9 - زينب تتحدى طغيان يزيد - صدیقة زینب (علیها السلام)، شقیقة الحسین (علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

صدیقة زینب (علیها السلام)، شقیقة الحسین (علیه السلام) - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


اما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختر (16) والغدر والحدل (17) الا فلا رقأت العبرة (18) ولا هدأت الزخرة ، انما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انــكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم .


2 - ثم اخذت تفضح اهل الكوفة وتبين لهم صفاتهم السوئى التي سببت لهم هذه الهزيمة النكراء حتى جعلتهم ايادي اعداءهم يقتلون سيدهم بيدهم ، فقالت سلام الله عليها :


هل فيكم الا الصلف والعجب والشنف (19) والكذب وملق الاماء وغمز الاعداء كمرعى على دمنه (20) او كفضة على ملحودة (21) ، ألا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون .


3 - ثم بالغت في تقريعهم من اجل ايقاظ ضمائرهم ، فقالت وهي تشير الى بكائهم الفارغ من تحمل المسؤولية ، وقالت :


اتبكون على اخي ، اجل والله فابكوا فانكم والله احق بالبكاء . فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا . ان عليهم ان يبكوا على انفسهم لا على الامام الحسين لانهم قد ذهبوا بعارالفاجعة فقالت :


فقد بليتم بعارها ومنيتم بشنارها (22) ولن ترحضوها (23) ابدا وانى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة .


ثم عادت تبين مدى خسارتهم بقتل سبط النبي ، والذي كان قائدهم في الحرب ، وامامهم في المجتمع (التجمع او الحزب ) ، وكهفهم في السلم ، وبلسمهم عند الجراح ، ومفزعهم عند النوائب ، ومرجعهم عند الاختلاف ، وسندهم عند الاحتجاج ، ومنــار طريقهم عند اختلاف السبل ، فقالت :


وملاذ حربكم ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم وآسي (24) كلمتكم ومفزع نازلتكم والمرجع اليه عند مقالتكم وميدرة (25) حججكم ومنار محجتكم .


ثم انذرتهم بعذاب الله قائلة : الا ساء ما قدمت لكم انفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم . فتعسا تعسا ، ونكسا نكسا لقد خاب السعي وبنت الايدي وخسرت الصفقة ويؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة .


هكذا حملتهم الصديقة كامل المسؤولية عما جرى لكي لا يلقوا بها على القيادات او السلطات او ما اشبه ، وانذرتهم بعاقبة تساهلهم في الدنيا والاخرة . اما في الدنيا فالعار الذي لا يغسل ، واما في الاخرة فالغضب الالهي .


وعادت الصديقة الى بيان عظم الفاجعة وبينت مدى مساسها بصاحب الرسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله ، وقالت :


اتدرون - ويلكم - اي قيد لمحمد فريتم ، واي عهد نكثتم ، واي كريم له ابرزتم ، واي حرمة له هتكتم ، واي دم له سفكتم . لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هذا لقد جئتم بها شوهاء خرقاء طلاع الارض وملء السماء افعجبتهم ان لم تمطر السماء دما ولعذاب الاخرة اخزى وهم لا ينصرون فلا يستخفنكم المهل فانه عز وجل لا يحفزه البدار ولا يخشى عليه فوت الثار . (26)


كلا ان ربك لنا ولهم بالمرصاد ثم انشأت تقول :


ماذا تقولون اذ قال النبي لكم ماذا صنعتم وانتم اخر الامم


بأهل بيتي واولادي ومكرمتي منهم اسارى ومنهم ضرجوا بدم


ما كان ذاك جزائي اذ نصحت لكم ان تخلفوني بسوء في ذوي رحمي


اني لاخشى عليكم ان يحل بكم مثل العذاب الذي اودى على ارم


ثم ولت عنهم (27)


قال حذيم ( الراوي ) فرأيت الناس حيارى قد ردوا ايديهم في افواههم ، فالتفت الي شيخ الى جانبي يبكي وقد اخضلت لحيته بالبكاء ويده مرفوعة الى السماء ، وهو يقول : بأبي وامي كهولهم خير الكهول ، وشبابهم خير الشباب ، ونسلهم نسل كريم ، وفضلهم فضل عظيم .


