ليلة القدر وسيلة الرحمة - أحادیث رمضانیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أحادیث رمضانیة - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وقد تعلّل تكاسلك في إستغلال هذه الليلة بوجود ليالي قدر أخرى -كأن تكون هذه الليلة ليلة التاسع عشر من شهر رمضان- وأنه من الممكن الاستفادة منها.

وأقول لك مذكراً: كم من إنسان تمنى أن يعيش ليلة القدر، ولكنه لم يوفق لذلك بدواع متنوعة، كأن يكون مريضاً، أو كان يعاني ظروفاً إجتماعية ونفسية خاصة، فلا يستطيع مجرد الدعاء.

فدعنا نستغل كل ما له تأثير في حياتي وحياتك، وليس أعظم التأثير من ليلة القدر على مصيري ومصيرك..

فلنفكر ثم نصمم ماذا نريد لأنفسنا، ولنتعرف على كيفية صياغة حياتنا من جديد، ولنضع لأنفسنا مثلاً أعلى ثم نحاول الوصول إلى هذا المثل الأعلى. ولنثق بأن الله سيأخذ بأيدينا، لأنه أرحم الراحمين، ولأن موازينه ومحاسباته لها قواعدها الخاصة، دونما هو متعارف بين الناس، وخير نموذج لذلك، أن العبد العائد التائب إذا إقترب منه شبراً إقترب الله إليه ميلا، بل أميالا..

فهل تريد من الله التوبة أو الذرية والحياة الطيبة، أو الثروة والإمكانات، أو البرزخ الهادئ، أو الجنة والرضوان؟ أكتب رغباتك وتمنياتك على الله سبحانه وتعالى، واسأله الحصول عليها، واستعد نفسياً وروحياً وأخلاقياً لكي تعايش ليالي القدر الأخرى بالروحية نفسها أو أرقى منها.

ليلة القدر وسيلة الرحمة

) إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ( ِ القدر/1-5)

جعل الله ليلة القدر المباركة خيرا من ألف شهر، وألف شهر يعادل عمر الإنسان، وهو ثلاث وثمانون سنة؛ أي ان ليلة القدر لوحدها خير من عمر الإنسان كله.. ترى كيف صار ذلك؟!

أقول: ان من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وفضله عليهم أنه سخر لهم وسائل الوصول إليه. فقد تكون الوسيلة ليلة، وقد تكون منطقة، وقد تكون شخصا.

فالكعبة جعلها البارئ عز وجل مثابة للناس وأمنا ووسيلة إلى رحمته، وصحراء عرفات وسيلة من وسائل رحمته، والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وكذلك الائمة الأطهار وسائل رحمته؛ فمن أراد الله بدأ بهم.

ومن تلكم الليالي ليلة الجمعة، وليلة العيد، وليلة النصف من شعبان، وغيرها.

وان من المؤكد أن أفضل الليالي هي ليلة القدر، وهي وسيلة عظيمة جعلها الله في شهر رمضان المبارك وسيلة إلى رحمته المعنوية. فمن أراد الله سبحانه وتعالى دخل من باب هذه الليلة، ووصل إلى الرحمة الربانية المطلقة..

ففي هذه الليلة تتنزل رحمة الله، وتتنزل الملائكة بالبركة والإذن بإستجابة الدعاء، بل والدعاء لعباد الله الصالحين والتأمين على دعائهم.

ومن هنا كان المؤمنون مدعوين إلى التوبة والاستغفار؛ التوبة التي تعني الندم وإصلاح الذات وإعادة الحسابات، فليحاسب المؤمنون أنفسهم وتاريخهم، إذ لا يتسنى لأحد أن يبرئ نفسه وينسب الكمال إليها.

فتعالوا في هذه الليلة المباركة -ليلة القدر- لنراجع حساباتنا، وندعو الله سبحانه من خلال عدة ساعات، ولو للحظة واحدة حيث تتصل قلوبنا بنور الرب العظيم. وإذ ذاك ستكفينا هذه اللحظة الواحدة، لأنها أحدثت في ذواتنا التحول المطلوب، وأسقطت كل الحجب التي تقف بيننا وبين ربنا.

فلنحاول ثم نحاول، ولنجتهد ثم نجتهد للإمساك بهذه اللحظة، حيث يتم اللقاء الأبدي بين قلوبنا وبين نور الرب.

ليلة القدر وسيلة الرحمة

) إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ( ِ القدر/1-5)

جعل الله ليلة القدر المباركة خيرا من ألف شهر، وألف شهر يعادل عمر الإنسان، وهو ثلاث وثمانون سنة؛ أي ان ليلة القدر لوحدها خير من عمر الإنسان كله.. ترى كيف صار ذلك؟!

أقول: ان من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وفضله عليهم أنه سخر لهم وسائل الوصول إليه. فقد تكون الوسيلة ليلة، وقد تكون منطقة، وقد تكون شخصا.

فالكعبة جعلها البارئ عز وجل مثابة للناس وأمنا ووسيلة إلى رحمته، وصحراء عرفات وسيلة من وسائل رحمته، والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وكذلك الائمة الأطهار وسائل رحمته؛ فمن أراد الله بدأ بهم.

ومن تلكم الليالي ليلة الجمعة، وليلة العيد، وليلة النصف من شعبان، وغيرها.

وان من المؤكد أن أفضل الليالي هي ليلة القدر، وهي وسيلة عظيمة جعلها الله في شهر رمضان المبارك وسيلة إلى رحمته المعنوية. فمن أراد الله سبحانه وتعالى دخل من باب هذه الليلة، ووصل إلى الرحمة الربانية المطلقة..

