هذه هي بعض ابعاد المنفعة التي ترجى من تكريس القيم الحق في ضمير الامة، ولكن هل من السهل تشبع ضمير امة من الناس بمنظومة قيم متكاملة؟ اذا كان الجواب بالنفي فيأتي السؤال: اذا ما هي مناهج الاسلام في تكريس قيم الوحي في وعي الامة.اولا: في مناسبة اخرى سبق الحديث ان محور حركة الاسلام هو العقل الذي يوقضه الاسلام من سباته ثم يزكيه من ركام الخرافات، ويرفع عنه حجب الشهوات، ثم يطلق طاقاته الهائلة لتضيء السبل.ولولا العقل واذكاءه بالوحي، ولولا البصائر التي تشع في ضمير المؤمن، فان زرع القيم فيه لايكفي وحده لان القيم بحاجة الى تفسير، والعقل هو الذي يفسرها، ولولا العقل قد يخطأ الانسان بتطبيق القيم على غير اهلها.صحيح ان العدالة هدف ولكن انى لبشر تكتنف قلبه حجب الشهوات وتراكمات الحقد والعصبيات انى له معرفة تطبيقات العدالة معرفة صحيحة؟ ثانيا: القران الكريم الذي يعتبر بالاحصاء أكثر الكتب قراءة وتأثيرا في النفوس، والذي هم بمثابة تيار متدفق من نور القيم الالهية يمد القلوب الواعية بالاشعاع لحظة بلحظة.وبالرغم من ان عصور التخلف فصلت المسلمين عن التدبر في القرآن والانفتاح على اياته، التي هي ركائز مجدهم ووقود حضارتهم، ولكنه- مع كل ذلك الجفاء- لايزال يمنحهم البصائر والهدى، فهو عيبة نور الله، وينبوع معارفه، وكنز علمه، بلى الكارثة العظمى انما وقعت علينا، عندما فصل العقل عن القرآن، فرسب ضمير الانسان في اوحال الخرافة والشهوة، واصبح كتاب الله مهجورا بين اهله، لانه لم يتل حق تلاوته.وانما احتجب الانسان عنه بالافكار التي حملت اياته تحميلا، وتفسيرات كلفت تكلفا مبينا.ولو اهتدى العقل بالكتاب، وقرأ الكتاب بالعقل، وتجرد الانسان عن مسبقاته ورواسبه، وعاد غضا نضرا يستقبل ايات الذكر ببراءة الطفل الوديع، وبوعي الواله العاشق للحقيقة، وبروح المتبتل الطاهر من الريب والشك والعقد اذا لتميز في وعي الانسان، العقل عن الهوى، والضمير عن الشهوات، والوجدان عن العقد، ولكان ذلك العقل نوره الذي يكتشف به الحق عن الباطل في كل شئ.
ماهي القيم الحق؟
لو درجنا على الكلمات القرانية، لقلنا- بدل القيم- الحكم، ولكانت هذه الحكم حلقة في سلسلة قبلها الهدى والبصائر، وبعدها الشرعة والمنهاج والحدود والاحكام.وفي مناسبة اخرى نرجو التوفيق لبيان كلمات القرآن هذه التي فيها ايحاءات مفيدة، اما هنا فنستمر على التعبير بالقيم استعارة من الادب الحديث والكلمات الدارجة فيه، فما هي القيم هذه؟ انها كيان رصين هرمي الشكل في قمته يتجلى نور التوحيد، ومن ثم اسماء الله الحسنى، وبعدها يأتي دور الايمان كصلة بين الحق والخلق، ومن الايمان تجري روافد القيم، تعالوا- اذا- نتأمل في ابعاد الايمان ونتسأل ماهو حقيقته؟ وقبل الاجابة دعنا، نفرغ- ولو عبر لحظات- افئدتنا من المعاني التي نعرفها عن الايمان، وكاننا نسمع الى الكلمة الان..او تدرون لماذا هذا الطلب الملح؟ لان الايمان كلمة قرآنية لاتعرف الا في جو الادب القرآني، والكلمة قد استخدمت ايضا في آدابنا الدارجة فرسبت بها معاني من واقعنا، الذي لايعكس كل ابعاد الواقع القراني.فتختلط عادة ظلال هذه المعاني بايحاءات الكلمة القرانية.الايمان هو التسليم للحق.وفي البدء التسليم للحي القيوم الذي به قامت السماوات والارض.ثم التسليم لأسمائه الحسنى التي تتجلى في سننه في الخليقة وفي شرائعه وحدود احكامه والتسليم يعني سلسلة من المعاني: الف: القبول والاعتراف بوجود الحقيقة..اما انكارها والزعم بانها خرافة او وهم فانه يتنافى والايمان، مثلا: السوفسطائيون والمثاليون والشكاكون لايعتبرون مؤمنين، وكذلك الذين يشكون في حقيقة واحدة من الحقائق، مثلا: يشكون في النشور بعد الموت والحساب والجزاء، انهم يفقدون من ايمانهم بقدر شكهم..وكذلك الذين ينكرون بابا من ابواب الحقيقة كمن انكر الغيب، كما اوبعضا، او انكر العقل، او حدد دوره في اضيق نطاق، او انكر الارادة الحرة عند الانسان وزعم ان دورها محدود، وهكذا الذي انكر دور الحس، او نوعا معينا من الحس، كل اولئك يخرجون من اطار الايمان بقدر انكارهم لتلك الحقيقة ولذلك كان الذي ينكر رسالة واحد من الانبياء، او كتابا من كتبهم المنزلة، او جانبا من شريعتهم، كان كافرا بقدر تلك الحقيقة التي ينكرها.باء: الاعتراف بما للحق من ابعاد وامتداداته.انك حين تؤمن بوجود شخص لابد ان تعترف بحقه في الحياة، وحقه في ان يشغل حيزا من الارض، وحقه في ان يتنفس وان يفكر وان ينطق و.و.كذلك الايمان بكل حقيقة، يستوجب الايمان بما لها من آفاق، أرأيت الذي يؤمن بالله ولكنه ينكر اسماءه الحسنى انه كافر بالله رأسا.فليس اله الذي لايسمع ولا يرى ولا يأخذ للضعيف حقه من القوى، ولا يجازي المحسن او المسئ، بل يجعلهما عنده سواء.جيم: الوفاء عمليا بتلك الحقوق.فمن امن بالله وامن باسمائه ومن اسمائه انه الحكم العدل الذي لايجور، ولكنه لم يستجب لنداء ايمانه، فلم يتق الله سبحانه، لايسمى مؤمنا ايمان حق وصدق، لانه لم يسلم كاملا بحقيقة الايمان.كذلك الذي لم يؤمن بالرسول عمليا بطاعته، والذي لا يؤتي حقوق الفقراء، انه لايؤمن بوجودهم وهكذا..الايمان بالغيب والشهود وينقسم ايمان الى بعدين: اولا: الايمان بالغيب، وهو الذي يكمل اليمان البشر، اذ يقول سبحانه: (الم ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين *الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون *والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون).وللايمان بالغيب افاق واسعة تتصل بالايمان بالماضي (غيب عن الحاضر) او المستقبل (القريب في الدينا او البعيد في الآخرة) والايمان بالاخلاق والقيم التي هي ابعاد الايمان بالروح والعقل، والايمان بالجزاء والمسؤولية وهكذا.ثانيا: الايمان بالشهود، وابرز ابعاده الايمان بالحياة، فانها صفوة الشهود، ومن الايمان بالحياة تنبثق القيم التي تتصل بالتشريع اتصالا وثيقا.فالحياة تستدعي المحافظة عليها، بتوفير الضرورات ابتداء من الطعام والشراب والمسكن، وانتهاء بالامن والسلامة، كما تستدعي كرامتها بتوفير الحرية والتكامل المادي والمعنوي.وحقوق الله التي تتصل بالايمان بالغيب وحقوق الناس التي تتصل بالايمان بالشهود.هما تلك القيم التي هي روح الشريعة السمحاء، وتفصيل الحديث عن هذه القيم ندعه لمحله، ولكنا نؤكد في نهاية البحث على ان القيم هذه منطلق المجتمع الى الواقع، ولايجوز الجمود عليها، بل الانبعاث من خلالها الى وعي الحياة، والتعامل المناسب معها وانما بسبب الاكتفاء بالقيم وعدم التحرك من خلالها اصيبت الامة الاسلامية بما اصيبت.الفصل الرابع:دور الشورى في آلية التشريع
الشورى: الخبرة المتراكمة
لكي تصدر حكما لابد ان تعرف الموضوعة التي تريد ان تحكم عليها، وايضا القاعدة الفقهية التي تتناسب وهذا لموضوع.يقول ربنا سبحانه: (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون).اذا فكل طيب حلال، وكل خبيث حرام، ويبقى السول: كيف تميز الطيب عن الخبيث؟ كيف نعرف ان هذا دم او لحم خنزير او مااهل لغير الله به حتى يكون خبيثا وحراما؟ وكيف نعرف ان هذا سم، او طعام فاسد، او شراب نجس، او خمر، او مسكر حتى يكون كل اولئك من الخبيث والحرام..ام غير ذلك مما هو طيب وحلال؟ هنا العقل والخبرة والعرف، يقول بذلك فلو هدى الانسان عقله (بحثه العلمي وتفحصه الشخصي) على خبث الشئ حرم عليه، والا يرجع الى عالم يعرف ذلك أولم يقل ربنا سبحانه: (الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش الرحمان فسئل به خبيرا).وهذا ايضا حكم الفطرة السليمة، واذا لم يكن كل ذلك فانه يعود الى العرف الذي قال عنه سبحانه: (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) والعرف في حقيقته خلاصة عقول الناس وهو خبرة متراكمة، وهذا يتصل بحجية الشورى وللشورى اصلان: ألف: تراكم الخبرة وتكثيف التجارب، لان الناس، هم معدن الحكمة التاريخية، ومرتكز التجارب المتواردة، من هنا جاء في الحديث:(من شاور الرجال شارء ها في عقولهم) والشورى هي السبيل الطبيعي لاستنباط التجارب من معادنها، وبلورة الرؤى والنظريات من مراكزها، لماذا؟ اولا: لان الشورى تستحث الناس على التفكر، وتوقظ فيهم حس البحث، وتحرضهم على الحوار البناء لمعرفة الحقائق.ومن دون ما يحرض الفكر يبقى التفكر صعبا للغاية، ويفضل اكثر الناس ان يجدوا من يفكر عنهم، ولايتجشموا عناء التفكير المستقل ولذلك ترى المجتمعات الديكتاتورية اكثر غباء من المجتمع الحر.ثانيا: في المجتمع قنوات طبيعية تجتمع فيه شتات الفكر، وتصغى عن اكرارها، فالاسرة تلك الخلية الاولى في حياة المجتمع ثم العشيرة، ثم الصحبة بالجوار او بالجنب او في الشغل او في الدارسة، ثم التجمعات العلمية والسياسية والاقتصادية.وهذه القنوات لو استغلت- عبر الشورى- لتجميع شتات الخبرة ثم تركيزها وايصالها الى دماغ المجتمع المتمثل في القيادة، كانت اعظم فائدة من كثير من مراكز البحث، التي هي حالة اصطناعية ذات تكاليف باهضة وفوائد غير مضمونة.ثالثا: هناك المئات والالوف من القضايا التي يحتاج المجتمع فيها الى رأي راشد وحكيم، وعبر الشورى وعبر تحميل الناس مسؤولية التفكير لأنفسهم، نقدر على انضاج هذا الراي، وبالذات في القضايا ذات التعقيد المضاعف مثل القضايا السياسية والاقتصادية وعموما القضايا الانسانية، التي لم يصل العلم فيها الى نضج كاف، ومن هنا اصبحت منهجية اقتصاد السوق انجح من الاقتصاد الموجه، حيث ان احد اسباب هذا النجاح الذي نجد صورة واضحة منه اذا قارنا بين شطري المانيا، ومدى قوة اقتصاد الشطر الغربي بالقياس الى الشطر الشرقي منه، اقول: احد اسباب النجاح ان الناس كلهم يشتركون في نظام اقتصاد السوق في التفكير وانتخاب الاصلح، بينما هناك في الاقتصاد الموجه لايفكر الا البعض، ومعلوم ان التفكير الجمعي افضل.