هكذا كانت زينب عليها السلام صريحة واضحة مع الجمهور ، فلم تتفوه بنصف كلمة غير الحق استمالة لهم . ولعل السبب في ذلك انهم كانوا يعرفون الحق ولا ينصرونه مثلهم مثل الانصار والمهاجرين الذين خاطبتهم الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بذات النبرة الصاعقة .


وكذلك بذات اللهجة التي كانت في كلمات الامام امير المؤمنين في خطاباتها الاخيرة لاهل الكوفة .


وهذا اهم درس ينبغي ان يتعلم الدعاة الحسينيون من الصديقة زينب الا يداهنوا الباطل طمعا في دنيا او يسكتوا عن حق خوفا من سلطان .. الصراحة والوضوح والا فلا ..


ثم ان الخطاب كاد يكون جامعا لسائر المؤثرات النفسية من عاطفة جياشة الى توعية روحية الى ولاء صادق للقيادة الشرعية ودعوة صريحة اليها ، والى تحميل المستمع المسؤولية المباشرة ، وهذا درس اخر نستفيده من الصديقة للمنبر الحسيني الا يهمل اي جانب من المنهج الرسالي لحساب جانب آخر .


كان اهل الكوفة يبررون خروجهم الى قتال سبط رسول الله صلى الله عليه وآله بالخوف من من جيش الشام وسلطة بني امية ، والصديقة زينب تركت الحديث عــن السلطة في خطابها تماما ، بالرغم من انها ركزت عليها في مواجهتها المباشرة لابن زياد الطاغية ، او الطاغوت يزيد . فلماذا لم تتحدث عن ذلك في خطابها الجماهيري ؟


لعلها تركت ذلك عمدا لكي لا يبرر المستمع موقفه بألقاء اللوم على السلطة . كلا .. ان مسؤولية الجبار لا تلغي مسؤولية ادوات سلطته والساكتين عنه والراضين بفعله .


وحين يكون الحديث مع الناس يركز الحديث حول مسؤوليتهم ، بينما حين يكون مع الجبار يبين مسؤوليته ، وهذا من اعظم ركائز البلاغة وهو درس عظيم لاصحاب المنبر الحسيني .


9 - زينب تتحدى طغيان يزيد



سبحان الله ؛ كم هي قدرات الانسان اذا توكل على الله واستعان به ؟


امرأة اسيرة مفجوعة قد اثكلت بثمانية عشر رجلا مالهم على وجه الارض من نظير ، وقد سيقت على محامل بلا وطاء ولا غطاء وضربت واهينت واتعبت وارهقت واؤذيت بابداء وجهها وهي اعظم المخدرات امام جماهير المصفقين و .. و ..


وتدخل اليوم على السلطان القاهر ، والعدو الساخر ، والطاغــوت المنتــصر ، والسفاك المجرم .. تدخل عليه مقيدة هي وابن اخيها العليل واختها وسائر الاسرى المنهوكين بالرحلة المرهقة .


وقد زينت الشام كأي عيد كبير استبشارا بانتصار يزيد ، واحتفل الطاغوت الارعن في قصره فجمع الملأ من قومه لعلهم يرهبون هذه الثلة الباقية من بعد اعظم فاجعة في التاريخ .


هل هناك عامل مادي واحد من عوامل القهر والاذلال بقي خارج المسرح ؟ كلا .. كل الحتميات المادية حسبما يعبرون كانت تدعم طغيان يزيد .


ولكن الله اكبر ، وقوة الروح الايمانية تقهر كل العوامل المادية ، والحق اعلى واعز ، وزينب تمثل اليوم الحق بكل قوته وعزته وجبروته .


