3- اصاله اللزوم فى العقود - مدخل إلی دراسة نص الغدیر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مدخل إلی دراسة نص الغدیر - نسخه متنی

محمد مهدی الآصفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


وبتعبيرآخر: هو نحو من ولايه الاكثريه على الاقليه، ولا يتم بناء
على المنطلق (التوحيدى) الذى انطلقنا منه الا بتفويض من
اللّه تعالى للاكثريه فى اختيار الامام للاقليه، بل فى اختيار
الامام للجيل القابل الذى يواجه امرا واقعا لم يشترك فى تقريره
واختياره، ولم يوخذ برايه فيه.

فنعود مره اخرى الى مساله (التفويض) من جانب اللّه للاكثريه
فى تقرير مصير الاقليه، ومصير الجيل القادم الذى لم يبلغ سن
النضج الشرعى بعد، ومن دون اثبات هذا التفويض من جانب
اللّه تعالى لا يحق للاكثريه الزام الاقليه بولايه شخص،ولا يحق
لها الزام الجيل المقبل برايها وقرارها.

ونحن لم نجد من خلال الاستعراض للنصوص الوارده فى
الكتاب وما صح من حديث رسول اللّه(ص) مثل هذا التفويض.

وبتوضيح آخر: ان القاعده تسلط الانسان على ان يفعل ما يشاء
فيما يتعلق بنفسه وماله، فى غير ما حرم اللّه تعالى، وفى غير ما
تعلق به حقوق الاخرين، ولا تسلط الانسان على اختيارات
الاخرين وشوونهم وحقوقهم، ولا تفوضه ان يتصرف فى حقوق
الاخرين، من دون اذنهم.

فللانسان ان يبيع ما يشاء من امواله او يهديه، او يتصرف فيها
بما يرى فى غير ما حرم اللّه، وفى غير ما يتعلق به
حقوق الاخرين. وليس له ان يبيع اموال الاخرين، اصاله، ووكاله
ما لم يفوضه الاخرون فى ذلك.

وسر ذلك ان هذه القاعده فقط تسلط الانسان على ما يتعلق
بنفسه وشوونه ولا تفوضه فى شوون الاخرين.

وبعد هذا التوضيح نعود الى تطبيق القاعده والاصل على مساله
الامامه العامه والولايه... فنقول:
ان القاعده تسلط الانسان على طاعه من يحب فى غير معصيه
اللّه تعالى، كما ان الاصل يبيح له ذلك، وهذا امر يتعلق به،فله
ان يطيع من يحب فى غير معصيه، وله ان يخالف من يحب
مخالفته فى غير معصيه... وهذا هو حد دلاله القاعده والاصل.

ولكن ما لا يصح له: ان يختار اماما وحاكما للجميع، فهذا ليس
من شانه، وانما هو من شان اللّه تعالى الذى يملك الحكم والولايه
على الجميع (ان الحكم الاللّه).

وكذلك الامر فى (الاصل)، فان اصاله الاباحه تبيح له فقط
التصرف فيما خلق اللّه تعالى لعباده من رزق، ولم يفوضه
هذاالاصل فيما يتعلق بشوون الاخرين وحقوقهم.

وعليه فلا يمكن التمسك بالقاعده والاصل لاثبات التفويض من
جانب اللّه تعالى للانسان فى اختيار الامام وولى الامرللامه.

اذن نستطيع ان نقول بعد هذا الاستطراد: ان قواعد واصولا
فقهيه من قبيل (قاعده التسليط) و (اصاله الاباحه الاوليه)
لايمكن التمسك بها فى توجيه شرعيه مساله الاختيار فى امر
الامامه، وتبقى دلاله هذه القاعده وذلك الاصل فى
دائره الشوون الفرديه فقط، دون الشوون المتعلقه بالامه فى امر
السياده والولايه وامثالها. على ان هذه القاعده، اذا
صحت دلالتها، لا تزيد على افضل التقادير على تمكين الناس
من طاعه من يريدون طاعته فيما يصح لهم ان يفعلوه
بانفسهم،وتمكن الحاكم بالمقابل من الامر والنهى والزام الناس
بالطاعه فى نفس الدائره التى سلط الناس عليها. ولا تدل بوجه
من الوجوه على شرعيه التصرفات التى لا تصح الا من الامام،
ولم يسلط اللّه الناس عليها، مثل تزويج غير البالغه،
وتطليق المراه عن زوجها، واجراء الحدود الشرعيه ومسائل
الجبايه، وغير ذلك من الامور التى لا تصح الا من الامام، وهى
كثيره.

فان قاعده التسليط لا تزيد على تمكين الامام من الزام الناس
بما سلط اللّه الناس عليها.

والامور التى ذكرناها لا تدخل فى دائره الامور التى سلط اللّه
الناس عليها، وتقع خارج مساحه قاعده التسليط
بالضروره،وهى من مقومات الامامه والولايه، ولا تتم الامامه
والولايه الا بها.

3 - اصاله اللزوم فى العقود :

3- اصاله اللزوم فى العقود


وتعتمد هذه النظريه شرعيه واصاله اللزوم فى كل التزام وعقد،
الا ما خرج بدليل، انطلاقا من قوله تعالى: (اوفوابالعقود)، والوفاء
بالعقد هو الالتزام به ولزومه من الناحيه الشرعيه.

والامر بين الامه والامام عقد شرعى قائم بطرفين هما الامه
والامام، ومضمون هذا العقد الطاعه من طرف والعداله ورعايه
مصالح الامه من جانب آخر، فيتعهد الامام للامه برعايه مصالح
الامه والعدل بين الرعيه، وتتعهد الامه له بالطاعه. وقد امر اللّه
تعالى المومنين بالوفاء بالعقود.

مناقشه نظريه العقد :

مناقشه نظريه العقد


تعتمد هذه النظريه سلطان الانسان على نفسه وماله، فاذا كان
الانسان يملك نفسه وماله جاز له ان يعط ى حق السياده على
نفسه للحاكم بموجب عقد واتفاق فيما بين الامه وبين الامام.

وعندئذ لا يصح له ان يتراجع عن قراره، ويلزمه هذاالعقد
بموجب قانون وجوب الوفاء بالعقود المستخرج من آيه الوفاء
بالعقود فى القرآن فى سوره المائده.

ولكننا نشك فى الاصل الذى يعتمده قانون شرعيه العقد
واصاله اللزوم فى العقود، وهو سلطان الانسان على نفسه.

فقدسبق ان ناقشنا قاعده التسليط ودلالتها على مبدا
التفويض. ولا يصح من العقود ولا يلزم الا ما جعل اللّه تعالى
للانسان فيه سلطانا عليه. فما ملك اللّه عباده من انفسهم
واموالهم وسلطهم عليه صح لهم ان يتنازلوا عنه ويمنحوه لمن
يشاوون بالعقود والاتفاقيات، ولزمهم الوفاء بالعقد، وما لم
يملكهم اللّه تعالى، ولم يسلطهم عليه من انفسهم واموالهم، فلا
يصح لهم ان يتنازلوا عنه بعقد او غيره.

اذن الكلام يرجع مره اخرى الى قاعده (التسليط). وقد ناقشنا
هذه القاعده من قبل، فلا نعيد المناقشه.

4 - التمسك بادله (وجوب نصب الامام) و (طاعه

4- التمسك بادله (وجوب نصب
الامام) و (طاعه اولى الامر)


اولى الامر) :
وقد يستند بعض الفقهاء والمتكلمين الى:
ا - ادله وجوب نصب الامام على عموم المسلمين.

ب - وعلى ادله وجوب طاعه اولى الامر. فى تصحيح فرضيه
(التفويض)، وفى شرعيه (الاختيار). وتوضيح هذاالاستناد:
ان ادله وجوب نصب الامام على المسلمين تستبطن تفويض
المسلمين امر اختيار الامام. وهذا التفويض يصحح
شرعيه(الاختيار) هذا فى النقطه الاولى.