الشورى حق وواجب
باء: الحياة سلسلة من الخيارات والاختيارات، والعاقبة فيها للحسنى، وحركة الانسان منذ الولادة وحتى الوفاة ابتلاء يرى كيف يختار؟ والفائزون هم الذين يختارون الاحسن، ويتحدون الصعاب للوصول اليه: هكذا نقرء كلام ربنا حين يقول: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور).فالهدف معرفة الاحسن عملا لا الاكثر عملا، ولا الاقوى- كما زعم داروين-.وقد امرنا الرب سبحانه بان نختار الاحسن حين قال: (وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم ان الشيطان كان للانسان عدوا مبينا).وقال سبحانه: ( وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين).وانتخاب الاحسن ليس مجرد حق للانسان يقتضيه وجود العقل عند الانسان، بل هو ايضا واجب ومسؤولية، اوليس انتخابه يؤثر في حياته اوليس الانسان مسؤول عن حياته، فكيف لايختار؟ ان القاء مسؤولية الانتخاب على الاخرين يشبه: تكلف العمى، بأن يسد احد بصره ويدع الاخرين يقودونه، قد يجوز ذلك في ظروف معينه، ولكن ان يصبح ذلك منهجا لحياته فانه نكسة فظيعة لقيم الحياة.والشورى لانها تحمل الناس مسؤوليتهم الفطرية فانها تزيدهم حيوية وعطاء ويدفع بالمجتمع الى الامام من هنا نجد القرآن يصف المجتمع المؤمن بأن المورهم تجري بالشورى.وقال سبحانه: (والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) وحين يأمر الرسول- صلى الله عليه وآله- بالشورى، يقدم حكمتها في انها تزيد المجتمع تلاحما فيقول سبحانه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين) ان المشاركة في القرار، تساعد على تنفيذه، وبالذات حينما يدخل المجتمع في حلبة التنافس الايجابي الذي قام على اساسه العالم، اذ ان التنافس يمتص طاقة الصراع السلبي، ويوظفها في العمل الايجابي مما يدفع عجلة المجتمع الى الامام دفعا عظيما.من هنا يقول الرب سبحانه:(وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون).ولعل هذه الاية اقوى الايات دلاية على ضرورة التنافس حتى بين اتباع المذاهب المختلفة، ليتركوا جميعا الجدل العقيم، ويثبت كل جدارته في ميدان العمل وليقدم الصورة الامثل للحياة.وهكذا تصبح مجالس الشورى القنوات التي تحتوي وتنظم الصراعات، وتضارب الاراء والمصالح، وجعلها تحت السيطرة، وبالتالي منعها من افساد الاخلاق الاجتماعية، او تحولها الى صراع دموي وحرب اهلية.يقول د.تناغو: والمجتمع يعيش في صراع دائم من اجل القانون، وهو صراع من كل نوع تلعب فيه الكثير من القوى دورا خلاقا للقواعد القانونية، والقوى الخلاقة للقانون- وهو تعبير من ابتكار الفقيه الفرنسي جورج ريبير- هي القوى المتصارعة من اجل القانون، وكما يقول الفقيه الالماني (الونج): القانون قوة حية، فاذا كان السلام هو الهدف الذي يسعى اليه فان هذا الهدف لايمكن الوصول اليه الا عن طريق الصراع.وبسبب تصارع الاراء واستباق الخيرات، والبحث الدؤوب عن الاحسن، يشط الخبراء ويزداد اهتمام الناس بهم، وتنتشر افكارهم وآراؤهم في اوسع الجماهير وبالتالي يزيد ذلك عدد الناس المتفرغين للدراسة في مختلف شؤون الامة.قنوات الشورى الشورى انما هي في مجال حركة العقل والوظائف الموكلة إليه، الا وهو معرفة احسن السبل لتحقيق القيم السامية، وتحديد الموضوعات الخارجية التي تطبق عليها الاحكام الشرعية.والسؤال: كيف تحدد الشورى الموضوعات الخارجية، وماهي القنوات التي تتحرك عبرها الشورى لتصل خلاصة افكارها وخبرتها الى القيادة لتتخذ القرار المناسب؟ لسنا هنا بصدد بيان التفاصيل التي لابد ان تختلف من منطقة لأخرى، ومن عصر لاخر ولكن نبين ملاحظتين.الاولى: ان المزيد من مجالس الشورى والمؤسسات الدستورية التي تصب فيها يعني المزيد من تركيز الخبرة وتنشيط المجتمع، وهكذا نقيس المجتمع المتقدم بمدى اهتمامه بالشورى وبعدد مؤسساته ومدى نشاطها.يقول د.تناغو: والقوى المتصارعة من اجل القانون وهي القوى الخلاقة للقانون تباشر تأثيرها عن طريق وسائل كثيرة مختلفة منها: الاحزاب السياسية في الدول الديمقراطية، والنقابات والمظاهرات والاحزاب والانتخابات والصحافة، والرأسمال بماله من قوة تأثير او ارهاب والخبراء في المؤسسات الصناعية والتجارية والتعليم والدين.الثانية: ان تجارب البشرية عبر قرون متمادية ثروة علمية لايمكن تجاهلها، اليس في التجارب علم مستحدث (كما جاء في الحديث عن الامام علي- عليه السلام-)، اوليست التجارب خلاصة عقل الانسان، وصفوة فكره، وهل يجوز مخالفة العقل بصورة مطلقة؟ والتجارب البشرية في منهج الشورى، وطريقة الاستفادة منها في معرفة المشاكل المعقدة للحياة، وطرح الحلول المناسبة، انها اصبحت اليوم كثيرة ومتراكمة وعلينا الاستفادة منها.فمثلا حين نريد ان نعرف المصلحة هل هي في فتح ابواب التجارة الخارجية وبلا قيود ولا حدود، ام في تأميمها لمصلحة الدولة بصورة مطلقة (كما جاء في دستور بعض الدول الاسلامية)، ام انتهاج سبيل وسط فتح المجال امام التجارة في غير الضرورات والسلع العامة، اما فيها مثل القمح والادوية الاساسية والحديد وما اشبه فتبقى تحت نظر الدولة..هذه اسئلة لايمكن الاجابة عنها بصورة مطلقة، لان لكل مجتمع خصائصه ولكل ظرف احكامه، اذا دعنا نفتش عن الاجابة عند الامة التي نريد مصلحتها اولا وبالذات في هذه القضية، وهناك تمر القضية عبر الخطوات التالية: اولا: الجهة المتصدية (الدولة مثلا) تطرح المشكلة وبصورة سؤال محدد على الراي العام، اما بصورة مباشرة (مث الاستفتاء العام)، او بصورة غير مباشرة (عبر ممثليهم في المجالس الاستشارية).ثانيا: تتصارع القوى الاجتماعية التي تختلف آراؤهم، او مصالحهم في القضية وعبر هذا التصارع تتبلور الافكار عند الراي العام بصورة جيدة، وتشترك - بالطبع- مراكز البحوث والخبراء والحكماء في طرح وجهات نظر مختلفة في الموضوع.ثالثا: تلخص الآراء وتجتمع صفوتها عندالممثلين الذين- هم بدروهم- يدلون بأصواتهم في الاقتراع على عنوان قانوني معين ويكون هذا العنوان بمثابة تحديد المصلحة عند العرف وبالتالي يكون ارضية لحكم الشرع المقدس.رابعا: فاذا تكونت الارضية نظر الفقيه في الامر، واستنفذ جهده في التعرف على القيم الدينية، والقواعد الشرعية التي تطبق في هذه القضية وهل يعارض راي الناس نصا شرعيا، ام لا، وكيف يجب ان تاتي الصياغة النهائية للحكم الشرعي، حتى ينسجم مع سائر احكام الشريعة؟ فاذا لم يجد الفقيه شيئا من ذلك امضى الحكم، والا رده واقترح صيغة مناسبة.هكذا يتم بالتالي حل المعضلة الاسياسية في كيفية التوفيق بين القيم الالهية الثابتة وبين المصالح، او الظروف المتطورة.ولكن يبقى السؤال: لماذا نراجع الفقيه، وماهي ادلة حجية ولايته على الناس، هذا ما نبحثه في الفصل التالي باذن الله.
