الحج وآثاره التربوية والاجتماعية والسياسية
.
حسين
علاوي
الحج
ركن من أركان الإسلام الخمسة ، التي ثبتت أصولها بالكتاب والسنّة ،
وقد عرّف بتعاريف متعدّدة أجمعها وأشملها ما جاء في كتب الفقه من أنّ الحج هو
قصد مكة لأداء عبادة الطواف والسعي والوقوف بعرفة ، وسائر المناسك
استجابة لأمر الله وابتغاء مرضاته . .
والكتب
المقدّسة تذكر أنّ أوّل من بنى البيت ، وأقام أركان الكعبة هما إبراهيم
وابنه إسماعيل (عليهما السلام) بعد أن أوحي إليهما . . وأدركا أنّ
البناء الذي أقاماه لم يكن رصّاً للأحجار وتعلية للجدار . . فجهرا
بالدعاء وهما يبنيان القبلة ، أن يقبل الله منهما ما عملا وما جهدا في
طاعة أمره وإبلاغ وحيه . . ثمّ رغبا إليه حين انتهيا من الرفع
والتشييد أن يعلمهما مناسك العبادة التي وضع لها هذا البيت فعلمهما ،
فكانت الكعبة أوّل بيت للعبادة وضع في الأرض ، ثم أُمر إبراهيم أن يؤذن
في الناس بالحجّ ، وضمن الله سبحانه أن يستجيب الناس
للنداء . . فأقبلوا على الحج مشاةً وركباناً يحملون الأجساد
والقلوب والتقوى . . ثم ظلّت تلك الاستجابة تزداد مع كل
عام . . حتى أقرّ مؤذن الرسالة الخاتمة أن تستمر الفريضة بعد أن
تتضح معالمها من الإبهام الذي غشيها . . وتنتفي أكدارها من الرّين
الذي أصابها . . فكانت الدعوة الاُولى في دائرة أبي
الأنبياء ، والدعوة الثانية في دائرة خاتمهم . . فأسمعت
الاُولى قوم إبراهيم في حدود البلدان التي هاجر إليها . . واتبعه
من أهلها . . أما الثانية فقد أسمعت الخليقة
كلّها .
«وخطّ الإمامان الأولان مشرعا للحنفية الاُولى ، وقاما لها في أرض العرب
إرهاصاً للمطلع الذي تطلع منه دعوة الختام التي صرخت في العرب والعجم ،
للحفاظ على ما استفاض عن الإمامين من المسالك والمناسك في قول الرسول(صلى
الله عليه وآله): «قفوا على مشاعركم فإنّكم
على إرث من أبيكم إبراهيم» 1 .
ولاشك
ان في سيرة الحج إلى مكة منذ إبراهيم إلى محمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ لم
ينكرها التاريخ بل أكّدها قولاً وفعلاً . .
وللحج
شروط بوجودها يجب ، وبانعدامها ينعدم الوجوب ، منها الإسلام
والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة . . والشروط الثلاثة الاُولى من
شروط التكليف في كلّ عبادة .
وأما الشرط الرابع فقد زال بزوال العبودية . . بعد أن جاء الإسلام
مرغباً في العتق . . أما الشرط الأخير فهو الاستطاعة وهي القدرة
المادية مصداق قوله تعالى: {ولله على الناس حجّ البيت من استطاع
إليه سبيلاً} .
والحجّ
هو مظهر من مظاهر مجاهدة الفرد لميوله الشخصية . . وطموحاته التي
قد تتعارض والمصالح العامة . . فالزيّ الذي يرتديه الحاج بصرف
النظر عن مركزه الاجتماعي يدخل في شكله البسيط ولونه الملائكي في عملية عميقة
جذورها عميم نفعها ألا وهي عملية توحيد فصائل المجتمع; لأنّ المجتمع الإسلامي
هو مجتمع لا يعترف بالقوميات . . ولا بالطبقيات . .
ووحدة الأدعية . . ووحدة المشاعر . . وتجمع المسلمين في
مكان واحد هي من الأهداف الكبرى التي تهدف شريعة القرآن إلى زرعها في رحاب
المجتمع الأكبر حتى يكون مجتمعاً متّحداً عقيدة وسلوكاً
وأخلاقاً . . مجتمعاً يتفاوت فيه الناس بحسب أعمالهم وأهدافهم من
وراء أدائهم لتلك الأعمال .