وفيما يتعلق بادله وجوب طاعه اولى الامر:
يستند بعض الفقهاء فى وجوب طاعه المتصدين للحكم وتقرير
شرعيه ولايتهم الى اطلاق قوله تعالى: (اطيعوا اللّهواطيعوا
الرسول واولى الامر منكم) باعتبار ان اطلاق (اولى الامر)
يقتضى وجوب الطاعه لكل من يتولى امرالمسلمين، مهما كان
مصدر ولايته (النص) او (الاختيار) او (استخدام القوه).

ولنا ملاحظات جوهريه على هذا المستند وذاك، نوردها فيما
يلى ان شاء اللّه.

لا يحقق الحكم موضوعه :

لا يحقق الحكم موضوعه


وروح المواخذه التى ترد على هذا الدليل ان ادله وجوب نصب
الامام لا تدل على اكثر من وجوب نصب الامام الذى ياذن به اللّه
تعالى.

ولا يتكفل الدليل وجود هذا الاذن وعدمه، على نحو العموم او
الخصوص فى الشخص المرشح للولايه.

وبتعبير آخر: الحكم بوجوب نصب الامام يتكون من موضوع
وحكم. اما الموضوع فهو الشخص الموهل للحكم، اوالماذون له
بالولايه على المسلمين، من جانب اللّه، واما الحكم فهو وجوب
النصب، ووجوب تمكينه من الحكم.

والحكم يترتب على موضوعه الشرعى المحدد، وهو الشخص
الذى اذن اللّه تعالى بتنصيبه للامامه.

وفعند وجود الموضوع فى الخارج يتحقق الحكم، ويجب
النصب، وعند انتفاء الموضوع فى الخارج ينتفى الحكم،
فان الحكم يثبت بثبوت موضوعه وينتفى بانتفاء موضوعه، ولا
يثبت الحكم موضوعه.

فيبقى التساول عن الدليل على شرعيه الانتخاب والاختيار
وشرعيه تصدى الشخص الذى تم انتخابه من جانب الناس لامر
الولايه والحكم على قوته، ولايكون فى الامر بوجوب النصب،
ولا الحكم بوجوب الطاعه دليل على شرعيه ولايه المنصوب
باختيار الناس، ما لم يرد دليل شرعى على صلاحيه المتصدين
للحكم للولايه والامامه، من جانب اللّه تعالى وصلاحيه الناس
فى اختيار الامام من جانب اللّه تعالى.

لا يجوز التمسك بالعام فى الشبهات المصداقيه :

لا يجوز التمسك بالعام فى الشبهات
المصداقيه


ولان هذه الشبهه تتفق بين حين وآخر لبعض الفقهاء
والمتكلمين، لا بد من توضيح اكثر لهذا النقد الذى شرحناه
آنفا،باستخدام بعض مصطلحات (علم الاصول).

فاقول : ان القضايا الحقيقيه من قبيل (وجوب طاعه اولى
الامر) و (وجوب مبايعه اولى الامر) تتكون من موضوع وحكم،
والحكم هو وجوب الطاعه والبيعه والالتزام بها، وحرمه نقضها،
والموضوع هو (اولو الامر).

والحكم يترتب على موضوعه الحقيقى الموجود فى الخارج، او
(الموضوع التقديرى)، ولذلك فان كل قضيه حقيقيه تنحل الى
قضيه شرطيه، يكون فيها المقدم: (الشرط) هو الموضوع،
والتالى: (النتيجه) هو الحكم، ويكون معنى وجوب طاعه اولى
الامر وجوب الطاعه، اذا تصدى ولى الامر بحدوده وشروطه
الحقيقيه لامر الولايه، وشروطه وحدوده الحقيقيه هى التى
يحددها اللّه تعالى على نحو العموم او الخصوص، ومن دون
ذلك لا يكون الشخص المرشح لولايه الامر وليا للامر.

والقضيه الحقيقيه تتكفل لاثبات الحكم عند تحقق الموضوع،
فاذا شككنا فى موضوع خارجى انه مصداق للموضوع اولا، فلا
يمكن التمسك باطلاق الموضوع او عمومه لادخال المصداق
المشكوك فيه فى عموم الموضوع او اطلاقه.

فاذا امرنا بمراجعه الاطباء مثلا على نحو العموم او الاطلاق، فى
حالات المرض، وشككنا فى موضوع خارجى(شخص متصدى
للطبابه) انه طبيب ام لا، فلا يمكن التمسك بعموم مراجعه
الاطباء او اطلاقه لادخال المصداق المشكوك فيه فى الاطباء،
ووجوب مراجعته والاخذ بمشورته الطبيه.

ولذلك يقول علماء الاصول: ان القضيه الحقيقيه لا يثبت
موضوعها فى موارد الشك فى المصداق، ولا يمكن
التمسك بالعموم فى الشبهات المصداقيه، اذا ورد مخصص
على العموم، واحتملنا دخول مصداق من المصاديق المشتبه به
فى المخصص، فيكون خارجا عن العموم، او فى العام فيكون غير
مشمول للمخصص. فان علماء الاصول يذهبون، قولاواحدا، الى
عدم جواز التمسك بالعموم فى مثل هذه الموارد اذا كانت
الشبهه فى المصداق.

والامر فى الاوامر الوارده بطاعه اولى الامر، ومبايعتهم،
والالتزام ببيعتهم، وحرمه نقضها كذلك... ليس فيها ايه
دلاله اطلاقا على وجوب طاعه المتصدين لولايه الامر، وشرعيه
ولايتهم ما لم يرد اذن صريح من اللّه تعالى بولايتهم.

فاذا شككنا فى هذا الاذن للشخص المتصدى للولايه (على نحو
الشك فى الانطباق والمصداق) انتفى الحكم بالطاعه قطعا. فلا
يشمل الامر بطاعه اولى الامر الا الذين نعلم بان اللّه تعالى اذن
لهم بالولايه، وولاهم امور الناس، ولا يمكن الاستناد الى هذه
الايه فى الحكم بطاعه المتصدين للحكم، مالم نعلم انطباق
الاذن بالولايه عليهم، وما لم يرد نص صريح عموما او خصوصا
من اللّه تعالى او رسوله بتنصيبهم او تاهيلهم للحكم، وليس
فيما بين ايدينا مما صح من حديث رسول اللّه(ص) مثل هذا
النص.

5 - نصوص التامير : name="link48">
روى ابو داود فى السنن عن ابى هريره عن رسول اللّه(ص): (اذا
كان ثلاثه فى سفر فليومروا احدهم) وعن ابى سعيدالخدرى
عن رسول اللّه(ص): (اذا خرج ثلاثه فى سفر فليومروا احدهم).

فان هذا (التامير) من التفويض فى التامير، والتفويض تام بنص
صريح من رسول اللّه(ص)، وما يصح فى ثلاثه فى سفر يصح فى
الجماعه فى سفر وحضر، وما يصح فى الجماعه يصح فى الامه.

وهو قياس غريب، وغرابته انه قياس مع الفارق، ولا يصح قياس
جماعه او رهط فى السفر يتخذون لانفسهم اميرا،يرجعون اليه
فيما يختلفون فيه ب (الامه) فى عرضها العريض فى امر الولايه
والامامه. ولا يمكن ان يكون هذا الحديث وامثاله سندا ودليلا
لمثل هذا الامر.

على ان مثل هذا التامير لا يلزم رفقه السفر بالطاعه، بالتاكيد،
ولم يخلق اللّه تعالى بعد، الفقيه الذى يفتى بموجب هذه الروايه
بحرمه مخالفه الامير الذى يختاره الثلاثه او الاربعه من بينهم،
ووجوب طاعته فى كل شى ء يختلفون فيه من امورالسفر.

اذن هذه الطاعه من الطاعه التطوعيه غير الملزمه حتى فى
موردها، فضلا عن الموارد التى تقاس بها، والاماره غير ملزمه.