الولاية الشرعية
من الناحية الشرعية قالوا تنقسم طاعة الرسول الى بعدين: الاول؛ طاعته باعتباره رسولا داعيا الى الله مبلغا عنه سبحانه، الثاني؛ طاعته باعتباره اماما للمسلمين وقاضيا بينهم ووليا لامورهم.واضافوا: يختص البعد الاول بشخص الرسول لانه يوحى اليه، وبالتالي يتصل بالوحي وانه لاينطق عن هوى..و..و..اما بالنسبة الى البعد الثاني فان هذا المنصب يورثه النبي الى الفقهاء الامثل فالامثل.اما دليل ذلك من العقل، فقد قالوا: ان النظام الاجتماعي والدولة المنبثقة منه ضرورة عقلية، لان جملة ضرورات هامة تعتمد عليه، كالدفاع عن النفس وحماية الضعيف عن بطش القوي، وترتيب امور المعيشة وما اشبه.واذا كانت الدولة ضرورية فإن اقرب الانظمة الى المفاهيم الشرعية هو دولة الامامة او الولاية حيث تجتمع فيها مصالح العباد وحقوق الله سبحانه.واضافوا: اما الدليل الشرعي فقوله سبحانه: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).وقوله سبحانه: (واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو رد؟ الى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا).وقوله سبحانه: (انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانييون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون).واستندوا الى نصوص اخرى من الاحاديث ابرزها: الحديث المأثور عن النبي _صلى الله عليه وآله-: (اللهم ارحم خلفائي (قالها ثلاث مرات) فقيل له يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي ويروون عني احاديثي فيعلمونها الناس من بعدي).والحديث المأثور عن تفسير الامام العسكري عن الامام الصادق - عليهما السلام- انه قال في حديث مفصل تدل عباراته على صحة صدوره قال: (فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه).والحديث المعروف المروي عن الامام المهدي - عجل الله تعالى فرجه.(اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله).والواقع: ان بحث الامامة الاسلامية لايزال غير مشبع بالدراسات الكافية، ولسنا هنا بصدد الخوض فيه اكثر من هذا الموجز، ولكنا نشير الى بصائر استوحيناها من النصوص الشرعية.البصيرة الاولى: الامامة ليست حكما يتوقراطيا، وانما هي جملة شروط بينها الشرع وقبلها العقل، لابد من توافرها بصورة مثلى في القائد العام للأمة الإسلامية التي قامت على أساس الوحي، اليست هذه الأمة بحاجة إلى قائد اعلى يمثل قيمها كما يحقق مصالحها، او ليست القيادة لابد ان تكون من نمط المجتمع، مثلا الفقه كيف لايكون شرطا في امة قائمة على اساس الشريعة، اليس ذلك يشبه ألا يعرف رئيس الولايات المتحدة الدستور الامريكي الذي تقوم على اساسه الدولة.كذلك العدالة فانها ليست شرطا في الشرع فقط، وانما الامانة والاخلاص والصفات الخلقية المثلى تعتبر شرطا في كل حاكم، فكيف لايشترطها الاسلام الذي يعتبر العدالة في القاضي والشاهد وحتى فيمن يؤم الناس في الصلاة؟ اما الكفاءة الادارية: فهي من الشروط التي يقتضيها المنصب، ولا ريب في اهميتها.بلى الاسلام صاغ هذه الشروط حسب بصائر الوحي التي قامت عليها الامة، وهكذا لايعني اشتراط هذه الصفات الغاء دور الجماهير المؤمنة في المشاركة في الحياة السياسية، اذ ان الاسلام قام على اساس المسؤولية، ولم يعترف ابدا بأي حتمية انى كانت صفتها، وبالذات الاكراه في السلطة فانه مرفوض عند الاسلام بتاتا، بل يربي الاسلام المؤمن على رفضه بكل اصرار انه الطاغوت بذاته الذي يتحكم في رقاب الناس بغير حق، وجوهرتعاليم الدين رفض الطاغوت، الذي هو الوجه الظاهر للجبت، والكفر بالجبت والطاغوت تمهيد للإيمان بالله، و القلب المحجوب بحب الجبت، او الخوف من الطاغوت لايدخله نور التوحيد، انه قلب مغلف بالشرك مغلف بالظلم، مغلف بظلام الهوى والشهوات ، وانى له الهدى والايمان؟ هكذا الاسلام لايقول للطاغوت كف عن طغيانك إلا بعد ان يقول للناس لاتخضعوا له، فكيف يبني بناء الامة على الطغيان؟ بلى عصور التخلف التي لازلنا نعيش ويلاتها حجبت عنا حقيقة الاسلام، وزعمنا بأن الممارسات البشرية الناقصة هي وجه الاسلام، ولم نعرف ان حقيقة الاسلام من الله الحق الذي تعالى عن أي نقص، وانما يستوعب كل جيل من هذه الحقيقة بقدر وعائها ويلوثها بضعفها ونقصها وسلبيات حياتها ارايت لو ان داعية الى الله ركب في يوم فرسا وانتقل على ظهره الدعوة، او يجوز ان نخلط صورته بصورة وسيلته النقلية، ونقول ان الدعوة الى الله لاتتم الا في عهد الخيول والبغال؟ حاشا لله.كذلك الذين يخلطون بين الاسلام، وبين الوضع الذي كان سائدا في الجزيرة العربية عند بزوغ فجره، ويحاولون ان يجعلوا دين الله رهين تصرفات بعض القبائل العربية التي خرجت للتو من ظلام الجاهلية، وعالم البدو الى نور الاسلام وعالم الحضارة المتقدمة.بالتأكيد لم تكن الخلافة الاموية والعباسية وحتى فترات من عهد الراشدين لم تكن تلك الصورة المثلى لحكم الاسلام، لان رواسب الجاهلية وظروف التخلف العلمي والاجتماعي بالاضافة الى الضعف البشري غلفت الايجابيات العظيمة اللاسلام.وهكذا زعم البعض ان الاسلام دين الاستبداد والحكم التيوقراطي، وفرض طائفة من الناس على الاخرين.كلا الاسلام دين التحرر، دين رفض الطغيان، دين رفض الحتميات، دين الارادة الحرة والمسؤولية التامة.والجماهير هم المسؤولون عن الحكم الذي يتولاهم، فان هم قصروا فقد ظلموا انفسهم، وان هم خضعوا للظلم ولم يثوروا ضد المتسلطين عليهم فقد خانوا امانة الله، ونكثوا عهد الله معهم الا يعبدوا غيره سبحانه.والشاهد من القرآن على هذه الحقيقة قول الله سبحانه:( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما اولئك بالمؤمنين، انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء.فلا تخشوا الناس واخشون، ولاتشتروا بآياتي ثمنا قليلا، ومن لم يحكم بما انزل الله، فاولئك هم الكافرون).======= دعنا نتدبر في كلمات الله هذه..أولا: التوراة التي انزلها الله، هي محور الحكومة، لان فيها حكم الله، ومن يتولى عنها فليس بمؤمن.ثانيا: النبيون يحكمون الناس بالتوراة التي فيها هدى ونور لانهم - عليهم السلام- اسلموا لله، فملاك حكومتهم امران: الفقه بالتوراة والعدالة بالتسليم التام لله.ثالثا: الربانيون (وهم العلماء المقربون لرب العالمين)، والاحبار (وهم العلماء العدول)، يحكمون الذين هادوا من اهل الكتاب لما فيهم من خصال: الف: بما استحفظوا من كتاب الله، وتفقهوا في دينه وبقدر فقههم وحفظهم لكتاب الله تكون سعة حكومتهم لامطلقا.باء: وبما كانوا على كتاب الله شهداء.فطبقوه على انفسهم وراقبوا تطبيقه على المجتمع،فكلما كانت شهادتهم اكبر، كلما كانت حكومتهم آكد.جيم: وبما لديهم من خشية الله لاخشية الناس، فاذا خضعوا لطغيان الارهاب سقطت ولايتهم قال الله: ( فلا تخشوا الناس واخشون).دال: وبما لديهم من الزهد في زخرف الدينا، وعدم الانهيار امام ترغيب الاثرياء، قال الله سبحانه: (ولاتشتروا بآياتي ثمنا قليلا).ثم ان السياق القرآني كرر المرة بعد الاخرى، هذه الكلمات الصاعقة: (ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون).(ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الظالمون).( ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون).ثم قال سبحانه: (وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فأحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في مآآتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون).وهكذا كان الحديث في الاية السابقة عن اليهود والتوراة وحكومة الانبياء والربانيين والاحبار، وجاء الحديث هنا عن الرسول وخلفائه وحكومتهم التي تتسم هي الاخرى بأمرين: ألف: انها حكومة بما انزل الله، لان القرآن هو الكتاب الذي انزله الله بالحق، وهو مهيمن على سائر الكتب المنزلة.جاء ان الحاكم لايتبع اهواء الناس، فينصرف بسببها عن هدى الله الحق.ولان الشرط الثاني الذي يعتبر قمة العدالة، في الحاكم هام جدا، عاد السياق القرآني يكرره في الاية التالية: (وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما انزل الله اليك فان تولوا فاعلم انما يريد الله ان يصيبهم ببعض ذنوبهم وان كثيرا من الناس لفاسقون).ومن ختام الاية نستوحي بصيرة هامة، ان اكثر الناس قد يميلون الى هوى باطل، فآنئذ ينبغي ان يظل الحاكم باسم الله، صامدا أمام الاكثرية الفاسقة.ويستمر السياق القرآني في تأكيد هذه الحقيقة، ويضيف شروطا هامة على القيادة الشرعية، منها الاستقلال عن المشركين وعن اهل الكتاب جميعا.قال الله سبحانه: (افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون).وهكذا اوصى القرآن بالاستقلال التام عن حكم الجاهلية الشركية، ثم قال عن الاستقلال من حكم اهل الكتاب: (يا ايها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لايهدي القوم الظالمين).ومن تلك الشروط التي فرضها القرآن في القيادة الشرعية الدخول في ولاية الله التي تعني منظومة من الفضائل: حب الله والرفق مع المؤمنين، والشدة مع الكفار، والجهاد في سبيل الله بلا تأثر بلومة اللائمين قال الله سبحانه: (يا ايها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم).بعد بيان فضائل ولاية الله امر الله المؤمنين بولاية القيادة الرشيدة فقال: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون).وكلمة أخيرة..تساءلت مع نفسي: لماذا الكتاب الكريم يولي قضية التمرد على السلطات الفاسدة اهتماما اكبر- فيما يبدو لي- من تكريس السلطات العادلة، وبعد بحث اجتماعي وتاريخي، اقتنعت بأن حاجة البشر الى محاربة الطغاة، وبالذات الذين يستخدمون اسم الله في تسلطهم على الناس، اكبر من جاجتهم الى تكريس القيادة الرشيدة التي لو تخلص الناس من عقدة الخوف من الظالمين كان التعرف عليها سهلا.ومن هنا تجد كتاب الله بالغ الدقة عند الامر بإتباع الرسل والائمة، فالطاعة للرسول تكون بإذن الله لابصفة مطلقة، او لصفة في ذات الرسول لان ذلك يكون لونا من الشرك، تدبر في الاية الكريمة: (واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين).الطاعة لله اولا وللرسول ثانيا انما بصفته مبعوثا من عند الله وان طاعته امتداد لطاعة الله.وقال الله سبحانه: (من يطع الرسول فقد اطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا).(قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).(وما ارسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما).وحين يعرض السياق القرآني في سورة الانعام اسماء الانبياء العظام ثم يأمر بالاقتداء بهم، يخصص الاقتداء بجانب الهدى فيهم علما بأنهم المؤيدون بروح القدس ومعصومون من أي زلة ومع ذلك يقول ربنا سبحانه: (اولئك الذين هدى الله فبهذاهم اقتده قل لا اسئلكم عليه اجرا ان هو إلاذكرى للعالمين).تأمل في قوله سبحانه (فبهداهم اقتده).وحينما يستعرض الكتاب نعم الله على بني اسرائيل وانه اختار منهم ائمة لايلبث ان يذكر سبب اختيارهم ويقول: ( وجعلنا منهم ائمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون).فالصبر واليقين هما ملاك جعل الامامة، والامامة ليست مطلقة وانما بأمر الله، الم يقل ربنا سبحانه: (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين.ان تقولوا انما اشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل المبطلون).ذلك المثياق الفطري والمأخوذ منا- نحن بني آدم- ألانعبد إلا الله كيف يجوز نقضه بطاعة الجبابرة والمتسلطين؟ وقال سبحانه- يصف يوم القيام وكيف تنفصم عروة الانتماءات الشيطانية القائمة على العصبية او الطغيان- قال: (اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا، كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وماهم بخارجين من النار).والميثاق الذي يطرحه القرآن على سائر امم الارض هو الاخر قائم على اساس عبادة الله وحده، ورفض الانداد من دون الله.قال الله سبحانه: (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولانشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).هكذا يربي الاسلام المجتمع على الحرية، واني اعتقد ان البشرية لما تتكامل الى ذلك المستوى الذي تتلقى اصول الاسلام، ولا ينبغي لنا - قبل ذلك- ان نشوه صورة الاسلام المثلى وان نحكم عليه بما نراه من تصرفات المسلمين التي يسعى البعض تبريرها على حساب الصورة الحقيقية للاسلام، فلكي يبرر تصرفات بعض الطغاة ويقول مثلا، ان يزيد بن معاوية او ان معاوية بن ابي سفيان كان يمثل الاسلام ، يأتي ويقول ان الاسلام ليس الا تلك الدولة الجبارة التي اسسها بنو أمية تلك القبيلةالجاهلية التي لم تصقل بتعاليم الاسلام، كلا..ان الظروف والممارسات لا تكون مقياسا لانها متطورة، ولانها تتأثر بألف عامل وعامل، وقد تكون عوامل التأثير فيها سلبية، انما المقياس الحق: هوالمباديء والمثل والتي ينبغي ان نقيس الظروف والممارسات بها، وليس العكس.وكلمة الخلاصة: ان الاسلام يفرض مجموعة شروط للحاكم، ثم يأمر الجماهير بممارسة دورهم في اختبار الاصلح من الناس ممن تتوافر فيهم هذه الشروط، وممن ترتضيهم الجماهير، لانهم يمثلون مصالح الدين من جهة ومصالح العباد من جهة ثانية.