وقفت الاسيرة تنظر الى ذلك العرش الزائف بسخرية ، وتنظر الى رأس سيد الشهداء في طست من ذهب بكل فخر واعتزاز ، واخذ يزيد لعنه الله يضرب ثنايا ابي عبد الله بمخصرة كانت في يده وهو يتمثل بأشعار ابن الزجوي وبعد ان اضاف اليه بعض الابيات ويقول :


ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج عن وقع الاسل


لأهلوا واستهلوا فرحا ولقالوا يا يزيد لاتشل


فجزيناهم ببدر مثلها واقمنا مثل بدر فاعتدل


لست من خندق ان لم انتقم من بني احمد ما كان فعل


فقامت زينب وقالت :


الحمد لله رب العالمين وصلى الله على جدي سيد المرسلين ، صــدق الله سبحانه كذلك يقول :


ثم كان عاقبة الذين اساؤوا السوئى ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون


( الروم / 10 )


ثم هشمت رأس الحية بالإستهزاء بسلطانه الزائف والتسامي عن قدراته المادية ببيان قدرة الله التي لا تحد فقالت :


أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض ، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في إسار فان اليك سوقا في قطار ، وانت علينا ذو اقتدار . ان بنا من الله هوانا ، وعليك منه كرامة وامتنانا ؟ وان ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك تضرب اصدريك فرحا (28) وتنفض مدرويك مرحا (29)


حين رأيت الدينا لك مستوسقة ، والامور لديك متسقة وحين صفي لك ملكنا وخلص لك سلطاننا فمهلا مهلا لا تطش جهلا انسيت قول الله . ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما . ( آل عمران / 178)


هكذا جاء اول الخطاب في صورة هجمات متلاحقة لا هوادة فيها ضد شخص الطاغوت ، فيها الاستخفاف بسلطانه والاستهزاء بجبروته والتذكير بعظمة الله ، وان معيار القرب منه ليس الحصول على حطام الدنيا او شيء من متاعها الزائل .


ثم ذكرت يزيد بذنبه العظيم الذي لا يمكنه الفرار منه وهو سوق بنات رسول الله سبايا ، واقرعته بأنه ابن الطلقاء وان رسول الله قد عفى عن آبائه بعد فتح مكة بعد ان قدر عليهم وقال لهم كلمته المعروفه : اذهبوا فانتم الطلقاء . فهل من العدل ان يسوق بنات هذا الرسول الكريم عبر عشرات المنازل هاتكا ستورهن وبلا اي حمي ؟


فقالت سلام الله عليها : أمن العدل يابن الطلقاء تخديرك حرائرك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وابديت وجوههن يحدوا بهن الاعداء من بلد الى بلد ويستشرفهن اهل المناقل ، ويبرزن لأهل المناهل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والغائب والشهيد والشريف والوضيع والدني والرفيع ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي ( حميم ) عتوا منك على الله وجحودا لرسول الله ودفعا لما جاء به من عند الله .


وهكذا قرعته بما يؤنب ضميره بعد ان ازالت عن عينه حجاب السلطــة الزائلة التي يفتخر بها ، ثم عرته امام امراء جيشه وولاة حكومته وبينت له انه لا يمت الى الاسلام الذي يحكم باسمه بأية صلة ، ثم قالت :


الا انها نتيجة خلال الكفر ، وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر فلا يستبطىء في بغضنا اهل البيت من كان نظره الينا شنفا وشنآنا واحنا وضغنا يظهر كفره برسوله ، ويفصح ذلك بلسانه وهو يقول فرحا بقتل ولده وسبي ذريته غير متحوب ولا مستعظم .


لاهلوا واستهلوا فرحا ولقالوا : يا يزيد لا تشل منتحيا على ثنايا ابي عبد الله ، وكان مقبل رسول الله ينكثها بمخصرته قد التمع السرور بوجهه .


لقد كان يزيد يحكم باسم الاسلام وها هي الصديقة زينب تفضحه وتبين انه ليس بمسلم ان في قلبه اضغان يوم بدر حين انتصر الدين على الكفر . وهكذا تكون من واجب الخطباء في عصر الردة مسؤولية فضح النفاق وتبصير الامة بحقيقة السلطات الحاكمة ، وفصل ظاهر دينهم القشري عن جوهر الدين الحق .