6 - تامير الخلفاء الثلاثه بعد رسول اللّه (ص):

رسول اللّه(ص)

6- تاميرالخلفاء الثلاثه بعد


وروى احمد بن حنبل فى المسند (1/175 ح 861) فى مسند
على (ع) قال: قيل يا رسول اللّه(ص)، من يومر بعدك؟ قال:
(ان تومروا ابا بكر (رضى اللّه) تجدوه امينا زاهدا فى الدنيا راغبا
فى الاخره. وان تومروا عمر (رضى اللّه) تجدوه قويا امينا، لا
يخاف فى اللّهلومه لائم. وان تومروا عليا (رضى اللّه)، ولا اراكم
فاعلين تجدوه هاديا مهديا، ياخذ بكم الصراط المستقيم).

وامارات الوضع على هذه الروايه اوضح من ان تخفى.

ولست اعرف موقعا لكلمه (ولا اراكم فاعلين) فان كان
المقصود الاماره بعد رسول اللّه(ص) مباشره فهذه الكلمه لا
تخص عليا (ع) وحده، وانما تشمل الخليفه الثانى والثالث ايضا
وان كان المقصود بالخلافه مطلقا، فقد فعل الناس ذلك،
وامرواعليا (ع) عليهم بعد خلافه عثمان بن عفان. والوصف
الوارد فى هذه الروايه عن على(ع) عن رسول اللّه (ص)
بخلافه الخليفه الاول والثانى يختلف عن الوصف الذى يصف به
الامام خلافه ابى بكر وعمر فى خطبه الشقشقيه، كما فى
نهج البلاغه. ولا نستطيع ان نجمع بين راى الامام فى خلافه
الخليفه الاول والثانى وبين الروايه المنسوبه اليه عن
رسول اللّه(ص).

7 - البيعه لخليفتين :

7- البيعه لخليفتين


وروى فى الصحيح عن رسول اللّه(ص): (اذا بويع لخليفتين
فاقتلوا الاخر منهما).

فقد يتمسك بها فى ان الخلافه تنعقد بالبيعه ولا تحتاج الى
النص، ولذلك فقد تنعقد البيعه لخليفتين، ولا يمكن ذلك
الاعلى مبدا الاختيار والتفويض والاكتفاء به عن النص. وهذا
اكثر ما يمكن ان توجه به هذه الروايه فى مساله (التفويض
فى الامامه).

ومع الغض عن بعض الملاحظات الوارده فى متن الروايه من
قبيل كلمه (الخليفه) و (الخليفتين) فانها من
المصطلحات المستحدثه بعد رسول اللّه(ص).

اقول : ان هذه الروايه ليست بصدد بيان الوسائل الشرعيه
لانعقاد الامامه والخلافه، وانما هى فقط بصدد دفع
مفسده تعدد محاور الولايه والحكم فى المسلمين، وما يودى
ذلك اليه من فساد فى المجتمع وهلاك للحرث والنسل
فى الصراع على السلطه.

ولدفع هذه المفسده يجب على المسلمين ان يقتلوا ثانى
الخليفتين، لتستقر امورهم السياسيه.

8 - شرعيه البيعه والشورى فى كلمات الامام (ع):

كلمات
الامام (ع)

8- شرعيه البيعه والشورى فى


وروى الشريف الرضى ان امير المومنين على بن ابى طالب (ع)
عندما تولى الخلافه بعث جرير بن عبداللّه البجلى بكتاب الى
معاويه بن ابى سفيان يطلب فيه منه البيعه. وهذا نص الكتاب
بروايه الشريف.

(بايعنى القوم الذين بايعوا ابا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم
عليه فلم يكن للشاهد ان يختار، ولا للغائب ان يرد، وانما
الشورى للمهاجرين والانصار، فان اجتمعوا على رجل وسموه
اماما كان ذلك للّه رضا، فان خرج عن امرهم خارج بطعن او
بدعه ردوه الى ما خرج منه، فان ابى قاتلوه على اتباعه غير
سبيل المومنين، وولاه اللّه ما تولى).

قال الزبير بن بكار فى (الموفقيات): ان عليا (ع) لما بعث جريرا
الى معاويه خرج وهو لا يرى احدا قد سبقه اليه. قال:فقدمت
على معاويه فوجدته يخطب الناس، وهم حوله يبكون حول
قميص عثمان وهو معلق على رمح مخضوب بالدم فدفعت اليه
كتاب على (ع) فقال معاويه: اقم فان الناس قد نفروا عند قتل
عثمان حتى يسكنوا... ثم جاءه كتاب آخر من الوليد بن عقبه.

فلما جاءه هذا الكتاب وصل بين طومارين ابيضين ثم طواهما،
وكتب عنوانهما ودفعهما الى، لا اعلم ما فيهما ولااظنهما الا
جوابا، بعث معى رجلا من بنى عبس، فخرجنا حتى قدمنا الى
الكوفه، واجتمع الناس فى المسجد، لايشكون انها بيعه اهل
الشام، فلما فتح على (ع) الكتاب لم يجد شيئا، وقام العبسى
فقال: انى احلف باللّه لقد تركت تحت قميص عثمان اكثر من
خمسين الف شيخ خاضبى لحاهم بدموع اعينهم متعاقدين
متحالفين ليقتلن قتلته فى البروالبحر، ثم دفع الى على (ع)
كتابا من معاويه ففتحه فوجد فيه:
اتانى امر فيه للنفس غمه
وفيه اجتداع للانوف اصيل
مصاب امير المومنين وهده
تكاد لها صم الجبال تزول
كلمه ابن ابى الحديد : name="link52">
يقول عبدالحميد بن ابى الحديد فى شرح هذا الكتاب: واعلم
ان هذا دال بصريحه على كون الاختيار طريقا الى الامامه،كما
يذكره اصحابنا المتكلمون، لانه احتج على معاويه ببيعه اهل
الحل والعقد له، ولم يراع فى ذلك اجماع المسلمين كلهم،
وقياسه على بيعه اهل الحل والعقد لابى بكر، فانه ما روعى فيها
اجماع المسلمين، لان سعد بن عباده لم يبايع،ولا احد من اهل
بيته وولده، ولان عليا وبنى هاشم ومن انضوى اليهم لم يبايعوا
فى مبدا الامر، وامتنعوا، ولم يتوقف المسلمون فى تصحيح
امامه ابى بكر وتنفيذ احكامه على بيعتهم. وهذا دليل على
صحه (الاختيار) وكونه طريقا الى الامامه، وانه لا يقدح فى
امامته (ع) امتناع معاويه من البيعه واهل الشام.

فاما الاماميه فتحمل هذا الكتاب منه (ع) على التقيه، وتقول:
انه ما كان يمكنه ان يصرح لمعاويه فى مكتوبه بباطن الحال،
ويقول له: انا منصوص على من رسول اللّه(ص) ومعهود الى
المسلمين ان اكون خليفه فيهم بلا فصل، فيكون فى ذلك
طعن على الائمه المتقدمين، وتفسدحاله مع الذين بايعوه من
اهل المدينه. وهذا القول من الاماميه دعوى لو عضدها دليل
لوجب ان يقال بها، ويصار اليها، ولكن لا دليل لهم على ما
يذهبون اليه من الاصول التى تسوقهم الى حمل هذا الكلام
على التقيه.

نقد كلام ابن ابى الحديد :

نقد كلام ابن ابى الحديد


وليس ابن ابى الحديد مصيبا فيما يراه من دلاله كتاب على
(ع) على شرعيه مبدا الاختيار.

ونستطيع ان نفهم هذه الحقيقه من خلال نقطتين:
النقطه الاولى : ان الامام (ع) ليس بصدد بيان رايه فى شرعيه
البيعه والاختيار فى هذا الكتاب وانما يخاطب بهذا
الكلام معاويه بن ابى سفيان، ومعاويه لا يعترف بالنص، ولا يريد
ان يتخلى عن ولايه الشام، ويطمع فى امره المومنين، ولاطمع
للامام فى ان يقنع معاويه بن ابى سفيان بوجهه نظره ورايه فى
الامامه، ولا طمع للامام فى ان ينصاع معاويه للحق فهو (ع)
يعلم ان معاويه مقدم على التجنى عليه وعلى المسلمين
فيقول له فى هذا الكتاب نفسه: (فتجن ما بدا لك والسلام).