ولاية الفقه والعدالة
البصيرة الثانية: ولايترك الجماهير الحاكم بعد اختياره يعمل فيهم مايشاء.لان ولاية الفقيه ليست مطلقة انما هي مقيدة بالفقه ابتداء واستمرارا، وحينما نقول مقيدة بالفقه، فمعناه: ان فقه الفقيه علة ولايته فالولاية حقيقة للفقه الذي عند الفقيه، اما لو انسلخ عن الفقه او عن التقيد بشرائع الدين فلا ولاية له ابدا، وكذلك الامر بالنسبة الى العدالة والكفاءة وهنا تتجلى مسؤولية الامة ان تراقبه لكي يبقى امينا مباديء الفقه، عدلى في الرعية، كفوء في ادارة الأمن، ونتساءل انى لعامة الناس ان يراقبوا تصرفات الخاصة، وبالذات ذلك الفقيه العارف بالدين ، والمتضلع في احكامه، بل حتى ولو افترضنا انحرافه عن جادة الحق، فانه قادر على تغليف انحرافه بتبريرات دينية اليس في كتب الفقه باب تحت عنوان باب الحيل، اوليس الانسان كان اكثر شيء جدلا، او لم تكن سلطات الجور عبر التاريخ تؤول الدين حسب اهوائها وتنفق الملايين على علماء السوء لاستصدار الفتاوى منهم.هذا التساؤل، يتناول عندي، اهم نقطة في حقل السلطة السياسية في الاسلام، وللاجابة عنه لابد ان نعود الى دور القيم الذي سبق وان تحدثنا عنه انفا، ونقول: القرآن هو الكتاب المعجز الذي تحدى الله به عباده ولايزال يتحداهم اربعة عشر قرنا، ولم يستطع احد الاستجابة لهذا التحدي الاعظم، هذا القرآن ليس فقط الاكثر تلاوة بين الكتب، بل وايضا الابلغ تأثيرا.وقد صاغ القرآن، شخصية الامة المؤمنة، بالقيم الايمانية حتى اصبحت جزء منها.توحيد الله، واتباع رسل الله، وولاية اوليائه وتكريم المؤمنين والاخوة معهم، وتجاوز العصبيات..والعدل والصدق والامانة، والانصاف والاحسان وسائر المباديء السامية، وهي الميثاق الالهي بين الحاكم والرعية، فمن اتبعها كان حريا بقيادة الامة..ومن خالفها وجب عليها القيام ضده.ومن هذه القيم، بل من اعظمها رعاية حق الامة في الانتخاب، فمن صادرها بأي تبرير، حق للامة القيام ضده.ان الملك عقيم، ومن ملك استأثر، وكل حاكم يرى انه الضرورة التاريخية، وان الارض تفسد اذا تارك السلطة، لذلك يفكر قبل كل شيء في أية طريقة تجعله خالدا في مركزه بحق او بباطل، وعادة تسول له نفسه الباطل وتريه حقا.ومن هنا فان مقياس الامة الواعية التي تستحق الحياة الكريمة ان يحافظوا على حقهم في تنحية الحاكم عن كرسي الحكم..وما القيم التي يبرر بها الحكام استمرار سلطانهم، الا افكارا جاهلية، وايحاءات شيطانية، اتعب الحكام الفاسدون انفسهم في اختراعها، وانفقوا اموالا طائلة في بثها بين الناس، واشتروا ضمائر الكتاب المتافهين وادعياء الدين، حتى كرسوها بين العوام.وهنا بالذات حلبة الصراع الاساسي بين العدل والسلام، والحرية والتقدم، وبين القيم الجاهلية، وعلى طليعة الامة من المجاهدين والمثقفين والصالحين الا يألوا جهدا في بث قيمة الحرية في الامة، وان يحددوا الجناة الذين يبغون مصادرتها، ويعلموا الناس كيف يدافعون عن حقهم.وصفوة الكلام: الامامة الاسلامية لامعنى لها في مجتمع لا اسلامي، وانما المجتمع يتسم بصبغة الاسلام، اذا كان مشبعا بقيمه الالهية، ومستعدا للدفاع عنها بكل قوة واقتدار، مستعينا في ذلك على الله سبحانه والله المستعان على كل امر مستصعب..
البصيرة الثالثة
اليوم حيث ينادي الجميع بالتطوير لايجوز للمختصين اهمال هذا الجانب ، وهم الفقهاء والمفكرون الاسلاميون، كما لايجوز ابدا اعطاؤه لغير ذوي التخصص من الكتاب والمثقفين، فالقضية بالغة الخطورة وللاسباب التالية: اولا: ليس من السهل ابدا، فهم نصوص الدين وتفسيرها وتأويلها، وقد جاء في الكتاب: (لنجعلها لكم تذكره وتعيها اذن واعية).وفي الحديث: ( ان حديثنا صعب مستصعب) وجاء في حديث آخر:(انا نعد الفقيه منكم فقيها حتى يكون محدثا).ثانيا: وعي المتغيرات ومتابعة خطها البياني خصوصا فيما يتصل بالضرورات وقدرها ومدى اهميتها، ان هذا الوعي لايتسنى الا لمن جمع خبرة مركزة في شؤون الحياة جميعا.ثالثا: القضية تتصل بالمقدسات التي لايجوز لكل انسان ان يتناولها بالدراسة، لانها ذات حساسية بالغة عند اوسع الجماهير، وقد تدخل مجال المهاترات الرخصية مما تكون النتائج عكسية تماما.وهكذا يجب ان ندع هذا الموضوع لاهل التخصص وهم الفقهاء فقط.الفصل الخامس:الشرعية بين الثوابت والمتغيرات فيما مضى تعرفنا على افاق من هذا البحث، وعرفنا ضرورة التطور وضرورة التمسك بالثوابت ونظام التطوير، ولكن بقي ان نعرف: ماذا يتطور في الشريعة وماذا يبقى ثابتا؟ ونقسم البحث الى بعدين: اولا: البعد التاريخي والفلسفي.ثانيا: البعد الشرعي، لنعرف ماذا سمح به الشرع ليتطور وماذا لم يسمح؟ ويعتبر هذا البحث بجملته، خلاصة البحوث الماضية، وحلقة الوصل بينها وبين البحوث القادمة حول مقاصد الشريعة التي نرجو ان يوفقنا الله سبحانه لاستعراضها في الكتاب القادم.البعد الفلسفي والتاريخي كما سبق في بحث مضى ان القانون بذاته يستدعي الثبات، ولذلك بحثت فلسفة القانون طويلا عن كهف الاستقرار للقانون، ولعل الهدف الأول للباحثين في هذه الفلسفة كان التعرف على مرتكزات الاستقرار في القانون.ومنذ عهد الاغريق كانت الفلسفة وراء هذه المرتكزات، يقول باوند: وقد نستطيع فهم المواد التي كان يدرسها ويحللها الفلاسفة الاغريق اذا نظرنا الى ما وجهه ديموستين الى هيئة المحلفين الاثينيين حين قال: على الناس اطاعة القوانين لاربعة اسباب: لان الله فرضها ، ولانها تعتبر تقاليد علمنا اياها الحكماء الذين عرفوا العادات القديمة الحسنة، ولانها استنتاجات من قانون اخلاقي ثابت لايتبدل، ولانها اتفاقات بين الاشخاص تلزمهم بسبب الواجب الادبي الذي يفرض عليهم الحفاظ على عهودهم ووعودهم.وهذا الهدف الواحد الذي سعت اليه المدارس القانونية عبر طرق شتى حقق لهم - بدوره- هدفا اخر هو التمييز بين ثوابت القانون ومتطوراته.ومن هنا نجد ارسطو يقسم القانون بين الطبيعي والتشريعي ويقول: ان العدالة الطبيعة تراها واحدة في كل مكان، ولا صلة لها بعقائد الاشخاص، او بالقوانين المرعية، ولكن العدالة الوضعية ترتبط بالاوامر والنواهي التي يصدرها القانون.اما الفيلسوف العربي نصير الدين الطوسي فيقول: مبدء مصالح الاعمال ومحاسن الافعال، اما يكون بالطبع او بالوضع ثم يؤكد: اما الذي كان بالطبع فهو لا يختلف باختلاف الارباب (القيادات) وتقلب السير والاثار.وفي رأي راسطو: ان التغير لا يحدث في القانون بل في التعبير عنه فقط، فاذا كان العدل في ذاته ثابتا لا يتغير، فان التعبير عنه يمكن ان يتغير من وقت لآخر ومن مجتمع لآخر، بل ان اختلاف التعبير ضرورة يقتضيها القانون الطبيعي ذاته، فلكل شعب نظام الحكم الذي يناسبه، ولا يوجد نظام افضل من غيره من النظم، بالنسبة الى جميع الشعوب، وبقدر مايكون شكل الحكم مناسبا للشعب، وبقدر ما تكون القوانين ملائمة للظروف التي صدرت فيها، بقدر ما تكون فكرة العدل قد وجدت لها صدى حقيقيا في الواقع.ولكن يبقى السؤال الذي يفرض نفسه ابدا، ما هو الخط الفاصل بين الثابت والمتغير، بين القانون الطبيعي والوضعي؟ الذين رفضوا القانون الثابت (الطبيعي او الالهي) زعموا ان كل شيء يتغير، ولكن التغير ذاته يجب ان يكون في محور، فهل يتغير الشيء لان المجتمع يتغير (المذهب الاجتماعي)، او لان الارادة تتغير (فلسفة نيتشه)، او لان الدولة تتغير، اوالقيم تتغير (المذهب الوضعي والقيمي)، وانى كانت الفلسفة التي يؤمنون بها فانهم قد اختاروا شيئا ثابتا ثم جعلوه محور التغير.فهل يتغير ذلك المحور، كلا اذا فهو الخط الفاصل بين الثابت والمتغير في القانون..وبعيدا عن هذه النظريات التي لا نوافق عليها لانها تلغي العقل ولا تفي بحاجة القانون الى الاستقرار، كما سبق الحديث في فصل مضى بعيدا عنها نقول: ان الذين امنوا بالثوابت مطالبون بتحديدها بدقة يحدد ذلك الدكتور نجيب محمود الذي تكاد كتاباته تكون خالصة في هذا الموضوع ويقول: ان الفكر العربي الذي يتخذ من الاسلام صيغته يميز- بوضوح- بين خطي الثابت والمتغير الذين يتجليان في الخالق وخلقه، او في الروح والمادة، او في الحقيقة السرمدية وحوادث التاريخ.ثم يمضي قدما في تحديد خصائص الثقافة العربية في عدة ميزات: اولها واهمها: التمييز بين الخالق وما يتصل به، وخلقه وما يتغير منه.الثاني: المسؤولية الاخلاقية التي تفرض على الانسان تحقيق قيم عليا.الثالث: الرغبة في العروج الى الحق والتسامي عن دنيا الحوادث المتغيرة، وبالتالي التطلع الى عالم الخلود، وتجاوز خوف الموت الذي (أي الموت) ما هو الا سبيل الخلود.الرابع: الاهتمام بالطبيعة والتفاعل معها بحثا عن معرفتها وتسخيرها.