ففي هذه الليلة تتنزل رحمة الله، وتتنزل الملائكة بالبركة والإذن بإستجابة الدعاء، بل والدعاء لعباد الله الصالحين والتأمين على دعائهم.

ومن هنا كان المؤمنون مدعوين إلى التوبة والاستغفار؛ التوبة التي تعني الندم وإصلاح الذات وإعادة الحسابات، فليحاسب المؤمنون أنفسهم وتاريخهم، إذ لا يتسنى لأحد أن يبرئ نفسه وينسب الكمال إليها.

فتعالوا في هذه الليلة المباركة -ليلة القدر- لنراجع حساباتنا، وندعو الله سبحانه من خلال عدة ساعات، ولو للحظة واحدة حيث تتصل قلوبنا بنور الرب العظيم. وإذ ذاك ستكفينا هذه اللحظة الواحدة، لأنها أحدثت في ذواتنا التحول المطلوب، وأسقطت كل الحجب التي تقف بيننا وبين ربنا.

فلنحاول ثم نحاول، ولنجتهد ثم نجتهد للإمساك بهذه اللحظة، حيث يتم اللقاء الأبدي بين قلوبنا وبين نور الرب.

وما أدراك ما ليلة القدر..

) وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ( (البقرة/186)

ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؛ انها ليلة تقترب فيها السماء من الأرض حتى تنعدم المسافة بينهما، وفيها يقترب الإنسان من ربه، فتقترب منه رحمة ربه وفي هذه الليلة تفتح أبواب السماء.

إنها خير فرصة لتتقدم بها إلى ربك بالتوبة فتتوب بذلك توبة نصوحا. فإن من لم يتب إلى الله في هذه الليلة، أو لم تقبل توبته، فقد لا يوفق إلى إدراك التوبة إلا إذا أدرك الحج ودعا ربه عند موقف عرفة الشريف فقط.

ما أروع إن يعرف الإنسان ان الله يدعو الناس إليه في شهر رمضان دعوة خاصة، فهو يدعوهم إلى أن يدعوه. فمن تاب، تاب الله عليه، ومن تقدم خطوة نحو ربه، تقدم الرب نحو خطوات.

إن الله يحب التوابين من عباده. ولعل هذا المثل الذي ورد في الحديث الشريف يوضح لنا حب الله لمن يعود إليه: رجل ضلت عنه راحلته، وهو لا يملك غيرها، في صحراء قاحلة وليلة مظلمة، وكانت راحلته كل شيء بالنسبة له، وهو قد شارف الموت من الوحدة والتعب والضياع، فهل تتصور كم ستكون فرحة هذا الرجل فيما لو عادت إليه راحلته؟ إنها ستكون كما لو أعطي الدنيا كلها طبعا. والرب الجليل يفرح بالتائب حينما يعود إليه أكثر من ذلك الرجل حينما يجد راحلته.

إن أمام التائب رحمة لا تحدها حدود، فليطلب ما يشاء من خالقه. ومن العار على المخلوق أن ييأس من هذه الرحمة، فهل هو يشك في وعد ربه وعهده؟ أم إنه قد استسلم للشيطان، ومنح نفسه صلاحية الحكم عليها بالسقوط الأبدي؟!

فليطلب الإنسان من ربه في ليلة القدر، وهي ليلة التوبة، خير الدنيا وخير الآخرة، وليطلب السعادة لنفسه ولذويه وللآخرين، وليطلب المغفرة والهداية وعاقبة الخير.. فهو إذا مات على تعاسة وشر، كان في تعاسة وشر أبديين؛ وإذا مات على سعادة وخير، كان في سعادة وخير أبديين. فليطلب التائب ثم يطلب حتى يلتفت إليه الرب ولو لفتة من لفتات حنانه، فمن أطال قرع الباب، أوشك ان يفتح له.

في ليلة القدر؛ حري بالمؤمنين أن يدعوا لمن مضى من آبائهم وأمهاتهم واخوانهم وأصدقائهم، فهم من قصرت أيديهم وآمالهم من الدنيا، وهم لا يملكون لأنفسهم شيئا.

وأن يدعوا لأولادهم ولذرياتهم بالصلاح، وأن يحضوا الآخرين على ان يدعوا لهم، إذ أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يدعو المرء بلسان لم يذنب به؛ أي بلسان غيره. وإن تعاون وتضامن المؤمنين في أدعيتهم، لهما خير تعاون وتضامن.

ولا ينبغي للراغب في إحياء ليلة القدر إن ينسى الدعاء بالمأثور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، هذه الأدعية التي فيها الحياة، وفيها التعبير الصادق عن حقيقة التوبة والرغبة الخالصة إلى الله وطلب القرب منه.

الإمام علي عليه السلام شهيد ليلة القدر

في مثل ليلة القدر الجليلة يفترض أن نتساءل عن العلاقة بين هذه الليلة وبين شهادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أو لنقل العلاقة بين القرآن ووصي المرسل بالقرآن؟

وتبدو العلاقة علاقة وطيدة ومتينة، إلى حد يعجز فيها الباحث عن ثغرة ولو بمقدار شعرة. فحقائق القرآن التي قد تجلت في المفاهيم والمبادئ والنور والعطاء والرحمة، تجلت أيضاً وهي نفسها لم تتغير في هذا الإنسان الفريد.

لقد كان الجيل الأول الذي أنزل عليه الكتاب يمتاز بأنه قد تجلت فيه وفي أفعاله وصفاته ومواقفه وحتى أفكاره، آيات الكتاب.

وكان أمير المؤمنين صنيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصنيع القرآن، والشهيد والشاهد بالقرآن الكريم، وكان بدوره قرآناً ناطقاً.