وانما يريد الامام فى هذا الكتاب ان يلزم معاويه امام الملا من
اهل الشام بامامته وطاعته ولزوم بيعته وحرمه مخالفته
بمايلتزم به، فقد انعقدت له الامامه بما انعقد من قبله للخلفاء
الثلاثه.

فلم ينعقد على خلافه احدهم اجماع المسلمين، ولم تضر
بشرعيه خلافه احدهم مخالفه من خالف من المسلمين،
اذااجتمع وجوه الانصار والمهاجرين. وعلى ذلك فان معاويه
ملزم بالاستجابه لبيعه المسلمين للامام من بعد خلافه عثمان،
فقد بايعه من وجوه الانصار والمهاجرين الذين بايعوا من قبله ابا
بكر وعمر. فلا يكون تخلف معاويه واهل الشام ناقضا لبيعته اذا
اجتمع على بيعته من اجتمع على بيعه الشيخين من قبله.

فليس لمعاويه ولا لاهل الشام ان يردوا بيعه الامام (ع)، كما
ليس لاهل المدينه ان يختاروا غير من اختاره شيوخ المهاجرين
والانصار. وكتاب الامام (ع) الى معاويه صريح فى هذا الافحام
والالزام لمعاويه امام الملا من اهل الشام بمايلتزم به، وليس فى
هذا الكتاب ايه اشاره الى ان الامام (ع) يقرر فى هذا الكتاب رايه
فى مساله (الاختيار)، وانما هوكتاب سياسى لاحراج معاويه
وافحامه فى مساله الاختيار والبيعه.

النقطه الثانيه : ان الامام لم يكن يرى ان بيعه وجوه المسلمين
واصحاب الحل والعقد منهم سبب شرعى كاف فى
انعقادالامامه والخلافه، ولم يكن يعتقد بشرعيه بيعه الخليفه
حتى بعد اجتماع وجوه المهاجرين والانصار فى المدينه
عليه واستقرار خلافته. وبقى الامام قابضا يده عن البيعه حتى
راى ان لموقفه من خلافه الخليفه مردود سلبى على
الاسلام فبايع عندئذ.

يقول (ع) فى ذلك: (فواللّه ما كان يلقى فى روعى ولا يخطر
ببالى، ان العرب تزعج هذا الامر من بعده (ص) عن اهل
بيته،ولا انهم منحوه عنى من بعده، فما راعنى الا انثيال الناس
على فلان يبايعونه. فامسكت يدى، حتى رايت راجعه الناس قد
رجعت عن الاسلام يدعون الى محق دين محمد (ص) فخشيت
ان لم انصر الاسلام واهله ان ارى فيه ثلما او هدماتكون
المصيبه به على اعظم من فوت ولايتكم... فنهضت فى تلك
الاحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمان الدين).

وكذلك كان راى الامام فى خلافه الخليفه الثانى والثالث من
بعد رسول اللّه(ص)، يقول (ع) لما عزموا على بيعه عثمان:
(ولقد علمتم انى احق الناس من غيرى، وواللّه لاسلمن ما
سلمت امور المسلمين، ولم يكن فيها جور الا على
خاصه،التماسا لاجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من
زخرفه وزبرجه.

فالامام(ع) يرى ان الخلافه كانت من حقه، وان تنحيتها عنه
كان جورا سلم بها ما سلمت امور المسلمين، ايثارا
لمصلحه الامه على مصلحته.

وفى جواب كتاب معاويه اليه عن بيعته لابى بكر التى تمت
بالرغم عن رغبته، يقول (ع): (وقلت: انى كنت اقاد كما
يقادالجمل المخشوش حتى ابايع، ولعمر اللّه لقد اردت ان تذم
فمدحت، وان تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضه
فى ان يكون مظلوما، ما لم يكن شاكا فى دينه، ولا مرتابا
بيقينه).

وله (ع) كلام كثير وواضح فى ان الخلافه كانت له من بعد
رسول (ص) خاصه روى كثيرا منها الشريف فى النهج، يقول
(ع):(فواللّه ما زلت مدفوعا عن حقى، مستاثرا على منذ قبض
اللّه نبيه(ص) حتى يوم الناس هذا).

وقال فى جواب بعض اصحابه، وقد ساله: كيف دفعكم قومكم
عن هذا المقام وانتم احق به، فقال (ع): (يا اخا بنى اسد،انك
لقلق الوضين، ترسل فى غير سدد، ولك بعد ذمامه الصهر وحق
المساله، وقد استعلمت فاعلم: اما الاستبداد علينابهذا المقام،
ونحن الاعلون نسبا، والاشدون برسول اللّه (ص) نوطا، فانها
كانت اثره شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنهانفوس آخرين،
والحكم للّه).

ويقول (ع): (وقد قال قائل: انك على هذا الامر يا ابن ابى طالب
لحريص، فقلت: بل انتم واللّه، لاحرص وابعد، وانااخص واقرب،
وانما طلبت حقا لى وانتم تحولون بينى وبينه، وتضربون
وجهى دونه).

ثم يقول (ع): (اللهم انى استعديك على قريش ومن اعانهم،
فانهم قطعوا رحمى، وصغروا عظيم منزلتى، واجمعوا
على منازعتى امرا هو لى. ثم قالوا: الا ان فى الحق ان تاخذه،
وفى الحق ان تتركه).

وللامام كلام كثير يرويه الشريف فى النهج على هذا النمط.

ولسنا نشك نحن فى بيعه الامام للخلفاء الثلاثه الاول،
وانمانشك كل الشك ان تكون هذه البيعه قائمه على اساس
الايمان بشرعيه البيعه، وشرعيه الخلافه القائمه على البيعه،
اوشرعيه مبدا (الاختيار)، وانما كانت قائمه على مصلحه وحده
الموقف الاسلامى، والايمان بخطر انثلام هذه الوحده على
الاسلام نفسه.

ومن يقرا (الشقشقيه) لا يشك فى ان الامام كان يعتقد بان
بيعه المهاجرين والانصار غير ملزمه له، ولا يشك ان راى الامام
فى خلافه الخلفاء الثلاثه من قبله لم يكن ايجابيا، ولا يشك فى
ان الامام (ع) كان يرى ان الخلافه له من بعد رسول اللّه(ص).

يقول (ع) فيما جرى عليه من بعد رسول اللّه (ص): (فصبرت
وفى العين قذى، وفى الحلق شجى، ارى تراثى نهبا) فان كان
كلام الامام حجه، وكان نهج البلاغه حجه، فان الشقشقيه من
كلام الامام فى (نهج البلاغه)، وان كان غير ذلك فلا حجه فى
النص السابق.

وليس اقوى من هذه الكلمه نص فى الدلاله على عدم اعتراف
الامام بشرعيه البيعه وشرعيه الخلافه القائمه على هذه البيعه،
واستحقاقه للخلافه من بعد رسول اللّه(ص) دون غيره.

قال مصدق: كان ابن الخشاب صاحب دعابه وهزل، فقلت له:
اتقول انها -الشقشقيه- منحوله؟
فقال: لا واللّه، وانى لاعلم انها كلامه، كما اعلم انك مصدق.

قال: فقلت له: ان كثيرا من الناس يقولون انها من كلام الرضى
رحمه اللّه تعالى.

فقال: انى للرضى، ولغير الرضى هذا النفس وهذا الاسلوب؟ قد
وقفنا على رسائل الرضى، وعرفنا طريقته وفنه فى الكلام
المنثور، وما يقع مع هذا الكلام فى خل ولا خمر. ثم قال: واللّه
لقد وقفت على هذه الخطبه فى كتب صنفت قبل ان يخلق
الرضى بمائتى سنه، ولقد وجدتها مسطوره بخطوط اعرفها
واعرف خطوط من هو من العلماء واهل الادب قبل ان يخلق
النقيب ابو احمد والد الرضى.

