«الصابئة »
كلمه المركز
لقد اولى النظام الاسلامى، بما له من شموليه ومبادى انسانيه،
الاقليات الدينيه والطوائف غير المسلمه عنايه فائقه، وبنى
الكيان الاجتماعى على اساس التعايش السلمى وضمان حقوق
الجميع.
تدور هذه الدراسه القيمه حول تحديد نظره الشريعه الاسلاميه
تجاه فرقه الصابئه، وهل انهم من اهل الكتاب او لا.. وقد عقد
سماحه السيد (دام ظله) البحث فى محورين: اولهما: البحث
الكبروى فى تحقيق المراد باهل الكتاب وما هو الموقف فقهيا
عند الشك.. ثانيهما: البحث الصغروى فى الاستدلال على كون
فرقه الصابئه من اهل الكتاب..
بسم اللّه الرحمن الرحيم
والحمد للّه رب العالمين، والصلاه على سيدنا محمد وآله
الطاهرين.
ان القول بجريان احكام اهل الذمه او عدم جريانها على الصابئه
يحتاج الى زياده فحص فى ادله الحكم، وايضا الى بحث وتتبع
جادين فى معرفه الموضوع، اذ ان عمده الاشكال فى حكمهم
ناشى ء من عدم المعرفه بحالهم وحقيقه دينهم واعتقادهم، ولا
بد اولا من نقل ما قيل فيهم:
قال الشيخ المفيد((1)): (وقد اختلف فقهاء العامه فى
الصابئين، ومن ضارعهم فى الكفر، سوى من ذكرناه من
الاصناف الثلاثه، فقال مالك بن انس والاوزاعى: كل دين بعد
دين الاسلام سوى اليهوديه والنصرانيه فهو مجوسيه وحكم
اهله حكم المجوس).
ثم استمر فى نقل الاقوال فى تسويتهم
مع المجوس.
ثم قال رحمه اللّه: (فاما نحن فلا نتجاوز بايجاب
الجزيه الى غير من عددناه، لسنه رسول اللّه(ص) فيهم
والتوقيف الوارد عنه فى احكامهم).
ثم قال رحمه اللّه، فى مقام
استبعاد ما ذكره القوم من تسويه الصابئه للمجوس: (فلو خلينا
والقياس لكانت المانويه والمزدكيه والديصانيه عندى
بالمجوسيه اولى من الصابئين، لانهم يذهبون فى اصولهم
مذاهب تقارب المجوسيه وتكاد تختلط بهما).
ثم ذكر بعض النحل المهجوره، وبين قربها من النصرانيه او من
مشركى العرب، ثم قال رحمه اللّه: (فاما الصابئون فمنفردون
بمذاهبهم ممن عددناه، لان جمهورهم يوحد الصانع فى الازل،
ومنهم من يجعل معه هيولى فى القدم صنع منها العالم، فكانت
عندهم الاصل.
ويعتقدون فى الفلك وما فيه الحياه والنطق
وانه المدبر لما فى هذا العالم، والدال عليه، وعظموا الكواكب
وعبدوها من دون اللّه عز وجل، وسماها بعضهم ملائكه، وجعلها
بعضهم آلهه، وبنوا لها بيوتا للعبادات، وهولاء بالقياس الى
مشركى العرب وعباد الاوثان اقرب من المجوس، لانهم وجهوا
عبادتهم الى غير اللّه سبحانه فى التحقيق وعلى القصد
والضمير، وسموا من عداه من خلقه باسمائه جل عما يقول
المبطلون...) الى آخر كلامه الشريف الذى سلك فيه مسلك
الفقيه المتكلم، وعمد الى ابطال حجه فتوى الخصم بكون
الصابئه من اهل الذمه، من طريق الخدشه فى مشابهه المقيس
والمقيس عليه.
وهو فى غايه الجوده والاتقان اذا فرض ان ما
نسبه رحمه اللّه الى الصابئه من العقائد هى العقائد المقبوله
لديهم، وهى التى تشكل اصول دينهم ونحلتهم، وسوف تعرف
الكلام فى ذلك.
وقال الشيخ رحمه اللّه فى الخلاف((2)): (الصابئه لا توخذ منهم
الجزيه ولا يقرون على دينهم، وبه قال ابو سعيد الاصطخرى،
وقال باقى الفقهاء: انه يوخذ منهم الجزيه، دليلنا اجماع الفرقه
واخباهم، وايضا قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم) «التوبه/5» وقال: (فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب
الرقاب) «محمدر4»، ولم يامر باخذ الجزيه منهم، وايضا قوله
تعالى: (قاتلوا الذين لا يومنون باللّه ولا باليوم الاخر ولا يحرمون
ما حرم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا
الكتاب حتى يعطوا الجزيه عن يد وهم صاغرون) «التوبه/29»،
فالشرط فى اخذ الجزيه ان يكونوا من اهل الكتاب، وهولاء ليسوا
من اهل الكتاب).
انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.
فاستناده الى الايتين بضميمه انه لم يامر باخذ الجزيه منهم،
بمنزله تاسيس اصل عام فى معامله الكفار، وحاصله: ان
مقتضى الايتين قتال الكفار الا من امر باخذ الجزيه منهم،
وهولاء لم يرد الامر بالجزيه فى حقهم.
اما استناد ذلك الى آيه الجزيه فهو متوقف على امرين:
الاول: دلالتها على عدم الجزيه بالنسبه لغير من اوتى الكتاب
ولو بضميمه روايه عبد الكريم الهاشمى((3)).
الثانى: اثبات كون الصابئه من غير (الذين اوتوا الكتاب) او قل:
عدم احراز كونهم من الذين اوتوا الكتاب، وسوف نذكر فى ذلك
ما هو المودى اليه نظرنا ان شاء اللّه تعالى.
وقال الطبرسى رحمه اللّه فى تفسير قوله تعالى: (ان الذين
آمنوا...
والصابئين) «البقره/62» -بعد نقل كلمات الفقهاء واهل
اللغه فى معنى الصابئه وما هم عليه من الاعتقاد-: (والفقهاء
باجمعهم يجيزون اخذ الجزيه منهم، وعندنا لا يجوز ذلك،
لانهم ليسوا باهل كتاب)((4))، انتهى.
واستدلاله يشبه ما مر
من الخلاف.
وفى تفسير على بن ابراهيم فى بيان قوله تعالى: (ان الذين
آمنوا والذين هادوا...) «البقره/62»، قال (يعنى على بن ابراهيم):
(الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون،
وهم يعبدون الكواكب والنجوم)((5)).
وفى الجواهر، بعدما نقل عن ابن الجنيد تصريحه باخذ الجزيه
منهم، قال: (ولا باس به ان كانوا من احدى الفرق الثلاث) -ثم
اخذ فى ذكر اقوال من صرحوا بكون الصابئه داخله فى احدى
تلك الفرق، مع ما فيها من التضارب- ثم قال: (وحينئذ يتجه
قبول الجزيه منهم...).
ثم ذكر بعده ذلك اقوال من ينسبهم الى
عباده النجوم وامثالها، واضاف: (وعليه يتجه عدم قبولها
منهم..) الى آخر كلامه((6)).