وبالرغم من بعض التحديد في كلام الدكتور نجيب الا انه لايزال غامضا، اذ يبقى السؤال الحائر: ما هو الذي يتصل بالخالق، وماذا يتصل بالمخلوق، ثم ما هي الاخلاق التي يهتم بها المسلم والتي لايجوز تغييرها تحت ضغط الظروف المتغيرة؟ اما العروج الى عالم الخلود، والاهتمام بالطبيعة، فهما من ثوابت الفكر الاسلامي ولكنهما ليسا معيارين لمعرفة الثوابت.البعد الشرعي ماهي مناهج البحث عن الثوابت؟ اقترح ثلاثة مناهج لمعرفة الثوابت: اولا: ما إعتبره الرب سبحانه ثابتا، وهو تلك السنن الالهية التي لا تتغير وسوف نبحث عنه ان شاء الله مفصلا.ثانيا: ما هدانا الى ثباته الاستقراء حيث درسنا كل الانظمة والقوانين فرأينا قواعد الامن والعدل والمسؤولية من الثوابت التي لا تتغير فيها، بلى قد تتغير صور التغبير عنها واساليب تطبيقها، ولكنها لا تتغير جوهريا ابدا.ثالثا: المستقلات العقلية التي عرفنا بعقولنا الفطرية، انها من الحقائق الحسنة بذاتها مثل الوفاء والانصاف والاحسان والايثار وما اشبه.حقا هذه مناهج ثلاثة لمعرفة القوانين الثابته التي لا تتغير، ولكن هذه المناهج لا يستطيع كل على حدة كشف الثوابت، فالاستفادة من الدين ومصادر وحي الله، ومعرفة ما إعتبره الوحي ثابتا، لايمكن من دون استثارة العقل، الا ترى كيف تختلط الاحكام الثابتة بالمتغيرات عند المؤمنين، وحتى الان لم يتفق الفقهاء على معايير للتفريق بينهما.كذلك الاستقراء يعتمد على العقل لان الانظمة البشرية بالغة التنوع والاختلاف، وحتى العقل لايمكن للانسان ايقاظه، واتسثارة دفائنه، وبعث ما في خباياه من دون الوحي الا ترى كيف تزخر الفلسفة بالنظريات المتناقضة.بلى العقل المستنير بالوحي، والوحي المفهوم بالعقل، والتجارب المستفادة بمثل هذا العقل، بكل ذلك نستطيع كشف الثوابت، وهذا هو المنهج الذي نختاره باذن الله فنقول: لكل قانون مصدره، ذلك ان القاعدة القانونية لا تولد من فراغ، بل من ضرورة عقلية يتفق عليها العقلاء، او من ضرورة حياتية تتصل بحياة طائفة من الناس فقط، مثلا قد يولد القانون من الحاجة الاقتصادية، او الاجتماعية او الادارية.فاذا تعرفنا على مصدر القانون، عرفنا انه مصدر دائم ام موقف، فمثلا: بقاء الانسان على قيد الحياة ضرورة تفرض قانونا مثل واجب توفير ادنى الطعام له، ولان تلك الضرورة لاتتغير فان هذا القانون لايتغير كذلك.وهناك حاجة انسانية في تنوع الطعام، او في اناقة اوانيه، وهذه قضية تتغير مع الظروف.واذا تأملنا قليلا وجدنا ان جوهر القانون يتصل بمصدر ثابت، ومظهره يتصل بعامل متغير، اصل الطعام ضرورة لكل ذي نفس اما كيفية توفيره، ونوعه واناءه، فتلك مظاهر شكلية تختلف..كما ان اصل العدالة قضية لاتتغير، ولكن التعبير عنها يختلف بالظروف حسب ما ارتأى ارسطو في الكلمة المنقولة عنه فيها مضى.والقرآن الكريم أبان بوضوح وببلاغة نافذة: تلك القواعد العقلية التي تتصل بالانسان كإنسان بعيد عن متغيرات ظروفه.بالتأمل في هذه القواعد، واستشارة العقل بها، ثم مقارنتها بسائر مافي الانظمة البشرية التي تعبر عادة عن تراكمات التجارب البشرية، نستطيع بهذا العمل العظيم بلوغ الثوابت في القوانين.والمتدبر في كتاب الله يجد التعبير عن هذه القواعد التي تسمى بـ(الحكم) جاء ببلاغة نافذة بحيث تنطبق على كل حالة دون ان تشمل ماليس فيها، او تغفل عما هو داخل فيها، لانه تعبير دقيق عن القاعدة العقلية المطردة، اقرأ مثلا قوله سبحانه: (هل جزاء الاحسان الا الاحسان).(وان ليس للانسان الا ماسعى).(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).( قل كل يعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا).وما اشبه انك لاتجد اية ثغرة في القاعدة، انها تعبر بوضوح عن تلك الفطرة التي يعرفها عقل كل انسان بعد ان ينتبه اليها.
ثبوت الشرع
اسماء الله الحسنى هي تلك المثل العليا التي لاتطالها يد التغيير، وتتجلى هذه الاسماء الحسنى في الحق الذي به خلق الله السموات والارض، وقال سبحانه: (وخلق الله السموات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لايظلمون).(ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والارض ومن فيهن بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون).(الحق من ربك فلا تكونن من الممترين).والحق هو محور رسالات الله، قال الله سبحانه: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فأحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى).(انا ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولاتسئل عن اصحاب الجحيم).والحق يتجلى في الامور التالية: اولا: سنن الله في الخليقة، وهي تلك الانظمة التي جعلها الله للسماوات والارض، قال سبحانه: (ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يغشي الليل والنهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين).ذلك النظام الذي سخر به ربنا السماوات والارض، مثل نظام الجاذبية وسائر الانظمة الفيزيائية والكيمياوية المختلفة.ولو كانت هذه الانظمة تتبدل، لو كانت المنظومة الشمسية تبدل كل لحظة موقعها، لو كانت حركة الشمس تتغير، او تتغير حركة الارض حول نفسها وحول الشمس، او تبتعد او تقترب عن الشمس، او تتسارع، او تتباطيء فان العالم كان يتبدل كليا، وكانت الحياة تنعدم.في هذا العالم الانظمة والقوانين ثابتة, ولذلك فنحن لازلنا باقين، والله سبحانه هو الذي سخرها باسمائه الحسنى..من هنا قال سبحانه وتعالى: (استكبارا في الارض ومكر السيء ولايحيق المكر السيء الا بأهله فهل ينظرون الا سنت الاولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا).ثانيا: وهذه السنن كماهي في الطبيعة من حولنا كذلك هي راسخة في طبائعنا، في حاجات جسدنا، في حركة ادمغتنا، في ردود الافعال لتصرفاتنا، في حركة المجتمع التي تنعكس عادة على صفحات التاريخ فنسميها بـ (فلسفة التاريخ).والقرآن الكريم يسمي هذه السنن حين يقول سبحانه: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين).هكذا امرنا الله ان نسير في الارض ونبحث عن تلك السنن (القوانين الاجتماعية ومانسميه بفلسفة التاريخ)، وقد يكون البحث بدراسة آثارهم او تحليل اخبارهم.وقد تكون هذه السنن اعراف وانظمة اجتماعية مفيدة يجب التأسي بها، وهكذا تجد القرآن الكريم بعد الوصية بالزواج من المحصنات من النساء، يقول الله سبحانه: ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم).وهكذا كان القرآن كتاب هداية، لانه يحتوي على سنن الذين كانوا من قبلنا، وعاداتهم الحسنة والاخرى السيئة، وعاقبة هذه وتلك.ومن هذه السنن التي مضت في الاولين، وبينها القرآن الكريم لتكون هدى لنا موقف المؤمنين من الكفار، فبعد ان يذكر السياق القرآني مواقف الكفار من الرسالة يقول: (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف، وان يعودوا فقد مضت سنت الاولين، وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله فان انتهوا فان الله بما يعملون بصير).ويبدو ان السنة التي مضت في الاولين قتال الكفار حتى انتفاء الفتنة، وبسط راية الدين في كل مكان.ومن السنن الماضية تصلب الكفار امام الرسالات قال الله سبحانه: (ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الاولين وما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزئون كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لايؤمنون به وقد خلت سنة الاولين).هكذا تجد ان الحقائق التالية (بعث الرسل، واستهزاء الكفار بهم، وما يرافقه من عمه القلب عند الكفار) من سنن الله في الاولين.ومن سنن الله ان يبعث الى الناس بشرا من انفسهم يأكلون الطعام ويمشون في الاسواق وينكحون النساء، وينجبون الاولاد قال الله سبحانه: ( ماكان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان امر الله قدرا مقدورا).وكذلك جرت سنة الله في القسوة مع المنافقين، قال الله سبحانه: (لان لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورونك فيها الا قليلا، ملعونين اين ما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا).وقد سبقت كلمة الله على اجراء هذه السنن، فمن ابصرها ووعاها فقد فاز واتقى الاخطار، ومن عمي وفسق عنها، خاب وخسر خسرانا مبينا.وهي لاتختلف عن سنن الله في الطبيعة، فكما قانون الجاذبية حق، لانه سنة الله التي لن تتبدل، كذلك سنة الله في عقبى الظلم، وفي تدمير بناء الظالمين.بلى قد نعرف سنن الله في الخلق بالتجربة في المختبر، بينما لانعرف سنن الله في البشر الا في مدرسة التاريخ، او في ميادين الحياة، انما بعد تذكرة الوحي بها، لان الانسان محجوب عنها بهواه، وهو يكفر بمالا يحيط به علما، ولايتذكر عادة الا بعد فوات الاوان كما يقول ربنا سبحانه: (وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وانى له الذكرى).