والنتيجه التى نستخلصها من ضم هاتين النقطتين ان هذا
الكتاب كتبه الامام(ع) الى معاويه على سبيل الجدل
والافحام له بما يعلن لاهل الشام انه يلتزم به ويتبناه، ولا يمثل
هذا الكلام راى الامام فى شرعيه مبدا (الاختيار)، لما
عرفنابالضروره من راى الامام فى مساله الاختيار، وفى خلافه
الخلفاء الثلاثه من قبله، فيما رواه الشريف من كلامه فى
نهج البلاغه، وفيما رواه المورخون من موقفه من خلافه
الخليفه الاول بالاتفاق، ومن دون خلاف.

فهذا الكلام اذن لا يكون حجه فى شرعيه مبدا (الاختيار) على
كل حال.

حكم العقل بالتفويض : name="link54">
نعم، لا نعترض على حكم العقل بحسن التفويض من جانب اللّه
تعالى ان لم نظفر بنص شرعى صريح فى تفويض الاكثريه لامر
اختيار الامام، فان العقل يحكم بالضروره فى هذه الحاله بحسن
التفويض من جانب اللّه تعالى للاكثريه فى اختيار الامام، وهذا
هو حكم (العقل العملى) كما يقول علماء الاصول، ويحكم
(العقل النظرى) بالملازمه بين حكم العقل العملى وحكم
الشارع وهو سيد العقلاء، وواهب العقل للعقلاء.

وبضم هذين الحكمين الى بعض يكتشف العقل حكم التفويض
من الشارع للاكثريه فى امر انتخاب الامام.

اقول : لا اعتراض لى على هذا الحكم العقلى، وهو صحيح
ومتين. ولكن هذا الحكم العقلى يكشف الى جنب هذه الحقيقه
عن مساله اخرى، لا اعتقد ان عالما من علماء المسلمين يقرها
ويرتضيها، وهى: ان اللّه تعالى قد ترك امر الامامه فى امه رسول
اللّه (ص)، وهى خير الامم، وافضلها، وآخرها، فلم ينصب لهم
اماما، ولم يفوض اليهم امر اختيار الامام فى بيان صريح من اللّه
ورسوله (ص)، علما بانه قد خص سبحانه وتعالى امر الحكم
والولايه والامامه لنفسه تعالى فقال: (ان الحكم الا للّه)، (وما
كان ربك نسيا) مريم: 64.

ولا يمكن الدفاع عن وجهه النظر هذه فى اللجوء الى حكم
العقل بادعاء ضياع النصوص المتعلقه بالتفويض فيما ضاع من
حديث رسول اللّه (ص)، فان خطوره هذه النصوص، واهميتها
السياسيه، وارتباطها باخطر قضيه واهمها فى حياه المسلمين
بعد مساله التوحيد تمنع من هذا الاحتمال. فلا يمكن ان يضيع
نص بهذه الاهميه تتعلق به شرعيه خلافه الخلفاء بعد رسول اللّه
(ص).

ولم يرو لنا المورخون واصحاب السير فيما رووا لنا من احداث
اجتماع المسلمين يوم وفاه رسول اللّه (ص) فى سقيفه
بنى ساعده وانتخاب الخليفه نصا يتضمن هذا التفويض الذى
نبحث عنه فى هذا المدخل.

ثانيا - الجانب الصغروى (التطبيقى) من التفويض

من
التفويض

ثانيا الجانب الصغروى (التطبيقى)


فى العنوان الاول تحدثنا عن اصل شرعيه التفويض والادله
التى يمكن ان يتمسك بها القائلون بالاختيار على اثبات شرعيه
التفويض، واثبات ان اللّه تعالى قد فوض عباده امر اختيار الامام
من الناحيه الكبرويه الكليه.

والان نتحدث عن الجانب الصغروى والتطبيقى لمساله
التفويض والادله التى يذكرها العلماء على ذلك.

فقد ذكر العلماء طائفه من المفردات والمصاديق التى يتم بها
الاختيار، وادعوا حجيه هذه المصاديق، وشرعيه
الاختياربالتفويض من جانب اللّه تعالى فى حدود هذه
المصاديق، بادله تدل على حجيه هذه المصاديق.

وهذه المفردات هى الوسائل الشرعيه للاختيار، وحجيه هذه
الوسائل تدل على شرعيه الاختيار بالتفويض الالهى فى حدود
هذه الوسائل، كما ذكرنا.

فما هى هذه المفردات والمصاديق؟ وما هى الادله على
حجيتها؟
ذلك هو الجانب التطبيقى والصغروى من هذا البحث.

وقد ذكر الفقهاء والمتكلمون ثلاثه مصاديق للاختيار والتفويض
الشرعى، واستدلوا على حجيتها بطائفه من الادله،واستدلوا
على شرعيه الاختيار بالتفويض من جانب اللّه تعالى بهذه الادله
فى حدود هذه الوسائل والمصاديق.

وهذه الثلاثه هى:
1 - الاجماع.

2 - البيعه.

3 - الشورى.

وفيما يلى نبحث ان شاء اللّه عن هذه المصاديق الثلاثه للاختيار
وادله حجيتها وما يرد عليها من مناقشات، ومواخذات:
( 1 ) الاجماع

( 1 ) الاجماع


القيمه التشريعيه للاجماع :

القيمه التشريعيه للاجماع


لعل من اوجه ما ذكروا لحجيه الاجماع من دليل هو قوله (ص)
: (لا تجتمع امتى على خطا) و (لا تجتمع امتى على ضلاله).

وبغض النظر عن المناقشه فى سند هاتين الروايتين، فان
دلالتهما على حجيه الاجماع واضحه، وتسلم من كثير
من المناقشات التى ترد على الادله الاخرى، التى يذكرونها
سندا لحجيه الاجماع، الا ان الحجيه لا تثبت للاجماع فى
هاتين الروايتين، وما بمضمونها من روايات اخرى، الا عندما
يكون الاجماع اتفاقا من قبل الامه جميعا، فان صريح
الروايتين هو اعطاء صفه العصمه للامه، وتاويل الامه بالفقهاء
واهل العلم والراى منها توجيه وتكلف فى تفسير الروايه.

وليس اقل من ان نشك فى حجيه اجماع آخر، غير اجماع الامه،
والشك فى الحجيه مساوق لعدمها. فان قوام حجيه الدليل هو
الجزم واليقين بدلالته، ولا يكون دليلا وحجه فى غير هذا
الحال، فمتى طرا الشك فى حجيته ودلالته تنتقض حجيته،
ولم يعد بعد حجه ودليلا، فتختص حجيه الاجماع اذن بما اذا
اتفقت الامه جميعا على راى خاص او وجهه خاصه من الراى،
فيعصمها اللّه تعالى عند ذلك عن الخطا. وهذا هو معنى عصمه
الامه.

ومن المستحيل ان يكون الاجماع بهذا المعنى سندا لشرعيه
الخلافه والامامه فى حال من الاحوال، فان مساله
الامامه والخلافه من المسائل التى تثير عاده كثيرا من
الاختلاف، فترضى قوما وتسخط آخرين، ولا يمكن ان يكون
الاجماع سندالمساله من هذا القبيل. ولم نعهد فى تاريخ
الاسلام، ولا مره واحده على الاقل، ان الخلافه استقرت لاحد
من المسلمين باجماع من الامه، ورضيها الجميع من دون
استثناء.

فلا يمكن اذن ان يسند الشارع شرعيه الخلافه والامامه الى
اجماع الامه، ما دام الاجماع بهذا المعنى، امرا يمتنع تحققه فى
مساله من هذا القبيل.