ولكن الظاهر، من كلام ابن الجنيدرحمه اللّه المذكور فى
مختلف العلامه رحمه اللّه، انه حكم بدخول الصابئه فى من
يوخذ منهم الجزيه بوصفهم فرقه مستقله عن الفرق الثلاث
المذكورين قبلها، لا كجزء منها، كما ان هذا ينبغى ان يكون هو
المراد فى كلام من يعتقد باخذ الجزيه من الصابئه، والا فاخذ
الجزيه من جميع الديانات الثلاث مما لا يختلف فيه
اثنان((7)).
والذى يتحصل من الاقوال:
اولا: انه ليس فى المساله اجماع من اصحابنا، وذلك لمخالفه
ابن الجنيدرحمه اللّه الذى هو من الذين لا بد ان يعتنى بقولهم
فى تحقق الاجماع وعدمه، ولان فتوى العلماء بعدم اخذ الجزيه
من الصابئه انما تنشا مما وصلوا اليه فى تشخيص الموضوع،
اعنى كون هولاء من غير اهل الكتاب، كما عرفت ذلك فى كلام
المفيد والقمى والطبرسى وغيرهم الى صاحب
الجواهررحمه اللّه، واين هذا من الاجماع الحجه الذى يحكى عن
حكم اللّه تعالى فى موضوع محدد معلوم؟!
وثانيا: ان الموضوع، فى هذه المساله، مما لم ينقح من قبل
فقهائنا، لا بالفحص الخارجى بالتتبع فى احوال منتحلى هذه
النحله، واستماع عقائدهم منهم او فهمها من كتبهم
واسفارهم، ولا بمقارنه ما قيل عنهم بتاريخهم او بعضها ببعض
حتى يحصل من ذلك ما يمكن الركون اليه فى معرفه هذه
الفرقه التى ذكر اسمها فى القرآن الكريم ثلاث مرات.
نعم ربما يوجد، فى بعض كتب الملل والنحل، ما يلقى الضوء
على شطر من عقائدهم ونبذه من تاريخهم، وان كان هذا غير
كاف فى احراز الموضوع فى مساله عصمه الكافر واخذ الجزيه
منه وعدمها، ولعل هذا الاعراض او قله الاهتمام فى احراز
الموضوع جاء نتيجه لعدم الابتلاء كثيرا بحكمه، لا سيما لامثال
فقهائنا الكرام الذين كانوا بمعزل عن الحكم واداره شوون
المجتمع، وغير مبتلين بمساله اخذ الجزيه من الكافر او
محاربته، لا فى العمل ولا حتى فى الافتاء وبيان الحكم.
ثم بعدما ثبت انه ليس هناك اجماع يمكن الركون اليه، فتنقيح
المساله يتوقف تاره على الفحص عن الادله اللفظيه من
العمومات والاطلاقات التى ربما يتحصل منها قاعده كليه
شامله لمثل المقام، او ما يمكن الاستدلال به احيانا فى
خصوص هذا المورد، او ما هو مقتضى الاصول العمليه على
فرض خلو المساله من الدليل الاجتهادى.
واخرى على زياده تتبع وتنقيب لمعرفه الموضوع والقاء الضوء
على الزوايا المعتمه منه.
فهناك محوران للبحث، فالمحور الاول منهما يتضمن اربعه
امور كبرويه كما يلى:
1- هل المراد بالكتاب فى باب الجزيه كتاب خاص او يعم جميع
الكتب المشرعه دون غيرها؟ او يشمل مطلق الكتاب السماوى،
سواء المشرعه منها وغيرها؟
2- لو شك فى كون الصابئه اهل كتاب، فهل يجرى فى حقهم
حكم من له شبهه كتاب ام لا؟ وبعباره اخرى: هل وجود شبهه
الكتاب يوجب دخولهم فى من يقر على دينه، واندراجهم تحت
عنوان اهل الذمه؟
3- لو شك فى عقائدهم من جهه التوحيد والشرك وامثالهما،
فهل يجوز التمسك بدعواهم فى ذلك، فيكون ما يقولونه عن
انفسهم وعقائدهم حجه على غيرهم؟
4- لو بقى الشك فى امرهم قائما، فما هو مقتضى القاعده فى
ذلك؟ وهل هناك اصل لفظ ى او عملى يعمل بمقتضاه؟
والمحور الثانى يتضمن عده نقاط صغرويه، تلقى الضوء على
جوانب من الموضوع، وهى:
1- هل هناك ما يمكن الاستدلال به على ان الصابئه اهل
كتاب؟
2- هل يعدون من شعب الاديان الثلاثه (اليهود والنصارى
والمجوس)؟
3- هل العقائد المنسوبه اليهم تمنع من انعقاد الظن بكونها
الهيه؟
4 - هل يشتمل اسمهم على شى ء ينافى كونهم ذوى دين
سماوى؟
فنقول:
اما الامر الاول من المحور الاول:
فقد اشتهر ان عنوان (الكتاب)، فى الايات القرآنيه المبينه
لحكم اهل الكتاب ومنها آيه الجزيه((8))، يراد به التوراه
والانجيل، قال فى الجواهر: (ان المنساق من الكتاب فى القرآن
العظيم هو التوراه والانجيل)، ونقل عن منتهى العلامه دعوى
الاجماع على ان اللام فى الكتاب فى آيه الجزيه للعهد
اليهما((9)).
الا اننا اثبتنا خلاف ذلك تفصيلا فى ما سبق، وقلنا ما حاصله ان
عنوان (اهل الكتاب) فى القرآن الكريم وان كان لا يبعد ان يراد
به اليهود والنصارى -على ما ربما يشهد به التتبع والتامل- الا
ان عنوان (الكتاب) فى الايات الشريفه القرآنيه اذا استعمل
مجردا عن ذاك التعبير التركيبى ( اهل الكتاب) خاليا عن
قرينه معينه، لا يراد به التوراه والانجيل او كتاب خاص آخر من
كتب الانبياء السالفه، بل يراد به مطلق ما نزل من السماء وحيا
على نبى من انبياء اللّهعليهم السلام، من غير اختصاص او اشاره
الى كتاب خاص، وهذا ايضا مما يشهد به التتبع والتامل فى
تفاصيل الايات.. بناء عليه، فالكتاب فى آيه الجزيه هو الاعم من
التوراه والانجيل، ولا شاهد على تقييده بهما، بل يشهد على
كونه اعم منهما انه يشمل كتاب المجوس باجماع الامه
وبمعونه الروايات الحاكيه عن ان للمجوس كتابا، وهكذا يتضح
ايضا انه لا شاهد على تقييده بالكتب المشرعه، اى التى جاءت
بدين جديد، اذ الظاهر ان كتاب المجوس ليس من الكتب
المشرعه، ونبيهم ليس من اولى العزم، فاطلاق الكتاب فى
الايه الشريفه يشمل غيره.