من الصعب ان يقتنع الانسان ان الشمس لاتدور حول الارض انما الارض هي التي تدور، ولكن الاصعب هو ان يعرف ان الذي خلق الشمس وضحاها، والقمر وماتلاها، والنفس وما سواها امضى سنة واجراها، انه قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها، وحتى لو تكررت تجارب التاريخ امامه، فقرأ قصة ثمود وكيف رفضت طاعة الله فدمر الله قراها وسواها ولايخاف عقباها فهذه سنة في الذين خلوا من قبل ولكن انى للانسان ان يعيها وانى له ذكراها لان حجاب الانانية والشهوات، يغشى بصره ويعمي بصيرته.ثالثا: انطلاقا من سنن الله في الانسان والمجتمع والتاريخ، ومن احاطته سبحانه علما بكل ابعاد كيانه، وضع الله له سننا تشريعية سماها بالحكم، هي في حقيقتها من ابعاد سننه في الطبيعة..وفي الانسان ، هذه الحكم هي الاخرى لاتتغير.وهذه الحكم هي خلفية احكام الشريعة، حكمة احترام الانسان (حرمة دمه، ماله، عرضه وكرامته)، حكمة الامن والعدل والاحسان، حكمة نفي العصبيات الجاهلية، وان اكرم الناس عند الله اتقاهم، حكمة الصلاة والزكاة.هذه الحكم وغيرها مما نرجو التوفيق لدراستها في الجزء الثالث من هذه الكتاب - باذن الله- هي التي لاتتغير بل تتغير الاحكام من اجلها لانها الغاية من تشريع الاحكام واي نظام لايحققها لايعتبر- باي وجه- نظاما اسلاميا حتى ولو نفذ سائر الطقوس والشعائر.رابعا: وشعائر الدين التي هي صبغة حياة الامة، ورمز شخصيتها، كالصلاة والحج والصيام واعمار المساجد، وولاية النبي واهل بيته والمؤمنين، والتبري من اعداء الله.هذه الشعائر هي الاخرى لاتتغير -في جوهرها- فلا دين من دون الصلاة، بلى قد تتغير الصلاة حسب الظروف القاهرة كما قال الله سبحانه: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلفت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).وكذلك اصل الحج الى بيت الله لا يتغير فانى تبدلت الظروف، فلا يبنى للامة بيت آخر في بلد غير مكة يحج الناس اليه.بلى قد تتغير صورة الحج، اما بسبب تبدل الوسائل حيث يجوز- مثلا- الطواف حول البيت راكبا على الجمل، او ممتطيا سيارة او طائرة.واما بسبب الظروف الاستثنائية كمن لايستطيع رمي الجمرات فينيب عنه احدا، وكما قال سبحانه- بالنسبة الى طواف الحج-.(واذكروا الله في ايام معدودات فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا انكم اليه تحشرون).وكذلك سائر الشعائر التي هي صبغة المؤمن وعنوان المجتمع الاسلامي ورمز وحدتها وحبل عصمتها، فانها تبقى ثابتة.حدود الله ماهي حدود الله التي يعتقد انها لاتتغير؟ هل هي جوامع الاحكام، وجملة السنن، وجماع الشعائر، ام هي حقيقة أخرى؟ في تفسير الرازي نجد تبيانا لكلمة الحدود عند تفسيره للآية 187 من سورة البقرة كالتالي: قال الليث: حد الشيئ مقطعه ومنتهاه، قال الازهري: ومنه يقال للمحروم محدود، لانه ممنوع عن الرزق، ويقال للبواب حداد لانه يمنع الناس من الدخول، وحد الدار مايمنع غيرها من الدخول فيها، وحدود الله مايمنع من مخالفتها، والمتكلمون يسمون الكلام الجامع المانع حدا، وسمي الحديد حديدا لما فيه من المنع، وكذلك احداد المرأة، (او حدادها) لانها تمنع من الزينة، واضاف: المراد من حدود الله محدوداته أي مقدوراته التي قدرها بمقادير مخصوصة، وصفات مضبوطة، ثم استشهد- بعد ذلك- بحديث مروي عن النبي- صلى الله عليه وآله- (ان لكل ملك حمى، وحمى الله محارمه، فمن رعى حول الحمى، يوشك ان يقع فيه).ويرى العلامة الطباطبائي: ان اصل معنى الحد هو المنع، ومنه اشتقت سائر معاني الكلمة..ويبدو لي ان جذر معاني هذه الكلمة وأصلها نهاية الشيء ، ومنه الحديد، والحاد، وحدة البصر لانها جميعا قد بلغت منتهى القوة، وكذلك جاءت كلمة الحدود، لانها نهاية الشئ، ومنها حدود البلد وحدود الدار والمحاددة (الشقاق والتحدي) ومنه قول الامام امير المؤمنين- عليه السلام- في صفة التوحيد، حد الاشياء عنه خلقه لها ابانة له من شبهها.وقال الامام الباقر- عليه السلام-: (الحمد لله الذي جعل لكل شيء حدا ينتهي اليه).وحدود الله، النهاية التي لايجوز الاعتداء عليها.وقد جاء هذا التعبير في القرآن الكريم في آيات الاحكام، وشفعت بنهى الاقتراب منها (فلا تقربوها)، والامر بإقامتها (الايقيما)، والمحافظة عليها (والحافظون) والنهي عن تجاوزها (فلا تعتدوها).والملاحظ من سياق الايات التي ذكرت الاحكام وشفعت بكلمة حدود الله انها تتناول القضايا العائلية، كالنكاح والارث والطلاق، وبالرغم من استخدام كلمة الحدود في الفقه الاسلامي للتعبير عن العقوبات (حد الزنا- حد السرقة) ولكنا لانجدها في الكتاب الكريم.اما الاية 187 من سورة البقرة فهي تبدأ بقوله سبحانه: ( احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم)، ثم يقول ربنا سبحانه : (ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون).صحيح ان الاية تناولت ايضا حد الصيام (الامساك والافطار) و(حد انبلاج الصبح) ولكن يبدو ان القضية الاهم في سياق الاية كانت العلاقة الجنسية (المباشرة)..اما الايتين (229-230) من ذات السورة فان الحديث فيهما يدور على محور الطلاق، قال الله سبحانه: ( الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح بالاحسان ولا يحل لكم ان تأخذوا مما اتيتموهن شيئا الا ان يخافا الا يقيما حدود الله فان خفتم الايقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به).ثم قال: (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون).وقال سبحانه في الاية الثانية: (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فان طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا ان ظنا ان يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون).وكذلك آية المجادلة وآية الطلاق، فهما معا وردتا في قضية الفراق بين الزوجين، فالاولى حول الظهار حيث يبدأ السياق بقوله سبحانه:( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم ان امهاتهم الا اللائي ولدنهم وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا وان الله لعفو غفور)، ثم يبين حرمة الظهار وكفارته ثم يقول في الاية (4):(وتلك حدود الله، وللكافرين عذاب اليم)، ويقول في الاية التالية (5):(ان الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد انزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين).اما آية النساء فهي تدور حول الارث الذي هو حق مالي ولكنه أقرب الى تنظيم العلاقة بين ابناء العائلة الواحدة بعد فقد قريب منهم، فبعد ان يبين القرآن الكريم فرائض الارث ويقول: (ولكم نصف ما ترك ازواجكم) ويمضي قدما في بيان حصص الارث حتى يقول في الاية التالية (13):(تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم).ويقول في الاية الاخرى (14):(ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين).ولقد استفاد بعضهم من كلمة (الحدود) في الكتاب الكريم تدرج مراتب الحكم من نقطة أعلى الى اسفل او العكس، اليست الكلمة تعني نهاية الشيء ، وما له نهاية لابد ان تكون له بداية، وبين البداية و النهاية مسافة تتغير حسب الظروف؟ وهكذا استنتج من ذلك احالة اختيار درجة من الحكم الى عقل الناس، (العرف العام او الخاص) الذي يتأثر -بدوره- بالظروف المتطورة والتي يسميها الدكتور شحرور- صاحب هذه النظرية- بالحنفية اعتمادا على معنى الانحناء لهذه الكلمة قال: فاذا نطرنا الى التشريع الاسلامي، ووجدناه يحمل هذه الخاصية- أي خاصيتي الانحناء والاستقامة معا-، فهذا يعني انه صالح لكل زمان ومكان ، أي قابل للحركة في حدود النهايات، وهذا لايمكن ان يحصل الا اذا كان التشريع الاسلامي والسلوك الاسلامي، مبنيين على مبدء النهايات، أي الحدود المستقيمة والتي يمكن للحركة الحنفية (التطوير) ان تتحقق ضمنها، وقد اعطانا الله في ام الكتاب الحدود فقط أي المستقيمات التي يمكن ان نكون حنفاء (متطورين) ضمنها، وسماها حدود الله، وهي مع الفرقان (الذي هو عنده الوصايا العامة) تشكل الصراط المستقيم، ونحن نحنف (ونطور) ضمن هذه الحدود المستقيمة.ونحن لانريد ان نعلق على مجعل نظرية الدكتور شحرور في فهم القرآن، التي تشكل خلفية افكاره هذه في حدود الاحكام، لانها بحث لايتصل مباشرة بموضوعنا وفيها ثغرات واسعة وفجوات ملأها المؤلف ببعض التعبيرات الحديثة لسبب غير معروف.