الدليل الاستنادى: name="link58">
وحتى لو تساهلنا فى الامر، واعتبرنا اجماع اهل الحل والعقد،
واهل العلم والراى كافيا فى انعقاد الامامه، فان الاجماع مع
ذلك لا يمكن ان يحل محل النص فى شرعيه البيعه، فان دليل
الاجماع يختلف عن الكتاب والسنه، فى انه ليس دليلا قائما
بالذات، ولا وجود له على نحو الاستقلال فى قبال الكتاب
والسنه، وانما يستند فى الكشف عن الحكم الشرعى دائما على
دليل آخر من كتاب او سنه، و تفصيل هذا الاجمال:
اننا حينما نفحص الاجماع من حيث المحتوى، نجد انه تراكم
من الاراء والفتاوى، متفقه من حيث الشكل والمضمون،واتفاق
من الفقهاء واهل العلم والراى فى اسناد حكم الى اللّه تعالى.

ونقف هنا عند كلمه (اسناد حكم الى اللّه)، فان حقيقه الاجماع،
ان يتفق المجمعون على راى واحد فى اسناد الحكم الى اللّه.

ومن الواضح ان اسناد حكم الى اللّه تعالى، لا يجوز من دون
مستند شرعى بالنسبه الى المجمعين انفسهم، وفى
مرحله سابقه على تحقق الاجماع.

فاذا تحقق الاجماع، كان سندا شرعيا للفقهاء بعد ذلك فى
الحكم. غير ان الامر ليس كذلك فى مرحله تحقق الاجماع،
وقبل ان يتم انعقاد الاجماع، وبالنسبه الى المجمعين انفسهم،
فان عليهم ان يستندوا فى رايهم على سند شرعى من كتاب او
سنه. وليس من الجائز قطعا، ان يجتمع الفقهاء فى عصر من
العصوراعتباطا، ومن دون مستند شرعى على حكم من
الاحكام، فيكون حكما شرعيا.

وبتعبير آخر: اذا سالنا الفقهاء فى مساله اجماعيه، عن المستند
الذى يعتمدونه فى الحكم الشرعى، فان موقفهم فى الجواب لا
محاله ينشعب الى موقفين اثنين: اما الفقهاء الذين لحقوا انعقاد
الاجماع، فانهم يعتمدون على الاجماع السابق عليهم، وهو
موقف صحيح من دون ريب، بناء على حجيه اجماع الفقهاء.

واما بالنسبه الى المجمعين انفسهم، فليس من الجائز ان
يعتمدوا على الاجماع، لان الاجماع ينعقد باتفاقهم فى الراى.

والسوال هنا عن مستند كل واحد من المجمعين، فى رايه
الذى يكون مقدمه لانعقاد الاجماع، فلا يجوز ان يكون
رايااعتباطيا غير قائم على مستند شرعى، كما لا يجوز ان يكون
مستندا على الاجماع.

فلا بد اذن ان يعتمد المجمعون على مستند فى الراى.

وليس للفقهاء ان يفتوا بحكم شرعى، او يروا رايا فى حكم من
احكام اللّه، من دون وجود دليل او مستند شرعى على ذلك.

فلا يكون الاجماع اذن سندا لحكم شرعى، الا اذا كان يقوم عند
المجمعين انفسهم فردا فردا على مستند شرعى يصح الاستناد
اليه.

ولذلك قالوا: ان دليل الاجماع دليل طريقى كاشف ولا
موضوعيه له فى الحكم. بمعنى انه دائما طريق ومرآه
للكشف عن المستند الشرعى للحكم، وليس هو فى حد ذاته
مستندا للحكم الشرعى. قال فى كشف الاسرار:
واعلم ان عند عامه الفقهاء والمتكلمين لا ينعقد الاجماع الا
عن ماخذ ومستند، لان اختلاف الاراء والهمم يمنع عاده من
الاتفاق على شى ءالا عن سبب يوجبه، ولان القول فى الدين
بغير دليل خطا. اذن الدليل هو الموصل الى الحق، فاذافقد
لايتحقق الاجماع، انما يتقوم بارائهم. ومن المستحيل مع ذلك
ان تتقوم آراوهم بالاجماع. فان ذلك هو الدور الذى لا يشك
احد فى استحالته بان يكون الراى عند الفقهاء، ويقع فى رتبه
سابقه على الاتفاق والاختلاف، فاذا تحقق الراى من ناحيه
الفقهاء، يتحقق بعد ذلك الاتفاق او الاختلاف. فكيف يجوز ان
يعتمد الفقيه فى رايه على الاتفاق الذى يتحقق فى رتبه لاحقه
وفيما بعد الوصول اليه؟! فلو اتفقوا على شى ء من غير دليل،
لكانوا مجمعين على الخطا، وذلك قادح فى الاجماع.

ويقول العلامه الحلى: لا يجوز الاجماع الا عن دليل، والا لزم
الخطا على كل الامه.

ضياع المستند : name="link59">
وقد يثار هذا السوال: فما هى فائده الاجماع اذن ما دامت حجيه
الاجماع متوقفه على وجود مستند شرعى؟ فان المستند
الشرعى فى هذا الحال ان وجد، فهو الدليل الذى يعتمده
الفقيه فى الفتوى، وليس الاجماع، وهو سوال وجيه.

والجواب: ان المستند الشرعى الذى يستند اليه الاجماع -عند
تحقق الاجماع قد يضيع بعد ذلك ويختفى فيما يضيع ويختفى
من الادله والمستندات الشرعيه، فيكشف الاجماع عن وجود
مستند شرعى يصح الاعتماد عليه.

فاذا ما واجه الفقيه حكما مجمعا عليه من الكتب الفقهيه، ولم
يعثر على دليله، اكتفى بالاجماع دليلا عليه وحكم به، باعتبار
ان الاجماع لا بد ان يقوم -عند تحققه على مستند شرعى
صحيح استند اليه المجمعون، فاذا ضاع ذلك المستند،فان
الاجماع يكشف عنه.

ولهذا السبب فان الاعتماد على الاجماع، يوول فى واقع الامر
الى الاعتماد على الدليل الذى يستند اليه المجمعون.واذا كان
هذا الدليل قد اختفى، فان الاجماع يكشف عنه على نحو
الاجمال.

وهذا هو ما يعنيه الفقهاء، من ان الاجماع ليس اصلا قائما بذاته،
وانما هو حكايه عن اصل شرعى، وطريق اليه يكشف عنه
ويستند اليه.

مستند الاجماع: name="link60">
ومن الواضح ان مستند الاجماع فى مثل هذا الحال فى امر
الخلافه بعد رسول اللّه (ص) من الصدر الاول، لا يمكن ان يكون
من الكتاب الكريم. فان القرآن محفوظ باجمعه لم يمسه
تحريف او تغيير او ضياع.

ولا يمكن ان يكون المستند حكما عقليا عند من يرى العقل
حجه، فان الناس سواء فى احكام العقل، ولا معنى لضياع
المستند واختفائه فى مثل هذا الحال.

ولم يبق فى البين احتمال آخر، غير ان يكون مستند الاجماع
من السنه، بعد ان عرفنا عدم امكان تجرد الاجماع من مستند
ودليل شرعى.

ومن الممكن فى مثل هذا الحال، ان يضيع هذا المستند،
فيكون الاجماع حاكيا عنه ودليلا عليه.

فالاجماع اذن ليس دليلا شرعيا قائما بالذات، واصلا براسه، كما
كان الامر كذلك فى الكتاب والسنه، وانما هو اصل حاك يكشف
عن وجود نص مفقود من السنه دائما.

والان، بعد هذه الجوله فى حجيه الاجماع نقول: ان الاجماع
على انتخاب شخص للامامه لا يكون حجه بذاته، وانمايكون
حجه بما يستند اليه من النص بناء على ما تقدم من ضروره
وجود مستند للاجماع من السنه. وعندئذ يكون النص هو
الحجه، والاجماع كاشف عنه فقط، وليس للاجماع حيثيه ذاتيه
فى الحجيه.