ولزياده الايضاح فى ذلك نقول: ان الظاهر من معنى الكتاب فى
الكلام عن الانبياء والاديان الالهيه، هو الحد الفاصل والمائز
الفكرى والاعتقادى والعملى بين الايمان والكفر، فالكتاب هو
الوحى الالهى الذى يخرج الافراد والجماعات من ربقه الاديان
البشريه والمجعوله كعباده الاصنام والالهه المزعومه،
ويسوقهم الى دين اللّه تعالى وعبادته، فهو الصحيفه الالهيه
المشتمله على معرفه اللّه تعالى ومعرفه الحقائق التى تتصدى
لتشريحها وتحقيقها الرسالات السماويه، والتى تقابل الالحاد
والشرك والوثنيه، وهذا معنى عام يشمل انواع الكتب السماويه،
قال اللّه تعالى: (ومنهم اميون لا يعلمون الكتاب) «البقره/78»،
وقال تعالى ايضا: (وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين ااسلمتم)
«آل عمران/20»، فجعل اهل الكتاب والعلماء به فى مقابله
الاميين، ويريد بهم عباد الاصنام.
وقال تعالى: (ما يود الذين كفروا من اهل الكتاب ولا
المشركين) «البقره/105»، فجعل الكتاب فى مقابله الشرك.
وقال تعالى: (كان الناس امه واحده فبعث اللّه النبيين مبشرين
ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما
اختلفوا فيه) «البقره/213»، فجعل الكتاب مائزا للنبوه وحاكما
لاهل الدين فى ما اختلفوا فيه.
ومن الواضح ان هذه صفات لعامه كتب اللّه تعالى.
<4y>
فهذه الايات وغيرها تدل على ان الكتاب، فى مصطلح القرآن
الكريم، هو ما ينزل من اللّه تعالى على انبيائه لهدايه الناس،
والحكم فيهم، واخراجهم من ظلمات الكفر والشرك والالحاد،
فلم لا يكون الكتاب فى آيه الجزيه بالمعنى نفسه؟! واى شاهد
على استعماله فى الاخص منه؟
هذا، وتشهد ايضا لعموم معنى الكتاب فى باب الجزيه روايه
الواسط ى عن بعض اصحابنا، قال: سئل ابو عبداللّه(ع) عن
المجوس اكان لهم نبى؟ فقال: نعم، اما بلغك كتاب رسول
اللّه(ص) الى اهل مكه: اسلموا والا نابذتكم بحرب، فكتبوا الى
النبى(ص): ان خذ منا الجزيه ودعنا على عباده الاوثان، فكتب
اليهم النبى(ص): انى لست آخذ الجزيه الا من اهل الكتاب،
فكتبوا اليه يريدون بذلك تكذيبه: زعمت انك لا تاخذ الجزيه الا
من اهل الكتاب، ثم اخذت الجزيه من مجوس هجر، فكتب
اليهم رسول اللّه(ص): ان المجوس كان لهم نبى فقتلوه،
وكتاب احرقوه، اتاهم نبيهم بكتابهم فى اثنى عشر الف جلد
ثور...
((10))
واطلاق الكتاب فيها على كتاب المجوس -بل اطلاق اهل
الكتاب عليهم- لا يدع المجال لاحتمال اختصاصهما بالتوراه
والانجيل واهلهما فى مصطلح اهل الشرع.
وقريب منها مرسله الصدوق عن النبى(ص) وروايه الاصبغ بن
نباته عن امير المومنين(ع) ((11)).
وضعف اسناد هذه الروايات لا يضر، بعد ما هو المعلوم من تلقى
الاصحاب لمضامينها بالقبول والعمل بها فى خصوص
المجوس.
مضافا الى ان هناك روايات معتبره وقع فيها التصريح
بان المجوس اهل كتاب، منها معتبره سماعه: عن ابى
عبداللّه(ع) قال: بعث النبى(ص) خالد بن الوليد الى البحرين..
(الى ان قال:) فكتب اليه رسول اللّه(ص): ان ديتهم مثل ديه
اليهود والنصارى، وقال: انهم اهل الكتاب((12)).
ومنها موثقه
زراره: سالته عن المجوس ما حدهم؟ فقال: (هم من اهل
الكتاب، ومجراهم مجرى اليهود والنصارى فى الحدود
والديات)((13))، واضمار الروايه غير مضر بعد كون المضمر
مثل زراره.
فبملاحظه هذه الروايات يظهر ضعف ما يتوهم ويدعى من ان
اطلاق الكتاب بلا قرينه ينصرف الى الكتابين، اذ مع التعبير عن
المجوس باهل الكتاب لا مجال لمثل هذه الدعوى.
ثم ان هناك روايات اخرى فى المجوس ايضا، ورد فيها: سنوا
بهم (اى بالمجوس) سنه اهل الكتاب.. والمراد باهل الكتاب
فيها: اليهود والنصارى.
وهذا يشعر بان اطلاق اهل الكتاب على
اليهود والنصارى كان دائرا فى عرف المحادثات، والظاهر ان
ذلك كان من جهه غلبه وجود الفرقتين -دون غيرهما- فى
الجزيره العربيه.
واين هذا من اختصاص عنوان اهل الكتابين
دون غيرهما؟! فضلا عن اختصاص عنوان الكتاب بالتوراه
والانجيل.
والمتحصل من ذلك كله ان (الكتاب) فى مصطلح القرآن وفى
لسان الاحاديث وهكذا فى عرف المتشرعه فى صدر الاسلام،
حتى زمن الائمه عليهم السلام، كان يستعمل فى مطلق الكتاب
السماوى، ولا شاهد على اختصاصه فى آيه الجزيه بكتاب خاص
-التوراه والانجيل او غيرهما- فيستنتج من ذلك ان الكتاب
الذى يحكم بالجزيه فى حق متبعيه هو مطلق الكتاب
السماوى.
ويدل على ذلك ايضا روايه الواسط ى المتقدمه، حيث
علل فيها رسول اللّه(ص) حكمه بالجزيه على المجوس بانهم
كان لهم رسول وكتاب، ومقتضاه عموم هذا الحكم بالنسبه
لكل فرقه لهم كتاب، والمعلوم ان كتاب المجوس مغاير للتوراه
والانجيل، ولم يعلم انه كان كتابا مشرعا حاويا لدين جديد، وبناء
عليه فالحكم شامل لكل كتاب من اى نبى من الانبياء.
هذا، وربما يستفاد من الكلام الذى نقلناه عن المفيد(ع) ان
هناك دليلا من السنه على اختصاص الجزيه بالطوائف الثلاث
(اليهود، والنصارى، والمجوس)، واذا صح ذلك فاطلاق ما
عرفت فى الايه الكريمه (آيه الجزيه) وروايه الواسط ى يقيد بهذا
الدليل، ويكون هذا شاهدا على اراده خصوص الكتب الثلاثه من
الكتاب فى الايه، قال فى ط ى كلامه المنقول سابقا: (واما نحن
فلا نتجاوز بايجاب الجزيه الى غير من عددناه، لسنه رسول
اللّه(ص) فيهم والتوقيف الوارد فى احكامهم).. الى آخر كلامه
الشريف.