فأين تقبيل رسول الله لثنايا ابي عبد الله عليه السلام ، واين نكثها بالمخصرة بنشوة القاتل المحترف ؟


ثم اضافت السيدة وهي تبين عظم المصاب :


لعمري لقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة باراقتك دم سيد شباب اهل الجنة ، وابن يعسوب العرب وشمس آل عبد المطلب ، وهتفت باشياخك وتقربت بدمه الى الكفرة من اسلافك ثم صرخت بندائك . ولعمري قد ناديتهم لو شهدوك (29) ووشيكا تشهدهم ويشهدوك ، ولتود يمينك - كما زعمت - شلت بك عن مرفقها ، واحببت امك لم تحملك واباك لم يلدك حين تصير الى سخط الله ومخاصمتك رسول الله .


وهكذا انذرته السيدة زينب بسوء العاقبة ، و نسفت قاعدة العصبية الجاهلية التي نادى بها ، و بينت ان العصبية في النار لان جذورها المتمثلة في تلك الارواح الشريرة وتلك الاعظم البالية الان تحترق في النار وسوف يلحق الله بها كل الذين ينادون بها .


ثم توجهت بالدعاء الى الله بقلب كسير ، وضراعة بلا نظير قائلة :


اللهم خذ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، ونقض ذمامنا ، وقتل حماتنا وهتك عنا سدولنا .


وعادت بعد هذا الدعاء القصير والمؤثر الى يزيد توبخه على فعلته الشنيعة غير آبهة بطغيانه وصولجانه فقالت :


وفعلت فعلتك التي فعلت ، وما فريت الا جلدك ، وما جززت الا لحمك (30) ، وسترد على رسول الله بما تحملت من ذريته وانتهكت من حرمته وسفكت من دماء عترته ولحمته حيث يجمع به شملهم ، ويلم به شعثهم ، و ينتقم من ظالمهم وياخذ لهم بحقهم من اعدائهم


بهذه الكلمات بينت السيدة زينب مقام سيد الشهداء في عترة الرسول واظهرت ان قتل الامام الحسين كان بمثابة اعدام العترة كلها لأنه قائدهم وجامع شملهم وحاميهم و .. و ..


ثم جابهته بأقوى كلمات التقريع وقالت سلام الله عليها :


ولا يستفزنك الفرح بقتله


ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما اتاهم الله من فضله ( آل عمران / 169 )


وحسبك بالله وليا وحاكما ، و برسول الله خصيما وبجبرئيل ظهيرا وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المسلمين (ان ) بئس للظالمين بدلا وانكم شر مكانا واضل سبيلا


وهكذا ذكرت السيدة زينب سلام الله عليها بمسؤولية القادة والاشراف ( الذين كان كثير منهم حاضرين يستمعون اليها ) وحذرتهم من ان تسلط مثل يزيد عليهم نذير شؤم عليهم وانه البديل الاسوء .


زينب سبط الرسالة ، وشبلة علي الطهر ، و بنت الصديقة فاطمة .. و يزيد الفاجر العاهر و مثلها لا تتكلم مع مثله ، ولكنها بينت عذرها في الحديث مع يزيد وقالت :


وما استصغاري قدرك ، ولا استعظامي تقريعك توهما لانتجاع الخطاب فيك (31) بعد ان تركت عيون المسلمين به عبرى ، و صدورهم عند ذكره حرى فتلك قلوب قاسية ، و نفوس طاغية ، واجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول قد عشعش فيه الشيطان وفرخ ومن هناك مثلك ما درج ونهض . (32)


فالعجب كل العجب لقتل الاتقياء واسباط الانبياء وسليل الاوصياء بايدي الطلقاء الخبيثة ونسل العهرة الفجرة تنطف اكفهم من دمائنا ، وتتحلب افواههم من لحومنا (33) ، و للجثث الزاكية على الجيوب الضاحية (34) تنتابها العواسل وتعفرها الفراعل


هكذا كشفت السيدة عن جوانب من مأساة السبط الشهيد في كلمات مختصرة ولكنها ذات نبرة قوية ثم قالت فلأن اتخذتنا مغنما لتتخذنا وشيكا مغرما حين لاتجد الا ما قدمت يداك وما الله بظلام للعبيد والى الله المشتكى والمعول واليه الملجأ والمؤمل .