وإذا ما سأل أحدهم عن تطبيق هذا القرآن، وكله سمو وعظمة ومجد وخلق عظيم، وعن إمكان تحقق كل ذلك في هذا الكائن الضعيف الذي تحوم حوله الشكوك والأوهام، وتحتوشه المشاكل والمخاطر والشهوات، وهو الكائن المدعو بالإنسان؟!

أقول: بلى؛ لقد طبق أناس ما جاء في الكتاب بحذافيره، ولم تكن ثمَّ فاصلة تعزلهم عما كان يحتوي، وعلى رأس من حقق ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا الإنسان الذي سئل أحد الصحابة عنه، فأجاب بقوله: كان خُلُقُه القرآن.

فإذا أردت رسول الله فاقرأ القرآن، وإذا أردت القرآن فأنظر إلى رسول الله. ونفس رسول الله علي بن أبي طالب بشهادة القرآن، إذ قال في قصة المباهلة: ) فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ (

ولذلك؛ كان إذا أردنا فهم كتاب الله، فعلينا أن نفهم رسول الله ثم علياً والأئمة من ولده سلام الله عليهم أجمعين. وإذا أردنا أن نفهمهم، فلابد من قراءة القرآن قراءة حكيمة واعية. فقد كان أحدهم انعكاسا للآخر وتجسيدا له، وإذا رغبنا باتباع القرآن فما علينا إلا دراسة حياة النبي وأهل بيته وأتباعهم، وعكس ذلك صحيح قطعا.

فالإنسان الواعي والمنصف والراغب في معرفة القرآن يجد أن كل نص فيه أو مفهومه متجسداً بأهل البيت. فإذا هو قرأ قوله سبحانه وتعالى: ) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ( وجد مصداقه في حمزة سيد الشهداء، حيث وجده النبي صلى الله عليه وآله متضرجاً بدمائه لما أصابه بما يزيد على سبعين جرحاً، أما ما تجسد في الإمام علي عليه السلام وفي المعركة ذاتها، قال الرسول الله صلى الله عليه وآله، إن هذا موضع شكر، تعقيبا على إرشاد الرسول له بالتحلي بالصبر. ثم إنك لتراه ولعل دموعه كانت تجري على خديه مخاطبا النبي الأكرم: لقد فاتتني الشهادة، فيبشره النبي بأنها وراءه. فبقي علي بن أبي طالب طيلة حياته ينتظر لحظته الموعودة، حتى كانت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، وهي من ليالي القدر، حيث كان يكثر من الدعاء إلى الله بتعجيل الشهادة واللحاق بالرسول الأكرم. فقد استشهد على يد أشقى الآخرين، حيث إستقبل الضربة الغادرة القاتلة بمقولته الشهيرة التي ان عبرت عن شيء فإنما تعبر عن التلاحم المطلق بكتاب الله: (فزت ورب الكعبة).

آفاق الدعاء في ليلة القدر

) وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ( (البقرة/186)

أين الله؟! لا تسأل نفسك هذا السؤال.. ولكن قل مراراً وتكراراً: أين أنا من الله؟!

إنه لا يخلو منه مكان، وهو معك يسمعك ويراك، وهو أقرب إليك من حبل الوريد.

ويروى انه سأل أحدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلا: يا رسول الله؛ هل ربنا بعيد فنناديه -أي نرفع أصواتنا- أم قريب فنناجيه -أي نهمس إليه-؟ فنزلت هذه الآية الكريمة: )وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع..ِ(.

ولما كانت ليلة القدر الجليلة من شأنها أن تحملك على نسيم لحظاتها المصيرية، فتسمو وتتغير تغييراً جذرياً. وهذه الليلة هي ليلة الفصل التي من الممكن تطوي ماضيك وتنير مستقبلك.

أما الوسيلة الأكثر تعميقاً لعلاقتك بالله في هذه الليلة هي الدعاء. وقد جاء في المأثور عن أهل البيت عليهم السلام إن (الدعاء مخ العبادة).

إن الدعاء في ليلة القدر حبل يمتد بينك وبين ربك، فاجتهد بإحراز الاجتهاد والخشوع والحياء مما اقترفت من ذنوب. وليكن في حسبانك أن الله طالما أنعم عليك، فلم تشكره وأفرطت في جنبه، ولتعقد العزم على العودة إلى قابل التوب؛ الغفور الرحيم، عودة راج منيب نادم على ماضيه.

وأعلم أنك حينما تسأل ربك بعد اعلان توبتك الصادقة والنصوح، فإنما تسأل رباً كريماً جواداً غنياً؛ لا يزداد مع كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً، فسبحانه من إله لا يبخل مهما كثرت المطالب منه.

إنك مسؤول في ليلة القدر أن تدعو لأبويك وإخوانك ولكل من يمت إليك بصلة قربى أو صداقة، كما أن من المهم جدا أن تدعو للأمة الإسلامية لينقذها الله من أزماتها ومشاكلها وأعدائها. في هذه الليلة عليك أن تطلب إلى ربك أن يلغي عن كيان الأمة حالة الحرمان والتخلف والتجزئة والهيمنة الأجنبية، وأن يخلص شعوبها من المصائب والنكبات التي تعانيها.

من أجل الإنسان

الكرامة الإنسانية في القرآن

) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ( (الاسراء/70)

لو عرفنا أنفسنا فإننا سنطوي مسافة شاسعة جداً، وسنقترب إلى حيث أراد الله وإلى ما نتطلع إليه من التعالي والتسامي.

فنحن لسنا كسائر المخلوقات والأحياء الأخرى التي وُجدت في هذه الحياة، فتراها تتمتع وتهيم ثم تغادر الدنيا كما جاءت..

كلا، فنحن ممن خلقه الله وكرّمه وفضّله وسخر له الأشياء ليكون مستحقا لخلقته، وليسمو إلى مستوى ضيافة الرحمن وجليسه في مقعد صدق. وهذه فرصة لا تعوَّض، وليس من المعقول تضييعها.