الا انه لم يتضح لنا المراد من السنه فى كلامه، فان اراد السنه
القوليه، فليس فى ما بايدينا من الروايات ما يدل على اختصاص
الجزيه باليهود والنصارى والمجوس، ولم نعثر على من ادعى
وجود روايه بهذا المضمون، حتى من قريبى العهد بزمان
المفيد كاصحاب المجاميع الحديثيه وغيرهم، بل هناك بعض
ما ربما يستفاد منه تعميم الجزيه لجميع الكفار، كما ستسمعه
ان شاء اللّه.
وان اراد السنه الفعليه بمعنى عدم وضع الجزيه على الصابئه
فى زمان حياه النبى(ص) فهى:
اولا: غير ثابته، اذ ان عدم النقل اعم من عدم الوقوع.
وثانيا: لو سلم فربما يكون ناشئا من عدم وجود الصابئه فى عداد
القانطين فى رقعه الفتوح الاسلاميه آنذاك، فهولاء كانوا
ساكنين فى الميسان والحرنان، وكلا المكانين قد فتحا بعد
وفاته(ص)، وربما يكون ناشئا عن اسباب اخرى.
والحاصل ان
السنه الفعليه فى عدم اخذ الجزيه من الصابئه لا تكفى لاثبات
ان الحكم فيهم عدم الجزيه، نعم لو كان هناك ما يدل على
محاربتهم لكان دالا على المطلوب بوجه، وانى يثبت ذلك؟!
وحاصل الكلام فى النقطه الاولى هو ان الكتاب فى باب الجزيه
لا ينحصر فى الكتابين كما لا ينحصر فى الكتب المشرعه، بل لو
فرض ثبوت تبعيه قوم لكتاب يحيى او داود او ادريس مثلا،
فهولاء من الذين اوتوا الكتاب، فيحقن دماوهم، ويقرون على
دينهم، ويوخذ منهم الجزيه.
الامر الثانى: اذا لم يحرز صغرويا ان الصابئه اهل كتاب من
الكتب السماويه، فهل وجود الشبهه فى امرهم وعدم الجزم
بخروجهم من دائره اتباع الانبياء يكفى فى جريان حكم اهل
الكتاب فيهم، من اقرارهم على دينهم واجراء عقد الذمه معهم
وغير ذلك؟ ام لا، بل لا بد من احراز كونهم من متبعى الانبياء
والكتب السماويه؟
واجمال القول فى ذلك: ان احد العناوين التى تكرر ذكرها فى
هذا الباب من الكتب الفقهيه عنوان (من له شبهه كتاب)،
والظاهر ان هذا التعبير ليس له اصل حديثى، اذ لم نجد فى
روايات هذه الابواب ما يمكن استقاء هذا التعبير منه، وانما نشا
ذكره من عصر شيخ الطائفه رحمه اللّه، وهو اول من وجدنا هذا
العنوان فى كلماته، قال فى المبسوط: (الكفار على ثلاثه
اضرب: اهل كتاب وهم اليهود والنصارى...
ومن له شبهه كتاب
فهم المجوس فحكمهم حكم اهل الكتاب)...
الى آخره((14)).
واخذه منه تلميذه ومعاصره القاضى ابن البراج((15))، ثم
تبعهما فى ذلك ابن ادريس، والمحقق، والعلامه رحمه اللّه، ولم
نجد فى كلمات قدماء اصحابنا الى زمان المحقق
الحلى رحمه اللّه من استعمله غير من ذكرنا.
وهولاء استعملوه
تعبيرا عن المجوس وجعلوه مقابلا لعنوان اهل الكتاب المراد
بهم اليهود والنصارى.
والظاهر من مساق كلماتهم ان فى ذكر هذا التعبير نوع اشاره
الى مناط الحكم فى امر المجوس، فكان جريان ما يجرى على
المجوس من الاحكام انما نشا من وجود الشبهه فى امرهم او
فى كتابهم، والا لم يكن وجه للعدول عن تسميه المجوس
باسمهم الى التعبير عنهم بعنوان كلى، فالروايات الوارده فى
المجوس انما تتصدى لحكم المجوس بعنوان المجوس فقط،
فلم يكن الباحث فى بيان حكمهم كمجوسيين بحاجه الى ذكر
عنوان كلى كهذا، وعلى هذا فيكون ذكر هذا العنوان، اعنى
وجود الشبهه فى امر كتابهم، بحكم الاشاره الى ان هذا هو
المناط فى حكمهم.
وعلى هذا فالحكم لا ينحصر فيهم، بل
يجرى فى كل نحله تشترك معهم فى هذا المناط، اعنى وجود
الشبهه.
ومما يقوى هذا الاحتمال فى كلامهم ما ذكره العلامه رحمه اللّه
فى المنتهى، فانه قال فى مقام الرد على ابى حنيفه الذى قاس
مشركى العرب باهل الكتاب والمجوس ما لفظه: (والجواب
بالفرق بين المقيس والمقيس عليه، فان اهل الكتاب لهم
كتاب يتدينون به، والمجوس لهم شبهه كتاب -ثم نقل روايه
الواسط ى- ثم قال: والشبهه تقوم مقام الحقيقه فى ما بنى على
الاحتياط، فحرمت دماوهم للشبهه، بخلاف من لا كتاب له ولا
شبهه كتاب)، انتهى.
فاستدلاله لحكم المجوس بوجود الشبهه
فى امرهم كالصريح فى ان عنوان (من لهم شبهه الكتاب) لا
يراد به الاشاره الى المجوس فحسب، بل هو حامل لاستدلال
عام يشمل المجوس وغيرهم من الفرق التى يكون فيها مثل ما
كان فى المجوس من الشبهه.
ويويد ذلك كلامه الاخر فى المنتهى، فانه قال فى مقام تقسيم
الكفار الى الذمى والحربى: (فالذمى يشمل من له كتاب
كاليهود والنصارى ومن له شبهه كتاب كالمجوس)، انتهى.
فقوله: (كالمجوس) فيه اشعار الى ان المجوس احد المصاديق
لهذا العنوان الكلى، لا المصداق المنحصر له.
وحاصل ما ذكرناه الى هنا هو ان المناط فى الحاق المجوس
باليهود والنصارى فى احكامهم هو وجود الشبهه فى امرهم
وعدم احراز كونهم غير منتمين الى نبى من الانبياء وكتاب من
الكتب السماويه.
ثم ان اناطه حرمه الدماء والنفوس بالشبهه امر موافق لما
علمناه من الشرع، من الاحتياط فى امر الدماء والاموال
والفروج، مضافا الى ان من الممكن القول بان هدر الدماء وحل
النفوس انما يختص بالمحاربين للدوله الاسلاميه دون غيرهم
من الكفار، وان حكم القتل والقتال بالنسبه الى الكفار ليس امرا
شاملا لكل كافر الا ما خرج، بل يختص بطوائف منهم -على ما
احتملناه ونفينا عنه البعد فى بعض المباحث السابقه- وعلى
فرض قصور الدليل على ذلك فلا اقل من الاحتياط الذى اشرنا
اليه فى الطوائف التى قامت الشبهه فى امرهم، وقد سمعت
فيما نقلناه عن العلامه رحمه اللّه ان: (الشبهه تقوم مقام
الحقيقه فى ما بنى على الاحتياط، فحرمت دماوهم (اى
المجوس) للشبهه).