المرة بعد الاخرى تذكر الصديقة زينب خصمها الطاغي بالله واليوم الاخر وانه سوف يرى جزاء افعاله فاذا بمكاسب الانتصار في الدنيا تصبح عوامل الهزيمة والعذاب ، في الاخرة ، اما دنياه فانها زائلة لا محالة وانما يبقى الحق الذي يتمثل في الرسالة ومن انتسب اليها الرسول واهل بيته الطاهرين فقالت سلام الله :


ثم كد كيدك ، واجهد جهدك ، فوالذي شرفنا بالوحي والكتاب ، والنبوة والانتجاب لا تدرك امدنا ، ولا تبلغ غايتنا ولا تمحو ذكرنا ، ولا ترحض عنك عارنا ، وهل رأيك الا فند وايامك الا عدد ، و جمعك الا بدد يوم ينادي المنادي الا لعن الظالم العادي .


وفي الختام توجهت الى الله سبحانه بالدعاء قائلة :


والحمد لله الذي حكم لاولياءه بالسعادة ، وختم لاوصياءه ببلوغ الارادة . نقلهم الى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة ، ولم يشق بهم غيرك ، ولا ابتلي بهم سواك ، ونسأله ان يكمل لهــم الاجر ، ويجزل لهم الثواب والذخر ، ونسأله حسن الخلافة وجميل الانابـــة انه رحيم ودود .


فقال يزيد مجيبا لها شعرا :


يا صيحة تحمد من صوائح ما اهون الموت على النوائح (35)


لقد هزت زينب ليس عرش بني امية فقط ، و انما هزت فؤاد يزيد الطاغية ، وجعلته يقول بعد فترة :


لعن الله ( ابن مرجانة ) فانه اخرجه ( يعني الحسين ) واضطره ثم قتله فبغضني بقتله الى المسلمين وزرع لي في قلوبهم العداوة بما استعظموه من قتلي حسينا . مالي ولابن مرجانة لعنه الله . (36)


لقد اهتز يزيد ، واهتز العرش ، وزلزلت الارض تحت اقدام بني امية ، ولكن ذلك لم يكن كافيا . ان فاجعة الطف اعمق اثرا من ذلك ، وان الهدف منها اعظم واخطر . لابد ان تبقى هذه المأساة وخزا في ضمير المتقاعسين ، ونورا لدرب المجاهدين ، وحبا للشهادة في نفوس المؤمنين .


وهكذا نصبت زينب سلام الله عليها مجلس العزاء في الشام ، ثم لما عادت الى المدينة دخلتها هي والامام زين العابدين عليهما السلام وسائر الاسارى بصورة فجيعة ، ثم نصبت السيدة زينب مجالس العزاء ، واخذت النساء يدخلن عليها وهي تصف لهن ما جرى عليهم وتحرض الناس على سلطة يزيد حتى كتب والي المدينة ( عمرو بن سعد الاشدق ) الى يزيد يقول :


ان وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر ، وانها فصيحة عاقلة لبيبة وقد عزمت هي ومن معها على القيام للاخذ بثأر الحسين .


فكتب اليه يزيد :


فرق بينها وبين اهل المدينة !


وهكذا طلب الوالي من السيدة مغادرة المدينة الى اي جهة شاءت ، فأبت و تحدت اوامر يزيد قائلة : قد علم والله ما صار الينا ، قتل خيرنا وسيق الباقون كما تساق الانعام وحملنا على الاقتاب ، فوالله لا خرجنا وان اريقت دماؤنا .