ولكن الملايين، بل آلاف الملايين من البشر أضاعوا فرصة عمرهم عبر التاريخ، فهبطوا إلى مستوى البهائم، ولم يعد ثم فرق بينهم وبينها؛ بل هم أضل سبيلا، كما عبر عنهم الخالق عز وجل نفسه.

وليس تحرر الإنسان لا عدم خضوعه لغير العقل الذي يهديه إلى الله والشرع القويم، ويجنبه الوقوع في كمائن الشيطان والشهوات، والاستسلام للضغوط والإرهاب، لأن الإنسان الحر بحق يرى نفسه أكبر من السقوط، وأشرف من الشهوات، وأقوى من الضغوط والإرهاب والأطماع والرغبات والأنانيات.. وإذا كان الإنسان كذلك، فإنه استحق الحياة وسما إلى حقيقة الإنسانية وجوهرها.

ولكنه إذا انهار أمام ما يتعرض له من الفتن، فلا يسعه إدعاء الحرية والكرامة، كما لا يمكنه اشتراط عدم تعرضه للمصاعب والفتن في إطار نيله الكرامة.

إن الإنسان خلال حياته الدنيوية محكوم في الخوض في الفتن والتعرض للإرهاب والرغبات والبلاء عموما. فالتاريخ يضغط عليه، وكذلك التربية والمجتمع والسلطة.. وكل ذلك يريد سرقة الحرية والكرامة منه.

وهو ملزم أيضا بالانتصار على كل هذه العوامل، وليس ذلك ـ الانتصار ـ بالغريب على الإنسان الطموح إلى بلوغ جوهر الإنسانية ومن ثم جنان الخلد ورضوان الله.

فهذه السيدة الجليلة آسيا بنت مزاحم وزوجة فرعون، جاهدت ـ بما للكلمة من معنى ـ لنيل كرامتها وحريتها، ولم يخدعها ما كانت تتمتع به من إمكانات، كما لم يثن عزمها التعذيب الفرعوني الرهيب. ومثل آسيا الآلاف المؤلفة ممن استعادوا حرياتهم الحقيقية، ونالوا كرامتهم الأصيلة، مفضلين التحدي وتجاوز العقبات الكئيدة على الخضوع للشهرة العابرة والسقوط في مهاوي الدنيا المتلونة المضطربة. فالحرية في نظرهم العامل المهم في فرض النظام وبسط العدالة على مناحي الحياة، والاستمرار في عملية التحدي في طريق الحصول على الكرامة والكمال، مهما كلف ذلك من ثمن..

في رحاب العزة

) مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً اِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ( (فاطر/10)

من الثوابت المسلم بها إن من أسمى تطلعات الإنسان حصوله على العزة، وكذلك كان من أسوأ ما يمكن أن يبتلى به المرء تعرضه للهوان.

فما هي العزة؟ وكيف يستطيع الإنسان الوصول إلى ما تصبو إليه نفسه من العزة؟

إن العزة حالة ذات بُعدين، بُعد قائم في أعماق النفس والقلب والفكر، وبعد آخر قائم في الخارج، وله واقعه الخاص به.

فالعزة النفسية هي إحساس الإنسان برفعة شخصيته، وأن يكون في نفسه محترماً لنفسه. أما حينما يحس بالهوان والضعة والصغار ولا يكن لنفسه الاحترام، فمثل هذا لن تنفعه العزة الظاهرية، ويكون كما لو كان قذراً بدنه نظيفة ثيابه، وما نفع نظافة الثياب مع قذارة البدن؟

أما كيف يعيش المرء العزة النفسية الحقيقية؟

إنه يعيشها حينما يعرف نفسه، ولن يعرف الإنسان نفسه حتى يعرف ربه؛ أي حينما يعرف أنه مخلوق خلقه الله تبارك وتعالى ليكرمه ويعزه، وأنه لا شيء في هذه الحياة بمقدوره إهانته ما دام متصلاً برب العزة والملكوت؛ ملكوت السماوات والأرض..

أما البعد الآخر للعزة؛ أي العزة الظاهرية، فهي كون الإنسان غير محتاج إلى الآخرين، لاسيما الأشرار والدنيئين منهم. فقد جاء في المأثور عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: (استغن عمن شئت تكن نظيره). كما أنه عليه السلام سمع أحد المؤمنين يدعو ربه بألا يجعله محتاجاُ لأحد من الناس، فنصحه أمير المؤمنين أن يستثني منهم الأخيار المؤمنين..

نعم؛ إن العزة الظاهرية هي ألا يتكبر الإنسان على أحد، وألا يقبل أنه يتكبر عليه أحد. فلا تسمح لنفسك بقبول الهوان من أحد، ولاسيما من المجرمين -وهم كثير- الذين يحاولون وضعك في قفص الإتهام، أو ملاحقتك بالسب وتوجيه تافه القول.. لا تسمح لأحد أن يذلك أبدا. ولعلك قد سمعت بالحديث الشريف القائل: (إن الله سبحانه وتعالى لم يدع للمؤمن أن يذل نفسه).

اذن؛ فالعزة الباطنية هي معرفة قيمة النفس، أما ظاهر العزة هي أن تحترم نفسك وأن لا تقبل الهوان لها..

ومن هنا؛ قال ربنا سبحانه: ) مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ، ( ثم يعطف بالقول الكريم: ) اِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ( فالكلمة الطيبة والعمل الصالح كأنهما جناحان يسمو بهما المؤمن ويحلق إلى ما شاء من العزة الإلهية المطلقة.