اما نظريته حول الحدود فهي تفتقر الى ادلة مقنعة، لانه لم يستند فيها الى أي دليل كاف من كلمات القرآن، كما ان استفادته معنى التطوير (وحسب تعبيره الانحناء) من كلمة الحنيف ميل واضح عن الحقيقة، وعندي ان كلمة الحنيف تعني - هنا- الطاهر ولا علاقة لها بالانحناء، وبعض اشتقاقات الكلمة تدل على ذلك مثل الحنفية ( الانبوب المطهر) ورجل تحنف (أي ترك الاوثان) والحنفية البيضاء (الشريعة الطاهرة من الاوثان).واما كلمة الحدود، فان دلالتها على تدرج الحكم ليست صريحة، ان هي الا اشارة غير كافية لترتيب احكام شرعية هامة كالتي ذكرها الدكتور شحرور مثل تقسيم كل التشريعات الاجتماعية (ومنها احكام الارث، والربا، والعقوبات) الى اعلى حد وادنى حد وما بينهما، مثلا: ان تكون آية (للذكر مثل حظ الانثيين) تعبيرا عن اعلى حد لحظ الذكر وبناء عليه يجوز جعل حظ الذكر في الارث مثلا 60% بينما يجعل حظ الانثى 40% فلا نكون قد تجاوزنا حدود الله، بل بقينا ضمنها..والذي نستوحيه من الايات التي ذكرت فيها كلمة الحدود، انها تعني الاحكام التي لاتطور فيها، ولايجوز التهاون بها، وهي في العموم ترتبط بالعلاقات الاسرية التي لابد من رعاية حدود الله فيها، ولعل تأكيد الكتاب على الحدود فيها لسببين.الاول: كثرة ابتلاء الناس بها، فقضايا الاسرة - زواج، طلاق، ظهار، ارث- لاتخص طائفة دون أخرى وزمن دون آخر..وذلك اشتد اهتمام الاسلام بها لكي لاتعم الفوضى اهم قاعدة اجتماعية.ثانيا: لان قضايا العلاقات العائلية تبدو عند الكثيرين مسائل خاصة بهم ويجوز التصرف فيها كيفها شاؤا..فجاء التأكيد بأنها من حدود الله، يجوز تبديلها حسب اهواء الناس.ونختم ببعض الروايات المأثورة في الاهتمام بالحدود الالهية جاء عن الامام علي- عليه السلام- قال فيها: (ان الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدودا فلا تعتدوها).وواضح ان المراد من حدود الله هنا مطلق الاحكام الالهية التي تحدد حركة الانسان ضمنها، وبهذا المعنى الواسع تشمل الاحكام المتغيرة كما الاحكام الثابتة.وجاء في الحديث المأثور عن ابي لبيد البحراني انه جاء رجل - بمكة- الى الامام ابي جعفر الباقر- عليه السلام- فقال له: يا محمد بن علي: انت الذي تزعم انه ليس شيء الا وله حد؟ فقال ابو جعفر: نعم انا اقول: انه ليس شيء مما خلق الله صغيرا وكبيرا الا وقد جعل الله له حدا اذا جوز به ذلك الحد فقد تعدى حد الله فيه.فقال، فما حد مائدتك هذه؟ قال: تذكر اسم الله حين توضع، وتحمد الله حين ترفع، وتقم ماتحتها، قال: فما حد كوزك هذا؟ قال: لاتشرب من موضع اذنه ولا من موضع كسره، فانه مقعد الشيطان، واذا وضعته على فيك فاذكر اسم الله، واذا رفعته عن فيك فاحمد الله، وتنفس فيه ثلاثة انفاس، فان النفس الواحد يكره.آفاق التطوير هكذا تتطور الحياة وحوادثها ضمن الاحكام الالهية الثابتة، ونحن نسميها بتطور الاحكام تجاوزا ، وانسيابا مع المصطلحات الدارجة، والا فان سنة التطور ايضا من سنن الله، والمثل التالية يوضح ذلك.الصلاة في الحضر تامة، وفي السفر قصر، هذا وذاك حكم الله، وكلاهما ثابت، وانما الذي تطور هنا الموضوع الخارجي، كذلك اذا حكم الله باقامة الامن، وكانت اقامة الامن في ويوم بالسيف، وفي يوم بالدبابة، فالقاعدة واحدة، وكما لم يجز التهاون بالسيف بالامس، كذلك لايجوز التهاون في امر الدبابة اليوم وبذات الملاك الواحد، لانهما معا يحققان حكم الله الثابت، وانما تطور الموضوع الخارجي.واذا اراد احد الدفاع عن نفسه اليوم بالسيف فانه خالف امر الله بتوفير الامن، وكان كمن صلى في الحضر ركعتين.وهكذا تتطور تطبيقات احكام الله في اطار ثبات المحاور السابقة الذكر، ويتصل هذا التطور، بالمتغيرات التي سبق الحديث عنها في فصل مضى، مثل تطور الوسائل تبقى طائفة من الحقائق يجب ان تتوضح.
بين الحكمة العامة والنص الخاص
اذا عرفنا يقينا ان مراد الشريعة الوفاء بضرورات حياة كل فرد وفرد، ولاتكون الثورة دولة بين الاغنياء، فقال سبحانه وتعالى: (فلا افتحم العقبة، وما ادراك ما العقبة، فك رقبة، او اطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة او مسكينا ذا متربة).(ما افاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لايكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب).وعرفنا ايضا ان هدف الاسلام يتمثل في منع اية حالة صارخة من الطبقية في المجتمع الاسلامي تدعو طائفة الى التكبر على طائفة اخرى فقد قال سبحانه: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ان تكون امة هي اربى من امة انما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ماكنتم فيه تختلفون).وان دور المال اقامة المجتمع (وتنظيم الدورة الاقتصادية فيه) فقد قال سبحانه: (ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي قد جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا).اذا عرف المتدبر في كتاب الله من خلال هذه الايات وغيرها حكمة الاسلام في الاموال، ثم جاءت نصوص الزكاة تحددها في الارزاق المعروفة بين الامة يوم تشريعها، وتقول: لايوجد بعدها أي حق آخر في اموال الاغنياء على الفقراء، ثم نظرنا الى ظروف المجتمع، فعلمنا يقينا: ان هذا القدر من المال لايكفي لتحقيق تلك المباديء فماذا نصنع؟ تنقسم الحالة الى ثلاث فرضيات هي التالية: اولا: الا يكون تنفيذ المبدء العام (او الحكمة الشرعية) منافيا لاي نص، كما لو لم يكن لدينا أي نص ينفي وجود حق اضافي في اموال الاغنياء وهذا احد القولين في هذه المسألة بالذات.والحكم في مثل هذه الفرضية واضح، اذ ان المبدء يجري تنفيذه لانه حكم الله، ولايجوز لمن فقهه وعرف محتواه التمرد عليه باي عذر او تبرير، فلابد اذا من فرض حقوق جديدة حسب المصلحة لتحقيق غايات الشريعة الالهية.ثانيا: اذا خالف المبدء العام مع النص فيما يسمى في الاصول بالاجتهاد في مقابل النص، وقد ذهب المشهور الى عدم جواز التخلف عن النص في هذه الفرضية، مما يعني تجميد الحكمة الشرعية لحساب النص الشرعي، ولنا عدة ملاحظات على هذا الراي: ألف/ يبدو ان راي المشهور لايشمل صورة اليقين بمراد الشارع، ولذلك عبروا بكلمة الاجتهاد والتي يعكس ظلالها التشبث ببعض الوجوه البعيدة، مثل القياس والاستحسان، وما اشبه.باء/ اذا اخذنا بنص الحكمة فانا اخذنا بما هو المحكم، واذا اخذنا بنص الاحكم الخاص فربما اتبعنا المتشابه، والسبب في ذلك اننا نحتمل قويا ان يكون النص مختصا بزمان صدوره وبما لايتنافى والحكمة العامة، كما لو جاء نص لأن الله لم يفرض غير الزكاة الواجبة حقا اخر أي في تلك الازمنة، اما في غيرها فلا، ونحتمل ان تكون الحكمة مخصوصة بما لايتنافى والنص الخاص مثلا: انه لو اعطى الاغنياء زكواتهم جاز ان تكون الثروة دولة بينهم وان تربوا طبقتهم على سائر الناس وان يفسدوا دورة الاقتصاد بالاعمال السفيهة، وان يكنزوا الذهب والفضة.وغيرها مما ذكرت في القرآن في بيان حكمة الصدقات المفروضة وغيرها.وعند تعارض الاحتمالين يكون من باب العموم والخصوص من وجه وعندئذ تقتضي القاعدة الاصولية عندهم الرجوع الى المرجحات.قال بعضهم: وأما الثاني (اذا كانت المخالفة بين ظاهر الكتاب وظاهر الخبر) فمرجعه الى المسألة المعروفة، من جواز نسخ الكتاب وتخصيصه وتقييده والخروج عن ظاهره بأخبار الآحاد والوجه الرجوع فيه الى حكم التعادل والتراجيح، بعد ملاحظة جميع الجهات المرجحة للجانبين.ولاريب ان ادلة الحكم والمقاصد الشرعية اقوى لسببين: اولا: لانها نصوص قرآنية، وهي أقوى من الاحاديث دلالة وسندا، وأؤكد دلالة لان القرآن ابلغ نصا واعرب بيانا.ثانيا: لانها تأبى عن التخصيص اذ ان لسانها لسان الناظر الى سائر الادلة، مثلما قالوا في ادلة نفي الحرج والضرر، فهل يعقل ان يجوز الله الفساد في المجتمع في ظرف معين، او تحكم الاغنياء في شؤون الفقراء، اوما اشبه؟ كلا، وهنا نعود ونذكر بان حكم الله لاتتغير مع الظروف ولا تحتمل الاستثناءات.بلى قد نشك في هذه الحكم والقواعد العامة فعلينا التدبر اكثر فأكثر في كتاب ربنا الجبار لمعرفتها، او نشك في تطبيقها فعلينا الفحص والبحث العلمي حتى نعرف اين نطبق احكام ربنا، ولايجوز ان نتساهل في ذلك ونستخدم الاصول العملية التي هي وظيفة الجاهل القاصر، لا المقصر.جيم/ ويبدو لي ان الفقهاء المتقدمين انما اولوا كثيرا من الروايات الصحيحة سندا، والواضحة دلالة، لانهم عرفوا انها خاصة بزمان الائمة، او انها مخالفة لمرتكزاتهم من الشرع، والفقهاء من بعدهم اتبعوهم ولم يعملوا بالاحاديث التي اعرض القدماء عنهم، والذي يطلع على كتب الاخبار، مثل التهذيب، والاستبصار، ومن لايحضره الفقيه، يجد الكثير من هذه الاحاديث.