فهذا المقدار مما لا يحتاج الى زياده تكلف
فى الاستدلال، الا ان معامله اهل الكتاب لا تنحصر فى حرمه
نفوسهم واموالهم، بل تشمل عقد الذمه معهم، والذى يشمل
كثيرا من الفروع والاحكام، ومن المعلوم ان ما انيط به حرمه
الدماء والاموال من وجود الشبهه ولزوم الاحتياط لا يكفى
لاثبات تلك الاحكام.
الا ان يدعى الاولويه فى ذلك، بان يقال:
الجزيه وسائر ما يكلف الذمى به تكون بمنزله العوض الذى
يوديه فى مقابل حقن دمه وحرمه نفسه وماله، فاذا كلفنا
الكتابى بذلك فالمشتبه بالكتابى اولى منه به.
فالحاصل: ان القول بجريان احكام اهل الكتاب فى من يحتمل
كونه كتابيا مما لا يبعد عن القواعد الفقهيه المتسالم عليها،
فهذا هو الوجه فى ذكر عنوان (من له شبهه كتاب) فى كلمات
بعض القدماء، وجعله قسيما لاهل الكتاب موضوعا، ومشتركا له
حكما.
ولكن هذا كله بناء على ان المراد من الشبهه فى العنوان
المذكور الشبهه والشك فى كونهم اهل كتاب، فالشبهه هنا بناء
على هذا المعنى من قبيل شبهه الامان، حيث قلنا هناك: ان
من احتمل فى حقه الامان فهو محقون، كما ان من توهم
الامان بالنسبه الى نفسه -كمن سمع صوتا من مسلم فتوهمه
امانا له- ايضا محقون، مع ان فى المثال الاول يحتمل عدم
الامان فى الواقع، وفى المثال الثانى عدم الامان معلوم واقعا، الا
ان الشارع حكم بترتيب آثار الامان فى المثالين احتياطا فى امر
الدماء والنفوس، فهنا ايضا يحكم فى حق مشتبه الكتابيه باحكام
اهل الكتاب احتياطا للدماء والنفوس.
واما بناء على ان يكون المراد من (شبهه الكتاب) ما احتملناه
سابقا -فى البحث عن حكم المجوس- من ان المراد بالشبهه
المشتبه فيه، والمعنى: ان ما بيد القوم من الكتاب الذى
يزعمونه كتابا سماويا ليس هو الكتاب السماوى الذى نزل على
نبيهم، بمعنى ان الامر اشتبه عليهم فى ذلك، كما هو الحال
فى المجوس بحسب ما ورد فيهم من الروايات، حيث ورد انه
كان لهم نبى، وقد انزل عليه كتاب، ولكن احرق الكتاب ولم
يبق منه شى ء، فما هو الان بايديهم ليس هو الكتاب الحقيقى
النازل من السماء، بل شى ء مشتبه به، فعلى هذا المعنى يختلف
الامر مع ما ذكرناه على المعنى السابق، اذ الحكم بالنسبه لمن
حاله هكذا كالمجوس ليس حكما احتياطيا، لانهم اهل الكتاب
واقعا، وليس من جهه اشتباههم باهل الكتاب، فالحكم فيهم
بعينه هو الحكم فى اليهود والنصارى.
الا ان صحه استعمال هذا
التعبير فى حق كل طائفه ونحله يتوقف على اثبات كونها اهل
كتاب واقعا بدليل معتبر، كما هو الحال فى حق المجوس، ولا
يكفى فيه الحدس الظنى من طريق مقارنه ما بايديهم من
الكتاب بما تحتويه الكتب السماويه عاده، او من اى طريق ظنى
آخر.
فحينئذ لو فرض ثبوت مثل هذا الدليل فى باب الصابئه فهو،
والا فاجراء عنوان (من له شبهه الكتاب) فى حقهم
مشكل.
وسوف ياتى ان شاء اللّه فى بيان النقاط التاليه ما يوضح
الامر اكثر.
الامر الثالث: هل يجوز التمسك بدعواهم فى عقائدهم اذا ادعوا
التوحيد والاعتقاد بنبى من الانبياء وكتاب من الكتب السماويه
وامثال ذلك؟ ربما يتبادر ذلك الى الذهن من وجوه:
اولا: افتى الفقهاء رحمهم اللّه بحجيه قول الكافر اذا ادعى انه
كتابى بمعنى اهل الكتاب المعروفين اعنى اليهود والنصارى.
قال فى المبسوط: (اذا احاط المسلمون بقوم من المشركين،
فذكروا انهم اهل كتاب، وبذلوا الجزيه فانه تقبل منهم)...
الى
آخر كلامه((16)).
والظاهر انه اراد من اهل الكتاب اليهود
والنصارى المعروفين بهذا العنوان، فاذا كان قول الكافر حجه
فى ذلك، فلم لا يكون حجه اذا ادعى انه موحد وانه من متبعى
احد انبياء اللّه تعالى؟!
ثانيا: ان الايه الشريفه: (ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست
مومنا...) «النساءر94» تجعل قول من كان يعرف بالكفر حجه فى
دعواه الاسلام، فلم لا يكون حجه من باب تنقيح المناط فى
دعواه التوحيد والايمان بنبى من الانبياء؟! اذ المناط هو عدم
التعرض لمن يظهر انه ممن لا يجوز التعرض لهم، سواء من
جهه الاسلام او من جهه الاندراج فى الطوائف الذين لا يتعرض
لهم من الكفار، وليس خصوصيه لدعوى الاسلام، ولذا لو ادعى
انه من اهل الذمه يسمع منه ايضا.
وثالثا: ان قبول قول اهل الملل فى عقائدهم امر عقلائى لا
يتخلف عنه العقلاء عاده، وذلك من جهه الظن النوعى بكونهم
صادقين فى دعواهم هذه، والسر فى ذلك ان من يعتقد بشى ء
انما يعتقد به من جهه انه يراه حقا وصدقا، بل يراه الشى ء
الوحيد الذى ينبغى ان يعتقد به، ولذا تراه صادعا بعقيدته اذا لم
توجد الدواعى الموجبه لاخفاء عقيدته كالخوف والتقيه، فلا
يعقل ان يقول اهل مله -باجمعهم وفى مر الازمان- عن ملتهم
ونحلتهم التى يتبعونها غير ما يعلمون منها، فقولهم حجه على
غيرهم فى ما يقولون عن نحلتهم بحسب هذا البناء العقلائى
الذى لم يردع عنه الشارع المقدس.
هذا، ويمكن الخدشه فى الوجوه المذكوره بما يوهن الاستدلال
بها.
اما الوجه الاول، فيمكن التفريق فيه بين المقيس والمقيس
عليه، بان دعوى الكافر فى ما ذكره الشيخ رحمه اللّه انما هو
اخبار عن امر قائم بنفسه، اى ايمانه وعقيدته، ولا يعرف ذلك
الا من قبله، وفى مثله لا مناص عن قبول قول المدعى، وبذلك
افتى الفقهاء فى امثاله، ولذا ترى انه اذا امكن الوصول الى الواقع
بواسطه البينه -المتشكله ممن اسلم منهم وصار معدلا-
وتبين كذب الدعوى، بطل العهد والذمه((17)).