التقوى ركيزة

) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ( (الانفال/29-30)

لكي ينتصر الإنسان على أعدائه، لابد أن تتوفر فيه ولديه شروط عديدة:

أولا: أن تكون لديه العزيمة الكافية والإرادة الأكيدة لمقاومة الأعداء.

ثانيا: أن تتوفر فيه الرؤية الواضحة لتشخيص العدو، ولإحراز طرق مواجهته.

ثالثا: أن تكون لديه القدرة المناسبة على التركيز والتعاون وتكثيف القوة.

رابعا: أن تكون لديه القيادة الفذة لتوجيه مسيرة المعركة.

خامسا وأخيراً: وفرة الوسائل المادية التي تتيح له فرصة الانتصار.

والآن إذ المسلمون قوة كبيرة على وجه الأرض، كيف يمكنهم توجيه هذه الإمكانات التي بين أيديهم إلى قوة فعلية حقيقية؟ وكيف يمكنهم الاستفادة من مميزات شهر رمضان المبارك في هذا الإطار؟

وقبل الإجابة على ذلك، لابد من معرفة أن ركيزة القوة الأساسية لدى الإنسان المؤمن هي التقوى، حيث ينطلق منها لتصحيح مسار حياته والوصول إلى أهدافه.

وهذه التقوى لا يمكن تحصيلها إلا بالمران والمراس والتربية الذاتية.

وشهر رمضان الكريم هو شهر التقوى بحق، وقد جاء في كتاب ربنا المجيد: ) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( (البقرة/183) أي إن الصائم ملزوم بالنهوض بمستوى تقواه في هذا الشهر إلى حد يضمن له تحقيق أهدافه..

ترى ما هي العلاقة اذن بين التقوى وبين تلكم الشروط المتقدمة الذكر؟

ان العلاقة واضحة من حيث إن التقوى تجعل الإنسان ذا فرقان يعرف به الحق والباطل فيميز بينهما، وقد قال سبحانه وتعالى: ) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَاناً ( (الانفال/29) والتقوى تؤهل المرء ليمز الخير من الشر والصحيح من الخطأ والصديق من العدو. اذن فهي تعطيه الرؤية السليمة.

ثم إن التقوى تجعل المسلمين أقرب إلى بعضهم، لأن الحواجز التي تمنعهم عن بعضهم كالحميات والعصبيات والأنانيات كلها تنهار أمام كلمة التقوى وآفاقها. اذن فهي عامل توحيد لا تفرقة.

والتقوى أيضا تعرفهم على القائد المناسب أو الأنسب، لأن الأتقى والأفقه والأعلم هو القائد الصحيح للأمة، إذ تحت لوائه ينصهرون ويقومون بالدور الكبير.

ومن هنا؛ يقول ربنا سبحانه وتعالى بهذا الصدد: ) وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ( (الانفال/30) لأن التقوى كما هي ردع النفس عن ارتكاب المحرمات، هي في الوقت ذاته إعطاء الخطة المناسبة لمقاومة مكر المنحرفين والطغاة..

التقوى؛ ينبوع الوحدة

) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَاَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَاَنْقَذَكُم مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( (آل عمران/102-10)

شهر رمضان الفضيل يمنحنا الفرصة للتزود من معين التقوى، إذ التقوى هي المحصلة النهائية العظيمة لشهر الله الكريم.

أما كيف نستفيد من هذه التقوى، وفي أي مجال؟

لنعلم ان الروافد التي تنبعث من ينبوع التقوى كثيرة ومتنوعة. فالتقوى تجعلنا أقدر على تزكية النفس، وأقدر على معرفة الأعداء وتحديدهم والتصدي لهم. الا أن للتقوى رافداً عظيماً للغاية، ولو تعرفنا إليه واستطعنا تفعيله في حياتنا لكنا من الفائزين بإذن الله عز اسمه، إنه رافد الوحدة. فربنا تبارك وتعالى قبل أن يأمرنا بالإعتصام بحبله يحثنا على تحصيل ملكة التقوى، فيقول: ) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ( .

فمن دون أرضية التقوى، ومن دون عمارة النفوس بروح التقوى ومخافة الله والساعة، فإن قضية التقوى ومشروعها سيكونان إطاراً بلا محتوى، في حين انه يجب ان تكون محتوى قبل ان تكون إطاراً؛ أي وجوب تآلف النفوس على أساس التقوى.

ولذلك؛ قال الله سبحانه بعد الأمر الصارم والمطلق بالتقوى: ) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ( ثم قال: )وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ( أي إن هذه نعمة من الله يلزم وضعها نصب أعيننا كمؤمنين، وهي الوحدة بين القلوب؛ القلوب كلها وبأنواعها، كالوجدان، ونقطة التقاء العواطف، والعقول، والوجود الإنساني عموما. فالقلوب هي التي اتحدت بسبب التقوى، وبسبب معرفة الله سبحانه وتعالى.

) فَاَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ( فالتقوى تجعل المؤمنين إخواناً في الدنيا رغم تفرق أبدانهم ومصالحهم الفردية ومواطنهم وانتماءاتهم العرقية وألوانهم ولغاتهم.

وعلى ذلك؛ فمن الجدير الاستفادة من روح التقوى التي يحصل عليها المرء خلال شهر رمضان المبارك لإنجاز مشروع الوحدة الكبير، عبر المحاولات المستمرة والجدية في هدم حواجز الشيطان التي من شأنها الفصل بين الأخ وأخيه، والصديق وصديقه، والمجاهد ونظيره، وعبر الاقتراب المتواصل، لكي يتم في نهاية المطاف تشكيل الكتلة الإيمانية القوية القادرة على مقاومة ومواجهة التحديات المادية والمعنوية، ومواجهة البأساء والضراء..

