المبادئ والقيم التيم ينبغي ان يلتزم بها التقريبيون
وبناء على تلك الاسس وتبعاً لما أعلنه
العلماء والدعاة التقريبيون فاننا ندعو للقيم التالية معتبرين اياها خطوطا عامة
للسياسات التي ينبغي ان يراعيها الخط التقريبي ليحقق اهدافه المرجوة:
الاول: التعاون في ما اتفقنا عليه
والمتفق عليه في مختلف المجالات كثير
جدا. فللمذاهب الاسلامية مساحات مشتركة كثيرة سواء كانت في الاصول العقائدية او في
المجالات التشريعية (والتي يصل بها بعض العلماء الى اكثر من 90% من المساحة العامة)
او في المجالات الاخلاقية حيث التوافق يكاد يكون كاملاً وكذلك في مجال المفاهيم
والثقافة الاسلامية وحتى في المسيرة التاريخية
والحضارية طبعا في مفاصلها الرئيسية رغم الاختلاف في تقييم المواقف المعينة.
اما المواقف العملية فهم يتفقون جميعا على لزوم توحيدها عبر التكاتف والتكافل
الاجتماعي وعبر وحدة القرار الاجتماعي الذي تتكفله جهة ولاة الامور الشرعيين.
ولاريب ان التعاون في المشتركات الفكرية يعني التعاضد في تركيزها في الاذهان وتجنب
كل مايؤدي الى نقضها وبالتالي
تعميقها في مجمل المسيرة. اما التعاون في المجالات المرتبطة بالسلوك الفردي
والاجتماعي والحضاري فواضح وتنضوي تحته المجالات الحياتية المختلفة من قبيل.
تطبيق الشريعة الاسلامية، تعظيم الشعائر
الالهية كالجمعة والحج وتحقيق خصائص الامة الاسلامية كالوحدة وهكذا.
وهنا نشير الى ان حركة التقريب يجب ان
تبذل قصارى جهدها لاكتشاف المساحات المشتركة هذه وتوعية الجماهير واحيانا نضطر الى
توعية النخبة ايضا بها
–
كما تعمل على توسعة نطاق هذا الجانب المشترك عبر الاشارة مثلا الى كون النزاع
والخلاف لفظياً لا جوهريا او عبر التوعية باسلوب ثالث يشترك فيها المختلفان.
الثاني: التعذير عند الاختلاف
فمادمنا نؤمن بانفتاح باب الاجتهاد، وهي
الحالة الطبيعية التي لا يمكن اغلاقها بقرار، ومادامت اسباب اختلاف النتائج
الاجتهادية قائمة وطبيعية، فمعنى ذلك الرضا باختلاف الآراء والفتاوى ومن الجدير
بالذكر هنا اننا لا نجد نهيا اسلاميا عن الاختلاف في الاراء وانما ينصب النهي على
التنازع العملي المذهب للقوة، والتفرق في الدين والتحزب الممزق وامثال ذلك. وهذا
يعبر عن عقلانية الاسلام ومنطقيته.
وعليه فيجب ان يوطن الفرد المسلم عالماً
او متعلماً، مجتهداً كان او مقلداً على تحمل حالة المخالفة في الراي وعدم اللجوء
الى اساليب التهويل والتسقيط وامثالها. وحينئذ يكون الخلاف اخوياً وودياً (لا يفسد
للود قضية).
ونشير هنا الى ورودنصوص كثيرة تدعو
المؤمن للصبر والمداراة وسعة الصدر ويمكن عكسها على واقعنا الحالي. ونحن نذكر هنا
هذا النص عن الامام الصادق(عليه السلام) حيث جرى ذكر قوم فقال الراوي: انا لنبرأ
منهم، انهم لا يقولون مانقول، فقال الامام: يتولّونا ولا يقولون ماتقولون، تبرأون
منهم؟ قلت: نعم قال: هو ذا عندنا ماليس عندكم فينبغي لنا ان نبرأ منكم – الى ان قال – فتولوهم ولا تبرأوا منهم: ان من المسلمين من له سهم، ومنهم من له
سهمان .... فليس ينبغي ان يحمل صاحب السهم على ماعليه صاحب السهمين…«([1]).
وتعامل أئمة المذاهب فيما بينهم مثال
رائع على هذه الحقيقة. وسيطول بنا الحديث لو تعرضنا لما يرويه التاريخ عن ذلك([2]).
الثالث: تجنب التكفير والتفسيق والاتهام بالابتداع.
ونحن نعتبر مسألة التكفير من المصائب
التي ابتلي بها تاريخنا فرغم النصوص الشريفة التي تحدد المسلم من جهة وتمنع من
التكفير للمسلم من جهة اخرى([3])
لاحظنا سريان هذه الحالة التي حجرت على العقل اي ابداع او مخالفة حتى اننا شاهدنا
من يؤلف كتاباً ويرى ان مخالفة حرف واحد فيه تؤدي الى الكفر وهذا امر غريب([4]).
ومن هنا فنحن ندعو الى التحول بالمسألة
من (الايمان والكفر) الى مرحلة (الصواب والخطأ) متحلين في ذلك بروح القرآن التي
تدعو الى الموضوعية حتى في النقاش مع الكفار الحقيقيين حينما يخاطب الرسول ان يقول
لهم (وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين)
([5]).