وهذا بخلاف ما نحن فيه، اذ الدعوى هاهنا ليس امرا راجعا الى
اعتقاد الشخص بامر معلوم حتى يكون امرا لا يعرف الا من قبله،
بل راجع الى امر اعم من ذلك، اعنى اشتمال الدين الذى
يعتنقه على عقيده التوحيد وكذا وكذا...
وبعباره اخرى: هناك فرق بين ان يدعى احد انه من اليهود
مثلا، وان يدعى ان دين اليهود يشتمل على كذا وكذا من
العقائد والاحكام، ففى الاول يجرى كلام الشيخ رحمه اللّه، واما
فى الثانى فلا، لان هذا ليس مما يكون قائما بالمدعى نفسه،
وليس مما لا يمكن معرفته الا من قبله، حتى يلزم قبول قوله
فيه، بل هو امر خارجى يمكن ان يعرفه كل من بحث وفحص
عنه، فلا يلزم قبول قول المدعى فيه.
واما الوجه الثانى، ففيه:
اولا: ان الايه الشريفه لم تامر بقبول دعوى المدعى، بل امرت
بالتبين، والتثبت، وعدم التسرع الى قتل من يدعى الاسلام او
السلم بداعى ابتغاء عرض الحياه الدنيا، بل يمكن استئناس عدم
قبول قول المدعى من ايجاب التبين فى الايه، اذ لو كان قبول
قوله جائزا لما بقى وجه للتبين.
وثانيا: ان ما ذكر من المناط غير
مقطوع به، اذ كم فرق بين دعوى من يدعى الاسلام ودعوى
من يظهر الكفر به، والايه الشريفه بصدد بيان حكم الاول، ولا
يبعد وجود خصوصيه فى مدعى الاسلام دون غيره، وان يكون
المناط هو لزوم الاحتياط فى دماء من يحتمل فيه الايمان به،
وعدم السماح لتطرق الدواعى النفسيه والشخصيه فى هذا
الامر الخطير.
واما الوجه الثالث، فيمكن ان يقال فيه: بان الايه
الشريفه الامره بالتبين -(فتبينوا ولا تقولوا لمن القى اليكم
السلام..) «النساءر94»- ردع من ناحيه الشارع عن قبول قول
المدعى فى امر الدين، فلو سلم ما ذكرتم من بناء العقلاء فهو
مردوع عنه من قبل الشارع المقدس.
هذا، ولكن يمكن دفع شبهه الردع عن هذا الوجه بان الامر
بالتبين لو سلم كونه ردعا عن قبول قول مدعى الايمان دائما،
فلا يكون ردعا عن قبول ما يقوله اهل الملل والاديان عن
مضمون نحلتهم وما تتضمنه من العقائد والاحكام، فالايه
اجنبيه عما نحن فيه بالمره.
فالوجه الثالث مما ذكرناه فى مقام اثبات جواز التمسك بدعوى
الكافر فى معتقداته متين وسالم عن الايراد، ويمكن توضيحه
بان يقال: ان المناط فى اعتبار كثير من القواعد العقلائيه
المقبوله شرعا -كقاعده الصحه فى باب العقود والايقاعات،
وقاعده جواز اقرار العقلاء على انفسهم، وقاعده من ملك شيئا
ملك الاقرار به، وامثالها من القواعد الكثيره المعمول بها فى
الفقه- هو بناء عرفى عقلائى علم من الشارع المقدس امضاوه
له واعتباره لديه، لا بمعنى الامضاء وجعل الاعتبار فى كل
واحده من هذه القواعد على حده حتى يناط الاعتبار الشرعى
فى كل منها بامضاء الشارع له بالخصوص، ويكون مقتضى
القاعده عند الشك فى امضاء الشارع لواحده منها عدم الاعتبار،
بل بمعنى تصديق الشارع لما يشترك فيه الكل، من الاعتماد
على ما يتعامل به الناس فى الامور الراجعه اليهم، وعدم الاعتناء
باحتمال وقوعها غير صحيحه وغير منطبقه على ما هو الحق
الحقيق، والبناء على صحه ما ياتون به لمصالحهم او ما يبدونه
من الاعمال لجلب النفع اليهم، او دفع الشر عن انفسهم،
فحاصل هذا البناء العقلائى الذى لم يردع عنه الشارع المقدس
هو الاعتماد على اعمالهم واقوالهم المعتاده لهم فى امورهم
وشوونهم، والبناء على صحتها، والا لم يبق لتعامل الناس
بعضهم مع بعض اساس يعتمد ويتكا عليه، ومن ذلك ما يبدون
ويظهرون من عقائدهم واديانهم، فاذا اراد احد التوصل الى ما
يحتويه الدين البرهمى او البوذى فلا طريق له الى ذلك غير
الرجوع الى اقوال اهل ذاك الدين وما كتبوه عنه فى كتبهم
وآثارهم، فهم حجه على غيرهم فى ذلك لدى العقلاء، طبعا فى
ما لم يرد فى ذلك ما يعارض دعواهم من الصادق المصدق.
وعلى هذا، فالتمسك بدعوى الصابئه فى بيان عقائدهم وما
ينتحلونه من المعارف والاحكام امر عقلائى موافق لبناء العقلاء
فى امثال ذلك.
فلو فرض انهم يدعون الايمان باللّه واليوم الاخر
والاتباع لنبى من انبياء اللّه المعروفين لدينا، والعمل بكتاب من
الكتب السماويه التى يفرض نزولها من عند اللّه، فمقتضى
القاعده العقلائيه التى لم يردع عنها الشارع هو الاخذ بكلامهم
والتبنى لدعواهم بغير تطرق وسوسه وريب فى ذلك.
وسوف ياتى فى بعض الامور اللاحقه دعواهم لعقيده التوحيد
والايمان باللّه والملائكه واليوم الاخر والتبعيه لبعض انبياء اللّه
تعالى.
الامر الرابع: لو بقى الشك فى كونهم ممن اوتى الكتاب، فما هو
مقتضى القاعده فى ذلك؟ وهل هناك اصل لفظ ى او عملى
يعمل بمقتضاه؟
ظاهر كلام الشيخ رحمه اللّه فى الخلاف ان الاصل بالنسبه الى
كل مله لم يحرز كونهم كتابيين هو عدم قبول الجزيه منهم
وعدم اقرارهم على دينهم.
قال فى مقام الاستدلال على جريان
هذا الحكم بالنسبه للصابئه: دليلنا اجماع الفرقه واخبارهم،
وايضا قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)
«التوبه/5» وقال: (فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)
«محمد/40»، ولم يامر باخذ الجزيه منهم، وايضا قوله تعالى:
(قاتلوا الذين لا يومنون باللّه ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما
حرم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب
حتى يعطوا الجزيه عن يد وهم صاغرون) «التوبه/29».
فشرط
فى اخذ الجزيه ان يكونوا من اهل الكتاب، وهولاء ليسوا باهل
الكتاب.. انتهى((18)).
وحاصل كلامه رحمه اللّه ان هناك اصلا لفظيا، وهو عموم هذا
الحكم فى الايات المذكوره بالنسبه الى ما سوى اهل الكتاب
من الكفار، فمتى لم يثبت الخروج عن هذا العموم بدليل خاص،
فمقتضى القاعده عموم حكم العام له.