المؤمن؛ ذلك الشجاع

) وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ( (العَاديات/1-11)

كانت حياة نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، وحياة أصحابه، وفي طليعتهم أمير المؤمنين سلام الله عليه، كانت مثلاً رائعاً في كل صفات الخير ومُثل الكمال، ومن أبرزها صفة الشجاعة والتحدي.

فالحروب والغزوات والسرايا التي وقعت في عهد النبي، تجلت فيها أعلى درجات البطولة والشجاعة.

وقد أخبرنا التاريخ المؤكد أن عدداً ضئيلاً من المسلمين كانوا قد ذهبوا ليوقفوا حركة قريش التجارية وقوافلها، ولكن تلك القوافل غيرت مسيرتها، ففات المسلمين الذين استقبلوا من جهة أخرى جيشاً كبيراً مدججاً بأفضل الأسلحة وخيرة مقاتلي قريش وأبطالها وفلذات أكبادها، ليقضوا على الوجود الإسلامي الفتي. في وقت لم يكن المسلمون مستعدين للحرب، وآية ذلك افتقارهم إلى الأسلحة والمراكب، وعدم قصدهم الحرب بدءاً.

ولكن حينما جد الجد والتقى الجمعان، شمخت فيهم ـ المسلمون ـ تلك الشجاعة الرائعة، فهزم الله عز وجل الأعداء..

ومما يشار إليه بجرأة إن جميع أو أغلب الحروب التي خاضها المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وآله كانت الكفة المادية تميل لمصلحة الكفار، إلا أن الشجاعة وإقدام الصحابة كانا العامل الذي يمتازون به، والركيزة التي تحدد مصير المعركة ونتيجتها.

وهذه الحروب والغزوات أصبحت ـ بفعل ما سطره أبطال كفة الإيمان والشجاعة ـ دروساً لمن أتى من بعدهم.

فالقصة التي سجلها القرآن الكريم في سورة العاديات المباركة، تستعرض إحدى الغزوات التي قام بها المسلمون بقيادة سيف الله وبطل الإسلام الأول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، إذ فاجؤوا أعداءهم مصبحين بعد طول انتظار، وبعد تراجع من قاد مقاتلي المسلمين، فكان مثل هذا الموقف المحرج بحاجة إلى شجاعة قائد فذ كالإمام علي عليه السلام ليحرض مقاتليه على تسطير أروع البطولات، ولتكون هذه الأخيرة مثلا يضرب.. فهزم المسلمون أعداءهم بحركة خاطفة.

إن من صميم كيان المؤمن إن يكون شجاعاً ولو بقتل حية، كما يقول نبينا الكريم. بمعنى أنه لا يمكن تصور المؤمن جبانا، لأن الجبن لا يمتُّ إلى الدين بأية صلة. فالمؤمن علمه الدين الاستهانة بالدنيا العاجلة، كما دفعه دفعاً متواصلاً إلى الحرص على نيل الفضائل والمثل العليا والتطلع إلى الأفق البعيد. وما أروع الشجاعة من فضيلة، ومثالاً عالياً، وما أكفى الشجاعة من وسيلة فذة إلى الوصول إلى الأهداف النبيلة والمرجوة..

لقد كان من طبيعة الإنسان حبه للخير، ولكن كيف يوازن المؤمن بين حبه للخير وبين توق نفسه لشهوات الدنيا؟

إن التفكير بالآخرة هو عامل التوازن، لأنه يدفع إلى حد بعيد الإنكباب والتكالب على الدنيا وزخارفها المؤقتة، فإذا إستهان المؤمن بها، وهب لنفسه حياة جديدة. وبكلمة أخرى؛ إن الإنسان المؤمن يدافع عن كرامته ويسعى إلى ضمان الآخرة ونعيم الخلد بشجاعته التي تدعمه في الاستهانة بالدنيا.

أما من كان جباناً، فإنه عديم الجرأة على التقدم والطموح وكسر أغلال الشيطان، فتراه يبقى قابعاً في سجن ذاته ودنياه الزائلة، فيخسر حياته بمهانة مطلقة؛ على الضد تماماً من الشجاع الذي يستمر في المقاومة والإقدام حتى ينتصر، فيربح حياته بشجاعته وبطولته.

من أجل سلامة الجيل الجديد

) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلآئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( (التحريم/6)

جاء في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه حضر شخصا يعالج سكرات الموت، فجلس عند رأسه وقال له: يا فلان قل لا إله إلا الله، محمد رسول الله. فلم يسع الرجل التفوه بذلك. فألح عليه النبي، فلم ينطق بكلمة واحدة مما أمره به. وعند ذاك سأل النبي من كان حوله عما إذا كان لهذا الرجل المحتضر أماً أو أباً، فقيل له: ان له أما، فأمر بها النبي، فأحضرت عنده. فقال لها رسول الله: أأنت راضية عن ولدك؟ فقالت: كلا؛ يا رسول الله! لست راضية عنه لما آذاني. فنصحها النبي بأن ترضى عنه، فلم يزدها ذلك إلا إصرارا على غضبها من إبنها. وإذ ذاك أمر النبي -الرؤوف الرحيم- بأن يوقد للرجل حتى يضرم فيه النار. فاضطربت المرأة أشد الاضطراب لما ينوي النبي فعله، فقال لها: إن إبنك هذا يستحق النار ما لم ترضي عنه، ونار جهنم أشد عليه من هذه النار التي أريد إحراقه فيها. فأعلنت المرأة رضاها عن إبنها. فما كان منه إلا ان نطق بالشهادتين وتوفي راضية عنه أمة

من الملاحظ أننا لا نرضى -عادة- لأولادنا أن يصيبهم أبسط الألم، فلماذا نرضى لهم أن يكونوا وقوداً لنار جهنم يتعذبون فيها خالدين. ولعل السبب في ذلك أننا نغفل أو نتغافل عما يفعله الأولاد من الموبقات والفواحش التي يستحقون عليها عذاب النار، ثم نكون معهم حيث نستحق النار أيضا بغفلتنا تلك.