الا ان نسوة من الهاشميات تلطفن معها حتى اقتنعت بالخروج من المدينة ، ولعلها سلام الله عليها رأت في الخروج من المدينة فائدة للنهضة . وهكذا اختارت مصر حسب التواريخ حيث الارضية المناسبة لحب اهل البيت ، وقيل ذهبت الى الشام ، وقال البعض انما خرجت بطلب من الامام زين العابدين عليه السلام .


10 - الرحلة الاخيرة



وهنا تختلف الروايات التاريخية ؛ هل ذهبت الصديقة الى مصر حيث وافتها المنية أم الى الشام حيث مرقدها اليوم ؟ وانى كانت فان رسالة زينب التاريخية قد اكتملت ، وها هي تحس بثقل الفجائع على قلبها . لقد ضاقت الدنيا بها واشتاقت الى اسلافها .


دعنا نرافق سيدتنا الى مثواها حيث الاخير تقول احدى الروايات التاريخية :


انها خرجت في لمة من نساءها قاصدة مصر حيث شيعة ابيها وحيث الوالي الانصاري مسلمة بن مخلد الانصاري الذي يحترم آل البيت اشد الاحترام .


وحينما بلغ الخبر الوالي خرج في جمع من اشراف مصر يستقبلها ، فلما بدا الركب لهم في غرة شعبان لعام 61 هـ وهي ذات السنة التي استشهد الامام الحسين عليه السلام في مستهلة العاشر من محرم ، استقبلها اشراف مصر بالبكاء والنحيب فها هي زينب ام المصائب والتي اصبح اسمها شعيرة من شعائر البكاء والنياحة .


وسكنت زينب في بيت الوالي وانشغلت بالعبادة وتلاوة القرآن .


ومرت الايام وازدادت الصديقة توغلا في الابتهال والتهجد حتى كان اليوم الرابع عشر من شهر رجب من العام (62) على هذه الرواية ، حيث وافتها المنية ودفنت حيث مرقدها الشريف مزار الشعب المصري . وقبل وفاتها جاءها الوالي وطلب منها ان توصي له بنسخة القرآن التي تقرء فيها فقالت له : انك لا تستفيد منها فلم يعرف سر هذا الكلام ، الا ان الوالي مات في اليوم الثاني من وفاة الصديقة ، و عرف سر كلامها ثم دفن بجوارها حيث اوصى بذلك .


وتقول الرواية الثانية :


ان عبد الله بن جعفر زوج الصديقة لما رأها قد انهد ركنها ، وضعف جسمها رحل بها الى بلاد الشام حيث كانت له ضيعة في اطراف دمشق ، فسكنت هناك برهة من الزمان ثم توفيت ، حيث مرقدها اليوم .


وسواء صحت هذه او تلك الرواية التي تبدو عند اكثر المؤرخين الاصح ، فان مقام السيدة يوجد اليوم في اكثر من بقعة ، والوافدون على هذه المقامات يطلبون الاجر والثواب ، والله سبحانه مجازيهم خير الجزاء في الاخرة ، كما ان استجابة دعواتهم في كل موقع دليل على قبول طاعاتهم .



11 - زلزلت الارض



ومضت السيدة زينب لربها قبل ان ترى ثمرات جهادها المضني ، و ثمرات دماء الشهداء من اهل بيتها .. ولكن متى كان عباد الله يجاهدون من اجل انفسهم ؟


ان الهدف الاسمى للمجاهد الحق رضوان الله وان يلقى ربه نقي الجانب من الخضوع للطغاة او السكوت عن الظالمين ، واما الفتح فانه هدف آخر يريده المجاهد لدينه ولأمته قبل ان يريده لنفسه .