ولا يخفى على المتامل
ان قوله: (وهولاء ليسوا من اهل الكتاب) انما هو نفى احراز
كونهم من اهل الكتاب، لا نفى كونهم كذلك واقعا، اذ لا سبيل
لاحد الى الكشف القطعى بانهم ليسوا بكتابيين الا من طريق
اخبار الصادق المصدق((19))، والمفروض عدم ورود دليل فى
باب الصابئه على انهم غير كتابيين، فالمراد: انهم غير محرز
كونهم كتابيين.
وقد صرح بذلك صاحب الجواهررحمه اللّه،
انتهى.
فموضوع الحكم فى كلامه رحمه اللّه هو من شك فى
كتابيته.
اقول: للخدشه فى ما يستفاد من كلام الشيخ رحمه اللّه -والذى
تبعه فيه صاحب الجواهررحمه اللّه- مجال:
اما اولا: فلان العمومات المشار اليها فى كلام صاحب الجواهر
-ومنها الايتان المذكورتان فى كلام الشيخ رحمه اللّه- قد سبق
الحديث عنها بالتفصيل (فى الابحاث السابقه)، وقلنا: انها او
اكثرها ناظره الى حكم مشركى الحجاز من عبده الاوثان الذين
كان رسول اللّه(ص) والمسلمون يومئذ مبتلين بهم كونهم
اعداء محاربين، وليس فيها تعرض لحكم مطلق الكافر بالمعنى
العام، اى الذى لم يتدين بما جاء به نبى الاسلام(ص)، وليست
بصدد الامر بقتلهم على العموم، ولا اقل من الشك فى ذلك
وكون هذا المقدار هو القدر المتيقن من مدلول الايات.
وثانيا: ان ما افاده الشيخ وصاحب الجواهر-رحمهما اللّه كونه
اصلا متبعا فى باب المعامله مع الكفار -اعنى الحكم بعدم
الجزيه فى من يشك فى كونه ممن اوتى الكتاب- من قبيل
التمسك بالعام فى الشبهات المصداقيه لمخصصه، بمعنى ان
من يشك فى كونه داخلا فى عنوان (من اوتى الكتاب) -وهو
عنوان المخصص لعمومات عدم اقرار الكافر على دينه- يشك
فى كونه داخلا فى المراد الجدى من عنوان العام بعد ورود
الدليل المخصص، اعنى الكافر غير الكتابى، وهذا يقتضى عدم
جواز الاستدلال بالعام لحكم هذا الفرد المشكوك.
نعم، لو فرض ان عنوان (من اوتى الكتاب) -وهو عنوان دليل
المخصص- مشتبه مفهوما، بان دار امره بين صاحب الكتاب
المشرع مثلا او الاعم منه ومن غير المشرع، فاجمال المخصص
بهذا النحو لا يوجب عدم جواز التمسك بعموم دليل الكفار، لان
الدليل العام يشمل صاحب الكتاب غير المشرع، ولا نعلم
بشمول الدليل الخاص له، فالامر فى شمول الدليلين لهذا الفرد
المشكوك دائر بين الحجه واللاحجه.
ولعل هذا هو الوجه فى
استدلال صاحب الجواهررحمه اللّه بعموم آيات القتال فى بيان
حكم الصابئه.
ثم ان ما ذكرنا من الفرق بين الصورتين -اعنى ما كانت الشبهه
فيه من قبيل الاشتباه فى المفهوم، وما كان المفهوم فيه امرا
جليا، غير مشتبه، ولكن الشبهه اتت من ناحيه الاشتباه فى
المصداق- فتفصيله مذكور فى الاصول.
ومجمل القول فيه: انه فى صوره الاشتباه المفهومى، والذى
يكون امر المخصص دائرا مفهوما بين الاقل والاكثر، كما لو دار
الامر فى معنى الفاسق الذى ورد فى الدليل المخصص موضوعا
لعدم الاكرام، كقول القائل: لا تكرم العالم الفاسق، دار امره بين
مرتكب الكبيره فقط ومرتكب الاعم من الكبيره والصغيره من
الذنب، فدلاله هذا الدليل المخصص على حكم الاقل، وهو
خصوص مرتكب الكبيره معلومه، ولكن دلالته على حكم
مرتكب كل ذنب ولو صغيره غير معلومه، فاذا كان هناك عالم
مرتكب لصغيره، فدلاله المخصص عليه وشموله له غير
معلومه، فى حين ان دلاله العام عليه وهو اكرام كل عالم
معلومه، فتعارض العام والخاص بالنسبه لهذا المورد -اعنى
العالم مرتكب الصغيره- تعارض بين الحجه واللاحجه، فلا
مناص من التمسك فيه بالعام، وفى ما نحن فيه اذا فرض ان
الدليل المخصص -اعنى آيه الجزيه- مجمل من حيث المفهوم،
فيحتمل فيه اراده خصوص اهل الكتب الثلاثه او الكتب
المشرعه، كما يحتمل شموله لهم ولغيرهم، فدلاله هذا الدليل
على حكم غير اهل الكتب الثلاثه غير معلوم، فى حين ان دلاله
العام -اى عمومات الكفار- عليهم ثابته بلا ريب، فيحكم عليهم
بمقتضاه.
واما اذا كان عنوان الدليل المخصص امرا واضحا، وانما وقع
الاشتباه من ناحيه الشبهه المصداقيه، فالامر يختلف تماما، فاذا
فرض ان مفهوم الفاسق -فى المثال الذى سبق ذكره- غير
مشتبه، ولكن شك فى فسق زيد بالخصوص، فحينئذ لما كان
المراد الجدى من قول القائل: اكرم كل عالم هو اكرام كل عالم
غير فاسق، وذلك بقرينه المخصص المنفصل الذى يقول: لا
تكرم اى عالم فاسق، فشمول العام للفرد المشكوك كونه فاسقا
او غير فاسق بعينه كشمول الدليل المخصص له فى ان كلا
منهما لا يشمل سوى ما احرز كونه مصداقا له، وبعباره ادق: ان
كلا منهما لا يكون حجه الا فى ما احرز كونه مصداقا له، فكما لا
يشمل الدليل المخصص هذا الفرد المشتبه كونه فاسقا، كذلك
لا يشمله الدليل العام.
فبناء على كون الشبهه فى باب عنوان (من اوتى الكتاب)
وشموله للصابئه من باب الشبهه المصداقيه، تكون النتيجه ان
عمومات قتال الكفار لا تشمل الصابئين، فلا وجه لاستدلال
الشيخ وصاحب الجواهر رحمهما اللّه بتلك العمومات لاجل
اثبات خروجهم عن احكام اهل الذمه، وقد علمنا فيما قبل ان
الشبهه فى هذا المورد ليست شبهه مفهوميه فى راى صاحب
الجواهررحمه اللّه على ما يبدو من التامل فى كلامه، وهو
صحيح وواضح بناء على ما ذكرناه سابقا من ان الكتاب فى آيه
الجزيه يشمل الكتب السماويه جميعا من غير اختصاص ببعضها.