في حين أننا إذا أولينا لهم الإهتمام بهم فربيناهم التربية المناسبة ووضعنا كل شيء في محله، دخلوا ودخلنا معهم الجنة الأبدية، وكنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

ولقد كان من عظيم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه مر وأصحابه على قبر، فبدت على وجه النبي ملامح الحزن، فسئل عن ذلك، فقال: لأنني عرفت أن صاحب هذا القبر يعذب في الوقت الحاضر. ثم أنه عاد بعد فترة مع أصحابه على القبر ذاته، فلم يبدو عليه ما كان عليه أول مرة، فقيل له: يا رسول الله هذا نفس القبر الذي حزنت على صاحبه. فقال عليه الصلاة والسلام: بلى؛ لكن العذاب قد ارتفع عنه، لأنه كان له ولد وقد بلغ وشهد الشهادتين فغفر له من أجل ذلك..

وفي شهر رمضان نستطيع أن نضع لأنفسنا ـ واستلهاماً مما نقرأه من كتاب الله وروايات النبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام أفضل برامج التربية لأولادنا وتحويلهم إلى رجال صالحين ونساء صالحات، لنكون قد قدمنا لديننا ومجتمعنا أفضل الخدمة من جانب، ونكون قد ضمنا لأنفسنا شفاعة من صلح من ذريتنا في دخول الجنة واستحقاق رضوان الله الأكبر..

الصيام والسلامة البدنية

) يَا بَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لايُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( (الاعراف/31-32)

من الفوائد الكبيرة للصيام ان الصائم يضمن إلى حد كبير صحته وعافيته البدنية، وقد جاء في الحديث الشريف: (صوموا تصحوا).

إن الجسم في حقيقته مطية الروح، فإذا كان عليلاً كانت الروح عليلا، وإذا كان سليماً قوياً مستوياً إستطاع المرء ان يحلق بواسطته بروحه. تماما كذلك السائق الماهر الذي يقود سيارته الراقية الفارهة، فهو يستطيع الوصول إلى حيث يريد، والعكس بالعكس أيضاً.

ولتعلم أن الصحة والمرض قدران ربانيان، ولكنهما في الوقت نفسه يتعلقان بإرادة الإنسان. فمن أراد أن يعيش صحيحاً معافى، تسنى له ذلك عبر الالتزام بالقواعد التي أمره الله سبحانه وتعالى بها.

ولعل من أبرز تلكم القواعد الصحية ـ كما ورد في الحديث الشريف ـ قاعدة الصيام، لأنه يوفر لابن آدم الفرصة إلى تبديل خلايا جسمه، نظراً لان الصائم الذي يفرض على نفسه الجوع لفترة معينة، تبدأ خلايا بدنه الإضافية والضعيفة بالاحتراق والتبدل إلى خلايا جديدة وقوية. ولذلك تجد الصائمين يشعرون ـ ضمن قانون طبي ـ بعد شهر رمضان بالحيوية والنشاط والخفة، هذا من جهة..

ومن جهة أخرى؛ فإن المرء حينما يكف نفسه ويمنع شهيّته إلى الطعام، فإنه يكفها لفترة النهار في شهر رمضان، ولكنه لفرط التزامه سيكف نفسه عن كثير مما يضره حتى بعد انتهاء شهر رمضان من وجبات غذائية كان يسرف في تناولها.

إن كثيراً من الناس يصابون بالأمراض المستديمة أو يموتون بداعي عدم تقيدهم بالنظام الصحي الذي أمر به الطبيب أو الجهة المختصة، وعدم إهتمامهم بصحتهم أو عدم وجود الإرادة الكافية لديهم لمقاومة شهوة الأكل الذي يعرضهم للخطر.

في حين تجد الصائم ـ باعتبارة يمرّن نفسه ويحدّ من شهواته ـ بإمكانه تطبيق أرقى نظام غذائي مفروض عليه من قبل خالق بدنه وغريزته، وخالق إحتياجه إلى الطعام..

ومن هنا؛ علينا ان نحاول خلال شهر رمضان التدرب على الإلتزام بما ينفع صحتنا، ويضمن سلامة أبداننا. ولنعتبر هذا التدرب بمثابة انطلاقة مهمة للسيطرة عليها وكبح جماحها دون وقوع الضرر وحصول الإسراف..

ميلاد النهضة

) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( (البقرة/250-251)

لقد كان من مميزات شهر رمضان المبارك أن المؤمنين يواجهون أعداءهم فيه بروح معنوية عالية. ولم يكن من الصدفة أن الحروب الكبرى التي خاضها المسلمون المؤمنون وانتصروا فيها، قد وقعت في شهر رمضان الكريم، ذلك لأن الله جل جلاله يرفد المؤمنين في هذا الشهر زخماً معنوياً وبركة وقدرة هائلة تمكنهم من التصدي والتحدي.

ففي معركة بدر المظفرة، حيث كان المسلمون أقلية ضعيفة وفقيرة، حدث أنهم انتصروا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين. إذ ان هذه المعركة كانت من الطرف الإسلامي تحت قيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وفي شهر الله المبارك.

إان الرجل ليستطيع إلحاق الهزيمة بأقوى أعدائه بشرط أن يزود نفسه بالإرادة اللازمة، نظراً لأن الحرب بحقيقتها هي حرب إرادات قبل أن تكون حرب وسائل مادية ومواقع جغرافية أو غير ذلك؛ فالحرب صراع الإرادات.