ولا ريب فى ان النص حجه فى تعيين الامام، وهو ما نريد اثباته
من (نظريه النص) فى الامامه والولايه. ولا يمكن ان يخفى هذا
النص عن المجمعين انفسهم (وهم جيل الاجماع)، لان
المفروض ان اجماعهم يستند الى هذا النص، كما لايمكن ان
يضيع هذا النص عن الجيل الذى يلى جيل الاجماع فى مساله
خطيره، شديده الحساسيه والاهميه، مثل مساله خلافه رسول
اللّه (ص). فلو كانت خلافه الخليفه الاول قد تمت بعد رسول
اللّه(ص) باجماع المسلمين، فلا بد ان يستند هذا الاجماع الى
نص صريح من رسول اللّه(ص) عرفه جميع المسلمين من
المهاجرين والانصار يومذاك.

ومن دون ذلك لا يكون هذا الاجماع حجه، لما تقدم من البحث
عن طبيعه حجيه الاجماع.

ولو صح مثل هذا النص عن رسول اللّه (ص) فى خلافه الخليفه
الاول لما امكن ان يضيع ويختفى من كتب الحديث والسيره.

وكيف يمكن ان يضيع مثل هذا النص من كتب الحديث
والسيره، وعليه تتعلق اهم قضيه فى تاريخ المسلمين
السياسى؟وكيف يمكن ان نتصور، ان نصا خاصا ورد فى
الخليفه عن رسول اللّه (ص)، وكان الصحابه يومئذ على علم به،
واجمعواعلى نصب الخليفه للخلافه - كما يقول هولاء-استنادا
اليه، ثم لا يبقى اثر او خبر عن هذا النص؟
فالاجماع اذن لم يستند الى نص شرعى خاص، ومثل هذا
الاجماع لا يكون حجه لعدم وجود مستند شرعى
للمجمعين انفسهم على اختيار الامام من نص من كتاب او
سنه، فلا يكون هذا الاجماع حجه قطعا لا لجيل المجمعين، ولا
للجيل الذى يلى جيل الاجماع.

الاستناد الى القياس: name="link61">
نعم، قيل: ان الاجماع على اختيار الخليفه الاول كان يستند
الى القياس.

وهذا امر يقتضى منا ان نقف عنده قليلا. فقد روى ان النبى
(ص) خلف ابابكر للصلاه بالمسلمين فى مكانه، فى اليوم الاخير
من حياته، وقاس المسلمون عليه امر الخلافه فقالوا: رضيه
رسول اللّه لامر ديننا، ونرضاه نحن لامر دنيانا.

قال فى فتح الغفار فى معرض الحديث عن القياس والتمثيل
له: كالاجماع على خلافه ابى بكر قياسا على امامته فى الصلاه،
حتى قيل: رضيه رسول اللّه لامر ديننا، افلا نرضاه لامر دنيانا؟
كذا فى التلويح.

وهو قياس مع الفارق.

اولا : فان الامامه فى الصلاه، تختلف عن امامه المسلمين
خلافه عن رسول اللّه(ص). فالامامه فى الصلاه تجوز
لاى شخص عدل من المسلمين، بينما لا تجوز الامامه، كما
سبق ان ذكرنا، الا بتعيين من جانب اللّه تعالى. وقد خلف
النبى(ص) آخرين من الصحابه مكانه للصلاه عندما كان يخرج
الى الغزو خارج المدينه، ولم يستند احد من المسلمين الى
مثل هذه التعيينات التى صدرت منه (ص) فى حياته، ليقيس
عليه امر الامامه بعد رسول اللّه (ص) خلافه عنه.

وثانيا : ليست حجيه القياس امرا مجمعا عليه بين المسلمين،
ولا يمكن اعتماده اساسا للاستنباط .

وثالثا : ان صلاه ابى بكر بالمسلمين بامر رسول اللّه (ص) موضع
كلام، والروايات فيها مضطربه قلقه، والاقوال فيها مختلفه.ولا
نريد ان نخوض هذا البحث، الا اننا على ثقه ان القارى لو قدر له
ان يجمع الروايات الوارده فى صلاه ابى بكر،ويقارن بعضها الى
بعض لم يخرج عنها بمحصل.

( 2 ) البيعه

( 2 ) البيعه


القيمه التشريعيه للبيعه

القيمه التشريعيه للبيعه


فى البيعه ثلاثه آراء فقهيه معروفه:
الراى الاول name="link64">
ان ليس للبيعه قيمه تشريعيه فى امر الولايه والطاعه او الجهاد،
وتقتصر بناء على هذا الراى قيمه (البيعه) فى تاكيد
التزام المكلف بالطاعه لولى الامر الذى ثبتت ولايته على
المسلمين، والالتزام بالقتال والجهاد الذى فرضه اللّه تعالى
على عباده بقياده وامره ولى الامر.

وبناء على هذا الراى فلا تنشى ولا تثبت البيعه ولايه لاحد. وهذا
هو ارجح الاراء الفقهيه، كما اعتقد، فقد طلب رسول اللّه (ص)
من المسلمين البيعه فى اربعه مواقع. فى (العقبه الاولى) وفى
(العقبه الثانيه) وعند الشجره فى (بيعه الرضوان)ويوم (غدير
خم).

والبيعه الاولى (بيعه الدعوه).

والثانيه والاخيره (بيعه الامره) له وللوصى من بعده.

والثالثه (بيعه الجهاد).

فهذه ثلاثه انواع من البيعه فى (الدعوه) و(الولايه) و(الجهاد)،
وفى كل هذه البيعات لم تكن البيعه سببا فقهيا لاحداث
وجوب الطاعه فى الدعوه والولايه والجهاد.

فان الاستجابه للدعوه واجبه بحكم العقل، والدفاع عن الدعوه
واجب بحكم العقل والشرع، وطاعه رسول اللّه (ص) والالتزام
بامرته وقيادته فى السلم والحرب واجب بحكم الشرع. وكان
على المسلمين الاستجابه للدعوه والدفاع عنها وتبنيها، وطاعه
رسول اللّه(ص)، والقتال دون الدعوه من دون هذه
البيعات جميعا.

اذن ليست للبيعه قيمه فقهيه فى امر الولايه والامامه، وانما
هى اداه واسلوب لتعميق وتاكيد ارتباط الامه بالولايه.

علاقه البيعه بالطاعه:

علاقه البيعه بالطاعه


والراى الثانى name="link66">
فى البيعه وعلاقتها ب (الامره) وطاعه ولى الامر: ان البيعه شرط
فى صحه الطاعه، ولا علاقه للبيعه بتعيين (ولى الامر)،كما لا
علاقه للبيعه بوجوب الطاعه لولى الامر، فان وجوب الطاعه
لولى الامر، وتعيين ولى الامر ثابت ومنجز قبل البيعه فلا تكون
البيعه، سببا لوجوب الطاعه، ولا لتعيين ولى الامر، كما فى
علاقه الوضوء بالصلاه، فان الوضوء لا يحدث وجوبا للصلاه،
ووجوب الصلاه ثابت قبل الوضوء وبعد الوضوء بكل خصوصياتها،
وانما الوضوء شرط فى صحه الصلاه، ويسمى علماء الاصول هذه
العلاقه عاده ب (مقدمه الواجب).

وبناء على هذا الراى لا يكون للبيعه تاثير فى تعيين ولى الامر،
ولا فى وجوب طاعته.

والراى الثالث name="link67">
ان علاقه البيعه بطاعه ولى الامر من الناحيه الفقهيه هى
التسبيب لوجوب طاعه ولى الامر الذى بايعه المسلمون،
فلاتجب طاعه ولى الامر قبل البيعه، وبالبيعه يثبت وجوب
الطاعه، فتكون البيعه سببا لوجوب طاعه ولى الامر، كما
فى علاقه الاستطاعه بوجوب الحج، حيث لا يجب الحج قبل
الاستطاعه، غير ان اللّه تعالى لا يطلب من المكلف
تحقيق الاستطاعه، الا ان البيعه واجبه على المكلف لاقامه
الدوله الاسلاميه واقرار الامن وتطبيق حدود اللّه، فاذا تحققت
البيعه وجبت الطاعه بمقتضى البيعه، وليس وجوب البيعه
ناشئا من وجوب الطاعه، كما كان الامر كذلك فى (مقدمه
الواجب)فى الراى الثانى، ويصطلح علماء الاصول على هذه
العلاقه عاده ب (مقدمه الوجوب) مقابل (مقدمه الواجب).

