي
قد دبّت فيها الحياة من جديد على حساب القيم
الجديدة الّتي جاء بها الإسلام، هذه القيم الّتي
تقلّص نفوذها وتأثيرها، بسبب عوامل متنوعة، على
الإنسان المسلم، وأدّى ذلك إلى حدوث ثغرات نفذت
منها القيم القديمة فعادت من جديد.

ثم أنذر
الإمام علي مجتمعه بأنّ هذه البليّة الّتي عادت
ستكون لها آثار مأساوية على المجتمع الإسلامي.

ستنجم عن
هذه البليّة الأزمات الإجتماعية والثورات الّتي
ستلقي بالمجتمع في غمار حروب أهلية مدمّرة، ولا بدّ
أن تكون هذه الأزمات والحروب الأهلية أضرس، وأعم
شراً، وأشدّ فتكاً مِمّا كان يحدث في الجاهلية.

ستكون في
المجتمع نتيجة لعودة هذه البليّة بلبلة (اختلاط
وتداخل) وشد وجذب ينتج عن الأزمات والثورات
ويولّدها.

وسيكون حال
المجتمع - نتيجة لهذه البليّة العائدة - حال القدر
التي تغلي على النار وتختلط فيها المواد، ولا يستقر
على حال، ولا ينعم بالطمأنينة، وإنّما هو في قلق
دائم، واضطراب مستمرّ.

سيؤدّي ذلك
إلى الغربلة، وتمييز مواقف الرجال والجماعات، لأنّ
المحن والأزمات تفرز الفئات الإجتماعية، وتحدّد
سماتها.

ولكن كلّ
ما سيحدث لن يتضمّن شيئاً من الخير، بل سيعود على
المجتمع بالشّرور، وسيؤدّي بالمجتمع إلى التمزق
الّذي يشلّ الفاعلية، ويعطّل الطاقات الإيجابية،
بل يهددها، ويعوق حركة التقدّم.

ستكون
جاهلية تتغشّى بشعارات الإسلام، جاهلية بعثتها
القيم الجاهلية الّتي عادت إلى الحياة، فكانت هي،
بدل القيم الإسلامية الجديدة، الأسباب الموضوعية

99

لتحريك
الإنسان المسلم في الزّمان والمكان.

هكذا يصوّر
الإمام عودة التّاريخ.

*

وفي خطبة
أخرى خطبها الإمام بذي قار1 وهو في طريقه من المدينة
إلى البصرة بعد أن خرج عليه الزبير بن العوام وطلحة
بن خويلد وأمّ المؤمنين عائشة فاتحين بخروجهم
أبواب الفتنة الّتي عصفت بالمسلمين، والحرب
الأهلية الّتي مزّقت وحدتهم... هذه الفتنة الّتي
ولّدتها القيم الجاهلية الّتي تنبّأ الإمام بها في
خطبته الأولى... في هذه الخطبة بيّن الإمام عليه
السّلام أنّ مسيره لمواجهة المظهر الأول للفتنة هو
كمسيره مع رسول اللّه (ص) لمواجهة قوى الجاهلية،
وأنّ الروح المحركة واحدة في الحالين رغم اختلاف
المظهر الخارجي الّذي قد يوحي للساذجين بخلاف ذلك،
ولكنّه لا يخدع الخبير.

قال عليه
السلام:

«... أما
واللّه إن كُنتُ لفِي ساقتِها2 حتّى تولَّت
بِحذافيرِها3 ما عجزتُ ولا جبُنتُ. وإنَّ مسيرِي
هذا لِمِثلِها، فلأَنقُبنَّ4 الباطِل حتَّى يخرُج
الحقُّ مِن جنبِهِ. مالي ولِقُريش!! واللّه لقد
قاتلتُهم كافرِين، ولأُقاتِلنَّهُم مفتُونين،
وإنّي لصاحِبُهُم بِالأمسِ كما أنا صاحِبُهُمُ
اليومَ»5.

كان الإمام
يتحدث عن شأن الجاهلية في مواجهة الإسلام، وعن
كفاحه مع رسول اللّه (ص) ضد الجاهلية. ثم بيّن أنّ
مسيره هذا إلى البصرة لمثل ما كان يكافحه من مظاهر
عناد الجاهلية في حياة رسول اللّه (ص).

إنّ
التاريخ قد عاد، ولكن تحت شعارات جديدة.


________________

1 . ذو قار:
موضع قريب من البصرة. اشتهر في التاريخ باعتباره
الميدان الّذي جرت فيه، أول ظهور الإسلام، في سنة 610
م معركة بين الفرس والعرب حيث هاجم ثلاثة آلاف عربي
من قبيلة بكر بن وائل المنطقة الفراتية، وهزموا
الفرس هزيمة حاسمة في ذي قار.

2 . السّاقة:
مؤخرة الجيش الّتي تسوقه. شبه الجاهلية بجيش مهزوم
يطرده ويلاحقه.

3 . ولّت
بحذافيرها: ذهبت وطردت بأسرها (الجاهلية).

4 . النقب:
الثقب.

5 . نهج
البلاغة: رقم الخطبة 33.


100

قال ابن
أبي الحديد في شرح هذا النص:

«وشبّه
عليه السّلام أمر الجاهلية أمّا بعجاجة ثائرة، أو
بكتيبة مقبلة للحرب، فقال: إني طردتُها، فولّت بين
يديّ، ولم أزل فِي ساقتِها أنا أطردها وهي تنطرد
أمامي، حتَّى تولَّت بِأسرِها، ولم يبق مِنها شيء،
ما عجزتُ عنها، ولا جبُنتُ مِنها.

«ثمّ قال:
وإنّ مسيري هذا لِمِثلِها، فلأنقُبنّ الباطِل،
كأنّه قد جعل الباطل كشيء قد اشتمل على الحق واحتوى
عليه، وصار الحق في طيّه، كالشيء الكامن المستتر
فيه، فأقسم لينقُبنّ ذلك الباطل إلى أن يخرج الحق
من جنبِه»1.

وهكذا
يصوّر الإمام عودة التاريخ حين تنشط الأسباب
القديمة الّتي أنتجت الأحداث والمواقف القديمة،
فتؤدّي إلى تكرار المواقف والإتجاهات ولكن تحت
شعارات جديدة تتناسب مع الثقافة السائدة في
المجتمع.

وثمّة نصوص
أخرى، غير ما ذكرنا، منثورة في نهج البلاغة، تتضمّن
الدّلالة على هذه الحقيقة.


________________

1 . ابن أبي
الحديد - شرح نهج البلاغة بتحقيق محمّد أبو الفضل
إبراهيم - دار إحياء الكتب العربية - القاهرة -
الطبعة الأولى: 1378 هجري = 1959 م / ج 2. ص 185 - 186.



/ 21