بلى بعد وفاة الصديقة زينب بسنة واشهر ثارت المدينة المنورة بقيادة ابن غسيل الملائكة عبد الله بن حنظلة ، وبالرغم من ان يزيد استطاع اخماد الثورة بقسوة بالغة حيث اباح المدينة لقائده الزنيم الذي سمى بحق مسرفا بعد ان كان اسمه مسلم بن عقبة الا ان حصيلته من تلك الوقعة التي سميت بوقعة الحرة لم تكن سوى المزيد من الافتضاح واللعن .. حيث ان عدوه عبد الله بن الزبير قويت شوكته ، لان يزيد امر بعد تلك الواقعة التي كانت في نهاية العام (62) للهجرة بوضع المنجنيق ورمي الكعبة بالحجارة لاخراج ابن الزبير منها ، ففشلت حملته التي وقعت في السنة (63) للهجرة ، وهلك يزيد وغاص البيت الاموي في غمرات المشاكل .


لقد مضت الصديقة زينب الى ربها بعد ان زرعت في الكوفة ايضا بذور المعارضة ، فلم تمر الا بضع سنوات حتى اخضرت واينعت فاذا بانتفاضة التوابين بعد حوالي خمس سنوات من مقتل السبط الشهيد ، والتي كانت بقيادة الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي والذي القى خطابا الهب حماس الجماهير فقال فيما قال : اما بعد فقد ابتلينا بطول العمر والتعرض لانواع الفتن فنرغب الى ربنا الا يجعلنا ممن يقول له غدا اولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ( فاطر / 37) فان امير المؤمنين عليا قال : العمر الذي اعذر الله فيه الى ابن آدم ستون سنة وليس فينا رجل الا وقد بلغه .


ثم اضاف : فما عذرنا عند ربنا وعند لقاء نبينا وقد قتل فينا ولد حبيبه وذريته ونسله . لا والله ، لا عذر دون ان تقتلوا قاتله والموالين عليه او تقتلوا في طلب ذلك . (37)


كلمة يا لثارات الحسين اصبحت شعار كل ثائر ، وهكذا نسمع هذا الشعار في ازقة الكوفة ابتداء من السنة (65) للهجرة ، واذا بالالوف من الشيعة الذين اعتبروا انفسهم مقصرين تجاه السبط الشهيد يخرجون من الكوفة الى كربلاء حيث يستغفرون الله عند مزار ابي عبد الله الحسين عليه السلام ثم يتوجهون الى الشام للانتقام من دم الشهيد . وكانت تلك الحملة الفدائية شبيهة في كثير من الوجوه لذات الواقعة التي شهدتها كربلاء في يوم عاشوراء ، لا تهدف الانتصار بل الشهادة دفاعا عن الحق ، واستشهد الصحابي الجليل سليمان بن صرد وثلة من الفقهاء والقراء الصالحين ، وجرت دمائهم الزاكية في ذات القناة التي جرت فيها دماء شهداء الطف حيث روت شجرة الاسلام ، واحيت الضمائر ، واثارت الهمم ، وكانت مقدمة لثورة اخرى اعقبتها بقيادة المختار الثقفي ، والتي استهدفت قتلة الحسين سلام الله عليه واستأصلتهم وبعثت برؤوسهم الى المدينة عند الامام زين العابدين عليه السلام .


وتلاحقت الثورات واصبحت راية السبط الشهيد المصبوغة بالدم الثائر ، والتي رفعتها السيدة زينب اصبحت مرفوعة خفاقة تنضوي تحتها النفوس الابية ولا تزال .


تلك كانت من ثمرات جهاد الصديقة زينب ، فسلام الله عليها وعلى جدها وابيها وامها واخويها .


واليوم يقتدي بالصديقة الطاهرة مئات الملايين من البشر ، حيث يحيون كل عام شعائر السبط الشهيد والتي تزداد كل يوم تألقا وانتشارا .


وانا اسطر هذه الكلمات الاخيرة من هذا الكتاب في يوم التاسع من شهر محرم لعام 1416 للهجرة اي بعد مرور (1355 ) من واقعة الطف ، اجد عاصمة الجمهورية الاسلامية في ايران ( طهران ) وعاصمة العلم (قم ) تشهد مراسيم احياء الذكرى كأعظم مناسبة وطنية او دينية ، وكأن الحدث التاريخي واقع هذا اليوم ، كما نستمع الى نشرات خبرية تطلعنا على مثل ذلك في عشرات الدول ، ولاول مرة تشارك الاجهزة العالمية للاعلام في نشر اخبار العزاء على الحسين (38)


يا ايتها الصديقة الطاهرة لك منا سلام واكبار على ما بذلتي من جهد في سبيل رسالة النهضة الحسينية ، وعهدا منا ان نظل اوفياء لهذه النهضة باذن الله ، وما توفيقنا الا بالله عليه توكلنا واليه ننيب .