وقد سبق وان نقلنا من العلامة الاصفهاني مايؤيد هذا القول فقد قال: كما انه قد يؤيد ذلك تعبير الفقهاء في رد بعض الادلة بهذه الكلمات هذا مخالف لمرتكزات العقلاء، او مرتكزات المتشرعة، او انه يسبب فقها جديدا وما اشبه.ويشهد على ذلك، ان علماء الشيعة الامامية في القرون الاولى كانوا يخالفون العمل باخبار الاحاد قال السيد المرتضى رحمه الله وهو يجيب عن سؤال حول عمل الشيعة باخبار الاحاد: قد علم كل موافق ومخالف ان الشيعة الامامية تبطل القياس في الشريعة من حيث لايؤدي الى علم فكذلك تقول في اخبار الاحاد.حتى ان منهم من يزيد على ذلك فيقول: ماكان يجوز- من طريق العقل- ان يتعبد الله تعالى في الشريعة بالقياس، ولا العمل بأخبار الاحاد.ومن كان هذا مذهبه، كيف يجوز ان يثبت الاحكام الشرعية عنه، بأخبار لايقطع على صحتها، ويجوز كذب راويها وصدقه، وهل هذا الامن اقبح المناقضة وافحشها.قال بعضهم : المشهور في ألسنة قدماء الاصحاب ان اخبار الاحاد لاتفيد علما ولاعملا، وصرح السيد والقاضي وابن الزهرة والطوسي وابن ادريس بالمنع، وربما ينسب الى الشيخين بل والمحقق، واين بابويه بل في كتاب (الوافية) ان لم يجد القول بالحجية صريحا ممن تقدم على العلامة وخص السيد (المرتضى) في مواضع كثيرة على دعوى الاجماع.ومرادهم من الاخبار الاحاد التي لاتحف بالقرائن فقد حكي عن السيد المرتضى قوله: بأن اكثر اخبارنا المروية في كتبنا، معلومة مقطوع على صحتها، اما بالتواتر، او بأمارة وعلامة تدل على صحتها، وصدق رواتها، فهي موجبة للعلم، مفيدة للقطع، وان وجدنا في الكتب مودعة بسند مخصوص من طريق الاحاد، وقال المحقق الحلي: فما قبله الاصحاب او دلت القرائن على صحته عمل له وقال الشيخ البهائي: ليس الصحيح عند قدماء الاصحاب، الا ما افاد الوثوق وسكون النفس.ومن القرائن المهمة عندهم موافقة الكتاب والسنة، قال الشيخ في العدة: فان قيل ما انكرتم ان يكون الذين اشرتم اليهم لم يعملوا بهذه الاخبار لمجردها، بل انما عملوا بها لقرائن اقترنت بها، دلتهم على صحتها، لاجلها عملوا بها واذا جاز لم يكن الاعتماد على عملهم بها.قيل لهم (في الاجابة) القرائن التي تقترن بالخبر وتدل على صحته اشياء مخصوصة نذكرها فيها بعد من الكتاب والسنة والاجماع والتواتر ودليل العقل، ونحن نعلم انه ليس في جميع المسائل التي استعملوا فيها أخبار الآحاد.ويبدو لي ان قرينة الكتاب والسنة (المتواترة) قد لاتكون ظاهرة لكل احد، بل للمجتهد المستنبط الذي يعي روح الشريعة، ويجعلها مقياسا لقول او رد المتشابه من الاخبار.وانى كان فالذي يظهر من قدماء الاصحاب انهم يعتبرون شروطا كثيرة في حجية الاخبار منها، مايرجع الى سند الخبر مثل وثاقة الراوي، وذكر الخبر في الكتب المعتبرة، وقبول الاصحاب له، ومنها مايرجع الى محتوى الخبر من موافقته لظاهر الكتاب والمفهوم من السنة المتواترة ودليل العقل وكذلك المفاهيم العامة المستفادة من سائر الاخبار.ثالثا: وفي بعض الاحيان النص الخاص يتوافق والنص العام، ولكنه يعتبر خيارا واحدا بين سائر الخيارات لتحقيق الحكمة العامة، فهل ياترى يجوز تجاوز النص الخاص واعتباره قضية في واقعة، وانه ضرب به مثلا للحكمة وان الهدف الاسمى هو تلك الحكمة.يبدو لي ان هذا ينشعب الى وجهين: ألف: عندما تكون هناك مجموعة نصوص خاصة بينت مجموعة خيارات مما نكتشف انها جميعا امثلة تطبيقية، وان الهدف تحقيق تلك الحكمة العامة باية وسيلة ممكنة، مثل موارد التيمم حيث ان تعددها في النصوص يكشف عن عدم خصوصية لها بالذات، وانما الاهم هو القاسم المشترك بينها أي الحرج، فهنا نحن نعمم الحكم الى سائر موارد الحرج بلا تكلف، بالاستفادة من عموم النص القرآني.ومثاله العرفي ان لو صدرت طائفة من الاوامر باعطاء كل واحد من زيد وعمرو وعبد الله وجعفر، قدرا من المال، وجاء امر بضرورة مساعدة الفقراء، فاننا نستفيد ان هذه الاوامر تطبيقات لذلك الامر العام فلو اعطى المكلف بكرا (الذي لم يصدر باسمه الامر، ولكنه مصداق لعموم الامر بمساعدة الفقراء) فانه قد يكون كافيا.باء: اذا لم يكن لدينا الا نص واحد او اكثر من نص، ولكنا لم نحتمل انه او انهما مثالان لعموم الحكمة او القاعدة، فان التقيد بالنص يبدو ضروريا، ومخالفته تكون من باب الاجتهاد في مقابل النص.بلى في حالة تعذر العمل بالنص الخاص لا مسقط للتكليف العام.وهذا هو روح قاعدة الميسور التي استدلوا عليها بقوله سبحانه: ( فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون).ولذلك قالوا: الميسور لا يسقط بالمعسور، ومعنى ذلك اذا كانت الاوامر الشرعية العامة مطلقة، ولم نستطع ان ننفذ التعاليم الخاصة التي تحققها بصورة كاملة، فلماذا نقيد العمومات بما لانقدر عليه؟ وما الذي يسقطها عنا بعد حذف الاوامر الخاصة بسبب العجز عن ادائها ..وللحديث في هذه القاعدة الفقهية العامة كما في هذا الفصل الاخير من الكتاب مجال آخر نرجو ان نوفق له ان شاء الله.والحمد لله على توفيقه لي بإتمام هذا الجزء من الكتاب واسأله سبحانه ان يوفقني قريبا للبدء بالجزء الثالث والاخير الذي اتطلع للبحث فيه عن مقاصد الشريعة، بعد ان كان الجزءان الاول والثاني عن مناهجها والله المستعان والحمد لله ابدا.محمد تقي المدرسي 9/صفر الخير /1412.
المصادر:
1/ القرآن الكريم.2/ مفاتيح الجنان المعرب- للمحدث الشيخ عباس القمي/ دار التراث العربي/ بيروت.3/ نهج البلاغة- خطب الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) جمع الشريف الرضي.4/ تفسير الميزان- للعلامة الطباطبائي/ الطبعة الثالثة/ مؤسسة الأعلمي/بيروت.5/ التفسير الكبير- للفخر الرازي/ الطبعة الثالثة/ قم 6/ بحار الأنوار- للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي/ الطبعة الثانية/ دار الوفاء /بيروت.7/ ميزان الحكمة- للشيخ محمدي الري شهري/ الطبعة الاولى/ مكتب الاعلام الاسلامي / طهران.8/ وسائل الشيعة- للمحدث الحر العاملي/ الطبعة الخامسة/ المكتبة الاسلامية/ طهران.9/ سفينة البحار- للمحقق الشيخ عباس القمي/ دار المرتضى /بيروت.10/ ثواب الاعمال وعقاب الاعمال- للشيخ الصدوق/ الطبعة الرابعة/ مؤسسة الاعلمي/بيروت.11/ الاصول العامة - للعلامة السيد محمد تقي الحكيم.12/ مصباح الفقيه- للمحقق الشيخ محمد رضا الهمداني / منشورات مكتبة الداوري/ قم.13/ قوانين الاصول- للمحقق القمي / الطبعة الحجرية 1291 هـ ق/ طهران.14/ مقاسد الشريعة ومكارمها- للأستاذ علال الفاسي/ مكتبة الوحدة العربية/ الدار البيضاء.15/ اصول الفقه- للشيخ محمد رضا المظفر/ مؤسسة الاعلمي/ بيروت.16/ فوائد الاصول- للعلامة الشيخ مرتضى الأنصاري / قم 1374 هـ.17/ اجود التقريرات- للمرجع الخوئي/ مكتبة المصطفوي /قم.18/ الموافقات - لأبي اسحاق الشاطبي/ دار المعرفة /بيروت.19/ كشف القناع- للشيخ اسد الله التستري/ مؤسسة آل البيت /قم.20/ الشريعة الاسلامية كمصدر اساسي للدستور - الدكتور عبد الحميد متولي/ الطبعة الثانية/ منشأة المعارف/ الاسكندرية.21/ الفقه بين المثالية والواقعية- الدكتور محمد مصطفى السلبي/ الدار الجامعية / بيروت.22/ سلسلة الينابيع الفقهية/ الدار الاسلامية / بيروت.23/ رسائل الشريف المرتضى- الشريف الرضي / دار القرآن الكريم/ قم.24/ هداية المسترشدين في شرح معالم الدين- للعلامة محمد تقي الاصفهاني/ مؤسسة آل البيت /قم.25/ ملحق معارف القرآن (مخطوط)- للعلامة ميرزا محمد مهدي الاصفهاني.26/ رسالة في المعاريض (مخطوط) - للعلامة ميرزا محمد مهدي الاصفهاني/ نسخة منه في مكتبة الرضوي/ مشهد.27/ معالم المدرستين- للعلامة السيد مرتضى العسكري/ مؤسسة البعثة /طهران.28/ مدخل الى فلسفة القانون- رسكوباوند (ترجمة صلاح دباغ) المؤسسة الوطنية للطباعة والنشر / بيروت.29/ النظرية العامة للقانون- سمير عبد السيد تناغو/ منشأة المعارف/ الاسنكدرية.30/ الكتاب والقرآن- الدكتور المهندس محمد شحرور/ الطبعة الاولى/ دار الاهالي / دمشق.31/ المنطق الاسلامي اصوله ومناهجه- للمؤلف/ طبعة بيروت.32/ دراسات في التنمية الاجتماعية- سلسلة العلم المعاصر (الكتاب العاشر)/ الطبعة الرابعة 1970 /دار المعارف/ مصر (اعتمدنا من هذا الكتاب على دارسة للدكتور محمد علي محمد تحت عنوان القيم الثقافية والتنمية).33/ مقاييس اللغة- لإبن فارس/ مكتب الاعلام الاسلامي /قم.34/ المغرب في ترتيب المعرب- للمطرزي/ دار الكتاب العربي/ بيروت.المصادر باللغة الفارسية: 1/ موج سوم - الوين تافلر (ترجمة شهيندخت خوارزمي) الطبعة الثانية/ نشر نو/ طهران 1363 هـ ش.2/ فلسفه حقوق- للدكتور ناصر كاتوزيان/ نشر بهنشر/طهران.3/ نو سازي جامعه- للمؤلف مايرون وينر (ترجمة رحمت الله مقدم مراغه اي)/ الطبعة الثالثة.