وعليه، فلو بقى هناك شبهه فى امر الصابئه فهى انما تكون من
باب الشبهه المصداقيه، وفيها لا يجوز التمسك بالعام كما مر.
فحاصل الكلام فى هذا الامر: انه ليس هناك عموم او اطلاق
يمكن الاستدلال به فى المشكوك كونه كتابيا على جواز قتله،
وعدم اقراره على دينه.
نعم، ترتيب جميع احكام الكتابى على
هذا المشكوك ايضا مشكل، لان ادلتها انما تثبتها لمن كان
كتابيا، ولازمه احراز هذا الموضوع، فما لم يحرز كونه كتابيا لا
يمكن ترتيب تلك الاحكام عليه.
اللهم الا ان يقال: ان حكم
الجزيه يشمل هذا الفرد المشكوك كونه كتابيا بمفهوم الاولويه،
وقد سبق منا توضيح ذلك.
هذا كله فى الاصول اللفظيه، واما الاصل العملى، فربما يبدو ان
المورد مجرى استصحاب عدم كون الصابئه ممن اوتى الكتاب،
ويمكن تقريره على وجهين:
الاول: ان يكون المراد بالعدم المستصحب هو العدم المفروض
فيما قبل وجود الصابئه، فيكون هذا الاستصحاب من جزئيات
استصحاب عدم الخصوصيه المفروض فى ظرف عدم
موضوعها، المعروف لدى الاصوليين باستصحاب العدم الازلى،
ففى ما نحن فيه يصدق ان هولاء قبل وجودهم لم يكونوا ممن
اوتى الكتاب، فيستصحب هذا العدم.
وهذا النوع من
الاستصحاب قد استقر على امكانه وصحته راى اكثر متاخرى
الاصوليين، بذريعه تماميه اركان الاستصحاب فيه، ولذا نراهم
يتمسكون به فى باب الشك فى تذكيه الحيوان المشكوك
ذكاته، والشك فى قرشيه الامراه المشكوك كونها قرشيه،
وغيرهما من الامثله الكثيره.
الا اننا مع الاعتراف بما يدعى من انطباق قاعده الاستصحاب
عليه شكليا وعدم قبول ما يورد عليه من هذه الجهه لم نتمكن
من الاعتراف به بحسب شمول ادله الاستصحاب عليه لفظا او
اطلاقا، وهكذا بحسب انطباق الاستصحاب عليه كقاعده
عقلائيه متداوله فى عرف العقلاء، ونرى ان حكم العقلاء بعدم
وجود الخصوصيه المشكوك فيها فى موضوع ما فى صوره سبق
السلب بانتفاء الموضوع انما هو من باب ان الحكم بوجود كل
خصوصيه ذاتيه كانت او عرضيه فى اى موضوع من
الموضوعات انما يحتاج الى وجود دليل لذلك، فحكمهم بعدم
الخصوصيه من باب عدم الدليل عليها، لا من باب الاستصحاب.
والتفصيل فى ذلك موكول الى محاله ولا يسعه المجال فى ما
نحن فيه.
الثانى: ان يكون المراد بالعدم المستصحب عدم نزول الكتاب
على الجماعه المعتنقه لهذه النحله فى اول الامر، وهذا خارج
عن استصحاب العدم الازلى، اذ العدم المستصحب انما فرض
فى ظرف وجود موضوعه، لا فى ظرف عدمه، فكل جماعه
يفرض اعتناقها اولا لنحله ما اذا شك فى نزول الكتاب السماوى
عليها، يمكن استصحاب عدم نزوله عليهم فيما قبل ذلك،
والنتيجه هى ان الجماعه المعتنقه اولا لتلك النحله والمسماه
اولا بذاك الاسم ليست ممن اوتى الكتاب.
وهذا كاف فى تنقيح
هذا الموضوع بالنسبه الى من يتبعهم فى الازمنه اللاحقه، اذ
المفروض عدم نزول الكتاب عليهم بعد تلك الازمنه.
والاستصحاب على هذا التقرير ايضا تام الاركان، ولا يرد عليه ما
يمكن ان يورد على استصحاب العدم الازلى، الا ان الاعتماد
على مثله فى الامور الخطيره التى ترتبط بالنفوس والاموال
والاعراض لا سيما فى المسائل العامه الراجعه الى الجماعات
المتعاقبه والاقوام المتتابعه مما لا يمكن المساعده عليه،
وذلك لوضوح ان احاله امر دماء الالوف من افراد النوع البشرى
الى مجرد عدم العلم بكونهم محقونى الدم بعيد عن مذاق
الشرع، ولا يعهد عن التعاليم الالهيه وبالخصوص عن الشريعه
الاسلاميه- التى تعد كرامه الانسان وحرمه دمه من اعظم
الامور، ولا تسمح بهدر الدماء وهتكها بغير حق -ان تحكم بحل
دم انسان واحد فضلا عن الجموع الكثيره بمجرد الشك فى
حرمه دمائهم، واعتمادا على امثال هذا الاستصحاب.
وتوهم ان الاحتياط فى امر الدماء مختص بدماء المسلمين
مردود، بان المناط فى هذا الاحتياط انما هو احتمال حقن الدم
فى مورده، ومعلوم ان منشا هذا الاحتمال لا ينحصر فى
الاسلام، بل يشمل الكتابى المعاهد وامثاله ايضا، فكلما وجد هذا
الاحتمال من اى طريق كان ومن اى منشا، يكون المورد مورد
الاحتياط، والواضح وجود هذا الاحتمال فى امثال ما نحن فيه.
فالحاصل ان جريان استصحاب عدم الكتابيه فى ما نحن فيه لا
يستقيم بوجه.
فالظاهر ان المورد مجرى اصاله الاحتياط من
جهه لزوم ذلك فى باب النفوس والاموال والاعراض، واللّه
العاصم.
هذا كله فى الامور الراجعه الى كبريات المساله.
واما المحور الثانى اعنى النقاط الصغرويه التى لا بد من البحث
عنها:
فالنقطه الاولى منها انه: هل هناك ما يمكن الاستشهاد به على
ان الصابئه اهل كتاب؟
والجواب على ذلك انه ربما يمكن الاستدلال على انهم اهل
كتاب، بوجوه:
منها: ما يستفاد من الايات الكريمه القرآنيه التى ذكر فيها اسم
الصابئين، وهى ثلاث آيات، الايه الاولى قوله تعالى فى سوره
المائده: (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من
آمن باللّه واليوم الاخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم
يحزنون) «المائده/69».
وقريب منها الايه الثانيه، وهى قوله تعالى فى سوره البقره: (ان
الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن باللّه
واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف
عليهم ولا هم يحزنون) «البقره/62».
ويستفاد من الايتين اولا: ان عقائدهم مشتمله على الايمان
باللّه واليوم الاخر، والا لم يكن وجه لذكر ذلك عنهم.
وثانيا: ان من آمن منهم باللّه واليوم الاخر وقرن ذلك بالعمل
الصالح فهو من اهل النجاه، وهذا لا يكون الا فى صوره صحه
هذا الدين وكونه نازلا من قبل اللّه تعالى.