وبناء على هذا الراى تكون البيعه سببا فى احداث وجوب
الطاعه، ومن دون البيعه لا تجب الطاعه.

وهذا راى فى علاقه البيعه بالطاعه، ولا نستبعد هذا الراى، فى
عصر الغيبه، غير ان وجوب البيعه وتسبيبها لوجوب الطاعه
ليس بمعنى ان البيعه تعين ولى الامر. فلا علاقه للبيعه
ووجوبها وايجابها للطاعه بمساله تعيين الامام. فلو ان الناس
بايعوا من لم ياذن اللّه تعالى ببيعته لم تصح بيعتهم ولا تحدث
هذه البيعه وجوبا للطاعه لمن بايعه الناس، وانماتوجب البيعه
الطاعه اذا كانت البيعه لمن اذن اللّه تعالى بطاعته وامر ببيعته.

فالشان اذن فيمن ياذن اللّه تعالى ويامربطاعته وبيعته.

فان كان دليل قطعى بتفويض امر الاختيار الى المسلمين
ضمن الشروط والاوصاف التى يحددها الشارع فهو المرجع،وان
لم يكن لنا مثل هذه الحجيه على عموم التفويض فليس فى
شرعيه البيعه ووجوبها وتسبيبها لطاعه ولى الامر دلاله على ان
اللّه تعالى فوض الامه امر انتخاب الامام ضمن الشروط
والمواصفات العامه التى يذكرها الفقهاء. وليس بوسع الناس ان
يمنحوا بالبيعه شخصا من بينهم الولايه على انفسهم، حتى
ضمن المواصفات والشروط العامه ما لم ترد حجه شرعيه
قطعيه على ذلك. ولا تكون (البيعه) مصدرا لشرعيه
(الاختيار).

( 3 ) الشورى

( 3 ) الشورى


ويتمسك بعض الفقهاء بادله (الشورى) فى اثبات فرضيه
الاختيار استنادا الى قوله تعالى: (وامرهم شورى
بينهم)الشورى: 38، والى قوله تعالى: (وشاورهم فى الامر) آل
عمران: 159.

فان الايه الاولى اقرار للشورى كمصدر للقرار، وتثبيت لشرعيه
القرار الذى يقره اهل الشورى. وفى الايه الثانيه امربالشورى،
ولا معنى للامر بالشورى ان لم تكن الشورى مصدرا شرعيا
للقرار.

واختيار شخص لولايه الامر ونصبه للحكم والولايه من جمله
هذه القرارات التى يوكل القرآن امرها الى الشورى،ويشملها
اطلاق الامر فى كل من الايتين الكريمتين... هكذا يقول بعض
الفقهاء.

القيمه التشريعيه للشورى:
وللمناقشه فى دلاله هاتين الايتين على اعطاء الشورى صفه
القرار مجال واسع. فليس فى اى من هاتين الايتين دلاله على
ان الشورى مصدر للقرار، وملزمه لعموم الناس.

ولا تزيد هذه الايه وتلك عن اقرار اصل الشورى والامر بها،
وليس فى اى منهما دلاله او اشاره على الالزام بما يراه
اهل الشورى من الراى، سواء كانت الشورى فيما بين الناس فى
شوونهم السياسيه والاجتماعيه والاقتصاديه او فيما بين الحاكم
واهل الشورى من الرعيه.

وبين اقرار الشورى والامر بها، كمبدا سياسى واجتماعى وبين
الالزام بها بون بعيد، وليس معنى الاقرار والامر بالشورى هو
الالزام والالتزام بنتيجه الشورى.

فان الامر بالنصيحه والتناصح فيما بين المسلمين شى ء ولزوم
الاخذ بالنصيحه امر آخر لا علاقه له بالامر الاول، ويحتاج الى
دليل آخر غير الدليل على الامر الاول.

والقرآن الكريم نفسه يصرح بهذا التفكيك بين الامرين فى الايه
الثانيه، فيامر رسول اللّه (ص) بالشورى: (وشاورهم فى الامر)،
ثم يامره ان يتوكل على اللّه فيما يعزم عليه هو.

يقول القرطبى فى تفسير هذه الايه: وقربها الشورى مبنيه على
اختلاف الاراء، والمستشير ينظر فى ذلك الخلاف، وينظراقربها
قولا الى الكتاب والسنه ان امكنه، فاذا ارشده اللّه تعالى الى ما
شاء منه عزم عليه وانفذه متوكلا عليه.

ويقول البلاغى فى (آلاء الرحمن): (وشاورهم فى الامر) الذى
يعرض، اى واستصلحهم واستمل قلوبهم بالمشاوره، لالانهم
يفيدونه سدادا وعلما بالصالح. كيف وان اللّه مسدده (وما ينطق
عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) النجم: 3 - 4،(فاذا عزمت)
على ما اراك اللّه بنور النبوه، وسددك فيه (فتوكل على اللّه) آل
عمران: 159.

ويقول السيد عبد اللّه شبر فى تفسير هذه الايه: فاذا عزمت على
شى ء بعد الشورى، فتوكل على اللّه فى امضائه.

يقول الفيض الكاشانى فى تفسير هذه الايه (فاذا عزمت): فاذا
وطنت نفسك على شى ء بعد الشورى فتوكل على اللّهفى امضاء
امرك على ما هو اصلح لك، فانه لايعلمه سواه.

فالقرآن اذن يصرح بهذا التفكيك بين الامر بالشورى واقرارها،
وبين الالزام والالتزام بها، وليس معنى الامر بالشورى واقرارها
الالزام والالتزام.

وروى الشريف الرضى فى (نهج البلاغه) عن امير المومنين
على بن ابى طالب(ع) انه قال لعبد اللّه بن عباس، وقد
اشارعليه فى شى ء لم يوافق رايه: (عليك ان تشير على فاذا
خالفتك فاطعنى).

القيمه التوجيهيه للشورى :

القيمه التوجيهيه للشورى


ويبقى ان نتساءل: فما فائده الشورى اذا، لو كانت غير ملزمه.

والجواب : ان فى الشورى قيمه توجيهيه كبيره فى تنضيج
الراى وتسديده، وفى استماله قلوب الناس واشراكهم فى صناعه
القرار. ولا تقتصر فائده الشورى على الالزام والالتزام لتفقد
الشورى فائدتها اذا سلبنا عنها صفه الالزام والالتزام.

واذا اتضحت هذه النقطه فى التفكيك بين الامرين نقول: ان
الايتين الكريمتين لا تدلان على اكثر من اقرار الشورى
والامربها، ولا تدلان بوجه على اعطاء الشورى قيمه القرار
والالزام.

وبناء على ذلك فلا تكون الشورى من مصادر القرار - فى الفقه
-، ولا يكون لاهل الشورى قرار ملزم على عامه الناس، ولاعلى
اولياء الامور.

ومن اوضح البديهيات ان مساله اختيار ولى الامر، ونصب
الحاكم لا يتم من دون قرار ملزم لعامه الناس، ومن دون
وجودقرار ملزم بالنصب لا يكون النصب ملزما للناس، ولا
شرعيا، ولا يكون بوسع الحاكم من الناحيه الشرعيه ان يلزم
الناس بقرار اذا كان نصبه للامر قد تم من دون قرار ملزم لعامه
الناس.

الخلاصه والنتيجه name="link70">
وبعد هذه الجوله فى ما يمكن ان يستند اليه من ادله
(التفويض) من الناحيه المبدئيه والتطبيقيه (الكبرويه
والصغرويه)ننتهى الى راى محدد نتخذه اساسا فى مساله
الامامه العامه وهو:
1 - ان اللّه تعالى اختص لنفسه امر الولايه والحكم (ان الحكم الا
للّه).

2 - وليس للانسان حق بتقرير المصير فى امر السياده
والتشريع، كما فى الديمقراطيه.


/ 5