كما يستطيع الرجل ان يشحذ العزم ويقوي الإرادة ويعقد الهمة بالتوكل على خالقه ذي الجلال والإكرام والكبرياء والعظمة والجبروت؛ أي إنه يعلق إرادته بمصدر القوة والظهور والغلبة. هذا من ناحية التوكل، أما من ناحية التأثير المباشر الذي يضيفه شهر رمضان على روح الإنسان المؤمن، فيمكن التعبير عنه بأنه إذا صام وكف نفسه عن المحرمات فقد قويت إرادته، وتنزلت عليه الرحمة من ربه بعد أن وطد علاقته بالله وأعلن دعاءه وتواضعه وتوسله وضراعته له..

ويضرب الله لنا المثل الرائع في قصة بني إسرائيل وملكهم طالوت الذين برزوا للطاغية جالوت، وحيث أصبحت المعركة وشيكة الوقوع، قال المؤمنون متضرعين إلى ربهم القوي العزيز: ) رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً ( ، فهم لم يطلبوا إليه هزيمة عدوهم بصورة طبيعية، بل طلبوا إليه أن يقوي أنفسهم بالصبر ليلحقوا ـ هم بأنفسهم ـ الهزيمة بعدوهم بتوفيق وإذن الله. ثم قالوا متوسلين: ) وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ( لتكون كل جوارحهم وكل وجودهم رؤية صحيحة على أرضية من اليقين، إذ اليقين والرؤية الصحيحة والثاقبة من شأنهما تثبيت قدم الإنسان.

إذن؛ فشهر رمضان المبارك شهر النهضة والإنبعاث والقيام والتحدي.. وإذا لم تسنح الفرصة للمؤمنين للانتصار على أعدائهم، فإنهم مسؤولون في هذا الشهر المبارك عن توحيد صفوفهم ووضع خططهم الواعية للتمهيد لنهضتهم وانتصارهم، وهم بذلك يزدادون إيمانا وحركة في مواجهة أعدائهم.

في العيد

ليلة الغفران

) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سِيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيِهمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( (التحريم/8)

أبارك لكم ـ أيها المؤمنون ـ صيامكم وقيامكم طيلة أيام شهر رمضان الكريم، كما أبارك لكم عيد شهر الصيام؛ فإستعدوا لأخذ جوائزكم من ربكم الجليل، وقد جاء في الحديث: ان الله تعالى يغفر لعدد من التائبين يساوي عدد من غفر لهم طيلة ليالي شهر رمضان وأيامه..

إذن؛ فليلة عيد الفطر هي ليلة الجائزة والغفران.

وأساسا إننا حينما نسمي يوماً من الأيام يوم عيد، فإنما نعني بذلك ونخصصه بإعتباره يوما لإستئناف الحياة وإعادة الحركة من جديد، بناء على ما تمت الإستفادة مما سبقه من أيام، كعيد الفطر الذي إنتهت عنده أيام الصيام والقيام والدعاء والمناجاة والإحساس بجوع الفقير وبذل المساعدة له. كما نقصد به طي صفحة الماضي بسلبياته، وأن المستقبل لوحدة هو الذي بقي لنا.

ففي يوم عيد الفطر حري، بنا أن نفتح صفحة جديدة طاهرة لدى علاقتنا بالله وبأنفسنا وبالمجتمع وبجميع المسؤوليات الملقاة على عواتقنا.

فحينما نعلم أن الله تعالى غفر لنا ذنوبنا، علينا بذل المزيد من الجهد لإستئناف الحياة من جديد.

ببالغ الأسف أقول: ان كثيراً من الناس يتوبوا يوماً ويذنبون في يوم القابل.. وهكذا تراهم بين توبة وذنب، فلا يدرون كيف ستنتهي حياتهم، أو على الأقل لم يصمموا على ماذا ستكون نهايتهم في الدنيا، غافلين عن الحقيقة الدينية القائلة بأن مصير كل إنسان في الآخرة منغلق باللحظة الأخيرة من حياته في الدنيا، فإن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، والعياذ بالله.

إن التوبة النصوح هي العزم على الإستمرار في التوبة حتى النهاية، وهي التوبة التي أمر الله تعالى الإنسان المؤمن بها، وهي التي من الممكن أن يمحو الله بها الذنوب والسيئات، كما صرحت به الآيات المتقدمة الذكر.

فالتوبة النصوح تمحو الماضي المقيت، وتسمح للمؤمنين في يوم القيامة بحمل صفحاتهم بيضاء دون لوث...

والتوبة النصوح نور يسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه، لينقذهم من ظلمات يوم القيامة التي ستعم الجميع بإستثنائهم. وذلك النور كانوا قد ادخروه عبر أعمالهم الصالحة وعبر عزائمهم الراسخة، بالتوجه إلى الله وحده لا شريك له، وعبر ما خاضوه من حياة طاهرة مطهرة متطورة في جادة الصلاح والإصلاح..

يوم العودة إلى الله

) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ( (الحاقة/19-24)

إن يوم عيد الفطر، هو يوم البداية الجديدة، لضيافة ربانية جديدة، ضيافة الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وفي مثل هذا اليوم نجدد العزم على تكريس مكاسبنا من شهر رمضان الكريم.

الآن وقد أصبحنا مطهرين من الذنوب -إن شاء الله تعالى- نحس بالخفة والنشاط والحيوية، كما نحس بأننا أقرب إلى الله سبحانه مما مضى.

إذن؛ فالنفكر في كيفية ترسيخ هذه الروح الإيمانية في أعماق أنفسنا، ونبعد عنا ما تلوثنا به قبل دخول شهر رمضان علينا، وتطهرنا به خلاله.

/ 4