الرابع: عدم المؤاخذة بلوازم الرأي
من المنطقي ان يحاسب الانسان على راية
ويناقش بكل دقة واناة. الا اننا اعتدنا على مناقشات تبتني على لوازم الآراء
وبالتالي يأتي التكفير والاتهام بالابتداع في حين ان صاحب الراي قد لا يقبل تلك
الملازمة. وكمثال على ذلك نجد البعض ممن يؤمنون بمسألة التحسين والتقبيح العقليين
يصفون من لا يقبلون بهما بانه يغلق باب الايمان بصدق النبي استنادا الى أن مايدفع
احتمال كذب النبي الآتي
بالمعجزة هو حكم العقل بقبح اجراء المعجزة على يد الكاذب عقلاً فاذا فرضنا
عدم وجود اي تقبيح عقلي فمعنى ذلك اننا اغلقنا باب الايمان بالنبوة، وهكذا يقال
بالنسبة لمسألة طاعة الله تعالى فان الملزم لنا باطاعته تعالى هو العقل لاغير.
وعلى هذا الغرار نجد البعض الآخر يتهم
القائلين بالتوسل او الشفاعة او القسم بغير الله بالشرك لانه لازم لهذا القول وهلم
جرا.
ان المناقشة العلمية الهادئة امرٌ مطلوب.
ولسنا مع اغلاق باب البحث الكلامي مطلقا بل المنطق يقتضي فتحه، ولكننا ندعو
للمناقشة المنطقية فلا ننسب للآخر مالم يلتزم به ومادام لا يؤمن بالملازمة بين رايه
والراي الآخر فاننا نلتمس له العذر وبهذا نستطيع ان نغلق بابا واسعا من الاتهامات
الممزقة .
الخامس: التعامل باحترام عند الحوار
ذلك اننا نعلم ان الحوار هو المنطق
الانساني السليم في نقل الفكر الى الآخرين، وان القرآن الكريم طرح نظرية رائعة
للحوار المطلوب تناولت مقدمات الحوار وظروفه واهدافه ولغته بشكل لا مثيل له، وكان
مما تناوله مسألة الاستماع للآراء واتباع احسنها ومسأله عدم التجريح حتى ان الآية
الشريفة تقول (قل لا تسألون عما اجرمنا ولا نسأل عما تعملون) ([6])،
في مجال توجيه حوار الرسول مع غير المؤمنين بالاسلام وابعاده عن مسألة اثارة حزازات
الماضي والاتهامات المتبادلة فيه والتوجه لمنطقية الحوار نفسه، وهي تراعي حتى
التعبير فلم تقل ولا نسأل عما تجرمون ، احتراما للطرف الآخر مع ان السياق اللفظي
كان يتناسب معه. فكيف بنا ونحن نتحاور كمسلمين متفقين على المبادئ التي اشرنا اليها
في اشارتنا لأسس عملية التقريب.
السادس: تجنب الاساءة لمقدسات الآخرين
والحقيقة هي ان هذا الامر يتبع المبدأ
السابق بل هو في الواقع اولى منه، لأنه يخلق جواً عاطفيا معاكساً، ويفقد الحوار
توازنه المطلوب. وقد راينا القرآن ينهى عن هذه الحالة فيقول تعالى (ولا تسبوا الذين
يدعون من دون فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل امة عملهم ثم الى ربهم
مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) ([7]).بهذه
الروح الانسانية يوجه الله(تعالى) المؤمنين في تعاملهم بعد ان يوضح لهم وظائفهم
الدعوية لا التحميلية وفرض الراي على الآخرين حتى لو كانوا مشركين (ولو شاء الله ما
اشركوا و ما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل) ([8]).
والنصوص الاسلامية في النهي عن السب
واللعن معروفة. فاذا كان هذا هو الحال مع المشركين فكيف يكون الامر والحال ان
المفروض هو الحوار بين مسلمين اخوين يعملان لهدف واحد ويشعر كل منهما بالام الآخر
وآماله فان الموقف لا يتحمل مطلقاً احتمال الاهانة وخصوصاً للأمور التي يؤمن الآخر
بقدسيتها لا رتباطها مع معتقداته الاصيلة.
السابع: الحرية في اختيار المذهب
ذلك اننا بعد ان اعتبرنا المذاهب نتيجة
اجتهادات سمح بها الاسلام علينا ان نعدها سبلاً مطروحة للايصال الى مرضاة الله
تعالى. وحين تختلف فان من الطبيعي ان يدرس المسلم هذه المذاهب وينتخب الافضل منها
وفق معاييره التي يؤمن بها، والتي يشخص من خلالها انه ابرأ ذمته امام الله وادى
امانته وعهده. وحينئذ فليس لأحد ان يلومه على اختياره حتى ولو لم يرتح لهذا
الاختيار. كما أنه لا معنى لاجبار احد على اختيار مذهب ما لأن ذلك مما يرتبط
بالقناعات الايمانية وهي امر لا يمكن الوصول اليه الا بالدليل والبرهان.
وهنا أؤكد ان لكل مذهب الحق في توضيح
ارائه ودعمها دونما تعد على الآخرين او تهويل او تجريح فلا ندعو الى اغلاق باب
البحث المنطقي السليم وانما نرفض محاولات الاستغلال السيء، والاستضعاف ، والجدال
العقيم، وفرض الراي وامثال ذلك.
ونحن نعتقد ان ماجرى من تعد خلال تاريخنا
الطويل ناشيء من عدم الالتزام بقواعد الحوار المطلوبة، ونسيان حقيقة ان جميع
المذاهب تعمل لاعلاء كلمة الاسلام وفق تصورها عن هذه الكلمة.