(1) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 164 / الطبعة الثانية في طهران


(2) الكامل في التاريخ لابن اثير / ج 1 - ص 608


(3) بنت الشاطي في كتابها السيدة زينب نقلا عن ابن حجر في الاصابة / ج 3 - ص 49


(4) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 116


(5) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 177


(6) مفاتيح الجنان دعاء اليوم الثالث من شهر شعبان


(7) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 3


(8) المصدر / ص 34


(9) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 179 - 180


(10) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 116


(11) المصدر / ص 156


(12) مستدرك الوسائل / ج 2 - ص 635 ، وايضا : الطفل بين الوراثة والتربية / ج 20 - ص 253


(13) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 162


(14) موسوعة بحار الانوار / ج 45 ص 115


(15) الختر : اقبح الغدر وفي الحديث : ماختر قوم بالعهد الا سلط عليهم العدو ( المعجم الوسيط / ج 1 - ص 217 )


(16) الحدل : يقال رجل حدل وحكم . حدل : غير عادل ( المصدر / ص 162 )


(17) رقأت العبرة : سكنت الدمعة


(18) الشنف : البغضاء


(19) مرعى على دمنة : خضار فوق القمام


(20) فضة على ملحودة : فضة فوق قبر والمثلان يضربان لما ظاهره حسن وباطنه قبيح


(21) الشنار : الامر المشهور بالشنعة والقبح ( المصدر / ص 496)


(22) رحض : الثوب غسله ( المصدر / ص 334 )


(23) الآسي : الجراح والطبيب ( المصدر / ص 18 ) والكلم الجرح


(24) المدرة : زعيم القوم وخطيبهم المتكلم عنهم ( المصدر / ص 282 )


(25) اي لا يدعوه خوف الوقت الى المبادرة الى اخذ الثأر بل انه يمهل


(26) موسوعة بحار الانوار ج / 45 - ص 163 - 164


(27) اي يضرب منكبيه بيده للدلالة على اللهو والسرور


(28) المدروان جانبا الاليتين او انهما جانبا كل شيء ، ونفضهما دلالة على البغي والتوعد او على المرح والتكبر


(29) لعل مرادها انهم اموات غير احياء فكيف يسمعونك ، بلى حين تلتحق بهم يسمعونك وهناك تندم لانهم واياك في النار .


(30) اي انك ما فعلت الذي فعلته الا بنفسك لانه مجزي به .


(31) في بعض النسخ هكذا : ولان جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لاستصغر قدرك ، واستعظم تقريعك واستكبر توبيخك ، لكن العيون عبرى والصدور حرى . ( بحار الانوار / ج 45 - ص 134 عن الملهوف ) وهذا النص يوضح ما في المتن حيث يدل على ان زينب بينت انها ارفع مقاما من مخاطبة يزيد ، ولكنها مفجوعة وهي بالتالي لا تنتظر من يزيد التوبة لانه قد انغمس في الجريمة .


(32) هذا مثل يدل على ان من تربى في بيت السوء لا يرجى صلاحه .


(33) اي تقطر من ايديهم دمائنا وتأكل افواههم لحومنا .


(34) الجيوب : اي الارض الغليظة ( وتقصد وادي كربلاء حيث الفاجعة ) .


(35) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 157 - 160 .


(36) السيدة زينب ( بنت الشاطىء ) ص 158 نقلا عن الطبري وابن الاثير .


(37) الكامل لابن اثير / ج 2 - ص 625 .


(38) نشرت محطة سي - ان - ان العالمية صورا عن مراسيم العزاء في مدينة باكو عاصمة اذربايجان الاسلامية .


/ 3